في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة نافس حزب النور على 60%ٌ من المقاعد إلا أنه حصل على 12 مقعد فقط لاغير، وفي برلمان تونس السابق نافس حزب جبهة الإصلاح على 23 دائرة انتخابية ولكنه لم ينجح في الحصول على أي مقعد، وهذا يدفعنا للتساؤل هل فشلت السلفية السياسية؟

منذ انطلاق موجة الربيع العربي؛ والجماعات السلفية بمختلف توجهاتها وفروعها تعيش حالة من ترتيب الأوراق والمراجعة في طريقة التعامل مع الأنظمة الحاكمة في الدول العربية والنظر فيما كان من قبل سواء تعاونا مع أنظمة أو مواجهة لها.

فبعدما أفَلَ نجم جماعة الإخوان المسلمين شيئا ما عن الساحة السياسة، ومنذ عزل الرئيس المصري محمد مرسي؛ والتيار السلفي يرى في نفسه الوريث الشرعي للجماعة وأنه القوة القادمة لا محالة، ولكن القدر لعب لعبته، والقدر في السياسة مكتوب مسبقا، ويُقرأ من حصيلة التحركات والخطط المحسوبة، والسلفيون وضعوا الخطط وسلكوا طريق التنفيذ ولكن الواقع أثبت رجوعهم بخف حنين.

هذا على الصعيد المصري. من جهة أخرى يعاني التيار السلفي في المنطقة العربية العديد من الأزمات وحالة من الركود باستثناء تحرك بسيط في أروقة التيار السفلي الكويتي، تلك الأزمات تتعدد شكلا ومضمونا وتؤثر بصورة كبيرة على التيار فكريا وتنظيميا ودعويا.

والسؤال الواجب طرحه بداية: ما هي أبرز الأزمات التي يعاني منها التيار السلفي وأبعادها؟

يعاني التيار السلفي السياسي من أزمتين رئيسيتين ساعدتا بصورة كبيرة على إخفاقه في العملية السياسية، أولاهما مرتبطة بالمشاركة السياسية ذاتها، وثانيهما مرتبط بالسلفية الجهادية وانتشارها.


المشاركة السياسية بين القبول المرفوض والرفض العنيف

عقب موجة الربيع العربي اتجهت الجماعات السلفية نحو إيجاد دورٍ لها في اللعبة السياسية، هذا الأمر عانى من أزمتين، الأزمة الأولى: مرتبطة بالرفض الشعبي والحكومي -بعض الأحيان- لدخول مثل هذه الجماعات المعترك السياسي، والأزمة الثانية: مرتبطة بالجماعات ذاتها، ورفض فصيل منها المشاركة في العملية السياسية، والثانية هي الأهم بالنسبة لنا الآن.

حقيقة الأمر أن المشاركة في العملية السياسية أمر مختلف عليه وعلى شرعيته داخل الجماعات السلفية وإلى يوما هذا لم يفصل فيه، ولعل هناك أمثلة ونماذج عدة توضح الانقسامات داخل الجماعات السلفية عقب موجة الربيع العربي، ففريقٌ رجّح “المراجعات الفكرية” وفريق آخر أنكرها وأطلق عليها “التراجعات الفكرية”، وكان التيار السلفي المغربي خير مثال على هذا؛ فجزء رفض المشاركة في العملية السياسية وجزء آخر توجه نحوها بالمشاركة في أحزاب سياسية سلفية كحزب الفضيلة. من ناحية أخرى وفي تونس فالغالبية من السلفيين مازالوا يرفضون المشاركة في العملية السياسية والبعض منهم توجه نحو العمل السياسي بإطلاق حزب جبهة الإصلاح، وفي مصر لدينا مثال حزب النور.

الفريقين أثرا بصورة كبيرة على مسار الحياة السياسية في بلدانهم وفي الدول العربية عامة، فالفريق الأول الذي توجه نحو العمل السياسي وسعى لأن يكون له دورٌ في اللعبة السياسية؛ عاني كثيرا عقب هزيمة التيار الإسلامي مع السلطة، سواء في مصر أو تونس. ففي الانتخابات البرلمانية الأخيرة في مصر أعلن النور أنه سينافس على 6% من المقاعد؛ إلا أنه حصل نهاية على 12 مقعدٍ، وفي برلمان تونس السابق نافس حزب جبهة الإصلاح على 23 دائرة انتخابية ولكنه لم ينجح في الحصول على أي مقعد في البرلمان التونسي، وعليه تشير النتائج إلى أن السلفيين الذين قبلوا بالتوجه نحو العمل السياسي في البلدان العربية وُوجهوا بالرفض من المجتمعات العربية.

حقيقة الأمر؛ هذه الأزمة وهذا الرفض صب في مصلحة التيار الثاني الذي دائما ما تبنى قوله تعالى: “مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ”؛ وعليه رفضوا المشاركة السياسية، حيث دفع العديد من أنصار السلفية إلى التوجه نحو السلفية الجهادية.

ولكن قبل تناول لماذا اتجه البعض إلى الجماعات الجهادية علينا التساؤل: ما هي أسباب فشل الجماعات السلفية في العملية السياسية؟

أسباب وعوامل كثيرة يمكن من خلالها الإجابة على هذا السؤال ولعل أبرزها يمتثل في نظرة السلفيين للدولة؛ حيث يطرح السلفيون في نظرتهم للدولة مفهوم تطبيق الشريعة بصورة كبيرة، ولكن دون إيضاح لكيفية التطبيق، كما أن السلفيين يساوون بين مفهومي الدولة والنظام السياسي، هذا الأمر ما أوجد غياب رؤية لدى السلفيين لشكل الدولة، والعلاقة بينها وبين الشريعة. هذا الأمر ربما يعود لسبب واحد ليس إلا وهو سرعة انخراط الجماعات السياسية في العمل السياسي عقب الربيع العربي دون آخذ الوقت الكافي لصياغة مشروع سياسي.

أمر آخر بارز في توضيح أسباب فشل الجماعات السلفية في العملية السياسية يتمثل في الاختلافات الداخلية في الأحزاب ذاتها، ولعل مثال حزب النور في مصر هو الأكبر في شرح الانقسامات داخل السلفية السياسية.


تزايد السلفية الجهادية

أزمة أخرى تعاني منها السلفية السياسية في المنطقة العربية تعود إلى تزايد التوجه نحو السلفية الجهادية والتي يعزي السبب الأكبر لانتشارها إلى فشل المشاريع الإسلامية في البلدان العربية، سواء مشروع الإخوان المسلمين في مصر أو مشروع النهضة في تونس. الأمر الذي دفع العديد من الشباب إلى حالة من فقدان الأمل في التغيير السلمي وتطبيق الشريعة عن طريق العملية السياسية؛ فبدؤوا يتوجهون نحو السلفية الجهادية، ولعل ما يمثل ذلك هو تحول العديد نحو حركة أنصار الشريعة التونسية عقب فشل مشروع النهضة وفشل حزب جبهة الإصلاح.


تداعيات أزمات السلفية السياسية

ربما يكون فشل السلفيين في السياسية أمرًا ينظر له بعض على أنه أمر عادي؛ ليس من المهم تناوله أو النظر إليه، ولكن الواقع يشير إلى ما هو عكس ذلك ففشل السلفية السياسية له العديد من التداعيات على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

أول هذه التداعيات يتمثل في إيمان فئة من أتباع السلفية السياسية بأن التغيير السلمي أمر لا طائل منه، ومن ثم من المرجح أن ينقسم هؤلاء الفاقدين للأمل إلى فريقين؛ فريق يرى ضرورة البعد عن السياسة والتفرغ للعمل الدعوي والنشاط الخيري، وفريق آخر يرى في التغيير بالعنف وسيلة أدق وأكثر فاعلية من التغيير السلمي.

من ناحية أخرى، من الممكن أن يزيد الرفض المجتمعي والفشل السياسي للسلفية السياسية من حدة الصراع بين التيار السلفي وفئات المجتمع فيما يتعلق بمخالفة الشريعة والقيم الدينية في وجهة نظرهم، ولعل المرجح أن يكون هناك صدامات ما بين أتباع التيار السلفي هؤلاء وأفراد المجتمع من الديانات الأخرى.

هذا بصورة عامة ما يعاني منه التيار السلفي السياسي العربي من أزمات في تلك الأوقات، وسنتعرض في مقالات تالية لنماذج عربية سلفية سياسية بالتفصيل والأزمات التي عانوا منها وتداعياتها، إلى جانب التعرض في الجزء الثاني من هذه السلسلة إلى السلفية الجهادية والأزمات التي تعاني منها وتداعياتها.