هل حققت درع الفرات أهدافها؟
يبدو هذا السؤال غاية في العمومية، وهو مستغل من قبل من يريد التجارة به ليكسب المزيد من المتابعين، ولكن على أيّ حال من غير المنطق أن نجزم القول إن عملية درع الفرات التي استمرت 7 أشهر و5 أيام، قد أتمّت مهمتها تمامًا، ومع هذا لا يمكننا أيضًا أن نقول إن العمليات العسكرية للدول الأخرى قد تمّت على الوجه الأكمل!
إنّ طبيعة الصراع في الأزمة السورية هي على الطريقة الأمريكية الاستنزافية، والتي تريد فيها إهلاك الأطراف جمعًا؛ لذلك فإنه يمكن وصف إنهاء عملية درع الفرات الأخيرة بأنه تكتيك سياسي _ عسكري على الطريقة التركية؛ ليواجه هذا الاستنزاف، وهذا التكتيك تفعله كل قوى العالم.
إن العاقل إن نظر بعين فؤاده إلى الدولة التركية، والتي تشهد انتقالًا إلى زمن جديد، وهو التحوّل إلى النظام الرئاسي، سيعرف تمامًا أن مثلها كمثل الطالب النجيب الذي لديه مهمة الدراسة للامتحان، ومهمة مطالعة خمسة كتب أخرى معه، ومهمة زيارة أصدقائه وأحبابه، فإنه حتمًا سيقوم بتخفيف بعض من هذه المهام لأجل الامتحان، والذي له الاهتمام بالدرجة الأولى، فهي معركة داخلية أخرى لا تقل أهمية عن غيرها، سيما وأنّها تحدد مصير البلاد والعباد.
ويعتبر إنهاء عملية درع الفرات حفظًا للمكاسب التي وصلت لها تركيا في هذه العملية، والتي لا تخفى عن الصديق والعدو، من تطهير حدودها من تنظيم الدولة الإسلامية_داعش، واستخدام تركيا للصفعة العثمانية في وجه الدولة العنصرية المنشودة التابعة لتنظيم العمال PKK، ومنعها من وصل شرق امتدادهم بعفرين.
ولا يجب تجاهل ما قد يؤثر على هذه المكاسب، كالضغوطات المجاورة من لاجئي وسط آسيا عبر إيران إلى أوروبا، واستفزازت أوروبا على طريقة الحروب الصليبية بالنكهة السياسية، وإقامة معسكرات تنظيم العمال في مراكز العواصم الأوروبية لخلق حالة من الندّيّة تجاه تركيا، مما يستجلب النظر بعين هادئة وعاقلة إلى القضية السورية.
إن انتهاء هذه العملية يرتبط به أمران مهمّان، الأول، هو إثبات أن تركيا ليس لها أي أطماع في المنطقة، مقابل التداول القريب لبعض التصريحات التي ترمي التهم حول تركيا واستعمارها للمنطقة المحيطة، مقابل نسيان الاستعمار الحقيقي والفعلي من إيران، ومؤامرات الدول العالمية عليها، والأمر الثاني، هو استبقاء الدعم التركي لقوات الجيش الحر الذي لم ينقطع على طول الثورة السورية.
وعلى الضفّة المقابلة؛ فإن قضية بقاء نصف المساحة المقررة تحت تفريخات حزب العمال PKK (في منبج وغرب الفرات)، لهو التحدي القائم على كاهل تركيا، فإنه خط التماس المباشر مع مصالح الدول العظمى، والذي يحتاج مزيدًا من العمل الدبلوماسي _ العسكري حتى يتم العمل عليه.
ومن المهم التركيز على الشريط الغربي لريف منبج المحاذي لدرع الفرات، والذي تم بيعه للنظام السوري من قبل قوات حزب الاتحاد الديموقراطي PYD، على أنه نوع من التحرّز من توّجه تركيا نحوها، وبالتالي، إن تم فيه التماسّ بين تركيا والنظام، فإنه سيكون مساسًا بالمصالح الروسية، فتم بالتالي تسليمه للنظام، فذاك قد دلّ على أن تركيا كان بإمكانها التوسع والاصطدام بتفرعات حزب العمال PKK، وأثبت قلق النظام ومن يقف وراءه من القيام بهذه الخطوة.
فمبدأ تركيا في هذه العملية – من الأصل – يعني أنها فعلًا قادرة للتأثير في القرار الدولي، وذلك يعني أن المنطقة الموجودة ضمن نفوذ الجيش الحر الآن من جرابلس _أعزاز_الراعي_دابق_الباب، كان متوقعًا أن تنتقل إلى يد قوات حزب الاتحاد الديموقراطي PYD لولا تدخل تركيا، والتي جعلتها لقوات الجيش الحر، ووقفت ساندة له، حامية له من المكر الدولي كما حصل في مناطق نفوذ أخرى خسرها الجيش الحر نتيجة تكالب القوى المختلفة عليها.
وثمّة مرحلة مهمة تواجهها تركيا في المستقبل في هذه الأزمة، وهي معركة تحرير الرقة، ومآلها إن تم تحريرها، وهل يعني إنهاء عملية درع الفرات، ونزول القوات الأمريكية في السابق، أن الرقة ستكون من نصيب العمال الكردستاني أم الجيش الحر أم أنها ستبقى تستنزف الأطراف؟ مما يدعو تركيا إلى تنشيط الدم في دعم القضية السورية من هذا الجناح.
أي أن ذلك يستلزم من تركيا، نفسًا جديدًا لمواجهة كتائب حزب العمال PKK، لا يُعلم متى سيبدأ، ولكنه ليس قبل ظهور النتائج الحتميّة للاستفتاء الشعبي المطروح لأجل النظام الرئاسي.
إن المعركة في سوريا فيها أطراف وتحالفات معقدة، ومن أحد الأطراف هو تركيا_الجيش الحر، والذي يجعل وضع هذا الطرف معقدًا، هو وجود مناكفة سياسية غير عادلة بين تركيا وبعض دول المنطقة والعالم، مما يؤثر على هذا التحالف، لذلك نرى انعكاس هذا التحالف الحسّاس على المسألة السورية.
ولا شك في أن المرحلة التي كانت فيها تركيا مماسّة للحدث السوري بشكل مباشر، ضمن فترة عملية درع فرات، قد نقلت مفاوضات المعارضة السورية إلى مستوى مختلف ضمن اجتماعات أستانة، التي تحاورت فيها المعارضة المسلحة مع روسيا.
وبعدم غض النظر عن نتائج هذه المحاورات، فإن مسؤولية نجاح أو فشل قرارات أستانة، ليست متعلقةً فقط في تركيا، إنما هو أمرٌ يخص كل من له أمل في أن ينتهي الظلم الواقع على الشعب السوري، وأنّها قضية جدال سياسي دائم، وصراع عسكري مستمر، مع محاور الشر التي لا تشبع من تقسيم أشلاء المنطقة وسلخها، ومص دمائها وتجفيف لحمها، وهي التي لا ترغب في إنهاء المأساة المؤلمة التي وقعت على قلب الشرق الأوسط، على سوريا!