الكالتشيو بين التقليد والتحدي والحلم
عادت كرة القدم للدوران من جديد في أوروبا ومعها عاد الكالتشيو الذي طالما يسميه عشاقه «جنة كرة القدم». عاد إلينا الدوري الإيطالي من جديد ليضعنا بين عدة تساؤلات؛ هل سيحافظ اليوفي على لقب الإسكوديتو للموسم السادس على التوالي؟! هل سيعود قطبا ميلان للصراع مرة أخرى على لقب الدوري بعد غياب؟ هل سيسمح روما لتوتي بحمل كأس الدوري قبل الاعتزال؟ هل سيفاجئنا نابولي ويعيش من دون هيجواين؟
كل هذه الأسئلة سيجيب عنها الموسم الجديد، ولكن ومضات من الجولة الأولى تعطينا بعض الدلالات عما سنشاهده خلال ذلك الموسم.
لا جديد، يوفينتوس موجود!
سنبدأ في شمال غرب إيطاليا؛ تورينو حيث افتتح حامل اللقب، اليوفينتوس، موسمه بالفوز على فيورنتينا 2-1 بشق الأنفس. أتى الانتصار عن طريق أغلى صفقة في تاريخ الكالتشيو جونزالو هيجواين الذي حل بديلا في الشوط الثاني. لكنك تشعر رغم عدم قوة أداء اليوفي في تلك المباراة أنه عندما تأزمت الأمور بهدف كالينيتش استطاع البيانكونيري أن ينهي المباراة بفوز وإن كان صعبًا ولكنه يقول لجميع فرق الكالتيشو «لا جديد، أنا موجود» .. اليوفي!
https://www.youtube.com/watch?v=_Kf0ezLtLvs
بدأ أليجري تلك المباراة بتكوينه المعتاد 3-5-2 بثلاثي دفاع إيطاليا واليوفينتوس بارزالي وبونوتشي وكيليني،والوافد الجديد داني ألفيش يمينًا. وهنا أول ملاحظة من تلك المباراة وهي عدم انسجام ألفيش مع المجموعة، فذلك الظهير الطائر الذي صنع مجدًا في برشلونة وكان أكثر من صنع أهدافًا لميسي في تاريخ الليجا، يُشعِرك وكأنه غريب عن هذا المركز الذي يصنفه البعض أنه أعظم من شَغَله في العقد الماضي ويبالغ البعض بالقول في التاريخ . هذا الأداء من داني طبيعي نظرًا للظروف المحيطة؛ فالانتقال لناد جديد كفيل باهتزاز مستواك حتي تتأقلم فما بالك لو انتقلت لدوري جديد مختلف التفكير والنهج؟! كل ذلك بالإضافة لتكوين فريق اليوفي 3-5 -2 الذي يتطلب من الظهير مهام أخرى غير المطالب بها عند اللعب ب 4 مدافعين. لكن هناك بعض اللمحات من تفاهم بينه وبين الموهوب ديبالا قد تساعده في التأقلم.
ثاني الملاحظات تتمثل في هيجواين الذي تعرض لضغوطات هائلة بسبب انتقاله من نادٍ منافس وبمبلغ قياسي، لكنه سجل هدف الفوز بمجرد نزوله بديلًا، هدف حرره من ضغوط كثيرة ويظهر ذلك جليا في احتفاله به. وثالث الملاحظات تتمثل في نقص صناعة الفرص من منتصف الملعب والتركيز على طرفي الملعب في صناعتها وذلك أيضا منطقي بسبب غياب بوجبا عن وسط الفريق ولكن لن يدوم ذلك طويلًا فبيانيتش عندما يشارك سيقوم بالمهمة على أكمل وجه.
ميلانو وحلم الإقليم اللومباردي!
سنبقي في الشمال الغربي ولكن سنتجه إلى الشرق قليلًا؛ إلى عاصمة الإقليم اللومباردي ميلانو. إنها المدينة التي تضم فريقين من أعظم فرق أوروبا ولكن غيابهما عن المنافسة منذ ما يزيد عن الخمس سنوات جعل البعض يتناسى قيمة كبيري ميلانو أ سي ميلان والإنتر.
سنبدأ مع ميلان الذي عانى في السنوات الأخيرة من تصرفات بيرلسكوني وجالياني غير المسئولة، مثل التخلي عن لاعبين مثل إبراهيموفيتش وتياجو سيلفا، واستقدام مدربين بدون خبرة مثل إنزاجي وسيدورف وفي الأخير تغيير الإدارة لملاك صينيين. يرجو الميلان عهدًا جديدًا مع مونتيلا، المدرب الذي صنع فريقًا ممتعا مع الفيولا. بدأ الميلان بفوز صعب على تورينو بثلاثة أهداف مقابل هدفين بفضل كارلوس باكا مهاجم الفريق وصاحب الهاتريك، ودوناروما الأخطبوط الشاب الذي تصدى لركلة جزاء في آخر دقيقة من المباراة ليمنح الأحمر والأسود الثلاث نقاط الأولى هذا الموسم. بدا الميلان مسيطرًا مستحوذًا كعادة فرق مونتيلا، وصانعًا للفرص التي استغلها القناص الكولومبي مسجلا الهاتريك الأول له في مسيرته مع الميلان. كما ظهر بونافينتورا كما اعتدنا عليه؛ طاقة في وسط الملعب تصنع اختراقات بالكرة وبدونها.
عاني الميلان في تلك المباراة من عدم قدرته على استعادة الكرة سريعًا من بين أقدام لاعبي تورينو وذلك لعدم وجود لاعب قاطع كرات في منتصف الملعب مثل دي يونج سابقًا، وثانيًا لضعف مستوى الجناحين سوسو ونيانج دفاعيًا. كما يجب معالجة ثغرة باليتا في قلب دفاع الميلان الذي يتسبب في كوارث دفاعية عديدة منذ انضمامه للروسونيري، كان آخرها ارتكابه لخطأ أدى لضربة جزاء كادت أن تفقد الميلان نقطتين في بداية المشوار لولا دوناروما. النقاط المضيئة لفريق مونتيلا هي مستوى الشباب خصوصًا نيانج الجناح الذي يبدو وأن مونتيلا سيعتمد عليه كثيرًا، ودوناروما العملاق المراهق الذي بدأ إبداعه و هو لم يبلغ سن الـ 18.
ننتقل للنصف الآخر من المدينة حيث فريق الإنتر الذي أقيل مدربه مانشيني في نهاية فترة الإعداد وتم استبداله بالهولندي فرانك دي بوير لاستعادة بريق الفريق مرة أخرى بعد ابتعاده عن الأضواء منذ رحيل مورينيو في 2010. ولكن خسر الإنتر أولى معاركه ضد كييفو فيرونا بهدفين مقابل لا شيء في مباراة بدا فيها دي بوير مجبرًا على تشكيل وطريقة لم يرغب بهما نظرا لضيق الوقت بين توليه المسئولية وقبل تلك المباراة.
الفريق بدا بلا هوية واضحة، فلا هجوم ممنهج عن طريق الأطراف أو من العمق رغم امتلاك النيراتزوي جناح رائع مثل كانريفا ومهاجم مثل إيكاردي. كذلك الدفاع البطئ في الحركة ورد الفعل والسماح للاعبي فيرونا بالتسديد والتمرير وقتما أرادوا رغم تواجد لاعبين ذوي نزعة دفاعية في وسط الميدان مثل ميديل وكوندوجبيا، حتى صانع الألعاب بانيجا يتميز بقدراته الدفاعية ففريق الإنتر بوضوح هو أحد أقوى فرق الكالتشيو من حيث العناصر بعد اليوفي حيث يمتلك في كل خط لاعبًا رائعًا؛ بداية من هاندانوفيتش ومرورًا بميرندا، وكذلك بيرزيتش وإيكاردي. فلن يجد دي بوير ما يبرر فشله إن حدث!
أعتقد أنه بمرور الوقت سيتطور فريق الإنتر مع دي بوير الذي يؤمن بالكرة الشاملة حيث التمرير القصير الكثير والهجوم عن طريق الاستحواذ المنظم في 4-3-3 وذلك مناسب لطبيعته حيث نشأ في أياكس أحد رواد الكرة الشاملة، ولكن ما هو الوقت الذي سيستغرقه دي بوير في فرض نظامه على الفريق؟ وهل سيكون ذلك الوقت طويلًا لدرجة تجعل الإنتر بعيدا عن المنافسة؟
تحدي الجنوب بين روما ونابولي
ننتقل لجنوب إيطاليا حيث العاصمة روما وفريقها الذي يريد أن يجعل قائده توتي يختتم حياته الكروية حاملًا للقبٍ غاب عنه منذ موسم 2000-2001. سباليتي مدرب الفريق بدأ الجولة الأولى بقوة بانتصار ساحق على أودينيزي برباعية نظيفة وبأداء رائع وسيطرة تامة يكفي القول أن روما سدد على المرمى 9 مرات مقابل مرة لأودينيزي.
ظهر روما متماسكًا بفضل ثلاثي الوسط الرائع المتكامل باريديس، ونايجولان والعائد من الإصابة ستروتمان. خط وسط يجيد الافتكاك والانقضاض والتصويب والتمرير السريع للأجنحة خاصة مع التفاهم بين نايجولان ومحمد صلاح. كما استفاد روما من قدوم الظهير الأيمن برونو بيريز الذي يتميز بانطلاقاته الرائعة من الجبهة اليمني ومن اكتساب مانولاس الخبرة الكافية لقيادة خط دفاع الذئاب. ولكن يُعاب فقط على روما بطء المهاجم إيدين جيكو وإضاعته لكثير من الفرص كما أنه لا يوجد فريق يريد الإسكوديتو ويعتمد على تشيزني المتذبذب حارسًا لمرماه.
نتجه للجنوب أكثر، بالتحديد لمكان توهج مارادونا القديم؛ نابولي. ذلك الفريق الذي باع أفضل هداف لموسم واحد في تاريخ الكالتشيو برصيد 36 هدفًا وعوضه بميليك البولندي، مهاجم أياكس أمستردام الواعد.
افتتحت كتيبة ساري الجولة الأولى بالتعادل مع بيسكارا 2-2. في بداية لا تليق بفريق هدد عرش اليوفي الموسم الماضي، وهنا يكمن التحدي لساري لإثبات أحقيته في منافسة كبار إيطاليا وإن تألق فريقه الموسم الماضي لم يكن مجرد صدفة أو بسبب طفرة هيجواين. ونرى أن التعثر في النتيجة لا يمثل هنا نقصًا في الأداء ككل ولكنه يمثل نقصًا في أحد أهم مراكز الملعب وهو رأس الحربة الهداف، فرحيل هيجواين ترك فراغًا كبيرًا في خط هجوم نابولي الذي 15 فرصة للتسجيل في مقابل 6 لبيسكارا وسجل كلاهما هدفين! ولكن يحسب لنابولي قوة الشخصية والعودة بعد التأخر بهدفين، وكذلك التحكم في مجريات اللعب تقريبًا معظم أوقات المباراة.
يمتلك نابولي صناع لعب وأجنحة رائعين مثل كاليخون وميرتينز وهامسيك وأنسيني. الأمر الآن أصبح واضحًا يا ساري. المنافسة تتطلب مهاجمًا من الطراز الرفيع.
بعد الجولة الأولى
قراءة الجولة الأولى لا تطلق أحكامًا مطلقة على المتنافسين من أجل اللقب، فالموسم الماضي بدأ اليوفي بتعثر شديد ولكنه نجح وخطف القمة في النهاية. ولكن الجولة الأولى أظهرت لكل مدرب ما يجب عمله كي يستطيع المنافسة.
الواقع يقول أن اليوفينتوس هو الأرجح للظفر باللقب، فهو الفريق البطل وصاحب الصفقات المدوية، ومعه مدرب خبير بالكالتشيو يستمر في قيادة الفريق للموسم الثالث على التوالي وتقريبًا بلا نقاط ضعف. الأقرب للتنافس مع البيانكونيري هما روما والإنتر، حيث أنهما الأكثر اكتمالًا بعده. ولكنهما يمتلكان سلاحًا ذا حدّين يسمى الدوري الأوروبي. تلك البطولة التي تمثل إغراءً للفوز بها حيث تصبح بطلًا أوروبيًا وتتأهل مباشرة لدوري الأبطال ولكن تأثيرها السلبي من حيث موعد إقامتها يوم الخميس وكثرة عدد المباريات والسفر لمسافات طويلة يؤثر على مشوار الفريق في الدوري.
نابولي بعد بيع هيجواين إن تأهل لدوري الأبطال سيصبح إنجازًا. إن أراد ساري المنافسة لا بد من التوقيع مع مهاجم هداف والحفاظ على نجوم فريقه مثل كواليبالي الذي يرغب تشيلسي بضمه. أما ميلان مونتيلا يمتلك أضعف الحظوظ، نظريًا، في سباق اللقب والتأهل لدوري الأبطال أو حتى الدوري الأوروبي. سيكون إنجازًا في ظل ضعف إمكانيات الفريق الذي يفتقد البطل ومعظمه من الشباب قليلي الخبرة.
في النهاية قد تخالف الساحرة المستديرة كل هذه التوقعات وتضرب بها عرض الحائط. فالكرة تعطى لمن يعطيها في الملعب لا على الورق، ويونان أوتورهاجيل وليستر رانييري يلقون التحية.