دويتشه فيله: فض رابعة .. أحلك يوم في التاريخ المصري الحديث
اعتُبِر فض اعتصام رابعة جريمة ضد الإنسانية توازي فض ميدان تيانانمن. قتلت قوات الأمن المصرية المئات من المحتجين الإسلاميين في الرابع عشر من أغسطس عام 2013.
في صيف عام 2013، أقام عشرات الآلاف من أنصار وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين اعتصامين مفتوحين للمطالبة بإعادة محمد مرسي أول رئيسٍ منتخب للبلاد، وهو إسلامي تم الإطاحة به في انقلابٍ عسكري بقيادة الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي عقب احتجاجاتٍ ضخمة خرجت ضده، إلى منصبه.
بعد فشل المحادثات لإنهاء الاعتصام، هاجمت قوات الأمن اعتصام رابعة العدوية في الساعات الأولى من صباح الرابع عشر من أغسطس. يقول ناجون وشهود إنه لم يكن هناك تحذير. بعد عامين، يقول نشطاء حقوق إنسان إن مسؤولي الحكومة وقوات الأمن لم يتم محاسبتهم بعد.
“لقد كان أحلك يوم في التاريخ المصري الحديث، ويوما شديد الحلكة للعالم بأكمله”، قالت سارة البحيري، وهي ناشطة مقيمة بالولايات المتحدة اشتركت في اعتصام ميدان النهضة، لكنها لم تكن هناك يوم الفض. وتابعت “تم إطلاق النار على آلاف الأشخاص السلميين، تم قتلهم، تم حرق الجثث، كما تم إلقاء القبض على الآلاف”.
أسست البحيري وآخرون ممن شهدوا الفض أو نجوا منه مؤسسة رابعة ستوري (قصة رابعة)، وهي مجموعة توثق الأحداث وتدعو للعدالة دوليا.
يُظهر أحد مقاطع الفيديو الذي تم رفعه على صفحة الفيسبوك الخاصة بهم مؤخرا، والتي جمعت أكثر من 200,000 إعجاب، ما يفترض أنه قوات أمن تطلق النار على مستشفىً مؤقت. يُسمع إطلاق نار كثيف وصيحات وصرخات بينما يزحف الأطباء والمصابين داخل مستشفىً مؤقت للاحتماء ويسحب آخرون الجثث المدماة بعيدا عن خط النار.
يُظهر مقطعٌ آخر فتاة تبكي بجوار جثة أخيها، الملفوف في كفن داخل مستشفىً مؤقت. “أخويا هنا أهو، أخويا هنا أهو، يا حذيفة يا حبيبي”، تبكي الفتاة بينما تشير إلى الجسد الممدد على الأرض.
مازالت تتردد أصداء الانقلاب ضد مرسيحسب وزارة الصحة المصرية، قُتل 595 مدنيا و43 ضابط شرطة في الرابع عشر من أغسطس، وأُصيب 3,994 على الأقل.
بعد تحقيقٍ استغرق عاما في الأحداث، والذي رجح أن الحكومة قد ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، وثقت هيومان رايتس ووتش 817 حالة وفاة في ميدان رابعة، لكنها رجحت أن تكون حصيلة القتلى الحقيقية تتجاوز الألف، مشيرةً إلى أن العديد من المعتصمين مازالوا مفقودين.
حاضنة للإرهاب؟
لكن مسؤولين حكوميين دعوا الاعتصام حاضنة للارهاب، وقالوا إن خطابا عنيفا وطائفيا يتم استخدامه من قِبَل المعتصمين الإسلاميين، خطابٌ تم توثيقه في مقاطع فيديو انتشرت للمعتصمين. يقول معارضون للإسلاميين أيضا إن الخطاب الطائفي سبب موجةً من الهجمات على الكنائس اجتاحت البلاد عقب الفض.
ادعت الحكومة أيضا أن استخدام القوة جاء ردا على معتصمين عنيفين وأن قوات الأمن تعرضت لإطلاق النار. لكن مع مقتل ثمانية ضباط شرطة فقط حسب السلطة الطبية القضائية الرسمية وإعلان وزير داخلية البلاد محمد إبراهيم أن قواته وجدت 15 بندقية في الميدان، تقول جماعات حقوقية إن حصيلة القتلى غير المتكافئة تشير إلى أن أغلب المعتصمين كانوا غير مسلحين.
“لم تكن هناك محاسبة على مذبحة رابعة أو أيٍ من وقائع القتل في الأشهر التي أعقبت تولي السيسي السلطة، لا محاسبة من أي نوع للشرطة أو كبار المسؤولين الذين أمروا أو خططوا للفض”، قال جو ستورك، نائب مدير فرع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومان رايتس ووتش. وأضاف “على العكس، كان هناك نوعا من الاحتفال بالشرطة”.
مؤخرا تم إعادة تسمية الميدان رسميا ليصبح ميدان هشام بركات، بعد اغتيال النائب العام في نهاية يونيو. أحال بركات الآلاف من الإسلاميين ومنتقدي الحكومة إلى المحاكمة وكان يُعتبر أحد قادة الحملة ضد الإخوان المسلمين.
لحظة تيانانمن
كان فض رابعة لحظة فاصلة تماما كما كان ميدان تيانانمن بالنسبة للصين
قال جيروم دريفون، الباحث بجامعة مانشستر والمتخصص في الحركات الإسلامية والجماعات المسلحة، إن فض اعتصام أنصار مرسي كان “لحظة تيانانمن للمعارضة للعسكرية المصرية”، ودفع الإسلاميين نحو العنف. “عبر خلع قفازاتهم، أرسلت قوات الأمن ونظام السيسي إشارة بأنهم عائدون للانتقام”، قال دريفون.
مع جمع كبار قادة الجماعة ووضعهم في السجون، قال دريفون إن الانقلاب وفض الاعتصام أثرا على الهيكل الداخلي للمعارضة الإسلامية عبر إزاحة سيطرتها التنظيمية على الأعضاء والمتعاطفين.
“عبر إجبارهم إلى العودة للعمل تحت الأرض أو وضعهم في السجون، فقد قادة التيار الرئيسي للإسلاميين قدرتهم على إقناع أنصارهم بالإبقاء على معارضتهم غير العنيفة للسلطات العسكرية”، تابع دريفون.
منذ فض رابعة، شهدت الحملة ضد الإخوان إعلان الجماعة تنظيما إرهابيا عقب سلسلة من الهجمات أعلن مسلحون يتخذون من سيناء معقلا لهم مسؤوليتهم عنها.كما تم أيضا القبض على الآلاف من الإسلاميين، والحكم على المئات منهم بالإعدام في محاكماتٍ جماعية تم إدانتها على نطاقٍ واسع بأنها غير عادلة، وتصاعدت الاتهامات بالاختفاء القسري وعمليات القتل خارج نطاق القانون للإسلاميين.
المزيد من القمع
دفع القمع المتزايد، يقول دريفون، الإسلاميين بعيدا عن “اختيار الانخراط في مقاومةٍ غير عنيفة، بالنظر إلى تكلفتها وغياب آفاق واضحة للمظاهرات غير العنيفة”.
وأضاف “حتى هؤلاء القادة الإسلاميين الذين يعتقدون بحزم أن العنف يساعد النظام فقط وجدوا أنه من الصعوبة سماعهم على الأرض”.
قُتِل أكثر من 600 من قوات الجيش والشرطة في حوادث عنف مسلح منذ الإطاحة بمرسي. في ذات الوقت، يقول خبراء إن الجماعات المتشددة استخدمت فض رابعة تحديدا لاجتذاب الشباب الساخطين.
“تعد مذبحة رابعة محورية في كل جهود التجنيد التي تقوم بها الجماعات الجهادية. تحتوي العديد من مقاطع الفيديو لأنصار بيت المقدس وآخرين لقطاتٍ من هناك أو إشاراتٍ شديدة الوضوح للأحداث”، يقول مختار عوض، المحلل بمركز التقدم الأمريكي، متحدثا عن الجماعة المتشددة التي تتخذ من سيناء معقلا لها والتي بايعت تنظيم الدولة الإسلامية وأعلنت مسؤوليتها هذا الأسبوع عن ذبح عامل نفط كرواتي. مضيفا “إنها محورية لسرديتهم”.
ضرب عوض مثالا حديثا بجماعة جند الإسلام، وهي جماعة متشددة أصغر في مصر متحالفة مع تنظيم القاعدة، والتي نشرت أول مقطع فيديو لها هذا الصيف بعد عامين من عدم النشاط.
“لإثبات الارتباط فقد ضموا لقطاتٍ لرابعة والأحداث الأخرى”، قال عوض، مضيفا أن المقطع لم يحتوى تعليقا. وتابع “يُفهم من ذلك أنهم يوصلون رسالة بأنهم يهتمون بشأن هذا ويريدون أن يكونوا في موضع نصير القضية الإسلامية وكخيارٍ لشباب الإسلاميين للالتحاق بهم والأخذ بثأرهم”.
وأضاف “بالنسبة لشباب الجماعة والشباب غير المسلحين سابقا، كانت رابعة هي الشرارة الحقيقية لتطرفهم، لم يكن الانقلاب وحده”.
المصدر | نشر في 13 أغسطس 2015