رغم اتفاق المصالحة مع «إسرائيل»: حماس ما زالت تعمل من تركيا
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، من المقرر أن تختار لجنة التعيينات بوزارة الخارجية الإسرائيلية السفير الجديد لدى تركيا. ومن بين أبرز المرشحين لشغل المنصب هو المتحدث باسم وزارة الخارجية إيمانويل ناهشون، الذي سبق وأن عمل في تركيا، ومن بين المرشحين أيضًا القائم بأعمال السفارة الإسرائيلي في أنقرة أميرة أورون، وسفير إسرائيل باليونان إيريت بن أبا، والمستشار السياسي بالسفارة الإسرائيلي بلندن إيتان نافيه.
على الرغم من ذلك، قد لا يكون صادمًا إذا فضّل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعيين شخص مقرب منه في ذلك المنصب، نظرًا للأهمية التي يوليها للعلاقات مع تركيا. وحالما تعلن إسرائيل عن تعيين السفير الجديد وترسله إلى أنقرة، سترد الأخيرة بالمثل. حيث أفادت وسائل إعلام تركية بأن المرشح الأبرز لمنصب سفير أنقرة لدى تل أبيب هو كمال أوكام، وهو أحد المستشارين المقربين من الرئيس رجب طيب أردوغان.
لقد اتُخِذ قرار استئناف العلاقات الدبلوماسية مع تركيا إلى مستوى تبادل السفراء قبل أكثر من 4 أشهر في إطار اتفاق المصالحة الذي أبرِم بين البلدين، واللتين سبق وأن قامتا باستدعاء سفرائهما بعد حادث أسطول الحرية في مايو/آيار 2010. خلال الربيع الماضي وخلال فترات التفاوض، بدا وأن الجانبين مهتمان بإنهاء هذه الفترة القاتمة في علاقاتهما وفتح صفحة جديدة. على الرغم من ذلك، يبدو أن القضية ليست ملِحة لأي من الجانبين وأنهما يفضلان العمل ببطء.
وكما يُشار إلى العلاقات مع مصر بوصفها «سلام بارد»، يتزايد الانطباع بأن ما يحدث مع تركيا هو «مصالحة باردة»، حيث ثبت أن ثمة إشكالية بكل البنود الموجودة في الاتفاقية. لقد قامت إسرائيل بتحويل 21 مليون دولار إلى الحكومة التركية، ومن المفترض أن تقوم أنقرة بإنشاء صندوق خاص لتوزيع الأموال كما يتراءى لها على عائلات الأتراك العشر الذين قُتِلوا على متن أسطول الحرية وبقية الجرحى في الحادث.
وفي مقابل ذلك، وافقت تركيا على تمرير قانون داخل البرلمان يمنع رفع قضايا ضد ضباط الجيش الإسرائيلي وضباط آخرين شاركوا في تخطيط وتنفيذ الهجوم على أسطول الحرية. في الأعوام الأخيرة، تم تقديم مثل تلك الدعاوى القضائية من قبل أسر القتلى ومؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية، التي قامت بتنظيم أسطول الحرية، والتي وفقًا لتقارير استخباراتية إسرائيلية وأمريكية قد شاركت في السابق في تمويل وتقديم الإمداد لمنظمات “إرهابية” مثل تنظيم القاعدة وحركة حماس. وتضمنت الدعاوى المقدمة طلبات بإلقاء القبض على رئيس الأركان الأسبق للجيش الإسرائيلي جابي أشكينازي، ورئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق عاموس يالدين، وقائد البحرية الأسبق أليعازر ماروم.
لقد تم تمرير القانون من قبل البرلمان التركي وعلى الرغم من ذلك، ففي غضون الأسابيع الأخيرة، تعقدت الأمور، بعد أن أعلنت مؤسسة الإغاثة الإنسانية وأسر الضحايا عدم اكتراثهم بأموال إسرائيل «القذرة»، لكنهم مهتمون بتحقيق العدالة. ثم قاموا بتقديم التماس للمحكمة ضد ذلك القانون وسيتم الاستماع إلى مرافعاتهم الأسبوع المقبل.
على الرغم من ذلك، فإن ما يزعج إسرائيل هو أحد بنود الاتفاق الذي وافقت خلاله تركيا على طرد ناشطين من الجناح العسكري لحركة حماس (كتائب عز الدين القسام) من أراضيها وإغلاق مكاتبهم. لكن اتفاق المصالحة بين إسرائيل وتركيا يسمح لمسئولي حكومة حماس (الجناح السياسي) بالاستمرار في العمل داخل تركيا.
إن أردوغان، والذي لم تنحسر طموحاته في أن يصبح سلطان القرن الواحد والعشرين، وأن يحكم العالم الإسلامي السني المعتدل، يرى نفسه راعي جماعة الإخوان المسلمين، التي تعد حماس فرعها الفلسطيني. وهذا أيضًا سبب توتر العلاقات بينه وبين مصر وحكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وخلال المفاوضات التي سبقت اتفاق المصالحة بين الجانبين، أصرّ ممثلو الجانب الإسرائيلي على طرد ممثلي الجناح العسكري لحماس من تركيا، وأصرّ الجيش والموساد والشين بيت على ذلك الأمر. في البداية، رفضت تركيا ذلك الطلب زاعمة أنها لا تتفق مع تمييز إسرائيل بين الأفرع العسكرية والسياسية لحماس. بالنسبة لتركيا، فإن حماس منظمة واحدة، نضالها ضد الاحتلال الإسرائيلي له ما يبرره، لذا فهم لا يرونها منظمة إرهابية على الإطلاق. لاحقًا، قام الأتراك بتغيير موقفهم وقاموا بطرد صلاح العاروري قائد فرع كتائب القسام داخل تركيا.
وكان العاروري، وهو من منطقة الخليل، أحد المسئولين الكبار بالجناح العسكري لحماس في الضفة الغربية وألقي القبض عليه من قبل جهاز الشين بيت، ونفذ حكمين بالسجن في السجون الإسرائيلية لضلوعه في «أعمال إرهابية». ثم تم نفيه إلى الأردن، التي رفضت أن تستقبله، ومن هناك توجه صوب سوريا. ومع بداية «الحرب الأهلية السورية» وإغلاق مقر حماس في دمشق، انتقل العاروري إلى تركيا وأسس مقرًا هناك قام من خلاله بتجنيد «عناصر إرهابية» في الأردن والضفة الغربية فضلًا عن تزويدهم بأموال لشراء أسلحة.
كما أمر العاروري «عناصره» في الضفة الغربية بتنفيذ عمليات اختطاف إسرائيليين، وخلال إحدى العمليات تم اختطاف 3 من طلاب الدين اليهود وقتلهم في مستوطنة جوش عتسيون في يونيو/حزيران عام 2014. وهو ما أدى إلى اندلاع حرب غزة الثالثة في صيف عام 2014 والتي عُرِفت باسم «الجرف الصامد».
استمر العاروري في التخطيط لـ «مؤامرات إرهابية» ضد المستوطنين وجنود الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وداخل الخط الأخضر، ووفقًا للشين بيت فقد خطط أيضًا لـ «مؤامرات إرهابية» ضد السلطة الفلسطينية من أجل الإطاحة بها. وكشف الشين بيت عن الشبكة التي تعمل تحت إمرة العاروري قبل أكثر من عام، حيث ألقي القبض على أعضائها وتم مصادرة أسلحتهم ومواد متفجرة أخرى كانت بحوزتهم.
بعد ذلك، التقى رئيس جهاز الشين بيت آنذاك يورام كوهين مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وأعطه معلومات استخباراتية عما أسمته بـ «مخطط حماس الانقلابي». ثم توجه العاروري من تركيا إلى قطر، التي تُعد قاعدة لحماس وتستضيف أيضًا رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل، منذ أن ترك دمشق في أعقاب اندلاع «الحرب الأهلية السورية».
إن الملاذ الذي توفره قطر لحماس وعلاقاتها مع الحركة لم يمنعا إسرائيل من أن تحظى بمستويات مختلفة من العلاقات مع البلد الخليجي. تُعد قطر المتبرعة الأساسية لإعادة إعمار غزة، وهو الأمر الذي يعد أحد المصالح الإسرائيلية كما أكد وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان الشهر الماضي.
وتأمل إسرائيل أن تساعد قطر من خلال علاقاتها ونفوذها على صياغة اتفاق تبادل أسرى تتم بموجبه إعادة جثتي الجنديين أورون شاؤول وهادار جولدن إلى إسرائيل، بالإضافة إلى 3 مدنيين آخرين مفقودين في غزة. لكن مع الوصول إلى تلك المرحلة وبسبب الفجوة الهائلة في مواقف الجانبين، فإن التوصل لمثل ذلك الاتفاق لا يلوح في الأفق.
وكانت إسرائيل تأمل في أن تستغل تركيا نفوذها على حماس وتتوسط لإبرام ذلك الاتفاق، ولكنها لم تتدخل في الأمر. لقد أعطت تركيا حتى الآن مساعدات إنسانية «محدودة» إلى سكان غزة على الرغم من الخطاب الحماسي لأردوغان في ذلك الأمر، الذي اعتاد اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب ما قبل التوصل إلى اتفاق المصالحة بين بلاده وإسرائيل.
وبلغ مجموع المساعدات المباشرة التي منحتها تركيا بضعة آلاف الأطنان من الأدوية والمواد الغذائية ولعب الأطفال وغيرها، تم شحنها على سفينتين وتم تفريغها في ميناء أشدود، ومن هناك تم نقلها بواسطة الشاحنات إلى قطاع غزة. إن مجموع المساعدات الإنسانية التركية بلغت قيمتها نحو نصف قيمة البضائع التي تنقلها إسرائيل يوميًا إلى قطاع غزة (ما يقدر ب 400 شاحنة).
وحتى قبل توقيع اتفاق المصالحة، قدر أليكس فيشمان المعلق العسكري بصحيفة «يديعوت أحرونوت» أن تركيا ليست لديها أية نية لطرد عناصر الجناح العسكري لحماس من أراضيها. ووفقًا لمعلومات من جهاز الأمن الإسرائيلي، فإن المقر الذي أسسه العاروري في تركيا يعمل كالمعتاد ويترأسه شخص واحد يتلقى أوامره من العاروري في قطر، فيما لا يزال عناصر الجناح العسكري مستمرون في السفر من وإلى تركيا كما كانوا يفعلون دائمًا، بل ويخططون لتنفيذ «هجمات إرهابية» ضد إسرائيل.
لقد شكت إسرائيل في العديد من المناسبات من عدم تنفيذ تلك المادة من الاتفاق، لكن حكومة أردوغان، التي لا تزال مشغولة بأصداء محاولة الانقلاب العسكري، وتقوم بملاحقة أعدائها والتنكيل بوسائل الإعلام عن طريق سلسلة طويلة من الخطوات لقمع الديمقراطية التركية، تجاهلت توسلات إسرائيل. وعلى الرغم من حالة الغضب داخل إسرائيل لا سيما بجهاز الأمن ووكالة الاستخبارات، فلا تنوي الحكومة التنازل عن ذلك الاتفاق.
لذا فإن إسرائيل تقبل فعليًا بالانتهاك التركي للاتفاق، وحتى ليبرمان، الذي سبق وأن عارض الاتفاق منذ بداية مرحلة المفاوضات قبل أن يتولى وزارة الدفاع بفترة طويلة، يدرك أنه لا يمكن القيام بالكثير في ذلك الصدد. إن المساحة التي تستطيع إسرائيل المناورة خلالها محدودة للغاية، فيمكنها أن تخطر تركيا بأنها تتراجع عن اتفاق المصالحة، أو أن تُسلّم بالموقف الحالي وتنتظر فرصة أخرى مستقبلًا، ربما تستطيع حينها إقناع حكومة أردوغان بإغلاق مقر حماس في تركيا.
لدى إسرائيل مصلحة خاصة في تطبيع العلاقات مع تركيا، وتأمل أن توقّع معها اتفاقًا لبيع الغاز من حقل لافيتان. وقد زار وزير الطاقة والبنى التحتية يوفال شتاينتس تركيا مؤخرًا، والتقى مع نظيره صهر أردوغان.
كما تأمل إسرائيل في إعادة بناء العلاقات الأمنية والاستخبارية بين الدولتين، ورغم ضآلة فرص ذلك، إلا أن تقلبات الشرق الأوسط قد تسمح بذلك يومًا.
يمكن فقط أن يحدث ذلك، إذا ما وجدت تركيا نفسها في مواجهة جديدة مع إيران، بسبب تدخلها العسكري في الحرب في العراق بشكل عام وفي معركة الموصل بشكل خاص.
ثمة توتر شديد بين أنقرة وطهران، فالحكومة العراقية تطلب من الجيش التركي الخروج من أراضيها، ولكن يبدو أن أردوغان يمتنع عن ذلك حاليًا. وبحجة الحرب ضد داعش، اجتاح الجيش التركي العراق كي يمنع إقامة دولة كردية مستقلة في شمال الدولة، ولقطع التواصل البري الذي تسعى إيران لإقامته من مجالها، عبر العراق إلى سوريا، ومن هناك إلى لبنان. وفي حال وُجِد مثل هذا التواصل، يمكن أن نسمي ذلك «الطريق السريع الشيعي العام».
وفي حال وجود تقارب فعلي بين القدس وأنقرة، قد يقود الاتصالات في ذلك الصدد رئيس الموساد يوسي كوهين، الذي كان مشاركًا في محادثات اتفاق المصالحة، بحكم منصبه السابق كرئيس مجلس الأمن القومي.
وقد كان من المعروف في السابق، أن رئيسي الموساد مائير دغان وتمير باردو مثل أسلافهما منذ عهد إيسار هرئيل في الخمسينيات، قد التقوا مع رؤساء المخابرات التركية.
وفي مثل هذه الحالة سيُعقد أيضًا لقاء بين كوهين ونظيره هاكان فيدان، ويمكن حينها لكوهين إقناع فيدان بإغلاق مقر حماس في تركيا، واستخدام نفوذه من أجل صفقة تبادل الجثمانين والمواطنين المفقودين مع حماس.