هل أنقذنا لاعبو الكاميرون «المغمورون» من تطبيل إعلام مصر؟
و كأن القدر يُريد أن يقولها مرة أخرى ولكن لا أحد كان ينوي الاستجابة لذلك قرر تأجيل القرار إلى آخر لحظة حتى يكون الدرس تلك المرة كالصفعة على وجوه كل من غالطوا أنفسهم والمنطق وكل قوانين الكُرة، كان يُريد القدر أن يُنقذ إحدى بقاع الأرض من جِدال لن يُسفر عن شيء سوي زيادة في اللامنطقية، كان يُريد أن يقول لا لكُل من اعتقد أن الفوز قد يتحقق هكذا.
الوضع تكرر كثيرًا ولكننا لم نتعلم، بالأحرى لم نكن نُريد أن نرى كل الإشارات وما فعلناه كان مُجرد الإصرار على العناد ضد كل شيء منطقي والآن نحصد النتيجة.
النتيجة التي برر الكثيرون نجاح هيكتور كوبر المُدير الفني للمنتخب الوطني بها ولكنها قررت أن تكون للأجدر في النهاية، النتيجة التي طالما تغنينا بها مع تمام اليقين بأننا نجني أكثر مما نستحق.
الكثيرون بل والكثيرون جدًا كانوا يحاولون إقناعنا بأننا حتى ولو على المستوي الفني لم نُقدم ما يشفع للفوز بكأس قارية فإن مجهود وتضحيات ورجولة لاعبينا وكل هذه الاصطلاحات من هذا القبيل كافية لتجعلنا طرفًا في نهائي المونديال الأفريقي، ولكن لماذا لا ننظر سوى لأنفسنا فقط؟، لماذا لا نرفع أعيننا ونرى الجهة الأخرى من العالم أو من الرأي؟.
آفة حارتنا هي التناقُض
أنت تضع أمام عينك قِتال أحمد فتحي في 3 مراكز في الملعب وهو بعمر الـ 33، ومروان مُحسن الذي ظلَّ مُرافقًا للبعثة رغم إصابته بقطع في الرباط الصليبي، وعصام الحضري الذي يُقاتل كي يستطيع حراسة مرمى المنتخب الوطني بعمر الـ 44، وتقول يا إلهي!، ما كل هذه الروح التي نُثابر بها حتى نفوز؟، ثم يتبادر إلى ذهنك تسلسل طبيعي للتفكير المغلوط بأنك صاحب أصعب ظروف بين مُنتخبات البطولة وكأنك ستُحارب العالم وحدك وبالتالي هذا الكم من ادعاء المظلومية وقهر الظروف لك سيُصبح مُبررًا لأي وسيلة للفوز.
في الواقع لا توجد أي ظروف صعبة بل إن منتخب مصر دخل البطولة بتشكيلة كاملة وبلاعبين مُحترفين في كُبرى الأندية الأوروبية مثل روما والأرسنال وهذا قليل الحدوث في مُنتخب مصر، كما أن الدوري المحلي توقف قبل البطولة بشهر كامل تقريبًا لإعداد المُنتخب؛ أي أن كوبر حصل على كل الوقت الذي يُريده أي مُدير فني للتحضير لبطولة مُجمعة، المُنتخب أيضًا كان يضم لاعبين ذوي خبرة مثل الحضري وفتحي وعبد الله السعيد وصلاح وشباب مثل تريزيجيه وكهربا ووردة وقلبي دفاع مُميزين مثل حجازي وعلي جبر، كما أنه ولأول مرة تقريبًا يدخل الفريق المصري بطولة وهو يمتلك أكثر من حارس مرمى يُمكن الوثوق به، فالحضري الذي أكمل البطولة أساسيًا في الواقع كان خيارًا ثالثًا بعد إكرامي والشناوي.
لم يُفكر أحدهم في مُنتخب آخر لم يفز بالبطولة مُنذ 15 عامًا، مُنتخب الكاميرون الذي عصفت به المشاكل في الفترة الأخيرة حيث رفض 7 من اللاعبين الناشطين في أوروبا ترك أنديتهم وتمثيل المُنتخب؛ مما وضع هوجو بروس مُدرب الأسود في موقف بالغ الصعوبة، أبرزهم جويل ماتيب مُدافع ليفربول ونيوم مُدافع ويست بروميتش ألبيون.
الظروف الصعبة هي التي عاشها هوجو بروس الذي لم يكن أمامه سوى الاعتماد على لاعبين تقريبًا لم يلعبوا على المستوي الدولي سوى مباريات تُعد على أصابع اليد الواحدة مثل تامبي ودجوم وفاي الذين مُجتمعين لعبوا 8 مُباريات دولية في حين الأول والثاني يلعبون في هارتس الأسكتلندي وسبارتاك ترنافا السلوفاكي على التريتب، أندية من النادر أن تكون قد شاهدت لها مُباراة أو حتى سمعت بأخبارها في نشرة الأخبار!
الأدهى أن هناك لاعبين مثل جاك زوا وأدلفي تيكيو يلعبان لأندية في الدرجة الثانية في كايزرسلاوترن الألماني وسوشو الفرنسي على التريتب، كما أن الحارس أوندوا الذي اختير في فريق البطولة يلعب في فريق إشبيلية أتليتكو الذي يلعب في دوري الدرجة الثانية الإسباني. لن يكون غريبًا إذن أن يكون أفضل لاعب في البطولة بأكملها هو كريستيان باسوجوج يلعب في نادي ألبورج بولدسيكلب الدنماركي!، فبكل المقاييس مُنتخب مصر أقوى وأكثر خبرة من نظيره الكاميروني، ومع كل هذا واصل المنتخب الكاميروني مشواره في البطولة بأداء أقوى من أداء مُنتخب مصر وأقصى في طريقه منتخبين مُرشحين للقب وهما السنغال وغانا.
هوجو بروس حاول تعويض فارق اللاعبين والجودة بالحماس والروح الإيجابية.
تصريحان يدلان على مدي إيمان كل كاميروني سواء كان في ياوندي أو في الصين بتحقيق الحلم الذي اختار القدر مصر لتكون وسيلة لتحقيقه ليُعاقبنا على كل لحظة افتقرنا فيها للتقييم المنطقي لكل شيء.
كوبر هو الوحيد صاحب التفسير
بدأ كوبر بطريقته المُعتادة 4-2-3-1 التي تتحول تقريبًا إلى 4- 6 في الحالة الدفاعية والتي تعتمد على التراجع بكُل ما تحمل الكلمة من معنى، فالأظهرة المحمدي وفتحي غير مسموح لهم بتخطي خط وسط الميدان تقريبًا، كذلك رجوع صلاح وتريزيجيه للمساندة. الغريب أن تريزيجيه تقريبًا وهو جناح مُهاجم قضى في نصف ملعب مصر أكثر مما قضى في مناطق الكاميرون، على الجانب الآخر تقدم أظهرة الكاميرون كان تقريبًا أساس أسلوب لعب بروس.
الخريطة الحرارية لأحمد فتحي يمينًا وأوينجو يسارًا وكلاهما ظهير أيسر يوضح فلسفة كلا المُدربين، أحمد فتحي بالكاد تخطى خط المنتصف في حين أوينجو قضى نصف المُباراة في مناطق مصر. المصدر: www.beinsports.com
أما بروس فبدأ تقريبًا بنفس الرسم 4-2-3-1 ولكن برغبة واضحة في الضغط على المُنتخب المصري في مناطقه، إذ يتقدم الظهيران فاي وأويونجو على الجناحين ويدخل زوا صانع الألعاب مع تامبي المُهاجم وأحد الجناحين موكاندجو أو باسوجوج إلى منطقة الجزاء ويظل الجناح الآخر مُساندًا للظهير.
الضغط العالي من جانب أشبال البلجيكي بروس أسفر عن مساحات خلف خط دفاعهم؛ مما سمح للنني بتسجيل الهدف الأول بعد عدة تمريرات قلما فعلها المنتخب المصري في الكأس، لكن فارق القوة البدنية مع الانتشار الجيد من منتخب الكاميرون والتراجع المبالغ فيه من منتخب مصر أدى إلى قبول المنتخب المصري هدفين وخسارته للقب في سيناريو مرير حيث كان الهدف الثاني في الدقيقة 86 من اللاعب الرائع فينسينت أبو بكر.
القدر كان مُصممًا على ألا يكون رحيمًا فكلما زاد الأمل زادت الصدمة وبالتالي الخروج من رُبع أو نصف النهائي ما كان ليُصبح بتلك القسوة، بالإضافة إلى التقدم بهدف في المباراة النهائية مما يزيد الأمل إلى أقصى درجاته ثم يستيقظ الجميع على الكابوس المستحق، مستحق لأن الجميع أراد أن يغض النظر عن الحقيقة أن المغرب وبوركينا فاسو كانوا أفضل من مصر واستحقا الصعود. الحقيقة التي تقول بأن رمضان وتريزيجيه وصلاح وكهربا ومروان يستطيعون لعب كرة أجمل بكثير، يستطيعون المبادرة ويستطيعون الفوز.
حتي في المباراة النهائية تفوق الكاميرون كان كاسحًا بما لا يدع مجالاً للشك، إذ سدد الكاميرون 15 كرة مقابل 4 لمصر. المثير للسخرية أن الـ 15 تسديدة كان منها 7 من داخل منطقة جزاء مصر، 7 تسديدات من داخل منطقة جزاء فريق يُصنف على أنه دفاعي هو شيء لا يدعو إلا للضحك.
أساطير واهية
المصريون كان يُريدون الفرحة بأي شكل نظرًا لظروف البلاد التي يعلمها القاصي والداني، وكرة القدم هي أفضل وسيلة للبسطاء كي يعيشوا شعور الانتصار الذي طالما حلموا به؛ وبالتالي برر الجميع سوء أداء مستوى المنتخب مع كوبر بأنها واقعية ودفاع مُنظّم ولكنها أبعد ما تكون عن هذا أو ذاك؛ لأن الدفاع الذي يعرفه الجميع يمنع الخصم من أن يصل لمنطقة جزائك من الأساس لا أن يسدد 7 تسديدات من داخلها.
والأهم في الخطط الدفاعية هي خطط الارتداد الهجومي التي أكاد أجزم أن كوبر لم يكن يهتم أن يطبقها مع أن مُنتخب مصر يمتلك أفضل أدوات لتحقيق مثل تلك الطريقة. ما فعله كوبر في الملعب هو خوف من الهزيمة ووصفه بالدفاع هو سبب لواحد من فنون كرة القدم. لم يتوقف الأمر عند تبرير طريقة اللعب فقط بل افتقار الناس إلى البطل جعلهم يبررون أن يحرس الحضري مرمى مصر وهو بهذا المستوى السيئ جدًا.
الحضري أسطورة مصرية وأفريقية قبل هذه البطولة من الأساس، إذن لماذا يتم تضخيم كل شيء يقوم به؟، هو ليس بحارس شاب يحتاج دفعة معنوية، وكونه تخطى الـ 44 عامًا فهو إنجاز شخصي للحضري نفسه لا ينفع المنتخب بأي شيء ولا يُضيف لحراسة المرمى نقاطًا إضافية. الحضري طوال البطولة ظهر بمستوى مهزوز خاصة في العرضيات، وكل ما فعله في صالح المنتخب هو التصدي لضربتي جزاء من بوركينا فاسو. التقليل ليس الهدف بالتأكيد ولكن أسطورة الحضري أفضل حارس في أفريقيا قد انتهت، الحضري ليس أفضل حارس في مصر بالمناسبة وهو يعلم ذلك وطلب من ميدو مدربه في وادي دجلة ألا يُشركه في آخر المباريات في الدوري حتى لا يظهر بمستواه السيئ قبل اختيار حُراس المنتخب.
القدر مرة أخرى منع فوزًا كان من المُمكن أن يستغله كوبر في تبرير ما يفعله ولكن العباءة سقطت واتضح كل شيء وفي الوقت القاتل، فوزًا كاد أن يستغله سياسيون ونجوم مُجتمع فنانون وغيرهم في الظهور في اللقطة النهائية لكسب شعبية على حساب عرق ومجهود غيرهم، لم نتعلم من أم درمان وما حدث بها والآن حان وقت نائبة التيشيرت، الإيجابية الوحيدة هي الدرس الذي يجب أن نتعلمه جيدًا في الحياة عمومًا لا في الكرة فقط.