محتوى مترجم
المصدر
Al-Monitor
التاريخ
2016/07/25
الكاتب
نور سماحة

بدأ الأمر في شهر مايو/آيار بالإعلان عن تنسيق وحدة اتصال إسرائيلية مع السكان السوريين في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة في الجنوب السوري، تلا ذلك توزيع مساعدات إسرائيلية خلال شهر رمضان في 35 قرية في ذات المنطقة، ثم في 11 يوليو/تموز، نشر الجيش الإسرائيلي عدة جرافات ودبابة على بعد 300 متر بعمق الأراضي السورية في القنيطرة وبدأت الحفر، مهددين أيًا من يقترب منهم بالتعرض لإطلاق النار.

رغم سياسة إسرائيل الرسمية الخاصة بعدم التدخل في الحرب السورية – باستثناء تقديم العلاج لأكثر من 2000 سوري، ضمنهم مقاتلين من جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة – أكدت بعض الشخصيات السورية المعارضة المتمتعة بعلاقات قوية مع مسئولين إسرائيليين للمونيتور على وجود اهتمام متزايد بإنشاء منطقة آمنة في جنوبي سوريا. وتشير الخطوات على الأرض إلى أن مثل هذا المشروع ربما يجري تنفيذه.

زار كمال اللبواني، وهو شخصية سورية معارضة ومناصر قوي لإنشاء المنطقة الآمنة في الجنوب السوري، مسئولين في إسرائيل خلال العامين الماضيين. في زيارته الأخيرة في فبراير/شباط، أشار إلى تغير واضح في اللهجة داخل دائرة صنع القرار الإسرائيلية.

«مثّل الأمر مفاجأة لي أنه، في الكنيست، قد وافقوا على المنطقة الآمنة، وأننا إن طلبنا تنفيذها فهم مستعدون للمساعدة»، حسبما صرح اللبواني للمونيتور، مضيفًا أنه التقى بالعديد من كبار المسئولين والدبلوماسيين الأجانب للمضي قدمًا في تنفيذ الفكرة.

يفترض للمنطقة الآمنة المقترحة، أن تمتد إلى 10 كيلومترات داخل عمق الأراضي السورية وحوالي 20 كيلومتر بطول الحدود.

ومن ثم، في اجتماع مع السفير الأمريكي في إسرائيل، «أخبرني أن الأمريكيين لن يعارضوا ذلك»، وفق اللبواني، مضيفًا أنه عندما قُدم الاقتراح لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، «لم يعارضه».

حسبما أوضح اللبواني، يفترض للمنطقة الآمنة المقترحة، التي وافق عليها الإسرائيليون، أن تمتد إلى 10 كيلومترات داخل عمق الأراضي السورية وحوالي 20 كيلومتر بطول الحدود، تبدأ مباشرة من جنوب حضر (قرية درزية موالية للحكومة) حتى جنوب القنيطرة، لتشمل أكثر من 17 قرية، يبلغ تعداد سكانها حوالي 15.000 نسمة.

وأوضح أن «الإسرائيليون قالوا إنهم سوف يستخدمون أمنهم القومي كذريعة أمام المجتمع الدولي، وأنهم يريدون حماية حدودهم. ثم يمكن للأردنيين والأتراك أن ينشئوا مناطقهم الآمنة بعد أن يبدأ الإسرائيليون».

ظهرتوحدةالاتصال لأول مرة في مايو/آيار 2016، بهدف تنسيق توصيل المساعدات الطبية والإنسانية للسكان في جنوب سوريا، في جهود لكسب القلوب والعقول. تذكر تقارير أن هذه الوحدة مبنية على طريقة وحدة «ياكال»، التي أنشئت من أجل جنوب لبنان أثناء الحرب الأهلية اللبنانية كآلية للتفاعل مع الميليشيات والمواطنين اللبنانيين.

في عام 1975، في بداية الحرب الأهلية اللبنانية، بدأت إسرائيل الاتصال ببعض السكان في إطار ما أطلق عليه «سياسة السياج الجيد». وفق سكان لبنانيين، أقامت إسرائيل شبكة من المتعاونين ولعبت على المخاوف الطائفية ضد الفلسطينيين. وخلال أشهر، أنشأت إسرائيل «جيش لبنان الحر» تحت قيادة الضابط اللبناني المطرود سعد حداد. وفي عام 1980، حين كان حداد مسنًا ومريضًا، أصبح اسم تلك القوة «جيش لبنان الجنوبي» تحت قيادة أنطون لحد. كانت مهمتها استهداف أعداء إسرائيل، من الفلسطينيين واللبنانيين، وأن تمهد الطريق للاجتياح الإسرائيلي والاحتلال اللاحق للجنوب اللبناني.

يبدو أن هناك سيناريو مشابه يتبلور في جنوب سوريا بعد 40 عامًا.

«في ضوء تاريخها الطويل من العلاقات بطول وعبر حدودها الشمالية، تعد إسرائيل لاعبًا سرمديًا وترى الوضع في جنوب سوريا عبر معلماتها الإستراتيجية»، حسبما قال روبرت روك، رئيس قسم التاريخ بجامعة توسون بالولايات المتحدة، للمونيتور. وأضاف روك، الذي يتخصص في الشئون الإسرائيلية والسورية، «يجرى تنفيذ شيء أشبه بـ «السياج الجيد»، ووراء المساعدات الإنسانية والعلاقات العامة الجيدة، هناك بالتأكيد أهداف استخباراتية سوف تُكشف بمضي العملية قدمًا».

في عام 1975، في بداية الحرب الأهلية اللبنانية، بدأت إسرائيل الاتصال ببعض السكان، فأنشأت «جيش لبنان الحر» وذلك لاستهداف أعداها هناك.

أدى الانسحاب القسري للحكومة السورية، إلى جانب مغادرة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، للمنطقة، إلى ترك المنطقة تحت سيطرة مجموعة متنوعة من فصائل المعارضة والتنظيمات المتطرفة. لكن ما يضيف المزيد من الضغوط على السكان هو تدفق النازحين داخليًا والهاربين من الاشتباكات بين قوات الحكومة وفصائل المعارضة وبين فصائل المعارضة المتناحرة.

وفق اللبواني: «حين تقدم إسرائيل للشعب السوري في الجنوب المساعدات والأدوية، يتوقفون عن اعتبارها عدوًا وتهديدًا. اليوم يُعد المناخ ملائمًا جدًا لفعل ذلك». كما أضاف أن إسرائيل تشغل شبكة شاملة للاتصال وجمع الاستخبارات في أنحاء الجنوب.

«الناس فقراء الآن وجياع، لذلك سوف يعملون لصالح أي جهة من أجل القليل من المال»، حسبما قال، «إسرائيل تستطيع الوصول إلى أي مكان ولديها الكثير من المعلومات».

قال موتي كاهانا، المؤسس الإسرائيلي الأمريكي للمنظمة غير الحكومية «عمل لله»، المتواجدة في الولايات المتحدة والمناصرة لفكرة المنطقة الآمنة، والتي تعمل بشكل وثيق مع اللبواني، «إن الحكومة الإسرائيلية قد أعطته الضوء الأخضر للعمل داخل المنطقة الآمنة المحددة».

«لقد بدأنا العمل بالفعل»، حسبما صرح كاهانا للمونيتور من مكتبه في نيويورك. «لذلك فخلال الأسابيع القليلة القادمة، سوف نجلب إمدادات إلى داخل المنطقة الآمنة السورية». وتابع: «الحكومة الإسرائيلية سوف تسمح لنا بتوصيل إمدادات إنسانية إلى الشعب السوري»، مضيفًا أن إسرائيل «مستعدة للسماح لمنظمة غير حكومية أمريكية – نحن – بالتوسع وتوصيل الإمدادات».

أوضح كاهانا أن المرحلة الأولى تتمثل في توصيل أدوية ومعدات، والثانية في فتح مدارس والتركيز على التعليم، والثالثة في المساعدة في إنشاء وتجهيز قوة شرطية محلية. «لقد حددنا البلدات والقرى التي سنعمل داخلها، لكن لا يمكننا بعد مشاركة مواقعها بدقة»، وفق كاهان. كما رفض تحديد تنظيمات المعارضة التي تنسق معها المنظمة.

المؤكد أنه بعد تشكيل وحدة الاتصال، ظهرت المساعدات الإسرائيلية فجأة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. قال أبو عمر الجولاني، المتحدث باسم مجلس قيادة الثورة بالقنيطرة والجولان، للمونيتور: «سمحت شبكة من المتعاونين مع إسرائيل لهذه المساعدات بالوصول عبر مرتفعات الجولان المحتلة».

وأضاف: «لا نعرف من هم، لكنهم يعملون في جوف الليل ووزعوا المساعدات على 35 قرية، بما فيها قرى صيدا الجولان، وصيدا الحانوت، وغدير البستان والهيشا»، ما يشير حسبما علّق إلى نظام توزيع ممنهج له امتداد واسع في أنحاء المنطقة.

هناك حوالي 14 لواءً في المنطقة، من الجيش السوري الحر إلى جبهة النصرة، وشهداء اليرموك التابع للدولة الإسلامية. «ليس لدى أي من هذه التنظيمات مشكلة مع إسرائيل، وكذلك إسرائيل ليس لديها مشكلة معهم»، وفق اللبواني، «بل المشكلات داخلية بين التنظيمات المختلفة».

لقد تعرضنا لغسيل دماغ لعقود لنفهم أن إسرائيل عدوتنا. لكنها ليست كذلك. في الواقع، إنها الوحيدة التي تضرب أعدائنا.

كذلك أكد عصام زيتون، معارض سوري آخر له علاقات بإسرائيل، على وجود العلاقة السرية بين إسرائيل والعديد من قادة اللواءات، خصوصًا هؤلاء المشاركين في مركز العمليات العسكرية بالأردن. كذلك يدعم زيتون، وهو السوري الوحيد الذي دعته إسرائيل لحضور المؤتمر الأمني السنوي بهرتسيليا، إنشاء منطقة آمنة بموافقة إسرائيل.

قال زيتون للمونيتور: «لقد عملت طوال السنوات الخمس الماضية من أجل فتح هذه النافذة المغلقة»، في إشارة إلى شراكة مع إسرائيل. «لقد تعرضنا لغسيل دماغ لعقود لنفهم أن إسرائيل عدوتنا. لكنها ليست كذلك. في الواقع، إنها الوحيدة التي تضرب أعدائنا».

وفق زيتون، المنطة الآمنة المقترحة «تبدأ من جباتا الخشب (جنوب حدر) وصولًا إلى صيدا الجولان وتل الحارة”، وهو ما يتجاوز الإحداثيات التي قدمها اللبواني، ويسلط الضوء على المناطق التي وزعت منها المساعدات الواردة من إسرائيل مؤخرًا.

بالنسبة لإسرائيل، سوف يكون إنشاء منطقة آمنة مفيدًا بشكل كبير. فعبر إنشاء منطقة عازلة تمنع القوات الجوية السورية من الطيران قريبًا من الحدود وتمنع حزب الله من تدشين هجمات على الجولان المحتل، تعزز إسرائيل قبضتها على الأراضي التي يزعم قادتها أنها تنتمي إليهم وأنه يجب الاعتراف بذلك دوليًا.