هل يمكنك سماعي؟ كان وقتًا عظيمًا أن أكون حيًا وأقوم بالبحث في مجال الفيزياء النظرية. تصورنا للعالم تغير بشكلٍ كبير في الـ50 عامًا الأخيرة، وأنا سعيد إن كنت قد أسهمت بشكلٍ بسيط في هذا التغيير. حقيقة أننا نحن البشر، ونحن أنفسنا عبارة عن مجموعة من الجزيئات الأساسية في الطبيعة، قد نجحنا في الاقتراب بهذا الشكل من فهم القوانين التي تحكمنا وتحكم الكون الذي نعيش فيه؛ هذه الحقيقة تعتبر نصرًا عظيمًا. أود أن أشارك حماستي وشغفي حول هذا التحدي!

كان هذا مقتطفًا من آخر رسالة صوتية نشرتها جامعة كامبريدج مؤخرًا لعالِم الكونيات والفيزيائي الراحل «ستيفن هوكينج – Stephen Hawking» التي سجلها في احتفاله بعيد ميلاده الـ75.

عاش ستيفن هوكينج حياة يملؤها التساؤل، كلمات مثل (لماذا؟ كيف؟) كانت مفاتيح حلول لقطع البازل المفقودة لديه لفهم الكون. فلم يكن الكون بالنسبة إليه عملاً اعتياديًا، أو مجرد وسط مادي مكون من الغبار والغاز والأشعة، ويحتوينا نحن البشر والكواكب والمجرات والنجوم فحسب، بل هو عمل لا مثيل له، تصميم هندسي تحكمه قوانين فيزيائية عرفناها وفهمناها، وأخرى عصية عن الفهم، وحتى عن التخيل!

هو نفسه حير كثيرين. فبجانب عبقريته وذكائه، كان هناك تواضعه الذي لمسناه في حديثه عن نفسه، فلم يتفاخر يومًا -على سبيل المثال- بمعدلات ذكائه. وبجانب مرضه الذي لم يُعرف له سبب حتى الآن، كانت هناك إرادته الصلبة وإصراره على الحياة بأمل، والسعي والبحث عن أصول وبدايات الكون، فهم كامل له أو حتى الاقتراب من حدوده. لماذا يبدو الكون هكذا؟ ولماذا يوجد كونٌ من الأساس؟

على الرغم من وجود سحابة معلقة على مستقبلي، لكنني وجدت، ولدهشتي، أنني كنت أستمتع بالحياة في الحاضر أكثر من ذي قبل.
هوكينج بعد فترة من تشخيص مرضه.

أصيب هوكينج بمرض «التصلب الجانبي الضموري – Amyotrophic Lateral Sclerosis» في العام 1963 في عمر الـ21 عامًا، ولم يمنعه ذلك من أن يصبح أشهر وأذكى علماء العصر الحديث في الفيزياء بعد آلبرت آينشتين. وافته المنية العام الجاري عن عمرٍ يناهز 76 عامًا فجر الـ14 من مارس/ آذار، المصادف يوم وفاة جاليليو، ويوم ميلاد آلبرت آينشتين (ميلاد الباي -π) في مفارقة كونية عجيبة!


التكنولوجيا تمنحه صوتًا!

فقد هوكينج قدرته على الكلام تمامًا في العام 1985، بعد تعرضه لالتهاب رئوي اضطر الأطباء حينها لإحداث فتحة في قصبته الهوائية لمساعدته على التنفس. تعلم هوكينج الحديث من خلال لوحة هجاء للحروف، ثم قامت شركة آبل بإنتاج سلسلة كمبيوتر «Apple II»، حيث تم تشغيل برنامج «Equalizer» سمح لهوكينج باستخدام أداة النقر اليدوي المثبتة، لكتابة كلمات وإعطاء أوامر فردية، ثم يقوم جهاز محاكاة صوتي ببث الأوامر بصوت عالٍ مسموع.

بعد ذلك عمل «ديفيد ماسون» -زوج إحدى ممرضاته- بتكييف النظام لاستخدامه على ذراع كرسي متحرك. تم إنشاء الصوت الروبوتي الذي أصبح مرادفًا ومعبرًا عنه في عام 1984 من قبل «دينيس كلات» مهندس في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. كتابه «تاريخ موجز للزمن» الصادر عام 1988، والذي وصفه «كارل سيجن» بالأسطورة، وبيع منه نحو عشرة ملايين نسخة، وترجم لنحو 40 لغة، كتبه هوكينج كلمة كلمة بالنقر على آلة صغيرة موضوعة في يده، متصلة بجهاز الكمبيوتر فحسب. كتبه بمعدل 15 كلمة/ الدقيقة!

عمل مهندس تطبيقات إنتل «ترافيس بونيفيلد» بشكلٍ وثيق مع ستيفن هوكينج، حيث سافر خصيصًا من الولايات المتحدة إلى إنجلترا لتسليمه جهاز «هوكينج» شخصيًا. عملت الشركة على إنتاج أفضل تطبيقاتها من أجل هوكينج.

اجتمع ستيفن هوكينج بغوردن مور، أحد مؤسسي شركة إنتل في مؤتمر في عام 1997، حيث استخدم هوكينغ جهاز حاسوب بمعالج «AMD» للتواصل، قبل أن تقرر الشركة منحه أجهزة كمبيوتر مخصصة بدعم فني متطور لتحل محل جهاز الكمبيوتر الخاص به كل عامين.


في العلوم

تخصص في الفيزياء النظرية وعلم الكونيات في جامعة كامبريدج، وفي عامه الـ32، انتُخب هوكينج زميلًا للجمعية الملكية في المملكة المتحدة، أقدم مؤسسة علمية وطنية في العالم. جاء ذلك بعد عمله نظريًا على النظرية النسبية، والثقوب السوداء وتفسير الإشعاع الذي يتسرب منها، حيث دحض الاعتقاد السائد بأن الثقوب السوداء كثيفة لدرجة أن لا شيء يمكن أن يفلت من جاذبيتها. فقد أظهر إشعاعًا يُعرف الآن باسم «إشعاع هوكينج» يتسرب قليلًا من الثقوب السوداء، هذا يعني أن الثقوب ربما يمكن أن «تتبخر» في النهاية.

اقرأ أيضًا: هوكينج: الخروج من الثقب الأسود ممكن!

كانت اهتماماته العلمية أوسع من ذلك بكثير، حيث اكتشف أن نفس التأثير الكمي في الكون المبكر، يمكن أن يؤدي إلى إحداث تقلبات صغيرة في كثافة البلازما الحرارية الساخنة، وهو جزء من الثانية بعد الانفجار الكبير، والذي بدوره يمكن أن يؤدي إلى تشكيل جميع الهياكل التي نلاحظها في الكون حولنا من نجومٍ ومجراتٍ وكواكب، وحتى البشر.

أما في شقّ آخر يخص الحضارات الأخرى خارج الأرض؛ فكغيره ممن سبقوه، وأولئك الذين عايشهم من علماء ورواد عصرنا الحديث، كان البحث عن حضارات أخرى أو الإيمان بوجودها أمرًا مفروغًا منه. فالكون على اتساعه هذا، تعدد وتنوع كواكبه ونجومه وعوالمه التي نراها وتلك الأخرى التي لا نراها ولا نتخيل وجودها .. هذا الكون كله لم يتخيل أنه لنا نحن فقط .. أن هذا كله يُخلق من أجل البشر فحسب! دائمًا ما كان يقول إنه يومًا ما سنحصل على إشارة من حياةٍ أخرى.ومن تعليقاته في مسلسل «أماكن ستيفن هوكينغ المفضلة – 2016» يقول:

قد نحصل على إشارة من كوكب مثل كوكب «Gliese 832c» في يوم من الأيام، لكن يجب أن نكون حذرين في طريقة ردنا على هذه الإشارة، حيث يمكن أن يكون لقاءنا بإحدى الحضارات المتطورة؛ مثل الأمريكيين الأصليين الذين واجهوا كولومبوس!

وخلال قمة «Tencent Web Summit» في بكين نوفمبر/ تشرين الثاني العام الماضي؛حذر هوكينج من أن الزيادة المستمرة في عدد السكان، واحتياجات الطاقة المتصاعدة يمكن أن تجعل الأرض غير صالحة للسكن بحلول عام 2600.


الاحتباس الحراري

كَوْنه عالِمًا يأبه لحياة الكوكب والخطر المحدق به، علّق على قرار الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بسحب الولايات المتحدة من صفقة باريس المناخية حين صدر في يونيو/ حزيران 2017 قائلًا:

نحن قريبون من نقطة تحول فارقة، حيث يصبح الاحترار العالمي كارثة لا رجعة فيه. سيدفع ترامب بكوكب الأرض إلى نهايات سيئة، ليصبح مثل كوكب الزهرة. درجة حرارته تصل لـ250 درجة مئوية، وتمطر فيه أحماض الكبريتيك.

وخلال جلسة عامة لأسئلة الجمهور في إنجلترا عام 2016، صرح بأنه على الرغم من أن احتمال وقوع كارثة لكوكب الأرض في عامٍ معين قد يكون منخفضًا جدًا، إلا أنه يتضاعف بمرور الوقت، ويصبح شبه مؤكد في الألف عام القادمة.

اقرأ أيضًا: ستيفن هوكينج: كوكب جديد أو فناء البشرية بعد 1000 عام


الأعمال التلفزيونية

https://www.youtube.com/watch?time_continue=33&v=OH8s4N15zdg

لم يشارك هوكينج في الوثائقيات أو المحاضرات أو المسلسلات العلمية فحسب، بل كانت لبصمته في مسلسلات تلفزيونية الأثر الكبير أيضًا. فشارك بشخصيته الحقيقية في العديد من الأعمال التلفزيونية خاصة المسلسلات مثل: «the theory of everything, The Simpsons, Star Trek: The Next Generation, The Big Bang Theory».

أما عن الأعمال التي جسّدت حياته؛ فكان الفيلم الشهير «The Theory of Everything» إنتاج عام 2014 هو الأبرز، حيث تم تأريخ حياته المبكرة، وفاز «إيدي ريدماين» بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل عن تصويره لشخصية هوكينج، حيث ركز الفيلم بشكلٍ أكبر على حياة هوكينج الشخصية.


الشعور بانعدام الجاذبية

كأي عالم يعشق الفضاء وما وراء الغلاف الجوي الأرضي، كان هوكينج يأمل بمغادرة الأرض يومًا ما، هائمًا في الفضاء، حيث كانت رحلة الفضاء بالنسبة إليه رحلة مستحيلة لكنه يوصي بها دائمًا في كثيرٍ من الأحيان للناس. لم يمنعه توقف حركته شبه الكامل من طموحه في تجربة السفر للفضاء ماديًا ولو في نظام محاكاة. وتحقيقًا لرغبته، كان هوكينج يستمتع برحلة صغيرة خارج نطاق الجاذبية في العام 2007 على متن طائرة، تعمل فقط لمحاكاة انعدام الجاذبية.


تلسكوب هوكينج

في العام 2015، رصد هوكينج الفوهات القمرية، وسديم الجبار في السماء ليلًا من تلسكوبه الخاص. صمم هذا التلسكوب شركة «سلسترون» أشهر الشركات في صناعة التلسكوبات ليتناسب مع ظروفه. التلسكوب من نوع «CPC Deluxe 1100HD»، يبلغ قطره 11 بوصة بتقنية «Edge HD» التي تعمل على ضبط أطراف الصور. يلتقط التلسكوب الصور، ثم ينقلها لحاسوبه الخاص. يتطلب تنفيذ هذا الإجراء برمجيات خاصة.


للسياسة نصيب أيضًا

رجلٌ علمي مثله، وبرغم انشغاله فيما وراء النجوم، إلا أن معظم المواقف السياسية لم تفُته، أبرزها الآتي:-

المطالبة بنزع السلاح النووي

كتب «ماكس تيغ مارك» أستاذ الفيزياء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أن هوكينج يرى أن نزع السلاح النووي هو وسيلة للمضي للأمام. وأنه انزعج عندما أدرك أن محفظته الاستثمارية شملت أموالًا لبرنامج نووي من خلال الاستثمار في الشركات التي تسعى إلى كسب التأييد وبناء أسلحة نووية جديدة، حيث قال هوكينج:

إذا كنت ترغب في إبطاء سباق التسلح النووي، فعليك أن تضع أموالك في مكانها الصحيح، وألا تُصرف على صناعة برامج الأسلحة النووية.

استنكاره للوضع في سوريا

كتب هوكينج تقريرًا غاضبًا لصحيفة الجارديان البريطانية في الـ17 من فبراير/ شباط عام 2014، تعليقًا على ما يحدث في سوريا قائلًا:

ما يحدث في سوريا هو شيء بغيض، شيء يراقبه العالم ببرود من بعيد. أين ذكاؤنا العاطفي، أو حتى إحساسنا بالعدالة الجماعية؟ اليوم في سوريا نرى التكنولوجيا الحديثة في شكل قنابل ومواد كيميائية، وأسلحة أخرى تستخدم في ما يسمى «غايات سياسية ذكية»، لكنك لا تشعر إلا بالغباء عندما يلقَى أكثر من 100 ألف شخص مصرعهم، أو عندما يتم استهداف الأطفال. إنه شعور غريب للغاية، والأسوأ من ذلك، هو منع وصول الإمدادات الإنسانية إلى العيادات الطبية.

يجب أن نعمل معًا لإنهاء هذه الحرب وحماية أطفال سوريا. لقد راقب المجتمع الدولي من على الخطوط الجانبية لثلاث سنوات مع احتدام هذا الصراع الذي قتل كل الآمال. وبصفتي أبًا وجدًا يشاهد معاناة أطفال سوريا، يجب أن أقول الآن: كفى!

وأضاف أيضًا متسائلًا، وبلمسة فيزيائية مفسرًا: عندما ننظر إلى الكون، فإننا ننظر إلى الماضي حيث الضوء الذي تبعثه الأجسام البعيدة، يصل إلينا متأخرًا. فلو تصورنا أن ضوء الأرض ينبعث وتستقبله مخلوقات أخرى في الكون، ماذا سيظهر؟ أو عندما يرى الناس القادمون ماضينا، هل سنفتخر بما سيتم عرضه – كيف كنا نتعامل مع بعضنا؟

نعرف الآن أن أرسطو كان مخطئًا: الكون لم يكن موجودًا إلى الأبد. لقد بدأ منذ حوالي 14 مليار سنة. لكنه كان محقًا في أن الكوارث العظيمة القادمة تمثل خطوات تراجع للحضارات. قد لا تمثل الحرب في سوريا نهاية الإنسانية، لكن كل ظلم يُرتكب هو شرخٌ في الواجهة التي تبقينا معًا. مبدأ العدالة الكوني قد لا يكون مترسخًا في علم الفيزياء، لكنه لا يقل أهمية بالنسبة إلى وجودنا. ومن دونه لن يمضي وقت طويل بكل تأكيد قبل أن يتوقف الجنس البشري عن الوجود.

مقاطعة مع إسرائيل

في الثامن من مايو/ آيار 2013،قاطع هوكينج مؤتمرًا رفيع المستوى أقيم من أجل دعم إسرائيل أكاديميًا. لكن قرار هوكينج جاء احتجاجًا على سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين. وقال المتحدث باسم جامعة كامبريدج أن هوكينج لن يذهب إلى المؤتمر، مضيفًا بوضوح أنه لن يكون قادرًا على السفر إلى إسرائيل في جميع الأحوال لأسباب طبية – شخصية.

كان هذا الحدث فريدًا من نوعه بالنسبة لكافة الأطراف. ففي الجانب الإسرائيلي، فجّر غضبًا حين وصف رئيس المؤتمر قرار هوكينج آنذاك بأنه «غير عادل وخاطئ»، وأن المقاطعة الأكاديمية ضد إسرائيل «عمل شائن وغير صحيح يتناقض مع تقاليد الحوار الديمقراطي».

أما الجانب الآخر، فحيّت اللجنة البريطانية لجامعات فلسطين قرار هوكينج بوصفه «قرارًا مستقلاً لاحترام مقاطعة إسرائيل أكاديميًا، وأن قراره أتى نتيجة معرفته بفلسطين، وبناءً على نصيحة جماعية من أكاديميين يثق فيهم».

دعم لطلاب فلسطين

في فبراير/ شباط العام الماضي، دعا هوكينج على صفحته الرسمية على فيسبوك، إلى دعم وتمويل جماعي لمَدرسة فلسطينية في الفيزياء المتقدمة، وصرّح قائلًا:

إنه من دواعي سروري أن أبعث بتحية إلى طلاب الماجستير الفلسطينيين، الذين يحضرون لأول مدرسة فلسطينية متقدمة للفيزياء في العام الماضي. تحظى المدرسة بموضع تقدير كبير من قِبل الطلاب والمحاضرين. أؤيد حقوق العلماء في كل مكان في حرية التنقل والنشر والتعاون. بهذه الروح، أود أن أقوم بإعداد مشروع لجمع التبرعات يهدف إلى جمع الأموال اللازمة لإنشاء مدرسة فلسطينية متقدمة ثانية للفيزياء.

اقرأ أيضًا: كسر قيود الاحتلال بالعلم: مدرسة فلسطينية تحظى بدعم هوكينج

أما عن أفضل ما قدمه هوكينج قبل رحيله؛ هو إتاحة رسالة الدكتوراه خاصته للجميع على موقع جامعة كامبريدج، والتي تحمل عنوان «خصائص الأكوان المتسعة – Properties of expanding universes». كان هذا في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وعلق هوكينج قائلًا: بعد ما أصبحت الرسالة متاحة للجميع، فإنه يأمل أن تُلهم الناس من أجل أن ينظروا للنجوم بدلًا من مواضع أقدامهم، ويتساءلوا عن مكاننا في الكون، وأن يحاولوا تخيل مشهدٍ ما لشكل الكون.

كما أن من حق أي شخص حول العالم، أن يقرأ جميع الأبحاث والأطروحات العلمية للعقول العلمية الكبيرة التي استطاعت أن تقدم معرفة وفهمًا أكبر للبشرية. كما أن كل جيل يُبنى على إنجازات وأكتاف الجيل الذي يسبقه. وكما ألهمته -هوكينج- اختراعات وأعمال إسحاق نيوتن، وجيمس ماكسويل، وآلبرت آينشتين حين كان مجرد طالب دكتوراه في جامعة كامبريدج، فإنه من الرائع أن يسمع هو أيضًا عن عدد الناس الذين اهتموا، وقرأوا وألهمتهم رسالته.

وأخيرًا؛ كنت أظن أنني لن أحزن أو تنهمر دموعي لمغيبه أو مغيب أي غريب عني لم ألتقهِ أبَدَا .. قرأتُ نبأ وفاته في السادسة من صباح اليوم الموعود، لا أتذكر آخر مرة -أيّ مرة- أصبتُ بها بصدمة كهذه. ردة فعل لم أعتد عليها، لكن لمتابعتي وقراءتي في كتبه ورحلة مسيرته، والإحساس الدائم بعِظم ما قدمه من مفهوم وتفسير علمي للكون، كان له الأثر البالغ في ردة الفعل هذه.

كان -وسيظل بالنسبة إليّ- نموذجًا في الكفاح والصبر والأمل الحقيقي، فلم يستاء يومًا أو يعترض على مرضه. أحببت ذكاءه، وإصراره على تفسير حجم كل ما نحن فيه من خلال معادلات رياضية فحسب! ولن يبقى سوى أن نختم حديثنا عنه بالمقتطف الثاني من آخر رسالة له كالآتي:

تذكر إذًا أن تنظر دائمًا إلى أعلى، إلى النجوم، وليس إلى موضع قدميك في الأسفل. حاول أن تفكر منطقيًا في ما تراه، وأن تتساءل عما يجعل الكون موجودًا. كُن فضوليًا، ومهما بدت الحياة صعبة، فهناك دائمًا أمرٌ ما يمكنك أن تنجح فيه. من المهم ألا تستسلم ببساطة .. شكرًا لاستماعكم.