في عالم تسوده الانتقائية والتمييز، قد لا تحصل دائمًا على ما تريد. قد تنجز عملك ولا يكافئك مديرك. قد تنقذ مرمى فريقك من هدف محقق، ولا يتذكر الجمهور سوى من أحرز هدف الفوز. الميديا المحيطة بكرة القدم هي هكذا تمامًا؛ تضع من تشاء تحت الأضواء، وتحبس من تشاء في الظل. وأحد أبطال الظل هؤلاء هو الأرجنتيني دييجو ألبيرتو ميليتو.


تميمة الحظ

دائمًا ما تبدأ حياة البطل الخارق بحدث يكسبه قوته الخارقة ويغير مسار حياته. تعود القصة إلى مرحلة الكلاوسورا من الدوري الأرجنتيني في عام 2001 عندما كان فريق راسينج كلوب قريبًا من مراكز الهبوط، ويتبقى ثلاث مباريات فقط على نهاية الموسم – عندما ذهب مجموعة من المشجعين من بينهم شخص يدعى «بابلو ديل بييرو» إلى كنيسة سان نيكولاس من أجل الصلاة والدعاء للفريق كي ينجو.

قرر بابلو شراء «سبحة» ليهديها لأحد لاعبي الفريق. في اليوم التالي انتظر بابلو أمام غرفة خلع الملابس وأعطى السبحة لمهاجم الفريق صاحب الـ 21 عامًا دييجو ميليتو. في المباراة التالية بدأ دييجو المباراة من على مقاعد البدلاء وكان راسينج متأخرًا بهدف، حل بديلًا وأحرز التعادل. نجا الفريق من الهبوط، وأحرز في الموسم التالي لقب الأبرتورا لعام 2001 لأول مرة منذ عام 1966. يبدو أن تميمة الحظ التي أهداها بابلو لميليتو لن يتوقف تأثيرها عند هذا الحد.


نحو أوروبا

استمر الحظ الجيد لدييجو أو على الأرجح أنه هو الذي بدأ سريعًا في إظهار قدراته فور وصوله إلى أوروبا، فقاد نادي جنوى الإيطالي للصعود من دوري الدرجة الثانية إلى الدرجة الأولى، لكن إحدى قضايا التلاعب بالنتائج المعتادة بإيطاليا أضاعت عليه الإنجاز، فانتقل إلى إسبانيا لينضم إلى نادي ريال سرقسطة. استمر ميليتو في إظهار قدراته ليقرر هذه المرة أن ينفجر في وجه الجلاكتيكوس عندما أحرز أربعة أهداف كاملة في مرمى ريال مدريد ليفوز سرقسطة بنتيجة 6-1 ويصعد إلى نهائي كأس الملك.

في الموسم التالي احتل ميليتو وصافة ترتيب هدافي الليجا بفارق هدفين خلف الهولندي رود فان نيستلروى والذي أحرز حينها 25 هدفًا. في هذين الموسمين كان دييجو يلعب رفقة أخيه جابرييل للمرة الأولى والأخيرة.


الإخوة الأعداء

قد لا تجد عداءً في كرة القدم يضاهي ذلك الموجود في ديربيات أمريكا اللاتينية؛ هنالك حيث يُفصل بين الجماهير والملعب بحاجز وكأنه سجن. في الأرجنتين ببيونس آيرس تحديدًا هناك ديربي منطقة أفيلانيدا الشهير بين ناديي راسينج، وإندبيندينتي. هو الديربي الثاني من حيث الشهرة بعد ديربي «ريفر بليت-بوكا جونيورز».

من سوء حظ عائلة ميليتو أن أجواء الديربي انتقلت من المدينة إلى منزلهم مباشرة. دييجو ينضم إلى راسينج، وشقيقه الأصغر جابرييل ينضم لإندبيندينتي. الأمر كان صعبًا على العائلة،ففي أحد اللقاءات بين الفريقين غادرت العائلة مبكرًا ولم يكملوا اللقاء.

تلك المواجهة لم تكن الأخيرة بل تكررت مرتين؛ الأولى عندما كان دييجو في سرقسطة وجابرييل كان قد انضم لبرشلونة، والثانية -وهي التي يتذكرها الجميع- في مواجهة إنتر ضد برشلونة في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2010.

الأخوان جابرييل ميليتو (يمين) ودييجو ميليتو.

باتمان مدينة ميلانو

الجانب الأزرق والأسود من مدينة ميلانو أصبح بحاجة إلى بطل جديد بعد رحيل نجمهم وهداف الكالتشيو إبراهيموفيتش إلى برشلونة الإسباني سعيًا وراء لقب دوري أبطال أوروبا. يقرر أحدهم أخيرًا أن يمنح المهاجم الملقب بالأمير «EL PRINCIPE» الفرصة ليلعب مع نادٍ كبير وهو في سن الثلاثين. جوزيه مورينيو يقرر التوقيع مع ميليتو قادمًا من نادي جنوى بعد أن جاء ثانيًا في ترتيب الهدافين خلف إبرا.

مهاجم يبلغ الثلاثين، قادم من جنوى. حسنًا لقد كان لدينا إبرا وأدريانو ومن قبلهما رونالدو وكريسبو وفييري والقائمة تطول. لم يدركوا بعد أنهم حصلوا على باتمان الخاص بهم. باتمان الذي كان في كل مرة يظهر فيها ضوء علامته في سماء جوثام كان لا يتوانى في إنقاذ المدينة، تمامًا كدييجو.

ميليتو لم يكن يملك سرعة هنري أو مهارات رونالدو، لكنه لم يكن يُضاهى عندما يتعلق الأمر بالتواجد في المكان والزمان المناسبين. لديه تكنيك مميز في إنهاء الهجمات بكلتا قدميه، باتمان أيضًا لم يكن خارقًا كسوبر مان مثلًا.

البداية مع آخر مباراة بدور المجموعات في دوري أبطال أوروبا وإنتر على أعتاب الخروج من الباب الضيق بتأخره بهدف أمام دينامو كييف. في الدقيقة 86 يتعادل ميليتو وبعدها بثلاث دقائق يتسبب في هدف الفوز. دور الستة عشر ضد تشيلسي، عصام الشوالي يستهل المباراة بالحديث عن عقدة إنتر ميلانو أمام الأندية الإنجليزية، يقاطعه ميليتو في الدقيقة الثالثة عندما راوغ جون تيري وسدد في الزاوية الضيقة مفتتحًا أهداف اللقاء، ليبدأ الشوالي الحديث عن فك العقدة. دور الثمانية ضد سيسكا موسكو، إنتر يفوز بهدف وحيد في الجوزيبي مياتزا أحرزه ميليتو.

الأمور تزداد صعوبة وميليتو دائمًا في الموعد. برشلونة بيب حامل اللقب يتقدم على إنتر في نصف النهائي في الجوزيبي مياتزا بهدف بيدرو. يصنع ميليتو هدف التعادل ثم يضيف الهدف الثالث، ويتأهل إنتر لنهائي دوري الأبطال.

النهائي على ملعب السانتياجو برنابيو ضد بايرن ميونيخ، حاملو لقب الدوري والكأس في بلادهم يلعبون من أجل ثلاثية تاريخية. ميليتو يدرك أن هذه الفرصة لن تتكرر لذا عليه أن يكون في الموعد كالمعتاد. إنتر ميلانو يفوز بهدفين نظيفين من إمضاء الأمير.

https://www.youtube.com/watch?v=Ezo3yCYbAiE

حتى المباراة الحاسمة للدوري ضد سيينا في آخر الجولات، انتهت بفوز إنتر بهدف وحيد أحرزه ميليتو. نهائي الكأس ضد روما انتهى بنفس النتيجة، من أحرز الهدف؟ لا داعي للتخمين، ميليتو كان بطلًا لثلاثية إنتر ميلانو التاريخية. إذا كان هذا حدث في إنجلترا لأطلقوا عليه «one season explosion» على غرار الـ «one season wonder» الشهيرة هناك.


البطل يعود من حيث بدأ

ترتيب جدول الهدافين للدوري الإيطالي موسم 2008-2009، المصدر:
www.whoscored.com

قضى ميليتو بعد ذلك أربعة مواسم مع إنتر متأثرًا بإصاباته المتكررة والتي جعلته يغيب عن تألقه باستثناء موسم 2011-2012 عندما أحرز 24 هدفًا في الدوري.يرى جوزيف كامبل في كتابه «The Hero With a Thousand Faces» أن كل الأبطال الخارقين متشابهون في رحلتهم.

يبدأ البطل رحلته من عالمه العادي وبعد انتهاء مغامرته يعود إليه من جديد؛ فيقرر ميليتو في عام 2014 العودة من جديد إلى بلاده وإنهاء مسيرته في راسينج كلوب. كانت عودة تاريخية قاد خلالها الفريق إلى لقب جديد للدوري الأرجنتيني بعد 13 عامًا من اللقب الأول.

هل تذكرون «بابلو ديل بييرو»؟ ذلك المشجع المهووس براسينج كان قد حصل على عمل داخل النادي وأصبح قريبًا من اللاعبين. قابل ميليتو عند عودته وكان يتساءل هل سيتذكره ميليتو أم لا؟ ميليتو لم يبد أي مؤشر على تذكره. بابلو ظل مترددًا حتى قرر في نهاية المطاف أن يسأل دييجو مباشرة، فتوجه إليه قائلًا:

دييجو، أريد أن أطرح عليك سؤالًا؟ ليجيبه ميليتو: هل تريد أن تسأل عن تلك السبحة؟

صُعق بابلو من الإجابة، ذلك البطل الأسطوري الذي حصد كل الألقاب الممكنة في أوروبا ما زال يتذكر. ميليتو أخبره أن تلك السبحة رافقته طوال رحلته وكأنها كانت مصدر قوته، ترافقه في المبارايات وحتى الحصص التدريبية. ميليتو استرسل في سرد حكاياته لكن شعر أن بابلو لا يصدق، فوعده بإحضار السبحة معه في اليوم التالي. بابلو قضى اليوم منتظرًا على أحر من الجمر، حتى أحضر ميليتو السبحة معه في اليوم التالي؛ ليطلب منه بابلو أن يأخذ صورة تذكارية معه رفقة السبحة.

في 2016 علق ميليتو حذاءه مسدلًا الستار على واحدة من قصص مظاليم كرة القدم. ميليتو يعلم أنه قد حفر اسمه في قلوب مشجعيه بدلًا من الميديا التي لم توفيه حقه من المديح، على الأقل جماهير إنتر وراسينج ستظل تردد:

هناك مهاجمون، وهناك ميليتو!