من قلب معسكر منتخب مصر: محاولة اكتشاف صلاح الذي لا نعرفه
كانت هذه الكلمات لواحد من الصحفيين الذين لا يحظون بشهرة كبيرة في وطننا العربي. لسنا في حاجة لشرح ميوله أو خلفيته السياسية التي تظهر في كلماته التي أدلى بها تعليقًا على الأحداث في فلسطين. تذكر هذا الاسم جيدًا، لأنه سيكون محورًا ضروريًا في ما نتناوله عن بطل قصتنا الليلة: «محمد صلاح».
من المرجح أن لديك موقفًا محددًا تجاه موقف صلاح -أو اللا موقف- من التضامن مع ضحايا القصف الإسرائيلي على غزة. لذلك لسنا في موضع تقييم الصمت الطويل، والانتظار الذي كان مخيبًا لآمال كثيرين. لن ندافع ولن ننتقد، ولكننا سنحاول تفسير بعض النقاط المهمة.
أردنا معرفة ما يدور في رأس صلاح، ولكن الباطن يظل سرًا ما لم ينطق به صاحبه؛ لذلك لجأنا إلى بعض الشواهد التي ربما تساعدنا قراءة المشهد من الزاوية الأخرى، وليس من زاويتنا التي لا تحتاج إلى حديث قتل بحثًا مهما كان الموقف.
كيف استقبل صلاح كل هذا؟
تبدو الإجابة على هذا السؤال مستحيلة، ولكن من حسن الحظ أن صلاح كان قريبًا مننا بجسده في خضم الأزمة والجدل التاريخي في الأيام الماضية. كان اللاعب موجودًا بمعسكر المنتخب المصري في الإمارات، وهذا سهل عمل بعض المصادر هناك.
كشف مصدر مقرب من بعثة المنتخب في مدينة العين بعد مباراة زامبيا الودية ،أن صلاح «ليس على ما يرام» لطالما غابت عنه عدسات الكاميرات أو أعين الصحفيين، وبمجرد شعوره بأنه تم تسليط الأضواء عليه، يتصرف بشكل مختلف ويتبدل حاله ليبدو وكأنه غير مبالٍ لأي شيء. بالنسبة لنا يندرج هذا الوصف تحت بند وجهات النظر التحليلية التي قد يختلط عليها الأمر فتبالغ في التفسير، أو تكون محقة في وصفها.
علاقة صلاح باللاعبين
نشر عدد من اللاعبين في المنتخب الوطني دعمًا واضحًا للقضية الفلسطينية، كان أبرزهم محمود تريزيجيه وأحمد سيد زيزو، ومن قبلهم محمد النني لاعب آرسنال الذي أثار الانتباه باعتباره لاعبًا في الدوري الإنجليزي، تمامًا مثل صلاح. لنطرح سؤالًا يثير الجدل المفيد: هل دارت أي نقاشات بخصوص هذه القضية؟
تواصلت «إضاءات» مع أحد اللاعبين في المنتخب، الذي رفض ذكر اسمه لحماية علاقته بصلاح ليجيب على هذا السؤال، فقال: «أخبر صلاح الجميع أن الأفضل لهم ألا ينشروا أي شيء له علاقة بالسياسة. هذا مبدؤه منذ فترة وقد طلب ذلك في الأيام الحالية. لم يتحدث بلهجة إلزامية أبدًا».
«بعض اللاعبين اقتنعوا بالفعل ولم ينشروا أي شيء على حساباتهم، أما البعض الآخر فنشر ستوري بحيث أنه ستمر 24 ساعة ثم تختفي، وآخرين لم يعجبهم ذلك الرأي -وهم أغلبية- وقرروا إبراز موقفهم بشكل أكثر وضوحًا».
يكمل المصدر تصريحاته: «أزمة حدثت لمحمد النني من جانب آرسنال بسبب دعمه لفلسطين على حساب إنستجرام؟ غير صحيح بالمرة. حتى إن الأخبار التي أفادت بأنه دخل في مشادة مع أحد اللاعبين كانت عارية من الصحة تمامًا. تسير الأمور تسير بشكل طبيعي مع النني حتى الوقت الذي أتحدث فيه الآن ولم يتعرض لأي مضايقات».
فلاش باك صلاح
جمع صلاح متعلقاته في الإمارات مستعدًا للمغادرة إلى ليفربول، ولكنه سيعود بحقبة جديدة في مسيرته ستكون مليئة بالتحديات. لم نجرِ استطلاع رأي حول الكيفية التي ينظر بها جماهير الكرة المصرية إليه حاليًا، ولكننا يمكننا قراءة أن الانقسام بات واضحًا -على أقل تقدير- من خلال ردود الأفعال على مواقع التواصل الاجتماعي. صلاح الآن ليس هو من كنا نعرفه في السابق، سواء إن كان على صعيد التفاف الجميع حوله من أجل دعمه، أو حتى اللاعب نفسه.
دعنا نعود بالزمن إلى الفترة التي استحضرها البعض لإثبات أن صلاح تغير تمامًا. زيارته إلى تل أبيب قبل 10 سنوات.
ربما كانت تلك الفترة هي الأهم في مسيرته، ليس لتصرفه الذي أثار إعجاب العرب تجاه الإسرائيليين، ولكن لأن المفاوضات مع تشيلسي الإنجليزي كانت قد وصلت مراحلها الأخيرة. وقتها كان البعض يترقب ماذا سيفعل ذاك الشاب الذي سينضم إلى النادي المملوك لرومان أبراموفيتش حينها، واحد من أبرز الشخصيات اليهودية في بريطانيا.
هل تتذكر سام لي، الذي ذكرناه في بداية المقال، صحفي ذا تيليجراف الذي انتقد صمت الأندية الإنجليزية بشأن ما وصفه «بالاعتداء على إسرائيل»، رغم البدء قي الأسبوع الثاني للقصف في قطاع غزة؟ لعب هذا الصحفي دورًا كبيرًا في محاولات الضغط الإعلامي لمنع تشيلسي من التعاقد مع النجم المصري الشاب وقتها.
كان وقتها كاتبًا في صحيفة إندبندنت، وبعد سلسلة من الانتقادات لصلاح على حسابه القديم على إنستجرام -الذي غيره بعد الانضمام إلى ذا تيليجراف-، نشر مقالًا بعنوان: «محمد صلاح ومكابي تل أبيب: الضجة المصاحبة لتوقيع تشيلسي الأخير» وجه فيه نقدًا لاذعًا للاعب المصري بسبب انشغاله المفتعل بربط حذائه لتجنب مصافحة اللاعبين في مباراة الذهاب، وقال إن تشيلسي يحتاج إلى هذا اللاعب، ولكنه لا يحتاج إلى الجدل الذي يُثار حوله حال انتقاله إلى نادٍ له خلفية يهودية.
اختتم الصحفي مقاله بأن الجميع سيراقبه بشكل أكثر كثافة في الدوري الإنجليزي، وكأن في الحديث تورية بها مقاصد أخرى.
ربما كان هذا الصدام الأول في حياة صلاح مع قضية من هذا النوع، ومع منصات إعلامية لها تأثير سياسي ورياضي على أرض الواقع. كان ظهوره في المؤتمر الصحفي قبل مباراة العودة أمام مكابي تل أبيب مهمًا بالنسبة للبعض، سواء في لندن أو بالنسبة له شخصيًا. أكد صلاح أنه لا يتحدث عن الأمور السياسية عبر وسائل الإعلام، وأنه مجرد لاعب جاء مع فريقه لتحقيق الفوز على هذه الأرض.
سجل صلاح وسجد على أرض فلسطين المحتلة. وبعدها بأشهر انضم إلى تشيلسي، وعلى الرغم أنه لم يتغير بعدها على صعيد كثير من التصرفات المعلنة، لا يمكن إغفال كل هذا في رسم صورة لشخصية ستتكون لاحقًا، ولكن هذا الأمر لن يحدث سريعًا. ثمة شخص مما سيضيف كثيرًا من التعديلات على تصرفات نجم ذي قيمة رياضية أكبر.
رامي عباس
كان صلاح يجري إحدى المقابلات التلفزيونية الشهيرة لندرة ظهوره الإعلامي، ولكن حدث شيئًا ما يمكن اعتباره مدلولًا على التغير الجذري في سلوكه كنجم كبير، بل وواحد من أشهر نجوم اللعبة في العالم، فهو لم يعد ذاك النجم الشاب الذي يحاول أن يلفت الأنظار بعد.
كشف لنا مصدر كان موجودًا وقت تصوير هذا اللقاء، أن رامي عباس وكيل أعمال اللاعب، اضطر لوقف التصوير أكثر من مرة لمنعه من الحديث عن بعض الأمور، أو لوضع تعديلات تتناسب مع اسمه الكبير. لم يتكرر هذا الأمر مرة واحدة أو مرتين، بل أكثر من ذلك بكثير.
لا يمكن اعتبار ذلك تصرفًا سلبيًا، فمثل هذه الأمور بمثابة العُرف بين النجوم الكبار في كل المجالات. بعض مديرين الأعمال لديهم حق مكتسب بالتعديل تصريحات النجم للحفاظ على ظهوره بصورة جيدة، ولكن ثمة أمرًا آخر غير اعتيادي. رامي عباس هو أول وكيل لاعب يظهر في إعلان تجاري ومرافقًا للاعبه، الذي يعتبر الهدف الأساسي من الإعلان.
ظهر خورخي مينديز وكيل أعمال اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو في أحد الأفلام الوثائقية عن النجم البرتغالي، ربما هذا المثال الأقرب لظهور رامي عباس في إعلان تجاري، الذي ظهر فيه بشخصيته الحقيقة وهو يشرف على كل كبيرة وصغيرة فيما يخص الشكل الذي يظهر به اللاعب.
لا نحتاج إلى الإعلان التمثيلي أو إلى مصدر لمعرفة مدى تدخل رامي عباس في تصرفات صلاح -وهي من صميم عمله- ولكن يمكن للمصدر أن يحدثنا أن أزمة اندلعت قبل 5 سنوات.
أزمة الشيشان
نذكر جميعًا أزمة المقابلة التي جمعت صلاح برمضان قديروف الرئيس الشيشاني، الذي حضر إلى تدريب المنتخب المصري خلال كأس العالم 2018 عندما وقع اختيار المسؤولين على الشيشان لتكون معسكر الفراعنة. وجه وقتها ناشطون سياسيون روس اتهامات لقديروف باستغلال اللاعب لتحقيق مكاسب سياسية.
أزعج هذا الأمر رامي عباس كثيرًا بحسب المصادر الخاصة، ولم يدرك صلاح أهمية الوضع إلا بعدما حدث ما لم يرض وكيله، بخاصة أنه مُنح المواطنة الشيشانية، وهذا لم يكن تحت إشرافه أيضًا ولم يعلم به مسبقًا.
كانت هذه اللحظة فارقة بشكل كبير في مسيرة صلاح وتنظيم ظهوره الإعلامي، ومعها زادت الفجوة مع الجماهير، ورآه البعض يغالي في بناء برج عاجي يجلس على قمته ولا يُرى أبدًا. تزامن ذلك مع أزمة طائرة المنتخب، ثم السقوط المدوي في أمم أفريقيا 2019 بمصر والغياب المتكرر عن مباريات المنتخب وزيادة الإشاعات حول الأسباب والكواليس. وإضافة إلى ذلك بعض التصريحات الناقدة للعقلية المصرية، التي أسهمت في الجدل ما بين معارض ومؤيد.
أخيرًا، لم يكن سرد هذه المواقف والكواليس دفاعًا وتبريرً أو نقدًا للاعب، أو تبني وجهة نظر معينة. ولكن من المؤكد كل هذا، وأمور أخرى، أسهمت في تكوين شخصية مغايرة لما كانت عليه في السابق. وربما في بعض الكواليس أو الأحداث نقاط مهمة تساهم في تأكيد أو تغيير موقفك نسبيًا تجاه «اللاموقف» من جانب اللاعب.