ديميتار برباتوف: الكسول الذي واصل العزف رغم المافيا
في تلك البلاد، تتجمع الفتيات اللاتي لم يتزوجن بعد في سوق يسمى بـ«سوق العرائس» لعرض أنفسهن. والتي يقع عليها الاختيار، يتفاوض الشاب على مهرها ويحصل عليها. هل تظن أن هذا غريب؟ إليك الأغرب. عندما يوافقون على أمر ما فإنهم يومئون برأسهم يمينًا ويسارًا، وعندما يرفضون – يومئون برأسهم لأعلى وأسفل.
لا تحاول التجربة فهذا عكس ما نفعله. تلك هي بلغاريا التي لا نعلم عنها شيئًا، هي فقط بالنسبة لنا بلد «ستويتشكوف»، نجم برشلونة الأسبق، و«ديميتار برباتوف».
كان نجم توتنهام ومانشستر يونايتد سابقًا أحد هؤلاء الذين يصعُب تصنيفهم في عالم المستديرة. عبقري، فنان، كسول، أو حتى فاشل، لن تجد وصفًا مناسبًا له لأنه لم ينجح في ترك ذلك الانطباع الثابت. كان «ديميتار» يملك لمسة مختلفة للكرة، شيء من «بيركامب». وعليه فإننا قد نجد مكانًا للفتى البلغاري ضمن هؤلاء العباقرة الكسالى الذين سيتذكرهم الجمهور فقط من أجل المتعة.
عامِلها بلطف
هكذا يلخص برباتوف نظرته للكرة. حاوَل أن يعطي للكرة ما لم يجده في صغره. عاش الفتى المولود في مدينة «بلاجوفجراد» طفولة شاقة. كان يستيقظ في السادسة صباحًا رفقة أسرته ليأخذوا دورهم في طابور الخبز. يقف الأب أولاً ثم الأم ثم الأبناء واحدًا تلو الآخر، يتبادلون الدور كل ساعة تقريبًا.
كانت الكرة هي ملاذه الوحيد. لم يجد سوى ملاعب الأسفلت تلك ولم يكن لديه سوى زوج واحد فقط من الأحذية، وإذا قُطِع كان يضع شريطًا لاصقًا مكان القطع ويواصل الركل. كان يركل الكرة لأعلى ويحاول أن يثبتها بقدمه عشرات المرات دون ملل، حتى وعينيه يملؤها الدموع من شدة البرد.
والده كان لاعب كرة قدم أيضًا، وكان حريصًا على ألا يضل «ديميتار» طريقه. كان يشير إلى أحدهم ويسأل «ديمي»: «هل تعرف هذا الفتى؟ لقد كان لاعبًا واعدًا لكنه لم يجد من يرشده، فكانت هذه نهايته». حاول الأب تحذير ابنه مرارًا وتكرارًا، وقد نجح في ذلك. ليبدأ «برباتوف» رحلته مع كرة القدم في نادي «بيرين بلاجوفجراد» حيث كان يلعب والده، ومنه إلى نادي العاصمة «سسكا صوفيا» حيث اصطدم بالمافيا البلغارية للمرة الأولى.
أحداث من فيلم «أكشن»
بعد انتهاء الفترة التدريبية، قرر «برباتوف» أخذ جولة في المدينة سيرًا على الأقدام. توقفت سيارة أمامه، نزل منها ثلاثة رجال، وأخذوه بالقوة. اختُطف «ديميتار» على يد «جورجي إلييف» زعيم المافيا البلغارية في ذلك الوقت، والذي كان يملك نادي «ليفسكي». حاول زعيم المافيا أن يجبر اللاعب الموهوب على التوقيع لناديه. استطاع «برباتوف» بطريقة ما التواصل مع والده، وبعد عدة اتصالات، تم الإفراج عن اللاعب.
حطمت تلك الحادثة معنوياته وعجلت برحيله عن موطنه، لينتقل بعدها إلى ألمانيا ثم إنجلترا حيث سيصطدم بالمافيا مرة أخرى. بعد أيام من توقيع الهداف التاريخي لبلغاريا مع مانشستر يونايتد، تواصلت المافيا مع والدته.
هددوا عائلته وزوجته «إيلينا»، وطالبوه بدفع مبلغ مالي مقابل حمايتهم. وجد اللاعب دعمًا قويًا من ناديه الجديد، حيث منحه «السير أليكس فيرجسون» طائرته الخاصة لنقل عائلته إلى إنجلترا. بعدها قرر «برباتوف» عدم إبلاغ الشرطة، والتفاوض بنفسه مع المافيا حتى استطاع التوصل إلى اتفاق معهم.
كانت شجاعة «ديميتار» كافية لإسدال الستار على ذلك الجانب المظلم من مشواره والذي يرفض حتى اللحظة سرد تفاصيله، ربما لم يكن هذا الجانب أشد سوءًا من قصته مع نهائي دوري الأبطال.
نهائي واحد يكفي
كان «برباتوف» على موعد مع النهائي الحلم بعد 18 شهرًا فقط من انضمامه إلى بايرن ليفركوزن. كان في الـ21 من عمره، وسيواجه ريال مدريد في نهائي دوري أبطال أوروبا. شارك بديلاً قبل نهاية الشوط الأول، لكنه لم يستطع منع فريقه من الخسارة بعد تسديدة «زيدان» الشهيرة بيسراه. كان النادي الألماني ينافس على الثلاثية لكنه أنهى الموسم خالي الوفاض، بعد أن احتل المركز الثاني في الدوري خلف بروسيا دورتموند، وخسر نهائي الكأس أمام شالكه.
بعد أربع سنوات، أبدى مانشستر يونايتد اهتمامهم باللاعب،لكن توتنهام سبقهم وفاز بخدمات الدولي البلغاري. ربما لو كان انضم للشياطين الحمر وقتها، لكان فاز معهم بذات الأذنين. ثم عاد اليونايتد من جديد لطلب خدماته، وظفروا بها أخيرًا مطلع موسم 2008-2009 على الرغم من موافقة السبيرز على عرض مانشستر سيتي المتأخر فإن اللاعب كان قد حسم موقفه.
كانت اللحظة الأجمل في مسيرة «برباتوف»، شعر وكأنه على قمة العالم عندما وجد «السير أليكس» ينتظره في المطار ليرحب به. الانتقال إلى نادٍ كبير مثل المانيو كان بمثابة المكافأة نظير كل ما عاناه.
كان خط هجوم اليونايتد يتكون من روني، تيفيز، ورونالدو، إلا أن ديميتار كان مختلفًا. كان يضيف المزيد من الإبداع بلمسته المختلفة وهدوئه المعتاد، ولا مانع من إبطاء الرتم قليلاً لإضافة المزيد من التنوع بجانب هذه السرعات. شهد موسم 2010-2011 انفجار الدولي البلغاري بتسجيله 20 هدفًا في البريميرليج، ليصبح هداف الدوري مناصفةً مع «كارلوس تيفيز» الذي كان قد رحل إلى مانشستر سيتي. لكن اللحظات السعيدة لم تدم طويلاً.
وصل اليونايتد إلى نهائي دوري أبطال أوروبا ليواجه أقوى نسخة لبرشلونة رفقة بيب جوارديولا. فاجأ فيرجسون الجميع وقرر البدء بروني، وخافيير هيرنانديز، وترك المخضرم أوين على دكة البدلاء، واستبعد برباتوف من القائمة النهائية للمباراة. لم تتَح الفرصة لأفضل لاعب في بلاده من أجل المحاولة مرة أخرى، رغم أنه كان يستحق. بعد الموسم التالي، رحل عن النادي بعد أن ودع الجميع باستثناء السير أليكس.
انتهت مسيرة البلغاري بالنسبة للكثيرين عقب رحيله عن الـ«أولد ترافورد». من فولهام إلى موناكو ثم باوك اليوناني، ختامًا بالدوري الهندي. كان يستحق برباتوف نهاية أفضل، كذلك مسيرته كانت تستحق تقديرًا أفضل. ربما ستتذكره جماهير توتنهام لأنه أهداهم آخر بطولة فازوا بها، وربما ستتذكره جماهير اليونايتد بذلك الهاتريك في مرمى الغريم ليفربول. لكننا نحب أن نتذكر برباتوف بمثل هذه اللقطات. ما عاناه في مسيرته، وما قدمه من لمسات يجعلانه مختلفًا.