منصوراصوروس شاهين: ماذا يخبرنا عن ديناصورات أفريقيا؟
من منا لم يعشق الديناصورات؟ مخلوقات الأرض العملاقة التي عايشت بدء الحياة الشرسة في الكوكب منذ ملايين السنين المتعاقبة. ثم فجأة، رحلت تلك المخلوقات بأشكالها وأنواعها وأماكن تواجدها، مخلفة وراءها آثارها العظمية التي حفظت في طبقات الأرض، والتي تكونت بدورها تلك الأخيرة بتعاقب الزمن.
تقدر عصور الديناصورات في تاريخ الأرض السحيق، في الفترة بين العصور «الترياسي – Triassic، الجوراسي – Jurassic، الطباشيري – Cretaceous»، وهذان الأخيران هما أزهى عصور الديناصورات. واليوم، نحن على موعد مع ديناصور من أواخر العصر الطباشيري، مختلف، حل ضيفًا -فجأة- ليخبرنا بالمزيد من الأسرار عن نهاية العصر وتاريخ الأرض الجيولوجي في القارة الأفريقية وأوروبا.
يتميز ضيفنا بأنه آتٍ من واحة «الداخلة» في الصحراء الغربية في مصر، كما يعتبر الديناصور السادس الذي يتم اكتشافه في مصر حتى الآن، لكن ما يميزه هو أنه عثر عليه بين طبقاتها وكثبانها الرملية بأيادٍ مصرية.
من الطارق؟
«منصوراصوروس شاهين – Mansourasaurus shahinae»، ديناصور متوسط الحجم حديث الاكتشاف، قادم من العصر الطباشيري المتأخر، من جنس الـ«تيتانوصوراس – Titanosaurus» العملاقة التي عاشت خلال العصر الطباشيري في فتراته الأخيرة قبل أن تفنى. عثر عليه في «تكوين صخرة القصير – Quseir Formation» البالغ -التكوين الصخري- من العمر 80 مليون سنة تقريبًا.
عمره من عمر التكوين الصخري، يبلغ طوله طول حافلة مدرسية، آكل للنبات طويل العنق. يزن تقريبًا 5000 كلغ (وزن فيل أفريقي). يعتبر هيكله أهم ما فيه، حيث يعتبر هيكلاً شبه كامل لديناصور تم اكتشافه حتى الآن من نهاية العصر الطباشيري في أفريقيا. عثر على أجزاء من الجمجمة، والفك السفلي والرقبة، والفقرة الخلفية، الأضلاع، ومعظم الكتف وجزء من القدم الخلفية، وقطع من الجلد.
سمي «منصوراصوروس شاهين» نسبة إلى الفريق البحثي المصري الذي اكتشفه، والمكون من نخبة من الباحثين -الشباب- في «مركز الحفريات الفقارية – MUVP» بقيادة الدكتور «هشام سلاّم» بروفيسور ورئيس المركز في قسم الجيولوجيا، جامعة المنصورة.
تكمن أهمية هذا الاكتشاف في أن الديناصور ينتمي للنطاق الزمني لـ«العصر الطباشير العلوي (المتأخر) – upper Cretaceous Era»، بالتالي ربما يحمل قطع اللغز المفقودة فيما يخص مسار تطور الديناصورات في القارة الأفريقية خلال الـفترة الزمنية من 100 – 66 مليون سنة الماضية من عهد الديناصورات، والتي بقيت لفترة طويلة يشوبها الكثير من الغموض.
كيف سيحل اللغز؟
خلال السنوات الأولى من وجود الديناصورات في معظم فترات العصرين «الترياسي والجوراسي»، كانت اليابسة على الأرض مجرد قارة واحدة كبيرة للغاية تسمى «بانجيا – Pangaea». وخلال العصر الطباشيري، ومن قبله الجوراسي؛ بدأت القارة في الانفصال شيئًا فشيئًا، وتتحول نحو التكوين الذي نراها عليها اليوم.
وفي وقت متأخر من العصر الطباشيري، فُقد جزء من أحافير الديناصورات في أفريقيا، بالتالي فإن عدم وجود سجل أحفوري في العصر الطباشيري المتأخر في أفريقيا تحديدًا، هو أمرٌ محبط بالنسبة إلى علماء الحفريات، حيث كانت القارات في أحلك ظروف تشكيلها، وتمر بتغيرات جيولوجية وجغرافية هائلة.
ومن الناحية التاريخية أثناء عملية تشكل القارات، لم تتضح بعد مدى ارتباط القارة الأفريقية بالمناطق البرية الأخرى في نصف الكرة الجنوبي، والقارة الأوروبية أيضًا خلال هذه الفترة الزمنية، ولم تتضح أيضًا حركة هذه المخلوقات، وإلى أي درجة كانت تقطن وتبعد حيوانات أفريقيا عن جيرانها، وتطورت على مساراتها المنفصلة.
وباعتبار «منصوراصوروس» واحدًا من الديناصورات الأفريقية القليلة المعروفة من هذه الفترة الزمنية، فالعثور عليه قد يساعد على تفسير ماحدث. حيث أظهرت عملية تحليل ودراسة ملامح عظامه وتكوينه التي عثر عليها أنه ديناصور أقرب وأكثر ارتباطًا بالديناصورات من القارة الأوروبية وآسيا، أكثر مما تبدو عليه الديناصورات التي وجدت في أماكن أبعد جنوبًا في القارة الأفريقية، أو في أمريكا الجنوبية.
وهذا بدوره يبين أن بعض الديناصورات التي عاشت في أفريقيا في وقتٍ متأخر من العصر الطباشيري لم تكن معزولة تمامًا، حيث كانت تتحرك بين أفريقيا وأوروبا وظلت على اتصال بجيرانها هناك.
قصة الاكتشاف
بدأ قصة اكتشاف الديناصور في ديسمبر/ كانون الأول عام 2013، عندما تلقى الدكتور «هشام محمد سلاّم – Hesham M. Sallam» دعوة لإلقاء محاضرة عن علم «الحفريات الفقارية – vertebrate paleontology» في جامعة الوادي الجديد، في واحة «الخارجة» جنوبي مصر.
قاد نحو 12 ساعة برفقة طلابه في الدراسات العليا -الخريجين حديثًا- من جامعة المنصورة «سناء السيد، وإيمان الداودي»، بالإضافة لحرصه على تواصل وضم طلاب مصريين آخرين لهم اهتمام بالحفريات الفقارية. وبالفعل التقى بطالبته الثالثة «سارة صابر»، من جامعة أسيوط.
بعد المحاضرة، خرج برفقة طلابه لإلقاء نظرة فاحصة على الصخور التي تحمل ديناصورات واحة «الداخلة» التي كان قد درسها منذ العام 2008 برفقة زملائه الأمريكيين من كل من؛ جامعة أوهايو، وجامعة جنوب كاليفورنيا، ومتحف دنفر للطبيعة والعلوم.
حسب قوله، يقول الدكتور «سلاّم» إن المشروع كان يهدف إلى سد الفجوة الزمنية التي تبلغ 30 مليون سنة في السجل الأحفوري في العصر الطباشيري المتأخر في أفريقيا، والتي لا يعرف منها سوى عدد قليل جدًا من الأحافير من الفقاريات الحية.
عثر على طريق يحتوي حفريات متناثرة من عظام الديناصور في المكان، ومع مرور الوقت وبعد عدة عمليات من تجميع العينات وأخذها إلى مقر المركز في جامعة المنصورة، ودراستها، بدأ الدكتور بالعمل مع زملائه الأمريكيين من خلال وسائل الاتصال المرئية (سكايب)، خاصة خبراء ديناصورات «الصربوود»، وهو الدكتور «إيريك غورسكاك» من جامعة أوهايو، و«مات لامانا» من متحف كارنيجي، و«باتريك أوكونور» من جامعة أوهايو.
بدأت الصورة في التجمع تدريجيًا ببطء لمِا كانوا يتعاملون معه. وتوقع أغلب الفريق أن الحفريات ستعود لـ«منصوراصوروس»، حيث يعد عضوًا في سلالة الديناصورات الأفريقية القديمة جدًا.
أخيرًا، بهذا الاكتشاف تدخل جامعة المنصورة الباب من أوسع أبوابه في مجال علوم الحفريات الفقارية، حيث يعتبر ضيفنا أول ديناصور سيُدلي بإجابات كثيرة عن حياة نهاية العصر الطباشيري، وربما عن نهاية الديناصورات على الأرض. وبرغم كل شيء، لا زالت مصر تخبرنا بالمزيد عن خباياها -أو ثرواتها- الدفينة في صحرائها وتاريخها، وإن كان ذلك التاريخ يعود لملايين السنين!