«دييجو سيميوني»: السر وراء نجاحات «الشولو» التي لا تتوقف
بشكل أو بآخر، تلخص هذه العبارة منظور «دييجو سيميوني» في العمل الكروي. فلسفته هي التركيز على فريقه وما يحضره للمباريات وما يتوقعه من لاعبيه خلال 90 دقيقة. فالجهد غير قابل للتفاوض ويتربع على عرش أولويات المدرب الأرجنتيني.
بالنسبة لسيميوني، الأمر بسيط للغاية. المشجع الذكي هو ذلك المشجع غير المهووس بطريقه لعب الفريق من الناحية الجمالية، ويهتم بالدرجة الأولى بالفوز وحصد الانتصارات. لاعبو أتلتيكو مدريد تشربوا هذا الأفكار التي تعبر عن شخصية سيميوني، يؤمنون بمديرهم الفني إلى أبعد حد، ومستعدون للموت من أجل الفريق، كتعبير عن التضحية والإخلاص الشديد لأفكار المدرب.
ظن البعض أن سيميوني عبارة عن طفرة نجحت لفترة معينة وستزول بعد ذلك، لكن الشولو مازال يحصد الألقاب ويحقق طموحات جماهير الكولشينيروس. خلال مسيرته الممتدة منذ 12 عامًا، مر دييجو بتجارب مهمة، بعضها حظي بالنجاح، وأخرى كان نصيبها الفشل، لكنها عادت بالفائدة والتطور على تجاربه وزادت من معرفته الكروية. فما هي الأسرار وراء نجاح دييجو سيميوني؟
البداية من خط النهاية
17 فبراير/شباط 2006. الكثير من الدموع والتصفيق الحار في ملعب خوان بيرون الخاص بنادي راسينج الأرجنتيني. القائد دييجو سيميوني قرر الاعتزال بعد مسيرة مميزة في الملاعب الأوروبية. سيميوني قرر تعليق حذائه وإنهاء مسيرته الكروية مع النادي الذي يحبه من الطفولة.
لم يكن يعلم دييجو موعد العودة إلى اللعبة بعد اعتزاله، فلم يخطط لذلك مسبقًا، ولم يفكر في مستقبله المهني. لكن سرعان ما تغير ذلك بعد أسبوعين فقط، راسينج يعود للتواصل مع القائد من أجل إكمال المهمة كمدير فني من الخط الجانبي للملعب.
ربما اعتقد سيميوني أن العمل ضمن بيئة معروفة ومحببة سيجعل المهمة أسهل، لكن تجربته الأولى كانت ضمن ظروف صعبة ومليئة بالمشاكل الفنية انتهت ببقاء فريقه في الدرجة الأولى رغم المعاناة لفترة طويلة في المراكز الأخيرة. كان النجاح حليفه في المهمة، وأكسبته العقلية الكروية والشخصية التي سيبني عليه تجاربه الأخرى لاحقًا.
24 ساعة بلا عمل
بعد نهاية الرحلة الصعبة مع راسينج، لم يكن يظن الشولو أن العودة ستكون قريبة كما حصل في المرة الأولى. لكن مرة أخرى، لا مجال للراحة، العمل بانتظارك ولا يمكن رفض الفرصة المتاحة.
في 17 مايو/آيار 2006، وبعد انتهاء الدوري بساعات فقط. يرن الهاتف في منتصف الليل، سيميوني أجاب على المكالمة رغم تأخر الوقت. على الطرف الآخر كان رئيس نادي إستوديانتيس الأرجنتيني «إدواردو أبادي»، وسأله إن كان مهتمًا بالقدوم إلى النادي لمناقشة تولي منصب المدير الفني الجديد للنادي.
كان رد سيميوني حاسمًا وسريعًا «لماذا لا نذهب الآن؟». وقع سيميوني على عقده في اليوم التالي وبعد 24 ساعة من نهاية مغامرته القصيرة مع راسينج. تجربة رآها أبادي أنها مميزة رغم بعض المعاناة، ونظر إليه نظرة ثاقبة على أنه مدرب يمكن أن تراهن عليه.
قد يعتقد البعض أن نهج سيميوني منذ بداية مشواره كان براجماتيًا أو متوازنًا كما هو الحال مع أتلتيكو، لكن الشولو كان مدربًا بفكر هجومي، وإستوديانتيس يشهد على ذلك. فقد استطاع تحقيق إنجاز ملحمي بإحرازه بطولة الدوري بعد غيابها عن خزائن النادي لعقود.
الكثير عن أتليتي بدأ في إيطاليا
عند إزاحة الستار وافتتاح المؤتمر الصحفي له كمدرب لنادي كاتانيا في يناير/كانون الثاني 2011، كان سييموني يردد هذه الكلمات بصوت يطغى عليه الحنين لتلك السنوات الثماني التي قضاها في إيطاليا كلاعب مع بيزا وإنتر ولاتسيو. إيطاليا كانت وما زالت تعتبر الوجهة المفضلة له.
كاتانيا كانت بيئة مختلفة عن إستوديانتيس. فالفريق استنجد بالشولو من أجل الابتعاد عن مراكز الهبوط، وبهدف ضمان البقاء في السيري آ. أما إستوديانتيس كان من الأندية الكبرى المرشحة للقب دائمًا؛ لذلك كان يتوجب عليه اعتماد الهجوم في الأرجنتين، لكن في إيطاليا كان الأمر عكس ذلك تمامًا.
مع تعثر كاتانيا في مشاكل الهبوط، لم يكن سيميوني يتمتع بالرفاهية والوقت الكافي لخلق شخصية معينة دون إيلاء الأهمية للنتائج. من الحصة التدريبية الأولى كان كل يوم مهمًا.
حاول سيميوني تكرار ما فعله في الأرجنتين مع إستوديانتيس وريفر بليت، لكن اتضح له أن الصعوبات كثيرة منذ البداية. لذلك تغيرت مقاربته وأفكاره في اللعبة، وتحولت لتصبح ذات نهج متوازن أو دفاعي في أغلب الأحيان. الشخصية بقيت على حالها دون تغيير، لكن في نهاية المطاف اختار ما يناسب الفترة التي يمر بها.
أمضى دييجو 5 أشهر فقط في كاتانيا، وتمكن من إبقاء الفريق في الأضواء. التجربة الإيطالية كانت بمثابة تعويذة جديدة أو حياة أخرى، جعلت منه مدربًا أفضل، المدرب الذي هو عليه اليوم في أتلتيكو مدريد.
دييجو سيميوني عن تجربته التدريبية في كاتانيا
نعمة الاستقرار
وراء كل قصة نجاح، هناك العديد من التجارب الفاشلة. سيميوني تحمل الكثير في وطنه ولاحقه الفشل في تجربته مع ريفر بليت والموسم الثاني مع إستوديانتيس. ومع تتالي التجارب، ستأتي اللحظة الحاسمة مع الوقت والتي ستكافئك على الجهد الذي بذلته. في ديسمبر/كانون الأول 2011 تولى تدريب ناديه السابق أتليتكو مدريد. منذ ذلك الحين حظي باستقرار ونجاح لم يسبق له مثيل.
عندما وصل إلى مدريد أخبره «ميجيل أنجيل مارين» االمدير التنفيذي للنادي، بأن الشيء الوحيد الذي يجب أن يطمح إليه هو بناء فريق مزعج للخصوم، فريق يتسبب بالأضرار لكل فريق يواجهه.
مقارنة بالجالاكتيكوس ريال مدريد، والخلفية السياسية لبرشلونة وتميز أكاديميته الكروية، فإن الهوية المميزة لأتلتيكو دائمًا ما كانت تتميز بالصرامة والقوة، بالإضافة للأجواء المتقدة على أرضه. وهذا الطابع يتطابق مع شخصية سيميوني سواء كلاعب أو مدرب أو شخص.
الروح والعزيمة، الرغبة في التضحية بالذات في رحلة البحث عن شيء أعظم، والفهم الواسع للعبة وكيفية لعبها ضمن الفريق. هذه العوامل مجتمعة شكلت رؤية فلسفية لفريق سيميوني، ربما تكون فضفاضة بشكلها العام، لكنها ظهرت كفلسفة متماسكة في النهاية.
كان خيار سيميوني الوحيد للنجاح والأكثر قابلية للتطبيق، هو التخلي عن الجماليات لصالح الكفاءة والنتائج. في النهاية كل ما يريده أن يكون لفريقه أسلوبه المعين في اللعب. في غضون خمسة أشهر قام سيميوني بتحسين نتائج أتلتيكو بشكل كبير، من فريق يقبع في مراكز الوسط إلى فريق ينافس على مقاعد دوري الأبطال.
الشولو نقل الأتليتي من الارتجال إلى التخطيط، من الخسارة إلى الانتصارات، من لا شيء إلى كل شيء، كان هو نقطة البداية لجميع الأمور بالنسبة لأتليتكو. لقد استعاد فخر جماهير النادي، وأحيى روحهم كما لما يفعل أي مدرب آخر في تاريخ الفريق.