هل أدرك مانشستر يونايتد حاجته للفوز والبطولات متأخرًا؟
لا داعي لمقدمة، دعنا نبدأ مباشرةً، مانشستر يونايتد نادٍ كبير، كبير فعلًا، أكبر مما يجب إن جاز التعبير.
استفاد النادي من فترة أسطورية للسير أليكس فيرجسون، أنتجت عددًا هائلًا من البطولات والانتصارات والنجوم، وتزامنت فترته مع بداية انتشار البريميرليج حول العالم، فتكونت تلك الشعبية الجارفة في كل مكان.
مع استحواذ الجليزرز على النادي في 2006، وبينما انتظر الناس إنفاقًا أكبر على النادي كعادة عمليات الاستحواذ، كانت خطة الجليزرز كلها متمحورة حول استغلال هذه الشعبية قدر الإمكان، بداية لتمويل عملية الاستحواذ الطفيلية على النادي، وبعد ذلك لتعظيم مكاسبهم الشخصية.
لكن آثار تلك السياسة لم تظهر على أرض الملعب طوال فترة السير مع الفريق، لتحكمه الكامل في كل ما يخص كرة القدم، لكن منذ 2013 ومع اعتزال السير، بدا واضحًا أن الجليزرز لا يعرفون شيئًا عن كرة القدم ولا يهتمون من الأصل، وبدأت من يومها رحلة التخبط التي تعرفها جيدًا.
خلال هذه الرحلة، وبينما تراجع اليونايتد تدريجيًا على مستوى كرة القدم، وأقيل مدرب ليأتي آخر، كانت أرباح الفريق تتزايد في كل عام، ووقع عقود رعاية تاريخية مع أديداس وشيفورليه، وهو ما يبدو ظاهريًا غير منطقي.
لا نهتم
تثير العلاقة بين الإنجازات الرياضية والمكسب المادي خلافًا متكررًا بين المختصين. نادٍ مثل أرسنال لم يفز بالدوري منذ 2004، وما زال من أعلى الفرق أرباحًا، ومثيرًا لاهتمام الجميع رغم تدني مستواه المستمر.
رغم أن ذلك قد يثير غضب مشجعي اليونايتد، فإن الإدارة لم تكن ترى أداء فريق الكرة ذا أهمية، وفي الوقت الذي فشلت فيه صفقة سانشيز ولم تقدم أي إضافة فنية للفريق،خرج «إد وودوارد» ليتحدث عن التفاعل والأرقام التي جلبها فيديو التقديم عبر منصات مواقع التواصل.
ينظر هنا لفريق الكرة كآلة لإنتاج المحتوى التسويقي ليس أكثر، وطبقًا لجون ديكسون خبير التسويق الرقمي، فإن النادي ليس في حاجة دائمة ليُقدِّم مستوى عاليًا ليحافظ على تدفق الأرباح والتوسع عبر مواقع التواصل، يكفيه فترة جيدة كل موسم ورصيد من الأساطير والمباريات التاريخية، وبإمكانه استخدام ذلك لتحقيق المكاسب المرجوة والمحافظة على المعجبين.
وهذا الانفصال الذي حدث بين الأداء والأرباح، هو ما جعل الفريق يقضي سنوات من التخبط والعشوائية والصفقات الخاطئة ولا يهتم بتأثير ذلك على نتائجه أو جودة كرة القدم التي يقدمها.
Super Clubs
يعود هذا المصطلح لجوناثان ويلسون كبير محرري الجارديان، والذي يرى أننا شهدنا عصر الأندية الخارقة أو «Super Clubs»؛ أندية نجحت في مراكمة الثروات والقوة والمواهب عبر العقدين الأخيرين لدرجة أنها أصبحت أغنى مما يجب وأكبر من الفشل ذاته.
ضرب ويلسون مثالًا ببرشلونة ويوفنتوس طوال العقد الماضي، أندية ذات جماهيرية كبيرة وقاعدة مشجعين واسعة، وارتكبت إدارتهم الكثير من الحماقات بشكل مستمر، لكنهم حققوا الكثير من الأموال والبطولات كذلك، وظلوا بين كبار القارة، وكان مانشستر يونايتد مثلهم بالطبع.
لكن حين ترى مصير يوفنتوس وبرشلونة الحالي، ستدرك أننا وصلنا للمرحلة التالية، والتي أطلق عليها جاك بيت من «ذا أثليتك»، عصر الأندية الكسولة، الأندية التي ارتكنت لنجاحها وشعبيتها، فتوقفت عن التخطيط والعمل، وقامت بالكثير من التصرفات الغبية، حتى فقدت مكانتها أو كادت.
كبار أوروبا جميعًا أصابهم ذلك، ربما باستثناء بايرن ميونخ، وكان مقترح السوبر ليج أملًا أخيرًا لهم ليغطي على كل الحماقات التي ارتكبوها ويعادل الخسائر المادية الفادحة، لكن فشل المشروع، وترك كل واحد منهم ليواجه عاقبة أفعاله.
كان اليونايتد على رأس المتضررين، وفي 2021 تراجع في تصنيف «Deloitte» لأكثر الأندية دخلًا سنويًا ليحل في المركز الرابع، ويتقلص الفارق بينه وبين ليفربول إلى 22 مليون يورو كأقل فرق بينهما على الإطلاق.
كما أعلن الفريق عن خسائر بمقدار 92.2 مليون جنيه إسترليني للسنة المالية المنتهية في 30 يونيو 2021، ورغم أن إد وودوارد ما زال يؤكد أن النادي يسير على الطريق السليم، فإنه يبدو أن الأرباح قد تأثرت بمستوى الفريق رغمًا عن الجميع.
كيف يؤثر ضعف الأداء على الأرباح؟
بشكل مباشر فإن النادي يحصل على أموال أكبر مع كل نجاح، عبارة عن مدفوعات مباشرة من الاتحادات وحصص من أموال البث، حين وصل الفريق إلى ربع نهائي دوري الأبطال حصل على 83 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي مقابل 38 فقط حين حقق اليوروبا ليج.
لكن الأهم من المدفوعات المباشرة، هي المكافآت الموجودة في عقود الرعاية، والتي تدفع مع كل إنجاز جديد، وبالمثل فإنها تقتطع مع كل إخفاق، وسنوات من الإخفاقات لن تجلب عقود الرعاية نفسها التي جلبها النجاح المستمر لعقود.
والجزء الأهم والذي أثار فزع الجميع، هو أنه بكل بساطة إذا كانت القاعدة الحالية للمشجعين تكونت في فترة النجاح، فإن المستوى الحالي لن يجذب أي مشجع جديد، وهو ما يجعل توسع النادي في الأسواق الجديدة محدودًا.
يشتعل الصراع بين الأندية حاليًا حول السوق الآسيوي تحديدًا، وقد بذل اليونايتد الكثير لأجل جذب أكبر عدد ممكن من الجماهير من اليابان والصين، لكن لا يحقق النادي توسعًا كبيرًا هناك، ويميل المشجعون الجدد إلى ليفربول ومانشستر سيتي بحكم تفوقهم الحالي ونتائجهم الرائعة مؤخرًا.
والمشجع الذي تفقده لخصمك الآن لا يمكنك استرداده أبدًا، ويمتد أثر تراجع الفريق لما هو أبعد من ذلك، وطبقًا لهيدياكي نايتو، رئيس رابطة مشجعي اليونايتد في اليابان، فإن الكثيرين من مشجعي يونايتد اليابانيين بدأوا يفقدون اهتمامهم وينصرفون عن كرة القدم أو يشجعون أندية أخرى بسبب تراجع الفريق، وهو ما سيؤثر عاجلًا أو آجلًا على تطلعات النادي في السوق الآسيوي.
فقاعة البث
ربما لا يتعلق هذا باليونايتد وحده، لكن بدأت هذه الأزمة تقض مضاجع الجميع من الآن، وهي أن عقود البث التي ظلت تتضاعف خلال العقد الماضي يبدو أنها وصلت للقمة، والأرقام التي تدفع حاليًا لن تتكرر ثانية.
طبقًا للسيدة كلير إندرز محللة الإعلام، فإن عدة أسباب دفعت بعقود البث للأرقام الجنونية الحالية، لكن العقود القادمة ستكون أقل بشكل واضح، والعقد الأخير كان الوحيد الأقل من سابقه، وأن على الجميع الاستعداد للتعامل مع ذلك.
يضاف ذلك إلى مخاوف الجميع حاليًا من الانخفاض في شعبية كرة القدم بين أفراد الجيل زد، والذي أصبح بشكل رسمي الجيل الأكثر عددًا على كوكب الأرض.
هذا جيل لا ينجذب إلى كرة القدم ولا يفضلها، وتستحوذ أدوات الترفيه مثل الأفلام والألعاب الإلكترونية على اهتماماتهم، وهو ما يفقد كرة القدم قدرًا هائلًا من الأموال ينفقه هذا الجيل.
وانخفاض الأموال في اللعبة سيطال الجميع، ولن يكون بإمكان اليونايتد أن يدفع 400 ألف أسبوعيًا لسانشيز ويكتفي بأرقامه عبر فيسبوك، أو يدفع 50 مليون لاستقدام فان دي بيك دون أن يعلم مركزه من الأصل.
واجتماع هذه الأشياء، هو ما جعل اليونايتد يشعر بالخطر ولو قليلًا، لأن الخطر بات يهدد الأموال هذه المرة، وهو ما دفعهم مرغمين أن يفكروا في أصل كل شيء؛ كرة القدم.
تركة ملغمة
أزمة اليونايتد الحالية أن سنوات من القرارت الخاطئة والعشوائية، تركت الفريق في حال لا يساعد على نجاح أي مدرب.
يعاني تشكيل الفريق من حمولة زائدة تكلفه فاتورة مرتبات ضخمة، هي الأعلى في البريمييرليج بأكمله، ودون فائدة توازي تلك المبالغ، خوان ماتا يجاور ماتيتش على الدكة ليحصلوا على 300 ألف يورو أسبوعيًا، بوجبا وفرنانديز وفان دي بيك، يتنافسون على مركز واحد في التشكيل، وجلب الفريق رونالدو بينما يعاني وسطه ودفاعه ويحتاجون للتدعيم.
حين تفكر في العشوائية فلن تجد أكثر من صفقة رونالدو لتدرك ذلك، لا يقلل أحد من رونالدو بالطبع، وأثره التسويقي والمعنوي، لكن اليونايتد لم يكن بحاجة فنية عاجلة إليه، ووجوده يفرض ارتباكًا تكتيكيًا، ويضطر المدرب لتطويع أفكاره لخدمته، وهو ما كان الفريق في غنى عنه.
دفع سولشاير ثمن هذا الارتباك وترك الفريق عقب خسائر مذلة أمام واتفورد ومانشستر سيتي، وعند ذلك توقفت الإدارة للحظة، وأدركت أنها الآن على مشارف الهاوية، وخطوة واحدة في الاتجاه الخاطئ ستهوي بهم دون إبطاء.
ما صلح به أوله
حين فكرت الإدارة، قررت أن تعود إلى الطريقة التي بُني بها النجاح أول مرة، رجل يكون مسئولاً عن الفريق بالكامل، من التعاقدات للتدريب للتغذية للكشافة، وعندها لم يجدوا أفضل من رانجنيك.
رانجنيك هو عراب ثورة التدريب الألمانية الحديثة، وينسب له الفضل في وجود مدربين مثل كلوب وتوخيل وناجلسمان، وهو رجل شغل كل مناصب كرة القدم تقريبًا، ويمتلك رؤية عامة إصلاحية للنادي، وصاحب أسلوب وهوية واضحة.
والمتوقع أن رانجنيك سيشغل منصب المدير الفني كفترة مؤقتة لنهاية الموسم، بعدها ينتقل ليشغل دور المدير الرياضي، ومهما كان رأيك في الألماني، فهو القرار الوحيد المنطقي منذ رحيل السير، وهو سبيل اليونايتد الأخير حتى يعود للطريق الصحيح.
وبين رفض إدارة النادي إعطائه الصلاحيات في 2019 وموافقتهم الآن، لم تتغير نظرة الجليزرز ولم يقرروا الاهتمام بكرة القدم فجأة، ولكن الأموال كانت الدافع الوحيد، لكن السؤال الآن: هل يمكن لرانجنيك إصلاح ما أفسدته سنوات العشوائية أم فات الوقت لذلك؟ دعنا ننتظر ونرى.