على خطى «النمل»: هل تحولنا الفطريات إلى زومبي؟
أتذكر عندما كنت صغيرة شاهدت فيلم «I’m a Legend» لويل سميث، كان يتحدث عن الزومبي ووجود كائنات غريبة مفترسة من البشر تحولت نتيجة الإصابة بمرض غير من طبيعتهم البشرية وملامحهم الخارجية.
حاول ويل سميث خلال الفيلم التواصل مع أي شخص على قيد الحياة غيره ويعمل جاهدًا لإيجاد مصل علاجي للزومبي، وكان هذا الفيلم بمثابة أول عرض لفكرة الزومبي بالنسبة لي، وحتى الآن ما زالت أفلام الزومبي تنهال علينا وتصنف كأفلام خيال علمي.
لكن بعد ظهور مسلسل «The Last of Us» قد يتغير مفهومنا عن التصنيف بعد الشيء، حيث يناقش المسلسل إمكانية تحول الإنسان لزومبي نتيجة الإصابة من أحد الفطريات، وهو فطر الكورديسيبس فما هذا الفطر؟ وهل قد نتحول إلى زومبي يومًا ما؟
ما فطر الكورديسيبس؟
تتنوع الفطريات بدءًا بفطر المشروم الآمن الذي يمكننا تناوله إلى أنواع خطيرة تسبب الأمراض المختلفة منها ما يسهل علاجه والآخر قد يكون مميتًا.
فطر الكورديسيبس من الفطريات المميتة لكن هذا التأثير مقتصر على الحشرات خصوصًا النمل والعنكبوت، وينمو هذا الفطر على الجبال المرتفعة في بعض المناطق في الصين ويوجد أنواع وفصائل مختلفة منه.
عندما يصيب هذا الفطر النمل فإنه يسيطر عليها بالكامل وتظهر علامات لسلوكيات غير طبيعية على النملة المصابة، ويستنزفها تمامًا من المغذيات ويأكل لحمها ومن ثم يبدأ بالتحكم بها وفي تحركاتها حتى يقتلها.
عند موت النملة المصابة ينبثق من رأسها فرع مخصص لنشر جراثيم الفطر في المنطقة المحيطة؛ ليصيب مجموعة أخرى من النمل وتتوالى أجيال الفطر، ويضمن استمراره على قيد الحياة واستنزاف مجموعات جديدة من الضحايا.
لم يتوصل العلماء حتى الآن عن كيفية تحكم هذا الفطر بالنمل لهذه الدرجة وهناك نظريتان وهما ما يلي:
- يتحكم الفطر بالنملة المصابة عن طريق التفاف خلايا الفطر حول المخ، وبالتالي يتحكم في الجهاز العصبي، ومن ثم يمكنه التحكم في العضلات.
- يمكن للفطر التحكم من خلال إفراز مواد كيميائية تغير من سلوكيات وتصرفات الحشرة أو الحمض النووي لها.
عند فحص وتحليل النمل المصاب بفطر الكورديسيبس لم يجد العلماء حتى الآن آثارًا للفطر في خلايا المخ، لذا يرجحون أن التحكم والسيطرة تكون من خلال مواد كيميائية أو التفاف الفطر على الألياف العضلية.
اقرأ أيضًا: الفطريات (الجهاز الهضمي للطبيعة) قد تحفظ مستقبل الأرض
هل قد يتحول الإنسان إلى زومبي؟
قد ينتابك الذعر لوجود فطر مثل الكورديسيبس يمكن أن يصيبنا كالنمل ونتحول بعدها إلى زومبي، ولكن هل لذلك أي أساس من الصحة في الوقت الحالي؟
لا يمكن لهذا الفطر أن يصيب الإنسان حاليًا ويحوله إلى زومبي نظرًا لعدة أسباب ومنها ما يلي:
- إصابة الإنسان بالفطر تحتاج إلى عدة تحورات وتكيفات من الفطر؛ كي يتأقلم مع درجة حرارة أجسامنا ويتمكن من العيش فيها دون أن يموت؛ لأنها يمكنها العيش حاليًا في درجة حرارة حوالي 25 درجة مئوية، أما درجة حرارة جسم الإنسان فهي مهلكة بالنسبة للفطر.
- انتقال العدوى من نملة لأخرى أمر صعب بخاصة مع وجود نظام المناعة الاجتماعي الذي يتبعه النمل حيث يطرد النملة المريضة؛ كي لا يصاب الآخرون بالمرض، وإنما تحدث العدوى بعد موت النملة ونثر الجراثيم لتصيب نمل آخر.
- لا يحدث انتقال للعدوى من النمل إلى الإنسان وهو ليس بالأمر اليسير في الوقت الراهن، ومع ذلك فقد حدث سابقًا في فيروس كورونا وانتقل من الحيوانات إلى الإنسان.
- عدوى الفطر تصيب النمل بخصوصية وانتقاء شديد، أي فصائل محددة يمكنها إصابة أنواع محددة من النمل، فلا يمكن للفطر الذي يصيب نوع من النمل في كندا أن يصيب هذا الفطر نوع آخر من النمل في الصين.
قد تعتقد أن بعد هذه الأسباب فإن الإنسان في مأمن من الإصابة بعدوى فطر الكورديسيبس، فالانتقال للإنسان شبه مستحيل، حتى وإن انتقل فلن يتمكن من الحياة في أجسادنا.
لكن الحقيقة عكس ذلك فما نشهده من تغيرات في المناخ وتحورات مستمرة في هذا الفطر وغيره من الكائنات الدقيقية المختلفة من بكتيريا وفيروسات يجعلنا نقلق ونتساءل عن مدى حدوث العدوى في يوم ما، قد يتمكن هذا الفطر أو غيره من الكائنات الدقيقة المميتة من إصابتنا والقضاء على بشريتنا، مع العلم بوجود بعض الفصائل من فطر الكورديسيبس تمكنت بالفعل من التأقلم على الحياة في درجات حرارة مرتفعة.
يرجح العلماء إمكانية حدوث تحورات في الفطر خلال السنوات المقبلة -على الرغم من أن التعديلات الجينية قد تتطلب عقودًا أو آلاف التحورات خلال مدة زمنية طويلة- لكن سرعة التحور والتأقلم غير معروفة حتى الآن ولا يمكن التنبؤ بها، ولكنها ما زالت احتمال قائم.
اقرأ أيضًا: الكوكب يرفع الإنذار الأحمر: مناخ أسوأ قادم
هل الخطر مقتصر على فطر الكورديسيبس؟
يوجد عدة أنواع من الفطريات التي قد تهدد حياة الإنسان بالإصابة بأمراض خطيرة، حيث إن جسم الإنسان به عوامل محببة للفطريات تساعدها على النمو مثل طيات الجلد الرطبة، التي توفر بيئة مميزة لتكاثر الفطريات، فلا يقتصر الأمر على خطر الإصابة بفطر الكورديسيبس فحسب بل يمتد إلى أنواع أخرى مثل:
- فطر كنديدا أوريس: لا يتحكم هذا الفطر في العقل ويحوله لزومبي، لكنه قد تطور وتمكن من الحياة في البيئات الدافئة وأصبح قادرًا على إصابة الإنسان بالعدوى، التي تقلل مناعته وتسبب الوفاة في الحالات المصابة به بنسبة تتراوح بين 30% و60%.
- فطر Entomophthora Muscae: يتسبب في تدمير الذباب ويتحكم فيه في صورة مشابهة للزومبي، حيث يستنزف الذبابة ويجعلها تصعد إلى مكان مرتفع، ومن ثم تلصق نفسها في وضع الموت كي تنتشر الجراثيم وتصيب أجيال أخرى من الذباب.
- فطر Massospora Cicadina: يحقن هذا الفطر مواد تسبب الهلوسة في المضيف- الكائن المصاب بالفطر- مما يساعد على التحكم بالمضيف، ويؤدي إلى سقوط بطن المصاب ومن ثم قتله لنشر الجراثيم.
- فطر Mucormycetes: يعرف باسم الفطر الأسود، الذي يتسبب في إحداث تشوه كبير في الجلد والجسم في الإنسان، فهو يسبب الإصابة بمرض أكل اللحم وهو مرض خطير ينتشر في حالة ضعف المناعة، وأدت جائحة كورونا إلى وفاة أكثر من 4000 فرد في الهند نتيجة الإصابة بهذا الفطر؛ لأن الستيرويدات التي كانت تؤخذ لعلاج فيروس كورونا كانت تثبط المناعة؛ ومن ثم أدت لإصابة الأفراد بالفطر الأسود.
اقرأ أيضًا: كيف نواجه نفسيا طوفان الأخبار السيئة؟
ما استخدامات فطر الكورديسيبس في الطب؟
تستخدم أحيانًا الفطريات والبكتيريا في العلاج، وقد تعتقد عزيزي القارئ أن فطر الكورديسيبس ضار فقط كما علمت من تأثيره على الحشرات، ولكنه يستخدم في الطب حاليًا لكونه غير ضار ولا يسبب العدوى حتى الآن.
يستخدم فطر الكورديسيبس في صورة مكملات غذائية تصنع معمليًا ليتناولها الأفراد لعلاج بعض الأمراض، ومنها ما يلي:
- يستخدم في تحسين المناعة من خلال تحفيز خلايا ومواد كيميائية محددة في الجهاز المناعي.
- قد يساعد على علاج السرطان بواسطة تقليل حجم الورم، بخاصة في حالات سرطان الجلد والرئة.
- يستخدم لعلاج بعض اضطرابات الكلى ومشاكل الكبد إضافة إلى تحسين الأداء الرياضي وعلاج المشاكل الجنسية، ولكن ليس هناك دليل علمي قوي على هذه الاستخدامات.
يؤخذ دواء الكورديسيبس عن طريق الفم، وتتراوح جرعته بين 3 و6 جرامات يوميًا ويؤخذ بهذه الجرعة لمدة عام، ويسبب أعراضًا جانبية مثل:
- الإسهال.
- الإمساك.
- اضطرابات المعدة.
لا ينصح بأخذ دواء الكورديسيبس في حالة الإصابة بالأمراض المناعية مثل: مرض الذئبة الحمراء، ومرض التصلب المتعدد، والتهاب المفاصل الروماتويدي؛ لأنه يزيد من نشاط الجهاز المناعي، ويسبب مضاعفات للحالات المصابة بأمراض مناعية.
أخيرًا، على الرغم من استخدامات الفطر الطبية، فإننا لا نعلم متى وكيف سيحدث التحور يومًا ما لنتحول إلى زومبي، وهل سيكون التحول على يد فطر الكورديسيبس؟ أم فطريات أخرى مجهولة لا نعلم عنها أي شيء حتى الآن!