تأديب وتهذيب وإصلاح: شعار لا تفهمه السجون المصرية
هكذا وصف الاستخباراتي الأمريكي السابق «روبرت باير» حال السجون المصرية التي أصبحت سيئة السمعة وفقًا لعدد من التقارير الحقوقية المحلية والدولية، التي رصدت الأوضاع داخل السجون المصرية وخصوصًا ما يحدث مع المعتقلين السياسيين.
وعلى الرغم من أن شعار «السجن: تأديب وتهذيب وإصلاح» الرنان تستخدمه السجون لتقديم نفسها على أنها وسيلة لتهذيب خلق الجاني وإصلاح أوضاعه التي انحرفت، إلا أن هذا الشعار تستخدمه عدد كبير من الدول الأكثر احترامًا لحقوق الإنسان كنهج متبع في طريقة التعامل مع المسجونين على عكس الحال في عدد من سجون الدول العربية وعلى رأسهم مصر، بينما يختلف حال الجنائيين عن السياسيين في مصر، حيث إن النوع الأول هو الأكثر ارتياحًا داخل السجون المصرية.
عن السجون وحقوق المسجون
اختلفت مسميات السجون على مختلف العصور لكنها ظلت المكان الذي يعاقب الإنسان المدان بالتجرد من حريته كوسيلة لمعاقبته، فقد عرفت السجون منذ القديم وإن لم تعرف الأبنية الخاصة بالسجون وأنظمة السجون، إلا في العصور الحديثة فقد كان يخصص في العصور القديمة والوسيطة للسجن قلعةَ أو حصنًا أو برجاً أو أي مكانٍ آخر يمكن أن يحجز فيه المتهمون والمحكوم عليهم لمنعهم من الهرب.
وبالرغم من ارتباط السجون بشعار الإصلاح والتهذيب إلا أن نجاح هذا أو فشله يتوقف على عدة عوامل، الأساس فيها هم المسئولون والقائمون على أمور السجن ومدى تطبيقهم للقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي أوصي باعتمادها مؤتمر الأمم المتحدة الأول لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين عام 1955.
وتتضمن حق السجين في الشكوى والرعاية الطبية والتثقيف والطعام والمعاملة الحسنة، وغيرها من الحقوق التي ذكرت التقارير الحقوقية عكسها أثناء رصدها للأوضاع داخل السجون المصرية.
أفضل السجون إصلاحًا
10 سجون بالعالم صُنفت كأفضل سجون لعام 2016، من حيث احترامها لحقوقق الإنسان وفقًا للدساتير والمواثيق الدولية، حيث إنها سلكت طريق إصلاح وتأهيل المسجون لحياة أفضل لما بعد فترة السجن.
تلك الدول التي اختارت طريق الإصلاح الصحيح، على الناحية الأخرى ظلت السجون العربية هي الأسوأ على الإطلاق من حيث المعاملة للمسجونين سواء للجنائيين أو السياسيين. واختارت سجون تلك الدول معاقبة سجنائها بمزيد من الرفاهية على أمل خلق روح جديدة تقوم سلوك المنحرفين وتجعلهم أكثر إفادة للمجتمع مرة أخرى، مبتعدة عن أسلوب التهديد والتعنيف والتعذيب.
وفي مصر أصدرت عدد من التقارير الحقوقية التي تؤكد بشاعة ما يحدث داخل عدد من السجون المصرية التي وصفوها بالسلخانات على رأس تلك السجون «العازولي الحربي» وليمان طرة، والعقرب شديد الحراسة.
السجون المصرية: تعذيب للسياسيين وقهر للجنائيين
19 طريقة تستخدمها السجون المصرية للتنكيل بالمعارضين ولاستجوابهم، على رأس تلك الطرق «الصعق بالكهرباء والتعليق، وإطفاء السجائر بالجسد، وهتك العرض والامتثال لأوضاع بعض الحيوانات والجلد والإهمال الطبي والتعنيف النفسي، وغيرها من الطرق التي ينتهك بها حق المسجون السياسي بمصر».
تلك الأوضاع رصدت عن طريق منظمات حقوقية أخذتها من حكايات لبعض المعتلقين، أما عن الجنائيين فجزء كبير من أنواع التعذيب السابق ذكرها تنالهم وعلى رأسها التعنيف اللفظي والإهمال الطبي بالسجون، لكن شكاوى الجنائيين تظل محدودة تخوفًا من العقاب المنتظر في حالة الشكوى سوء المعاملة إلى جانب أن الجنائيين لا يخصون السلطة الحاكمة في شيء وليسوا خصومًا لها.
وبالتالي التكدير يكون أقل هكذا وصف نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان عبد الغفار شكر حال الجنائيين بالسجون، وبحسب إحصائية المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا وصل عدد القتلى نتيجة الإهمال الطبي ومنع العلاج وتكدس الزنازين والتعذيب بسجون مصر إلى 500 حالة وفاة.
الاضطرابات النفسية حليف نزلاء السجون
الإيداع بالسجون يمثل عبئاً نفسيا على السجين لما يتعرض له من ضغوط نفسية، هذه الضغوط يختلف تأثيرها باختلاف قدرة النزلاء من حيث قدرتهم على تحمل الضغوط النفسية، ويعتري السجين في شخصيته تغيرات نفسية متعددة، أبرزها ظروف تواجده فى السجن.
ومن أكثر الأمراض النفسية انتشاراً بين السجناء، الاكتئاب والقلق والعدوانية والانطواء والعزلة، كما أن السجين يعيش عدداً من التغيرات الانفعالية والإحباط والخوف من المستقبل وفقدان الثقة بالنفس والآخرين، تلك الاضطرابات النفسية التي عانها الكثير من نزلاء السجون سواء جنائيًا أو سياسيًا نتيجة للتعنيف المستمر الذي يتعرضون له.
هذا ما وضحته الطبيبة النفسية سالي توما لـ«إضاءات»، مؤكده على أن هناك عددًا من المخلى سبيلهم من المسجونين سياسيًا يلجئون للتأهيل النفسي مرة أخرى حتى يستطيعوا التعامل مع المجتمع وخصوصًا مع الشباب صغير السن، وأوضحت أن ما يتعرض له المسجونون من تعنيف وإيذاء نفسي وبدني يتسبب في تشويه المجتمع، حيث نزلاء السجون سيصبحون أحرارًا في يوم من الأيام وبالتالي سيعاملون مع المجتمع بمخلفات الماضي التي تلوثت بالاضطرابات النفسية نتيجة للضغوط التي تعرضوا لها.
وعن الحبس الانفرادي أشارت توما إلى أن أغلب من يتعرضون له وخصوصًا السياسيون يعانون من اضطرابات القلق والتوتر، وصلت عند بعضهم إلى نوبات فزع، ومعظمهم عانوا من قلة النوم، وفي كثير من الأحيان أصبحوا تربة خصبة لضلالات مثل «البارانويا» (جنون الارتياب)، واتسمت سلوكياتهم بالشراسة والعنف، كما أصيبوا بالاكتئاب.
إخضاع السجون للنيابة العامة
هناك عدد من مواد الدستور المصري بالإضافة الى المواد الموجودة بقانون تنظيم لسجون كفيلة لحفظ حقوق المسجونين بالسجون المصرية لكنها تظل حبرًا على ورق ولا يطبق منها شيء على أرض الواقع، هكذا وصف، عبد الغفار شكر نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، لـ«إضاءات» ما يحدث داخل السجون المصرية من مخالفة للدستور والقانون.
فيما وضع شكر روشتة صغيرة مكونة من ثلاث نقاط لعلاج الأمر بالسجون حتى تستطيع أن تحقق شعار «السجن تأديب وتهذيب وإصلاح»، وفقًا للمواثيق الدولية بما يحترم حقوق الإنسان ويحفظ كرامته ويساعد السجين على أن يكون شخصًا فعالاً منتجًا بالمجتمع عقب الإفراج عنه.
وتتضمن تلك النقط أولاً ضبط أداء أجهزة الشرطة من خلال ادماج مناهج تعليمية بكلية الشرطة تؤكد على حقوق السجون وتعلمهم كيفية المعاملة معهم بطريقة صحيحة. ثانيًا تغير لائحة السجون المصرية لتتضمن حقوق المساجين ووجباتهم ويذكر بها طرق جديدة لعقاب المساجين، بما يتوافق مع حقوق الإنسان ويتم تطبيقها بالفعل.
أما ثالثًا، وأخيرًا، إخضاع السجون المصريةلرقابة النيابة العام والمجلس القومي لحقوق الإنسان فعليًا وليس شكليًا، حتى يستطيع مراقبة تنفيذ لائحة السجون بما يتضمن من حقوق وواجبات.
حقوق كفلها الدستور وأضاعتها السجون المصرية
تعود رجال الداخلية على المعاملة القاسية أجبرتهم على تجرد المتهمين من حقوقهم التي كفلتها لائحة السجون وقوانين الدستور، هكذا علق المحامي الحقوقي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير مختار منير لـ«إضاءات» على تجرد المسجونين بالسجون المصرية من حقوقهم، مؤكدا على أن الحل في إعادة الهيلكة لإدارة السجون وإخراجها من سيطرة وزارة الداخلية.
بالإضافة إلى إنشاء قسم خاص به عدد من الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين لرعاية المسجونين وتأهليهم لدمجهم بالمجتمع مرة أخرى. وأشار منير إلى أن هناك دوراً تقدمه وزارة التضامن الاجتماعي لبعض الجنائيين، وهو توفير فرصة عمل عقب خروجه من السجن حتى لا يعود للجريمة مرة أخرى وخصوصًا في قضايا السرقة.
لكن هذا الأمر يتطلب وقتًا طويلاً وإجراءات وبالتالي لا بد من تسهيل تلك الإجراءات لتشمل عددًا أكبر من الجنائيين حتي يخرجوا مرة أخرى مفيدين للمجتمع ككل ولأنفسهم وأسرهم بشكل خاص، مؤكدًا على أن لائحة السجون بها ما يكفي من وسائل الترفيه وخصوصًا لمن هم محكوم عليهم بمدة طويلة بالسجن لكن إدارات السجون تدعي طول الوقت بعدم وجود الإمكانيات لتنفيذ هذا.
والجدير بالذكر أن لائحة السجون بها ما يكفي لضمن حقوق السجناء بشتى القضايا وتوفير وسائل تساعده على إصلاحه وتهذيبه بالفعل، حيث أوضحت اللائحة التنفيذية للإجراءات التي يجب اتباعها لكفالة الرعاية للسجناء وغيرهم من المحتجزين، بدور السجون في تعليم المسجونين مع مراعاة السن ومدى الاستعداد ومدة العقوبة.
هذا إلى جانب المادة (31) من نفس القانون والمعدل بالقانون رقم 87 لسنة 1973 تقرر أن: «على إدارة السجن أن تشجع المسجونين على الاطلاع والتعليم، وأن تيسر سبل الاستذكار للمسجونين الذين هم على درجة من الثقافة، ولديهم الرغبة في مواصلة الدراسة، وتسمح لهم بتأدية الامتحانات الخاصة بها في مقار اللجان خارج السجن».
ومن ضمن تلك القوانين نص قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن السجون على القواعد العامة لعلاج المسجونين وغيرهم من المحتجزين ورعايتهم صحيا. وغيرها من القوانين التي تكفل حق التعليم والطعام والتثقيف وتوفير أماكن احتجاز جيدة وغيرها من الحقوق الضائعة، التي لا تتكفل بها السجون ولا تسعى الحكومة لحمايتها.