رؤساء عسكريون أكلت طيور الديكتاتورية من رؤوسهم
على نهج هتلر وموسوليني، أتى إلى سدة الحكم قادة عسكريون، ليس لمصلحة شعوبهم بل إرضاءً لرغباتهم الذاتية في حب السلطة والهيمنة، فأرسلوا بلادهم وشعوبهم إلى وحشة الطريق وظلمة التأريخ، وجعلوا من رياح الديكتاتورية خريفًا يبيد آمال وطموح ما تبقى من شعوبهم.
ولد فرانسيسكو في الرابع من ديسمبر عام 1892م، ونشأ في أسرة تمجد الحياة العسكرية، التحق بالأكاديمية العسكرية في طليطلة عام 1907م، والتي تخرج منها برتبة ضابط بعد ثلاث سنوات من الدراسة العسكرية. وبعد تخرجه بعامين تحديدًا في 1912م، تطوّع بالخدمة في الحملات الاستعمارية الإسبانية في مراكش بالمغرب، وشارك بعدها فيما عرف بـ«حرب الريف» ونجح في قمع المقاومة المغربية، وإخماد نيران الثورة ضد الاستعمار الإسباني، الأمر الذي جعل منه بطلًا لإسبانيا، ولم يمض كثيرًا حتى تم تعيينه قائدًا في الجيش الإسباني، وحاز على لقب أصغر جنرال في أوروبا.
في عام 1931م، خلال فترة حكم الملك الإسباني ألفونسو الثالث عشر، اشتعل الصراع بين مؤيدين للحكم الملكي في إسبانيا، ومناهضين له ينادون بإلغاء الملكية وإعلان الحكم الجمهوري، فعقدت الانتخابات للفصل في هذا الصراع، وجاء صوت الأغلبية حينئذ مع الحكم الجمهوري وإلغاء الملكية؛ الأمر الذي دفع ألفونسو الثالث عشر لمغادرة إسبانيا بلا رجعة بعد أن رفع الجيش الإسباني الحماية عنه، حيث سافر إلى روما وأكمل حياته هناك إلى أن توفي عام 1941م.
لم تدم سعادة الشعب طويلًا بإعلان إسبانيا جمهورية، إلى أن قام فرانسيسكو فرانكو بانقلاب عسكري في الثامن عشر من يوليو عام 1936م، وأعلن رفضه للجبهة الشعبية التي تحكم إسبانيا، وخلال تلك الفترة استطاع فرانكو تكوين جيش من 50 ألف جندي مغربي بقيادة الماريشال محمد مزيان الذي كان بمثابة يده اليمنى، وساعده بشكل رئيسي في جذب الضباط المغاربة وإقناعهم بالانضمام إليه. وحينها بدأت المواجهات العسكرية بين الجبهة الشعبية التي كانت تضم الشيوعيين والاشتراكيين، والجبهة القومية بقيادة فرانسيسكو وجيشه، وما لبث الأمر كثيرًا حتى تحولت تلك المواجهات إلى حرب أهلية، انتهت بانتصار فرانسيسكو وجيشه الذي قضى على الجبهة الشعبية، وذلك بمساعدة ودعم من موسوليني وهتلر.
انتهت الحرب عام 1939م، بعد صراع دام 3 سنوات، وراح ضحيتها ما يقرب من 500 ألف مواطن، فضلًا عن الآلاف التي نزحت بسبب الحرب التي طالت كل شيء، فالحرب قد حولت مدينتي مدريد وبرشلونة إلى حرائق لا تنطفئ، لدرجة أنه كان يُشار إلى الحرب بأنها أولى معارك الحرب العالمية الثانية، وفي الأول من إبريل عام 1939م، تم إعلان فرانسيسكو رئيسًا للجمهورية الإسبانية.
تحولت إسبانيا خلال فترة حكمه إلى دولة بوليسية تنتهج سياسات التعذيب ضد مواطنيها، فأول ما قام به بعد توليه الحكم كان مطاردة الشيوعيين والاشتراكيين وتصفيتهم؛ الأمر الذي دفع كثيرين منهم للهرب خارج البلاد، كما اشتهر فرانسيسكو بكرهه للفن والثقافة، فخلال الحرب الأهلية قامت قواته بإعدام الشاعر الإسباني «لوركا» بتهمة أنه مؤيد للجبهة الشعبية؛ المشهد الذي ظل يطارده حتى وفاته. وقبل أن تنهال عليه رصاصات معاوني فرانسسكو أخبر العالم كله معنى الحرية في قصيدته التي ما زال يحتذى بها كمثال للحرية في الأدب السياسي.
وأثناء الحرب العالمية الثانية أعلن حياد إسبانيا، الأمر الذي مكّنه من البقاء في الحكم لمدة 38 عامًا حتى موته في 1975م. وفي عام 1947م، أعاد الملكية مرةً أخرى إلى إسبانيا ولقب نفسه بالكاوديو؛ أي زعيم الأمة.
نيكولاي تشاوشيسكو
ولد نيكولاي تشاوشيسكو في السادس والعشرين من يناير 1918م، بمدينة ترجوفيشت بجنوب رومانيا، نشأ في عائلة فقيرة لذلك لم يستطع إكمال تعليمه وتوقف عند المرحلة الابتدائية، وعندما بلغ الحادية عشر من عمره سافر إلى بوخاريست بحثًا عن عمل، وهناك عمل كصانع أحذية لسنوات.
في عام 1932م، خطا تشاوشيسكو أولى خطواته في عالم السياسة، وذلك بانضمامه إلى حزب العمال والحزب الاشتراكي الذي كان محظورًا آنذاك في رومانيا، فتم القبض عليه وقضى عامين ونصف في سجن «دوفتانا» المعروف بسمعته السيئة، حيث تعرض للتعذيب والاعتداء الجسدي، وخلال فترة سجنه قابل «لجيورجيو ديج» أحد أهم الزعماء الثوريين الشيوعيين، والذي كان بمثابة نهل لتشاوشيسكو حيث تعلم على يده مبادئ وأصول الشيوعية.
استطاع تشاوشيسكو الهرب من السجن أثناء الغزو السوفييتي لرومانيا عام 1944م، وخلال فترة قصيرة لا تتعدى العام كانت رومانيا خاضعةً للحكم الشيوعي، وبدأ تشاوشيسكو تدرج سلم السلطة. وبحلول عام 1945م، أصبح تشاوشيسكو عميدًا في الجيش الروماني، وفي عام 1965م، أصبح السكرتير التنفيذي للحزب الشيوعي، ليصبح بعدها بسنوات قليلة حاكمًا للبلاد، وذلك في عام 1974م.
بعد تولي تشاوشيسكو الحكم أنشئ جهاز «السيكوريتات» والذي يقصد به جهاز الشرطة السري، وحينئذ تحولت رومانيا إلى دولة بوليسية مهمتها هي البحث عن المعارضين وقمعهم، فمن لا يمتدح النظام يعتبر معارضًا بشكل أو بآخر، ومن كان يطلق النكات على النظام من قريب أو من بعيد يعتبر معارضًا، كما يشكل تهديدًا للنظام.
واتسمت فترة حكمه بالتحكم في الإعلام ومنع كافة القنوات الأجنبية، حيث كان كل شيء أجنبي حينها يخضع لرقابة صارمة، ولم يكن هناك سوى قنوات رومانية معدودة مسموح بها، تلك التي رآها جهاز الأمن لا تهدد النظام، ومتابعة غيرها جريمة تستحق المحاسبة.
كما اتبع تشاوشيسكو سياسة التقشف في إدارة البلاد، فأصبح الحصول على الحاجات الأساسية أمرًا صعبًا يتطلب كثيرًا من العناء، وربما كان مستحيلًا في أحيان أخرى، وصلت سياسته في التقشف إلى درجة تقنين الخبز، حيث تم تقدير حصة يومية لكل مواطن عليه أن يلتزم بها، وهذه الحصة تقدر بنصف رغيف.
كل هذا التضييق كان سببًا طبيعيًا ودافعًا لقيام ثورة تهز أركان رومانيا، وبالفعل هذا ما حدث عندما اندلعت ثورة في مدينة تيميسوارا غرب رومانيا، ومن ثم تسربت إلى العاصمة بوخاريست ومن ثم إلى رومانيا كاملة، لتنهي صمتًا امتد لسنوات، فلم يجد سوى الهرب حلًا، وهرب هو وزوجته إيلينا، بطائرة هليكوبتر خارج القصر وتوجها لمكان لا يعلمه أحد. حتى تمكن بعض المزارعين من التعرف على مكانهما وتسليمهما للشرطة، وبعدها تم عقد محاكمة صورية لم تتجاوز الساعتين، وتم توجيه تهم عديدة إليهما، كان أبرزها الإبادة الجماعية للثوار، وتدمير اقتصاد رومانيا، وعليه تم الحكم عليهما بالإعدام رميًا بالرصاص، وتم تنفيذ الحكم أمام عدسات التلفزيون، ثم دفنا بعدها في بوخارست.
عيدي أمين دادا
ولد عيدي أمين دادا في قبيلة تدعى «كاكوا» في قرية «كوبوكو» بأوغندا عام 1925م، عاش طفوله تعيسة بسبب انفصال والده عن والدته، حيث ظل متنقلًا ما بين والده في السودان ووالدته التي تعيش في مدينة «أروا» بأوغندا.
خاض عيدي أمين الحياة السياسة مبكرًا ، وذلك عندما عمل كطباخ في الجيش البريطاني أثناء احتلال بريطانيا لأوغندا، إلى أن بلغ العشرين من عمره فتم استدعاؤه إلى الخدمة العسكرية، وانضم إلى السلاح الملكي الأفريقي، حيث كان واحدًا من أهم الجنود الأفارقة؛ لطاعته وانصياعه للأوامر العسكرية.
وقد شارك عيدي أمين في إحباط ثورة «الماو ماو» بكينيا وقمع المعارضين للحكومة، ولنجاحه في هذه المهمة تمت ترقيته إلى رتبة ملازم، ثم إلى رتبة نقيب، وبعدها بعام واحد كان عيدي أمين قد تولى قيادة الجيش الأوغندي، حيث تمت ترقيته إلى قائد عام للأركان، وكانت هذه الترقية نوعًا من المكافأة له من قبل «ميلتون أوبوتي» رئيس أوغندا آنذاك.
استغل عيدي منصبه كقائد للجيش، فقام باستخدام أموال الجيش وفقًا لأهوائه والتصرف فيها كما لو كانت ملكية خاصة؛ الأمر الذي استفز أوبوتي الذي قرر القبض على عيدي ومحاكمته بعد عودته من سنغافورة بعد حضور مؤتمر «الكومنولث» في يناير 1971م، لكن الوقت لم يسعفه، فبمجرد أن عرف عيدي أمين نية أوبوتي، قام بانقلاب عسكري وعزل أوبوتي واستولى على السلطة.
بعد أن تولى الحكم لم يتجمل ولم يعطِ فرصة للشعب ليتقبله، بل قام بحملة إعدام طالت القادة العسكريين المناهضين للانقلاب، تبعها بحملة تطهير واسعة شملت كل المؤسسات العسكرية للتخلص من مؤيدي أوبوتي. وبعد أن سيطر على مقاليد الدولة الأوغندية واعترفت به العديد من الدول كرئيس شرعي لأوغندا وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، أطلق على نفسه لقب «الرئيس الأبدي لأوغندا».
كان يتصرف بغرابة في كثير من الأمور، فمن إحدى غرائبه في يوم 9 أغسطس 1972م، أمر كافة الآسيوين المقيمين بأوغندا والذين كان عددهم 35000 مواطن بمغادرة البلاد، كما أعطاهم مهلة لا تتعدى الـ 3 شهور، وكان هذا القرار المفاجئ والغريب دافعه حلم، حلم ادعى فيه أنه رأى الله يأمره بطرد الآسيويين من أوغندا. ولم يتوقف عند هذا الحد بل قام في نفس العام بقطع علاقته الدبلوماسية مع بريطانيا، بعد أعوام من الطاعة والولاء؛ وذلك بعد إدانة بريطانيا ورفضها لسياسته وتصرفه تجاه الآسيويين، فرأى عيدي أن الرد المثالي هو قطع العلاقات الدبلوماسية معها وطرد مواطنيها.
كما كان عيدي أمين يتعمد استفزاز تنزانيا بتصريحاته الدائمة عن نيته ورغبته في احتلالها، إلى أن زادت الحدة بين البلدين وبلغ التوتر أشده في أكتوبر عام 1978م، عندما قام عيدي بدخول تنزاينا واحتلال مثلث كاجيرا وهي منطقة صغيرة بتنزانيا، فجاء رد رئيس تنزانيا آنذاك «يوليوس نيريري» بالغ الحكمة، حيث قام بتنظيم صفوف المعارضة الأوغندية ودعمهم ومدهم بالسلاح وإطلاقهم بوجه عيدي، وبالفعل نجح الثوار في توحيد صفوفهم من خلال منظمة الجبهة الشعبية لتحرير أوغندا والتي يرأسها الرئيس المعزول أوبوتي في إسقاط عيدي أمين وطرده خارج البلاد.