تقدير موقف: صفقة ترامب تؤسس لعواصف قادمة في المنطقة
بقلم: أ.د. وليد عبد الحي
قبل عام تماماً (فبراير/شباط 2019)، نشر مركز الزيتونة دراستي عن الآفاق المستقبلية لـ «صفقة القرن»، وبمقارنة ما ورد في كل من وثيقة ترامب الحالية، والتي تقع في 181 صفحة تحت عنوان Peace To Prosperity: A Vision to Improve the Lives of the Palestinian and Israeli People (January 2020)، وما ورد في المؤتمر الصحفي الذي عقده ترامب يوم الثلاثاء 28 يناير/كانون الثاني 2020، لم أجد فروقاً جوهرية عن تلك الدراسة إلا في التفاصيل.
تقع الوثيقة الجديدة في 22 قسماً، يتبعها أربعة ملاحق، من بينها خريطتان توضحان جغرافية «إسرائيل» والدولة الفلسطينية المفترضة وتوزيع المستوطنات.
ونظراً للتفاصيل الكثيرة لجوانب موضوعات الوثيقة، أرى أن الأنسب تحديد معالمها الأكثر استراتيجية على النحو التالي:
أولًا: الدولة الفلسطينية المقترحة
تتسم بما يلي:
1. دولة منزوعة السلاح تماماً في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وتلتزم بمنع أي تنظيم مسلح من التواجد فيها، مع اشتراط أن يحكم غزة قوى غير حماس والجهاد الإسلامي والتنظيمات الأخرى المسلحة.
2. تكون عاصمة الدولة في الضواحي المجاورة للقدس الشرقية، مع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ستقيم سفارة لها في هذه الضواحي، بينما تكون القدس كلها بتوصيفها الإسرائيلي مدينة موحدة وعاصمة لـ «إسرائيل».
3. يتم استقطاع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية وضمها لـ «إسرائيل».
4. لا عودة لحدود 1967، وإبقاء حدود الدولة الفلسطينية غير مرسمة لمدة أربع سنوات، يتم خلالها تحقيق تواصل جغرافي بين أراضي الدولة الفلسطينية وتجميد الاستيطان شريطة الالتزام بما يلي:
- ألا تشكل هذه الدولة الفلسطينية بأي شكل من الأشكال خطراً على الأمن الإسرائيلي مع ترك تحديد مفهوم خطر أمني للطرف الإسرائيلي.
- التخلي عن السلاح؛ وهو ما تنطوي عليه عبارة ترامب «الرفض الصريح للإرهاب من قبل الدولة الفلسطينية».
- مقاومة إيران ومحاصرة نشاطاتها.
- أن تكون قوانين السلطة الفلسطينية موجهة لتقييد النشاط «الإرهابي» مع حق «إسرائيل» في تدمير أي منشآت فلسطينية تراها خطراً عليها.
- خلال المفاوضات لا يجوز للسلطة الانضمام لأي منظمة دولية دون موافقة «إسرائيل».
- الإقرار بـ «يهودية الدولة الإسرائيلية».
5. لن تخلع «إسرائيل» أي مستوطنة، ويتم ربط المستوطنات الإسرائيلية التي تقع داخل مناطق السلطة الفلسطينية بشبكات نقل، أما الفلسطينيون الذين يقعون في مناطق «إسرائيلية» فيسمح لهم بالتنقل نحو أراضي السلطة الفلسطينية.
6. يخضع نهر الأردن للسيادة الإسرائيلية، مع تعويض المزارعين الفلسطينيين أو الترخيص لهم في هذه المنطقة.
7. المياه الإقليمية لغزة تبقى تحت السيطرة الإسرائيلية.
8. دمج سكان قرى المثلث الفلسطيني (كفر قرع، وعرعره، وياقة الغربية، وأم الفحم… إلخ) مع السلطة الفلسطينية، ومقايضة الفلسطينيين بحيث يتم ضم مناطق للسلطة الفلسطينية تعويضاً عما سيقتطع منها.
9. تبقى المعابر للدولة الفلسطينية خاضعة لرقابة السلطة الإسرائيلية، كما أن الولايات المتحدة مستعدة للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على أراضٍ محتلة (غور الأردن، والكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية، وهو التفسير الذي أشار له نتنياهو في المؤتمر نفسه).
ثانيًا: اللاجئون
تم ربط موضوع اللاجئين الفلسطينيين باللاجئين اليهود من الدول العربية، والإشارة لحق «إسرائيل» في التعويض عن ممتلكات المهاجرين اليهود وما تحملته «إسرائيل» من نفقات استيعاب هؤلاء المهاجرين اليهود. أما الحل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين فهي:
1. بعضهم تستوعبه الدولة الفلسطينية.
2. وبعض يتم دمجه في الدول التي يقيمون فيها.
3. والجزء المتبقي منهم يتم توطينه في دول إسلامية من دول منظمة المؤتمر الإسلامي.
4. توسيع قطاع غزة بما يساعد على تحسين ظروفهم من خلال مناطق مجاورة في النقب، ويتم وضع مرافق ومشاريع صناعية لاستيعاب جزء من الضغط السكاني في غزة.
ثالثًا: التكامل الاقتصادي الإقليمي
عنوان القسم الثالث من الوثيقة هو «رؤية للسلام بين دولة إسرائيل والفلسطينيين والإقليم»، ويتم ذلك من خلال:
1. تعزيز مسار التطبيع بين الدول العربية و”إسرائيل”، والتشارك في علاقات مع أوروبا.
2. ربط الضفة وغزة بخطوط نقل سريعة تكون خاضعة للسيطرة الإسرائيلية.
3. السماح للفلسطينيين باستخدام الموانئ الإسرائيلية في حيفا وأسدود.
4. تسهيل العبور بين الأردن وفلسطين مع حق «إسرائيل» في الرقابة على السلع المنقولة.
5. إنشاء منطقة تجارة حرة بين الأردن وفلسطين.
6. ضرورة التعاون العربي الإسرائيلي لمواجهة حماس وحزب الله.
7. الوعد بوضع الولايات المتحدة نهاية لاعتماد الفلسطينيين على المؤسسات الخيرية والمعونة الأجنبية.
رابعًا: المعتقلون
الإفراج عن السجناء ما لم يكونوا ممن اقترف «جرائم قتل أو شروع بالقتل»، أي أن عناصر المقاومة لن يتم الإفراج عنهم.
الدلالات المستقبلية للخطة
من الأرجح أن هذه الخطة (الوثيقة) تمهِّد المسرح لعراك في غاية القسوة ستواجهه التنظيمات الفلسطينية، ومن الأرجح أن تكون غزة عرضة لضغوط سياسية (تقييد حركة زعمائها)، وحروب إعلامية (بالصور المفبركة، والأخبار المغرضة، والإشاعات… إلخ)، واقتصادية (مزيد من الخنق الاقتصادي خصوصاً تجاه غزة)، وعسكرية (الضربات الجوية المتلاحقة، والاغتيالات، وعمليات تفجير واغتيال مشبوهة… إلخ).
والوجه الثاني للعراك سيكون بمزيد من الضغط الأمريكي على الدول العربية لتسريع وتيرة التطبيع الواسع، وصولاً لتحالفات عسكرية تندمج في إطار توسيع عمل الناتو شرقاً وجنوباً، ومزيد من الضغط على كل دولة أو جهة عامة أو خاصة تقدم أي مساعدات للفلسطينيين.
والوجه الثالث محاولة جر بعض الدول الأوروبية، لا سيَّما بريطانيا، باتجاه المشاركة في إنجاح المشروع الأمريكي.
إن المشروع الأمريكي لدليل قاطع على عبثية أي مسار سلمي مع هذا الكيان الشاذ، بل إن هذه الوثيقة ستعمل «إسرائيل» فيها على غرار ما فعلته في أوسلو، بأن تطبق منها ما هو في صالحها، وهو الجزء الأكبر، بينما ستعمل على تعطيل تنفيذ ما تراه غير مناسب لها.
إن مواجهة هذا المشروع الأمريكي يحتاج إلى بناء استراتيجية واضحة تجعل من إسقاط هذا المشروع دالته الأولى، وهو ما يعني تطوير العلاقات مهما كانت متواضعة مع كل من يعارض أو يتحفظ على المشروع، وهو ما يستدعي التخلي عن أصل البلاء وهو اتفاق أوسلو، وكل ما ترتب عليه من تنسيق أمني وتدجين للضفة الغربية والعودة للمقاومة المسلحة بعد إعادة ترتيب الصفوف.