منذ أيام قليلة، استقيظ جموع المصريين المتابعين للشأن الرياضي على خبر وصول لجنة الكسب غير المشروع وممثلين من هيئة الرقابة الإدارية إلى مقر نادي الزمالك بالجيزة. وخلال دقائق كانت كل المنصات الإخبارية تضج بأخبار تُفيد بالحجز على خزائن النادي والتحفظ على شئونه المالية إلى حين الانتهاء من التحقيقات. لكن قبل حتى أن نحصل على فرصة في فهم الملابسات بشكلٍ مُفصل، كانت الأزمة قد انتهت بغير رجعة.

زوبعة في فنجان. تلك العبارة العبقرية هي أصدق وصف ممكن وضعه على أغلب الأزمات القانونية التي تتفاقم في مصر. في كل مرة نتعشم -نحن الشعب- في أن ينتقم القانون من الباطشين بأحوالنا حينما تتطرق لآذاننا أخبار التحقيق مع أحدهم، ومن ثم نتسارع في نشر تلك الأخبار في كل حدبٍ وصوب، حتى نتفاجأ في النهاية أن كل الأمور آلت إلى اللا شيء. بقي الحال على ما هو عليه ولا يحق لأي متضرر اللجوء للقضاء، فقط كانت زوبعة في فنجان وذهبت بغير رجعة.


نادي الزمالك «للأزمات» الرياضية (للألعاب سابقًا)

الحقيقة أن ربط اسم نادي الزمالك بالشئون القانونية واللجان القضائية وكل الأشياء التي تمت إلى هذا القبيل بصلة، هو أمر غير جديد بالمرة بل بالعكس مُعتاد جدًا من قبل كافة الجماهير في مصر. والفضل كل الفضل في ذلك يعود إلى المستشار السابق «مرتضى منصور»، رئيس النادي الحالي. الجديد في الأمر هو أن تلك الواقعة هي الأولى من نوعها التي يتم فيها التحقيق في شئون مالية تخص النادي الأبيض. وكالعادة، هذا سبق جديد ضمن الإنجازات العديدة لـ«منصور» في تاريخ النادي.

قبل عقد ونصف من الزمان -تقريبًا- تولى «مرتضى» رئاسة نادي الزمالك لأول مرة في تاريخه، بداية من عام 2005. منذ ذلك التاريخ تحديدًا وبات اسم النادي يتكرر كثيرًا مقترنًا بالمنصات القضائية، ذلك بعدما زج به الرئيس – المُقال وقتها من قبل المجلس القومي للرياضة – من أجل العودة إلى منصبه. وفي كل مرة تتم تنحيته فيها من قبل إحدى أذرع الدولة الرياضية يعود بقوة القانون الذي يتفاخر دائمًا بفهم خباياه.

وفي الإقالة الثانية له في سلسلة الإقالات التي خاضها مع المجلس القومي للرياضة الذي كان يُدير الشئون الرياضية في مصر آنذاك، ظهر على الساحة العامة اسم الملياردير المصري «ممدوح عباس» والذي تم تعيينه من قبل المجلس من أجل إدارة شئون النادي لحين إعادة الانتخابات من جديد لإيجاد بديل لـ«منصور». منذ ذلك الحدث بدأت حالة من الصراع بين الطرفين لم تهدأ طوال هذه السنوات الطويلة، وبدأت معها القصة البغيضة لـ«عباس» داخل نادي الزمالك.

قُدم «عباس» لعموم الجماهير كأحد الأثرياء المحبين للنادي الأبيض. وفي ظل الأزمات المادية التي كان يعاني منها النادي طوال تاريخه الحديث، كان رجل الأعمال المصري بمثابة الأمل الذي تعلقت به جماهير الزمالك من أجل تحقيق حلمين بسعيٍ واحد: الأول، حلم إزاحة شبح «مرتضى» عن طريق صندوق الانتخاب، والثاني، حلم وأد الأزمة المادية في النادي بغير رجعة. المفاجأة كانت فشل «ممدوح» في تحقيق أي منهما. فلقد تم حل مجلسه عدة مرات على يد الرئيس الحالي للنادي بأحكام قضائية واجبة النفاذ، وتفاقمت أزمة النادي المادي حتى وصلت إلى الحد الذي أدانه لكل المتعاملين معه تقريبًا بمن فيهم «ممدوح عباس» نفسه.

جانب رجل الأعمال المصري يؤكد أن مديونيات النادي له قد وصلت إلى 71 مليون جنيه مصري. وكما ورد عن طريق محاميه «كمال شُعيب» فإن النادي مُدان لموكله بمبلغ 2.5 مليون دولار، قد قام بإقراضهم للنادي خلال مدة ولايته الأولى بين عامي 2006 و2009. مؤكدًا أن الفارق في العملة بين وقت اقراض موكله للنادي وبين الوقت الحالي هو السبب في وصول هذه المديونية إلى هذا الرقم بعدما كانت تُقدر بحوالي 15 مليون جنيه فقط.

بالرغم من أن قيمة المديونية ما تزال محل نزاع، لكن المحكمة كانت قد أقرت بحق «عباس» في الحصول على تلك المديونية المتأخرة عند النادي وهو ما يظنه الأغلبية السبب في الأزمة المالية الأخيرة، لكن خطأ يظنون.

النزاع المالي القائم بين «منصور»، في صورة نادي الزمالك، وبين «عباس» لا تزيد قيمته المادية على مليون و500 ألف جنيه مصري، وهو القيمة التي نصت عليها المحكمة في حكمها الصادر لصالح «عباس»، والذي تم بموجبه الحجز على أرصدة النادي وحساباته بالبنوك؛ لرفض رئيسه سداد المبلغ المستحق في الموعد المتفق عليه. لكن في هوجة الأخبار والتقارير التي أثيرت بالتزامن الأزمة الحالية، أخرجت بوابة «الوطن» معلومات من الاستقالة المسببة التي قدمها «محمد الشهاوي»، المدير المالي السابق لنادي الزمالك، بتاريخ 5 نوفمبر 2017. تفيد بأن الحجز لا يقتصر فقط على أزمة «عباس» ومديونيته، لكن للجهات السيادية المصرية جانبًا في هذا.

كشف «الشهاوى» فى الاستقالة عن أنه طالب رئيس النادى بإنهاء أزمة الحجز على حسابات النادى عدة مرات، مؤكدًا أن ذلك الحجز بسبب 26 مليون جنيه ديونًا متراكمة لصالح التأمينات، و130 مليون جنيه ديونًا للضرائب، فضلاً عن ديون «ممدوح عباس». المنطق يقتضي أن تكون تلك الأموال هي سبب الحجز الحقيقي على أرصدة النادي لأنها أموال لمصالح حكومية واجبة السداد عن ديون الأشخاص التي يمكن المماطلة فيها إلى حدود بعيدة.


عن أي شيء كانت تبحث اللجنة؟

في يوم الأربعاء الماضي، تحركت لجنة من 5 خبراء إلى نادي الزمالك محملين بقرار من نيابة الأموال العامة يقضي بفحص أوراق النادي المالية من تاريخ 14 مارس 2014 -تاريخ الحجز على أرصدة النادي- وحتى تاريخه، بما في ذلك الإيرادات والمصروفات وعقود اللاعبين والأموال المحصلة من إعاراتهم -بكل العملات- وكذلك رواتب العاملين بالنادي والإداريين. السبب المُعلن آنذاك أن اللجنة تتحقق مما إذا كان النادي قد قام بفتح حسابات شخصية لأعضاء مجلس إدارته من أجل أن تحل محل حساب النادي المحجوز عليه.

كل المتابعين اعتقدوا حينها أن الدولة قد سئمت من وجود «منصور» ومن البلبلة التي يُثيرها في كل حين، وأن تلك العملية ما هي إلا إجراء قانوني عادي من أجل إيقاعه في الفخ، حيث إن مجلس إدارة النادي قد أعلن في مرات عديدة أنه يستعين بالحسابات الشخصية لأعضائه من أجل تحويل الأموال من الجهات الخارجية وحتى وضعها داخل خزينة النادي الرئيسية، بالتالي هذا مبرر واهٍ للتحقيق، فالاعتراف سيد الأدلة، لكن ما يبدو أن الرقابة الإدارية ولجان الكسب غير المشروع قد قررا -أخيرًا- البحث حول الفساد المالي الذي يدور داخل نادي الزمالك.

خلال عام 2016،خرج تقرير من مكتب المراقب المالي «حازم عبدالتواب» كشف عن عمليات اتجار في العملة بالسوق السوداء ارتكبها مجلس الإدارة، على خلاف القانون، وهو حسب تقرير موقع «في الجول» قد تم من خلال استغلال عمليات التعويم على قيمة الجنيه المصري التي اتخذتها الحكومة المصرية مؤخرًا. الزمالك قد استفاد من بيع لاعبيه إلى الأندية السعودية من أجل إدخال عملات دولارية إلى خزينة النادي. الصفقتان اللتان خرج فيهما «محمود عبد المنعم كهربا» و«محمد عبد الشافي» تمّا خلال سعر للدولار يقارب 8.88 جنيه مصري، قبل أن يصل لمراحل قاربت الـ19 جنيهًا. والمفترض أن اللجنة قد حققت فيما إذا كان النادي قد استفاد من هذا التعويم أم لا؟ عن طريق استخدام السوق السوداء في تحويل هذه العملات.

«في الجول» أكد أن أحد مصادره المُطلعة داخل النادي قد أشار إلى وجود غياب لأوراق التحويل من وإلى الجنيه المصري، لأن الصرافات المعتمدة لم تكن تتعامل بالدولار في الفترة بعد التعويم مباشرة، بالتالي هناك بالنادي أوراق -حسب افتراض مصدر «في الجول»- تسمح بخروج دولارات من خزينة النادي ثم دخول عملات مصرية محلها، ما تم دون ذلك غير معروف وفقًا للأوراق الرسمية. وإن افترضنا وقوف الوضع عند ذاك الحد فهو فساد يقضي بالمحسابة على الأقل.

الأكيد الآن أن وجود حساب خارج الحساب الرسمي للنادي يُعد تسهيلاً مُعلنًا للقيام بأي نشاط مالي لا يمكن المحاسبة عليه، وهو ما تحركت اللجنة على أساسه من البداية، واضطر ذلك التحرك رئيس النادي لمنع اللجنة من الدخول، وهو ما دفع اللجنة لطلب الأمن المركزي لكي يسمح لها بالدخول. كلها أمور تُشير إلى جدية التحقيق، فكيف ينتهي الأمر ببيان من اللجنة يُفيد حصر النقود وعدها ومن ثم تحويلها إلى الحساب البنكي للنادي ببنك مصر فرع المهندسين! كيف تنتهي كل هذا اللغط الإعلامي إلى إجراء تقليدي كهذا؟


تشكيل لجنة لخدمة «مرتضى منصور»

«مرتضى منصور»قد أعلن عقب انتهاء الأزمة أن ديون النادي لن تُحصل في الوقت الحالي بسبب حل وضعته الدولة، وهو أن تحول الأموال من خزينة النادي العمومية إلى الحساب البنكي مع ضمان بعدم تحصيل ديون النادي من ذلك الحساب حتى تتم الإجراءات وفقًا للاتفاقات التي يبرمها النادي بنفسه مع الدائنين، مع وجود حرية كاملة في التصرف من قبل إدارة النادي في الصرف والتحويل من وإلى الحساب، إذًا المحصلة النهائية هي: رفع الحظر عن حساب النادي.

اللجنة كان عليها العمل على الفساد المالي الذي يشوب إدارة النادي، وذلك حسب كل ما أُثير من أخبار أثناء وبعد الأزمة، وحسب ما ذُكر نصًا على لسان رئيس النادي حين أوضح مدافعًا عن نفسه أنه «شريف»، بالتالي ما ذُكر فيما بعد الانتهاء من العمل داخل النادي على لسان «محمد كساب»، مدير عام إدارة العلاقات العامة والإعلام في وزارة الشباب والرياضة، يُبين لنا شيئًا واحدًا فقط، أن هذه اللجنة شُكلت لخدمة «مرتضى منصور» وليس لصالح الدولة.

«كساب» أوضح بعد انتهاء الأزمة أن دور اللجنة كان جرد ما في خزينة الزمالك، وأن اللجنة وجدت 107 ملايين جنيه في الخزينة وهذا رقم يستحيل أن يكون موجودًا في خزينة واحدة لاعتبارات أمنية وعملية، فهل تفاجأت اللجنة بشيء اعترف به رئيس النادي مرارًا وتكرارًا؟ «منصور» دائم التفاخر بوجود حساب بنكي شخصي لعضو مجلس الإدارة «هاني زادة»، وبأن النادي يملك ما يصل إلى 200 مليون جنيه مصري في خزينته، فهل ذهبت اللجنة للتأكد فقط من صدق قوله أم للتحقيق في ملابسات ذلك؟

يمكن وضع أي سبب لتحرك لجنة من الكسب غير المشروع والرقابة الإدارية إلى نادي الزمالك في الأيام الماضية غير التحقيق، ممكن أن ينتهي الوضع إلى كونه تحذيرًا أو ما شابه، وأظن أنها الصيغة المناسبة أكثر للأمر.