فيلم «تراب الماس»: ما فعله الروائي بالسيناريو
قالالمخرجالبريطانيالعظيم «ألفريدهيتشكوك»هذهالعبارةتدليلًاعلىأهميةالسيناريولصناعةالأفلام. يعلمبعضمتابعيالسينماأنالمخرجالراحل،كانيعتمدفيالكثيرمنسيناريوهاتأفلامهعلىنصوصأدبية،أغلبهاغيرمشهوربالفعل،لكنهكانيهتمبالبحثفيالرواياتالبوليسيةلحينالعثورعلىضالتهلتحويلهالاحقًاإلىفيلم، والذي عادة مايفوقالروايةنجاحًاوشهرة. أفلاممثل «Psycho»،و«Vertigo» مأخوذةعنروايات.
فيلم «ترابالماس»مأخوذعنالروايةالتيحملتنفسالاسم،الصادرةعام2010 وحققتنجاحًاكبيرًاجعلهاتحتلمكانًافيقوائمالأعلىمبيعًالعدةشهور. تدورأحداث الروايةفيأجواءمنالجريمةوالتشويق،بشكليجعلهامادةجيدةلفيلمجيدمننفسالنوع.
قررأحمدمرادأنيكتببنفسهالسيناريوعنروايته،كمافعلمنقبلفيفيلم «الفيلمالأزرق»،بينمايتولىالإخراجمروانحامدفيثالثتعاونلهمعالمؤلف. لكن هل كان مراد هو الاختيار الأمثل لتحويل الرواية إلى سيناريو؟
السياسةفيخلفيةالصورة
لميكنأحمدمرادهوالاختيارالأفضللكتابةسيناريوالفيلم،فرغمنجاحالروايةفيصناعةخطرئيسيمشوقبالفعل،لكنهاحشدتبالشخصياتوالأحداثالثانويةالتيلميكنلهاأدنىتأثيرعلىالإطلاقعلىالحبكةالرئيسية،وهومالمينجحمرادفيالتخليعنهفيالفيلم.
تتابع الأحداث طه الزهار الذي يحاول كشف غموض جريمة قتل والده، يحركه دافع الانتقام مستخدمًا بودرة تلميع الماس المعروفة باسم تراب الماس،وهيمادةسامة. يجدطهنفسهمتورطًامعضابطالشرطةالفاسد «وليدسلطان/ماجدالكدواني»،ويحاولهذاالأخيرأنيسخّرالأولليتخلصمنأعدائه.
يسمحالخطالرئيسيبصناعةفيلمجريمةجيدجدًا،مليءبالتفاصيلوالألغازالتييسعىالبطللحلها،ويشتدالصراععندمايتقاطعمصيرهمعمصيرالضابط،لكنالسيناريوقررإضافةخطسياسيكخلفيةللأحداث.
الأمرلايمكنتخطيهواعتبارهمجردهامش،السيناريويضعالسياسةفيقلبالأحداثوالشخصياتفيعدةمشاهدويحاولربطهابالحاضربقوة،فيواحدمنالتتابعاتبطريقةالفوتومومنتاج،الطويلإلىحدغيرموفق،نستمعإلىصوتحسينالزهاروالدطه(أحمدكمال) وهويرويقصةحياته،بينمانتابعهاعلىالشاشة،وترتبطقصةحياتهبقوةبالأحداثالسياسية،سواءالعدوانالثلاثيأونكسة67.
كلهذاجيد،ولكنحيننتابعشخصيةطهوأزمتهالرئيسيةالممثلةفيالانتقام،لننجدهذاالتأثيرالحقيقيالذيتستحقالسياسةمنأجلهأنتأخذكلهذهالمساحة،بلسنشاهدأزمةشخصيةجدًا،رغممحاولاتالحوارالزجبالسياسةبكلالطرقإلىحدقولحسينفيمذكراته «لقدتحملتأخطاءحكامهذاالبلد»،لكنعندماننتقلإلىطهسنجدأنأزمتهشخصيةويصعبأننحصرهافيكونهانتيجةللتدهورالسياسيوغيابالعدالة.
كانلهذاتأثيرعلىبناءوتقديمالشخصياتبالتأكيد،التيتفاوتمستواها،ومساحتها.
كلهذهالشخصيات
أحمدمرادالذيأتىمنخلفيةروائية،لمينجحبعدفيالتخلصمنالحريةالتيتمنحهاالروايات. النصالأدبييسمحلهبحريةالتحركفيالزمنوعددالشخصيات،ومدىترابطهاوتقاطعمصائرهامعًا،عددالصفحاتليسمحددًاطالمالديهمايقولهويعرفكيفيقوله. فيالسينماالأمريختلفبالطبع.
للأسفيمتلئالفيلمبشخصياتليسلهاتأثيرحقيقيوتحتلمساحةمنالأحداث،نحنأمامفيلمتتجاوزمدتهالساعتينونصفالساعة،أيأنشيئًايمكنالاستغناءعنهفمنالأفضلالاستغناءعنهطالمالنيضيفإلىالفيلم.
الشخصيةالأبرزفيهذهالحالةهيعمةطه(صابرين)، التيظهرتفيمشاهدقليلةولميكنلهاأيتأثيرحقيقي،إلاإذااعتبرناأنإخبارهاطهأنوالدهيحبههوتأثيرالشخصية.
وهناك أيضا «شريفمراد/إياد نصار»الذييمكنالقولإنهكانموجودًافقطليكملأطرافالفسادالموجودةفيالفيلم،الضابطوليد،وعضوالبرلمان «محروسبرجاس/عزتالعلايلي»،وأخيرًاالإعلاميشريفمراد. وبينمايمكنأننجدتوظيفًاجيدًابالفعلللأولينفيالأحداث،لننجدللأخيرالذياحتلمساحةكبيرةمنالأحداثنفسهذاالتوظيف،بل إنه لم يلتقِ بطه إلا في مشهد وحيد، تنحصر أهميته في تقاطع الشخصيتين لكن بشكل عابر وغير مؤثر.
علىالعكسجاءتشخصيةوليدسلطانالمكتوبةبعنايةكبيرةوتحتويعلىالقدرالمطلوبمنالتفاصيل،مثلتفصيلةعشقهللنساءالتيسنجدلهاتأثيرًاواضحًالاحقًا،وكذلكدوافعالشخصيةكانتمنطقيةومناسبة. الأمرنفسهينطبقعلىشخصية «السيرفيس/محمدممدوح»البلطجيالذييحركهإدمانهوغريزةالبقاء،ولانعرفعنهالكثيرمنالمعلومات،بللانعرفاسمهالحقيقيمنالأساس،فياختزالمناسبلهذهالشخصيةأيضًا.
والآنهلذكرنافيكلماسبق «سارة/منةشلبي»؟لا،لأندورهاهوالآخرلميكنمضفرًابالشكلالكافيداخلالأحداث،بلكانلديهاخطفرعيبمشاركةشريفمراد،بينماقصةالحببينهاوطهتنقلناإلىالنقطةالتالية.
صُدفة
بالتأكيدأثرهذاالزحامعلىالفيلموعلىمنطقيةبعضالأحداث. وجدناقفزًاعلىبعضالتطوراتدونوجودمايبررهذا،ومنأهمهذهالتطوراتهوقصةالحببينطهوسارةالتيتطورتبشكلغيرمنطقيفيالبداية،رغمأنمشهدًاواحدًامكثفًاكانيمكنأنيغنيعنعدةمشاهدلمتضفشيئًا.
كذلكطريقةطهفيتنفيذالجرائموالوصولإلىالمعلومات،كانتمنالتفاصيلغيرالمحكمة،إذيبدوالأمرأسهلمناللازمفيمعظمالمرات،بشكليقللمنحالةالترقبلدىالمشاهدالذييتابعفيلمًايعتمدعلىالتشويق،حتىوإنحاولالمخرججعلالمشهدأطولنسبيًا.
لكنالتطوراتغيرالناضجةأوالتيتحتويعلىقفزاتيمكنتقبلهافيالنهاية،عكسمايحدثمعالصدفغيرالمنطقية،والتيتكررتعدةمراتفيالفيلم،وكانلكلصدفةدورفيتغييرمجرىالأحداث،مثلالأسطواناتالتيوجدتهاسارةصدفة،أوالصورةالتييشاهدهاطهوعليهاالتاريخلاحقًا،صورةعليهاالتاريخفي الوقتالحاليهيمنالأساسأمرغيرمعتاد.
يُضافإلىهذابعضالتفاصيلالأخرىالمحيطةبالشخصياتوالتيلميستفدأحدمنها،مثلاحتماليةإصابةطهبالصرع،وهوماحدثلهمرةواحدةلميؤثربأيشكلعلىالأحداث،وغيرهامنالتفاصيلالموجودةفقطلمحاولةإضافةالمزيدمنالأحداثللفيلم،لكنهافيالنهايةأضرته.
هليعنيهذاأنناأمامفيلمسيئأوضعيف؟بالطبعلا،ولكنناحاولناالإجابةعلىالسؤالالأول. كلالمآخذالمذكورةهناعنالفيلم،كُتبتلأنالفيلمكانلديهفرصةذهبيةليصبحأفضلبكثيرمماشاهدناه،واجتهادالمخرجوالممثلين،بالإضافةلعناصرمثلالموسيقىوالديكوراتوالتصوير،جميعهاتضافرتبالفعللتقدمفيلمًاجيدًا،ولوكانالتركيزقدجاءبشكلأكبرعلىجانبالجريمةفيالفيلملكناشاهدنافيلمًامختلفًاوذاطابعخاصبالتأكيد،ينقلأفلامالجريمةإلىمستوىآخرمنالجودة.
ليسمنالإنصافأننقول إنالفيلمسقطةأوتراجعًالمستوىمنجاءوافيه،بلهوخطوةللأمامبعدفيلم «الأصليين»لمخرجهتحديدًا،لكنهلالتعاونبينمرادوحامدسيتسمرمجددًا؟أمربماعلىكلمنهماأنيجربحظهبعيدًاعنالآخر؟