الصيام على كوكب الزهرة

خلقنا الله على كوكب الأرض، مهيأةً لحياتنا عليها، متأقلمين مع ظروفها المختلفة. لكن الإنسان يحب التجوال بطبعه، كانت هكذا بدايته قبل أن يتعلم الزراعة وبناء الحضارة والاستقرار، ثم اكتشف التجوال مرة أخرى عندما علم أن باستطاعته تقنيًا أن يذهب خارج الأرض يومًا ما، ذهب إلى القمر عدة مرات وعاد، ويخطط الآن للذهاب للمريخ، توأم الأرض الأحمر القريب.

لكن، ماذا لو أتيح لنا بمعجزة ما الذهاب لباقي كواكب المجموعة الشمسية والمعيشة هناك؟ كيف سيبدو يومنا؟ لو جاء رمضان علينا هناك كيف سنصوم؟ هنا تتوقف التكهنات ويمسك علم الفلك الميكروفون ليحكي لنا كيف هو يوم جيراننا في المجموعة الشمسية، لتختر بعدها كوكبك المفضل.

على عطارد

فأما عن عطارد، الكوكب الصغير، فيستغرق دورانه حول نفسه دورة كاملة حوالي 59 يومًا أرضيًا، لكن عطارد أمره غريب بعض الشيء، فرغم إتمامه دورة كاملة كل 59 يومًا إلا أن الشمس لا تشرق على نفس النقطة فيه إلا كل 176 يومًا تقريبًا!! هذا بسبب سرعة دورانه الكبيرة حول الشمس كونه أقرب الكواكب لها.

لهذا فعند وجود منطقة ما في وقت الشروق بالنسبة لليوم النجمي تكون حركة الكوكب حول الشمس قد أبعدتها عن مواجهة الشمس. لفهم ذلك يجب أن نعرف أن هناك ما يسمى باليوم النجمي أو الفلكي واليوم الشمسي.

بتبسيط مخل نوعًا ما، فاليوم النجمي/الفلكي هو دوران نقطة محددة على سطح الكوكب بالنسبة للنجوم حتى تصل لنفس المكان في السماء بالضبط لو كنت على كوكب ما، سترى نفس النجوم بالضبط لو نظرت فوقك بعد مرور يوم نجمي. أما اليوم الشمسي فهو وصول النقطة على سطح الكوكب لنفس المكان بالنسبة للشمس، فلماذا هو أطول؟ لأن الكوكب يدور حول الشمس، أي أن دورانه دورة كاملة سيكون قد سبق الشمس في مداره قليلاً، هذا الفارق يزيد على اليوم النجمي ليصل الكوكب لنفس النقطة بالنسبة للشمس، ويتم يومًا شمسيًا كاملاً.

في نهار عطارد تصل درجة الحرارة إلى 427 مئوية، بينما ليلاً تصل إلى 183 تحت الصفر، ودون غلاف جوي تقريبًا. فلا تتوقع أن تجد حياة هناك يومًا ما، أو حتى أن نستطيع استعماره بأي حال من الأحوال.

سطح عطارد كذلك غني بالفوهات والتي تشبه فوهات القمر لكنها أكبر حجمًا بكثير، بين فوهات بيتوفن أكبر فوهاته بعرض 600 كيلومتر، حتى فوهات تصل إلى 10 كيلومترات أو أقل. زارت عطارد من الأرض مركبات طوال تاريخ اسكتشاف البشر للفضاء، مارينر 10، أول من وصلت للكوكب الحار، في مارس 1974، دارت بضع دورات وأرسلت العديد من الصور والمعلومات قبل أن تتوقف عن العمل في مارس/آذار 1975. ويعتقد أن مارينر مازالت تدور حول الشمس في مدار يقترب من عطارد كل فترة حتى الآن.

بعد مارينر جاءت مسنجر MESSENGER، وتعني Mercury Surface, Space Environment, Geochemistry, and Ranging، بفارق زمني طويل للغاية، وصلت 2011 وظلت حتى 2015، وأرسلت الكثير من التفاصيل عن الكوكب قبل أن تسقط منهية مهمتها بفوهة جديدة بشرية الصنع هذه المرة على سطحه.

هل تظن أنك تستطيع الصيام هناك بدل الأرض؟؟ نذهب الآن إلى الزهرة.

الزهرة.. التوأم العجيب

ماذا عن الزهرة؟ أشد أجرام السماء لمعانًا في سماء الليل! الزهرة هو أبطأ كواكب المجموعة الشمسية، يدور حول نفسه بسرعة 6.5 كيلو متر في الساعة!! سرعة المشي الطبيعي للإنسان البالغ تقريبًا.. يعني هذا أنك يمكنك أن تجري على سطح الكوكب لتدور دورة كاملة حول الزهرة قبل أن يدور حول نفسه، يمكن أن نسميه ماراثون الكواكب، ولا أظن أنك ستجد منافسًا هناك.

يدور الزهرة حول نفسه عكس دوران باقي الكواكب وعكس اتجاه دورانه حول الشمس بشكل فريد، ويظهر من الأرض في أطوار كالقمر بالضبط. زارته العديد من المركبات البشرية من ناسا ووكالة الفضاء الروسية، واخترقت الطبقة الكثيفة من السحب وصورت سطحه والذي رأيناه لأول مرة بعدسة فينيرا 7 التابعة لوكالة الفضاء الروسية عام 1975.

ما نسيت قوله حتى الآن، هو أن متوسط درجة حرارة سطح الزهرة حوالي 462 درجة سيليزية، لا أظن أنه اختيار جيد بأي حال.

إله الحرب الأحمر

استعمار المريخ

المريخ، مارس، إله الحرب عند قدماء اليونانيين، ذو القمرين فوبوس وديموس، هو توأم الأرض الروحي، الشقيق القريب، وسكن البشر المستقبلي المحتمل، يدور حول نفسه كل 24 ساعة و37 دقيقة.. ألم أقل لكم أنه شقيق؟ لهذا لم نتوقف عن دراسته بكل الطرق الممكنة تمهيدًا للذهاب هناك حسب خطط إيلون ماسك الحالمة، وكذلك ناسا.

لا يكمن التشابه بيننا وبين المريخ في طول اليوم فقط، لكن في زاوية ميل محوره المشابهة للأرض «25.19 درجة»، فيشهد المريخ تشابها شديدا في دوران المواسم، الصيف والشتاء، مع اختلاف طول النهار والليل على نصفيه بالتبادل كذلك. إلا أن دورته حول الشمس والتي تطول لـ668 يومًا أرضيًا تجعل من طول الفصول ضعفها عالأرض، أتمنى شخصيا شتاء مستمرًا لـ 6 شهور بديلاً عن هذا الحر القاتل.

عمالقة غازية غريبة الأطوار

نذهب الآن للكواكب العملاقة الخارجية، المشتري، الأخ الأكبر، الرشيق في نفس الوقت، حيث يكمل دورة كاملة في أقل من 10 ساعات أرضية، تدور حوله جونو الآن في رحلة أسطورية محاولة كشف أسراره التي تحجبنا عنها طبقة السحب الكثيفة التي تكون حلقات رائعة يسهل رصدها بتلسكوب جيد، محاولة التأكد من وجود قلب صلب للعملاق الغازي أم لا. يتغير شكل سطح الكوكب بشكل مستمر وتظل مراقبته من اللحظات الرائعة التي يمر بها هاوي فلك. ترى في سمائه 67 قمرًا، منهم الأقمار الجاليلية الأربعة التي ترى من على الأرض بتلسكوب جيد.

زحل، الرائع ذو الحلقات اللامعة التي لا يمل مراقب من متابعتها، يكمل دورته كذلك في أقل من 11 ساعة، وهناك رسولتنا الأرضية كاسيني تدور معه وحوله محاولة سبر أغواره قبل أن تخترق غلافه وتحترق في نهاية هذا العام. شخصيًا أتمنى العيش على زحل فقط لأستمتع بمشهد الحلقات بالسماء، لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، لهذا أكتفي بمتابعة صور كاسيني الرائعة من هناك بشكل دوري.

أورانوس كوكب غريب، لا يدور في مداره لكنه «يتدحرج عليه»، بسبب ميل محوره 97 درجة.. ولهذا فرغم دورانه بسرعة شديدة حول نفسه، إلا أن الشروق لا يحدث على أي منطقة سوى مرة كل 42 عاما، يستمر فيها النهار على أحد جانبيه، بينما يظلم الجانب الآخر تمامًا!! حيث إن ما يسبب الشروق والغروب على نصفيه هو دورانه حول الشمس دورة كاملة كل 84 سنة تقريبا، وبالتالي فلن تنتظر للمغرب هناك حتى تتناول فطورك، لن تتناول فطورك من الأساس لو قررت الصيام هناك، لا أنصح بالذهاب.

ماذا عن نبتون؟ يدور نبتون حول نفسه بسرعة تتغير حسب قربك من القطبين، وهو ما يحدث في كل الكواكب الغازية بالفعل، لكننا لم نحكه من قبل لأنه شديد الوضوح على نبتون. فنبتون يدور دورة كاملة كل 18 ساعة عند خط استوائه، وكل 12 ساعة عند القطبين. وتتغير الفصول على نبتون كالأرض، بسبب ميل محور دورانه 28.3 درجة… لكن بسبب طول مداره حول الشمس، يستمر كل فصل من الفصول أكثر من أربعين عاما أرضية، أحب الشتاء لكن ليس لـ 40 عاما مستمرة بالطبع.

أين تفضل الآن أن تمضي فترة صيامك؟ أليست الأرض جيدة بما فيه الكفاية؟