الشيخ النصّاب
سجّل تلاميذ الشيخ محمد عوض المنقوش مقطعًا مرئيًا له يتحدث فيه عن الشيوخ الزائفين الذين يدمّرون الآدميين ليل نهار ولا يلتفتون إلى صنيعهم، كفر الناس بسبب أفعالهم أو خسروا دينهم لا يهتم أمثال هؤلاء بما يحدث من جرّاء أفعالهم، فالمهم عند الشيخ النصّاب أن يتحقق مراده وينتشي ويطرب ويسعد، والآخرة والحساب هو أول من يكفر بها وإن سكّن الطيّبين بكلام عنها حفظه وكرره على أسماعهم من أجل أن يمتلأ بطنه ويرتاح جسده المترهل من أكل أموال الناس.
في التسجيل الذي بثّه الشيخ محمد على صفحته أرجع السبب إلى أن مثل هؤلاء لم يتلقّوا العلم عن شيوخ مسندين ومربّين أحسنوا تربية أبنائهم، وقد يكون هذا سببًا هامًا يمكن اعتباره عاملاً من عوامل الخلل، لكن الشيخ محمد يعلم أن أكثر من شيخ يكذب على الناس ويدعي صلة بفلان من المشايخ الأكابر، ويبرز للناس ورقة إجازة تعتبر دليلاً على هذه الصلة، وكم من شيخ فعل ذلك يعرفه الشيخ وأعرفه ومنهم من لم يتورع عن وضع اسمه في طبعات كثير من المصاحف، فلا يردع أمثال هؤلاء تربية سابقة، فكم من شيخ صالح كان أبناؤه من صلبه فاسدين طالحين، فلا عجب أن ينتكس من دَرَسَ على يد شيخ صالح، ولا يقدح في صلاح الشيخ فساد أتباعه أو قلة عدد النجباء.
الشيخ النصّاب لا شرط أن يرتدي العمامة ويقف على المنبر ويصرخ في الناس، فالشيخ النصاب قد يُحسن سياقة الكلام بهدوء ولين ويكون من المهارة كالثعلب الذي نقرأ قصصه في كليلة ودمنة أو كتب المطالعة يفعل ما يريد بخبث شديد ثم يشتكي إلى الله من جور الناس وهضمهم لحقه، وهو الذي تغذّى على أكل لحوم البشر وسرقة ثمارهم التي ما أينعت إلا بعد أن بذلوا في سبيلها دماءهم وأفنوا أعمارهم.
الشيخ النصّاب هو من يمدح النساء مستخدمًا أحاديث النبي حتى يحصل على مراد رخيص، تمكنه التمتمة ببعض الأحاديث من مراده بسهولة، وإن استعصت الأمور يستخدم آيات القرآن، فلا بد أن تكرر المرأة وراءه بعض آيات من القرآن وتمسح على جسدها هكذا وهكذا، فللقرآن سحرٌ عجيب! والشفاء في هذه الحالة مضمون لا محالة، ومثل هذه التلاوات لا تملّ ولا يشكو منها الشيخ المتعبد الصنديد.
الشيخ النصاب هو من يربي تلاميذه على الربية والشك في جميع الخلائق ويغرس فيهم ثمرة الإدانة والتهكم من جميع البشر، فكل الناس لديهم غير صالحين ولا يصلح منهم إلا ما اعتمده شيخهم الزائف، رجالا كانوا أو نساء، متعلمين أو عوام، فالكل مدان ما دام لا يخضع لتعاليم ومبادئ زيف الشيخ المقدس.
الشيخ النصاب هو الذي يجيب على كل سؤال، فهو الواقف أمام اللوح المحفوظ الذي دوّن فيه كل شيء قبل أن تخلق الخلائق، والشيخ لديه من القدرة على فك رموز اللوح ما ليس في مستطاع البشر فهو الواصل الموصول وصاحب المدد الذي لا ينتهي، ومن شكّ في قدرته فقد فارق الإيمان وليستر الله عليه فعاقبته الحرمان والطرد.
الشيخ النصاب هو الذي ما إن تفتح له بابًا من أبواب الرفاهية فتّش لك عن الجزء الواحد والثلاثين من القرآن وتلا عليك من آياته ما يدعم كل تصرف لك، فلكل حادثة دليل قطعي الثبوت كالغرانيق، معجز في ترتيله لو كنت تدري أنه ثابت ما كنت يومًا فكرت أن يكون لك شيخ، فحياتك من قبل لم تكن تحتاج إلى وجع رأس مع دال ودلالة أو دليل للجواز والإباحة، لكن الشيخ يعرف دين العوام القائم على أقنوم (حطّها في رقبة عالم تطلع سالم) وهل هناك أعلم من شيخ نصّاب!
الشيخ النصاب يجلس على القهوة ويشترط ألا يكون بين المريدين رجل، فهو لا يتحدث مع الرجال، وما تحدّث معك إلا لأن امرأة قريبة منه أو يريد نكاحها في الحلال! مدحتك أمامه، تقبّل يده هذه المريدة، وتسند هذه على كتفه وتبث همومها وحينما تخبره عن علم من أعلام الصوفية يتحدث عنه باستخفاف، فهو الميزان الذي يقاس عليه تمام هذا العالم وكماله أو نقصانه ، أذكر مرة أن هذا النموذج الصوفي المبدع علّق عليّ وأنا أتكلم عن حلاّج الأسرار وأخبرني أنه ليس من أهل الطريق الصوفي! لا لأن الحلاج قال أنا الحق أو أشرك والعياذ بالله، ولكن لأن لغة الحلاج سحرية طلسمية وما كان رجال الله يتحدثون هكذا! وكذلك علّق على حضرة مولانا جلال الدين الرومي، فضحكت من قوله ولا يزال حضرة الشيخ النصاب يهذي بكلام عذب رقيق تسمعه بعض النساء للأسف وتركن إليه وتفضي بأسرارها إليه وهم يدخنون الحشيش معًا وكله ببركة حضرته فعّال وشافٍ.
الشيخ النصّاب لم يفسد حياتي فلم أتوجّه عبر أحدٍ إلى حضرة المحبوب أو أتعرّف من خلال أحد على طريق الله وإلا كانت المعرفة عن طريق هؤلاء بابا من أبواب الكفر المرّ الذي لن يفارق طعمه العفن حياتي، لكنه يفسد حياة الآخرين الذين أعرفهم عن قربهم، وكلما تكاثر هؤلاء كلما خرج الناس من دين الله أفواجًا.
الشيخ النصاب لا ينتفض قلبه مثل قلوب المريدين لا يعرف عن الإنسان كمالاً أو جمالاً حتى يخبرك عن الإنسان الكامل أو الحقيقة المحمدية، ما يقوله محض هراء حتى لو أقسم بجميع الأيمان.
أدعياء التصوف يخدعون السالكين الأبرياء ويزيلون ثقتهم بحركة التصوف في الجملة. ومثل هؤلاء الناس، -كما يصفهم الرومي في أبياته الهجائية، وكما التفت إلى ذلك أنّا ماري شيمل (المستشرقة الألمانية)- يدعون مراتب روحية عالية، يحلقون رؤوسهم ورقابهم فتغدو كالقرع، ويشوشون الزائر الفقير بحديث طنان عن العرفان والفقر حيث يتخيل أن صاحبه ينبغي أن يكون جنيدا حقيقيا أو شخصا آخر من الشيوخ الكبار في الطريق. وهو في الحقيقة أبالسة وشياطين.