اكتشاف حقل «ظُهَر»: الحل السياسي لأزمة مصر الاقتصادية
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
اكتشف العالم منطقةً جديدة غنية بإمدادات الطاقة، ثلاثة حقول غاز كبيرة تم اكتشافها في شرق البحر المتوسط على مدار السنوات القليلة الأخيرة، وهناك احتمالية لاكتشاف المزيد في مناطقٍ يُنتظر استكشافها، يولي ذلك المنطقة اهتمامًا دوليًا ضخمًا، بينما يتمثل التحدي الوحيد في توصيل الغاز إلى الأسواق التي سوف يستهلك بها، وهي مشكلة ليست جغرافية أو تكنولوجية، بل سياسية.كيف يمكن حل هذه المسألة الشرقية الجديدة؟، طوال سنوات أدى غياب إجابة مُرضية إلى تعثر تطوير الحقول القبرصية والإسرائيلية، ومنع المزيد من الاستكشافات. لكن الآن يبدو ممكنًا أن مجموعة من الظروف قد فتحت الباب أمام حل عملي.
يغطي شرق المتوسط – الذي يوصف عادة بـ«حوض بلاد الشام» – امتداد المياه الواصل من الساحل الشمالي المصري مرورًا بسيناء، إسرائيل، لبنان، سوريا وقبرص إلى الساحل الجنوبي التركي. الاكتشافات الثلاثة هي حقل «ليفياثان» الواقع على بعد 130 كيلومترًا من مدينة حيفا في إسرائيل، حقل «أفروديت» الواقع إلى الشرق مباشرة من ليفياثان قبالة الساحل القبرصي، وحقل «ظُهَر» في المياه المصرية على بعد حوالي 193 كيلومترًا شمال مدينة بورسعيد.تحتوي الحقول على التوالي على 19 تريليون، 7 تريليون، و32 تريليون قدم مكعب من الغاز. كان هناك اكتشافات أخرى مشابهة، وينتظر الآن التوصل إلى المزيد منها، أولًا في قبرص وقريبًا ربما حتى في لبنان.يوجد سوقٌ إقليمي للغاز، لكن نطاق الاكتشافات الجديدة يفوق الاحتياجات المحلية. فعلى سبيل المثال، الطلب الإسرائيلي موفّى بالكامل بواسطة حقل «تامار» الأصغر حجمًا. ولتبرير تطوير الحقول، ناهيك عن استكشاف المزيد، لا بد من توافر مسارٍ للتصدير، وهنا تبدأ المشكلات السياسية.يتمثل الحل الأرخص لأي من يريد تصدير الغاز من حوض بلاد الشام في بناء خط أنابيب إلى تركيا، حيث يمكن للغاز أن ينتقل إلى وسط وجنوب أوروبا. لكن ذلك سوف يعني الاضطرار للمرور بالمياه التي تسيطر عليها جمهورية قبرص. من غير المرجح أن يقبل الأتراك بذلك، الذين لم يعترفوا أبدًا بالانقسام السياسي لقبرص، الذي نتج عن صراعات السبعينيات.على أي حال فإن مثل هذه الأنابيب سوف يأخذ الغاز إلى سوقٍ في أوروبا مشبّع بالفعل بإمدادات الغاز، التي ليس أقلها الواردة من روسيا. سوف يكون غاز بلاد الشام في منافسة مباشرة مع مصادر التوريد المطوّرة حديثًا القادمة إلى تركيا وأوروبا من منطقة بحر قزوين و، عندما يحين الوقت المناسب، من إيران. للمسار التركي أنصاره لكن المصدّرين، خصوصًا من إسرائيل، قد يقلقون بشكل مبرر بعد محاولة الانقلاب والمعاملة القاسية التي يتلقاها المتهمون بالتورط فيه من قبل الرئيس رجب طيب أردوغان.في الأسابيع القليلة الأخيرة في تركيا، لم يقتصر الأمر على اعتقال 10,000 جندي بداعي الاشتباه، بل وفصلت السلطات 21,000 معلم وعلقت عمل جميع عمداء الجامعات للاشتباه بتورطهم في الانقلاب. يحتجز الكثير من هؤلاء في أوضاع وحشية، وفقًا لمنظمة العفو الدولية، كما تقطع حكومة أردوغان بشكل ممنهج علاقاتها الدولية، وأغلقت واحدًا من المراكز البحثية الأكثر احترامًا المختصة بالعلاقات الدولية التركية – (USAK) أو «منظمة البحوث الإستراتيجية الدولية» – التي كان يديرها الدبلوماسي التركي البارز، أوزديم سانبرك. تشير جميع تلك العلامات إلى بلدٍ لم يعد يمثل شريكًا تجاريًا يمكن الاعتماد عليه.يتمثل حلٌ ثانٍ في بناء منشآتٍ لإسالة الغاز ونقله إلى الأسواق المتنامية بجنوب آسيا مثل الهند، التي تحتاج إلى استبدال الفحم بالغاز للحد من التلوث والانبعاثات.
لا يعد بناء منشآت إسالة الغاز رخيصًا، وأرخص تكلفة لمنشأة جديدة في المنطقة سوف تتراوح بين 8 مليارات و10 مليارات دولار، قبل حتى إضافة التكاليف الأمنية الحتمية. كما أن الاكتشافات الجديدة حتى الآن في قبرص أصغر من أن تجعل المنشأة المنفصلة حلًا اقتصاديًا، رغم أن جولة التراخيص الجديدة تفتح آفاقًا لإتاحة كمياتٍ أكبر من الغاز. وفي إسرائيل، يجعل التوافر المحدود للأرض والاعتراضات البيئية بناء محطةٍ جديدة على الشاطئ لإسالة الغاز الطبيعي غير محتمل، إن لم يكن مستحيلًا. لكن المنشآت الطافية قبالة الساحل ممكنة، باستخدام تكنولوجيا طورتها شركة «شل» وآخرون، لكن التكاليف يمكن أن تكون مرتفعة لدرجة مانعة في سوقٍ شهد هبوطًا متكررًا لأسعار الغاز في أنحاء العالم.لكن هناك حلٌ ثالث قد يكون ممكنًا سياسيًا ومجديًا من الناحية الاقتصادية.تحتاج مصر إلى الغاز ولديها بالفعل منشآت تصدير، بينما تراجع إنتاجها من الغاز على مدار السنوات القليلة الأخيرة واستمرت زيادة استهلاكها المحلي، حيث يولّد الغاز 75 بالمئة من كهرباء البلاد. خفّض ذلك الكميات المتاحة للتصدير وترك منشآت إسالة الغاز في إدكو ودمياط غير مستخدمة بكامل عزمها، حتى أن بعض التدفقات قد عُكست لاستقبال واردات الغاز المسال.يعتبر ظهر اكتشافًا تحويليًا، ويمثل واحدًا من أكبر اكتشافات الغاز على مستوى العالم في السنوات الأخيرة. يمكن لغازه أن يوفر لمصر احتياجاتها الخاصة من الغاز وأن يستأنف تجارة التصدير. يُنتظر أن يبدأ تشغيل الحقل بنهاية عام 2017، مع زيادة الإنتاج إلى حوالي 20 مليار قدم مكعب بحلول عام 2020. تطور مصر بالفعل محطات طاقة جديدة تعمل بالغاز، وهناك خطط للشبكة الأولى لتنقل الغاز بشكل مباشر إلى المستهلكين الصناعيين والمحليين.يبدأ هنا الحل الإقليمي في التبلور، حيث يمكن للغاز الوارد من إسرائيل أن يساعد في إمداد مصر باحتياجاتها الفورية. وعلى المدى الأبعد، يمكن ضخ الغاز الوارد من ليفياثان وأفروديت إلى مصر عبر أنابيب، ثم إسالته وشحنه إلى السوق العالمي. يحدد مقالٌ متعمق بموقع «دايلي نيوز إيجيبت» ما يمكن فعله، لكنه يغفل تفصيلة حاسمة على نحو مدهش، وهي أن الوصول إلى الأسواق المتنامية بالخليج وجنوب آسيا يمكن بدؤه بنقل الغاز المسال عبر قناة السويس التي تسيطر عليها مصر.
يبدو كل ذلك منطقيًا من الناحية الاقتصادية، وللمرة الأولى، يتوافق مع السياسة أيضًا. لن تفوز مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي بأي جوائز لحقوق الإنسان لكن البلاد قد استقرت بعد الفجر الكاذب للربيع العربي. سوف يؤدي تطوير الغاز على نطاق واسع، وعائدات التصدير الجديدة، إلى تعزيز اقتصاد البلاد الذي تضرر كثيرًا بسبب غياب السياح.تحتاج الولايات المتحدة وأوروبا إلى حلفاء آمنين في المنطقة، ويمكنهما المساعدة بتمويل البنية التحتية اللازمة. تقع السعودية والهند على قائمة الدول التي تحتاج الغاز، والأهم، تحتاج إسرائيل إلى الاستقرار على حدودها الجنوبية في ضوء التحدي المستمر المتمثل في الحرب الأهلية السورية في الشمال، وتريد منفذًا آمنًا لتصدير غازها دون أن تصبح معتمدة على السياسات التركية المتقلبة. ينبغي ألا يمثل الأمر مفاجأة أن سامح شكري، وزير الخارجية المصري، كان يزور القدس الشهر الماضي.قيل إن المسألة الشرقية الأصلية، التي تعلقت بمصير الإمبراطورية العثمانية المفتتة في أواخر القرن التاسع عشر، غير قابلة للحل ومعقدة للغاية لدرجة أنها كانت مفهومة من قبل حفنة من الدبلوماسيين المتخصصين فقط. والمسألة الشرقية الجديدة معقدة على نحوٍ مساوٍ، ولم يُتوصل إلى حلٍ لها حتى الآن. قد تقدم مصر إجابة مناسبة؛ ما يترك الأتراك فقط خارج اللعبة، الذين يستحق وضعهم مقالًا منفصلًا.