دافيدي أنشيلوتي: قليل من المحسوبية لا يضر
هكذا وصف الأديب الأوروجواياني «إدواردو غاليانو»، في كتابه «كرة القدم بين الشمس والظل»، مدى تعقيد مهمة المدير الفني في كرة القدم المعاصرة، حيث تحوَّل الرجُل الأول من مجرّد ساعٍ للفوز لخائف من الخسارة، أو بمعنىً أوضح، من سخط الجماهير.
نعم، هذه الجماهير التي لا تجد حرجًا في وضع همومها على كتفي رجل واحد فقط؛ أفكاره معقودة بأقدام ورؤوس لاعبيه. ولمواجهة هذه المهمة الشاقة، التي تتطلب -حسب غاليانو- عبقرية «أينشتاين»، وبُعد نظر «فرويد»، ربما ظهر «مساعد المدرّب»؛ ذلك الشخص المخلص، الذي يمكنه ربما تقديم النُصح، فرض التساؤلات المُحرجة، وأحيانًا القيام بكل شيءٍ حرفيًا، باستثناء الجلوس في المؤتمرات الصحفية للإجابة على أسئلة الصحفيين الساذجة.
في قصتنا، ذلك المخلص يُدعى «دافيدي»، «دافيدي أنشيلوتي».
المحسوبية التي لا تضر
في آخر محطات «كارلو أنشيلوتي» التدريبية، حرص الإيطالي على أن يحيط نفسه بأشخاص يمكنه أن يثق بهم، وحتى نزيدك من الشعر بيتًا، الأمر لا يتعلّق بتوظيف نجله «دافيدي» منذ عام 2014 كمدرّب لياقة بدنية أثناء فترته الأولى مع ريال مدريد، بل أنّ طاقمه التدريبي في «إيفرتون» على سبيل المثال؛ ضَمَّ كلاً من نجله «دافيدي»، «فرانشيسكو ماوري»، نجل صديقه ومساعده المُخلص «جيوفاني ماوري»، وأخيرًا «مينو فالكو»، زوج ابنته «كاتيا».
دون مواربة، أثارت تركيبة الطاقم التدريبي تلك الريبة، خاصةً وأن كل هؤلاء «المقربين» من المدرّب لم يسبق لهم العمل مع أي مديرٍ فني سواه، بالتالي تبدو الاتهامات بالمحسوبية منطقية جدًا.
حسب «فرانشيسكو ماوري»، المعد البدني الشاب لريال، والذي يعمل تحت إشراف الخبير «أنطونيو بينتوس»، قرر «أنشيلوتي» مؤخرًا أن يحاول التكيُّف مع كرة القدم الحديثة، والتي أصبحت أكثر تعقيدًا من فترته في «ريجينا»، بالتالي لجأ لأسماء أكثر شبابًا لمعاونته.
الآن اكتملت الصورة، ربما أدرك الرجل الذي تخطى عامه الـ60 التكيُّف مع متطلبات كرة القدم الحديثة بما تتضمنه من تعقيدات تكتيكية، وبيانات لا حصر لها بمفرده، وفي نفس الوقت لا يستطيع أن يتخلّى عن سياسته كقائد شاب رأسه وهو يؤمن بأهمية أهل الثقة، وبين هذا وذاك، يمكننا تزيين لفظة «المحسوبية»، لتصبح بطريقة ما «الغاية التي تُبرر الوسيلة».
دافيدي أنشيلوتي: أنا نجل «كارلو»
دعنا نصُب اهتمامنا الآن على «دافيدي»، ماذا يُمكن للاعب كرة قدم متواضع في منتصف العشرينيات من عُمره أن يُضيف لقامة تدريبية مثل «أنشيلوتي»؟ الإجابة هي العلم.
إذا قررنا تجاهل بعض الحقائق مثل مسيرة «دافيدي» الكُروية المتواضعة، ورغبتنا المنطقية في ربط العلاقة الأسرية بين «كارلو» ونجله بتعيينه كمدرِّب مساعد له منذ أن كان الأول مدربًا لـ«بايرن ميونخ» الألماني، أي منذ ما يدنو من 6 أعوام كاملةً، بتراجع نتائج الأندية التي أشرف عليها، نجد أن الإجابة تكمُن داخل الاتهامات نفسها، لكن كيف؟
نشأ «دافيدي» محاطًا بالأضواء، كان والده لاعبًا لـ«ميلان» الإيطالي، ثُم تحوّل ليصبح مديرًا فنيًا لكُبرى أندية أوروبا، وبما أنّ الاتهام الأول هو كونه نجلًا للمدرب، ربما استغل «دافيدي» هذا الاتهام لصالحه، حيث حرص دومًا على مراقبة والده وطريقة تعامله مع اللاعبين وكرة القدم بشكلٍ عام عن كثب، الأمر الذي منحه فرصةً لمراكمة كم مهول من الخبرات، يتمثّل في مشاهدته لأسس ومنهجية العمل الخاصة بمدير فني من الطراز الأول، إضافةً لاكتساب ثقافة التعامل مع اللاعبين بمختلف شخصياتهم ومرجعياتهم.
أما عن الاتهام الثاني، وبغض النظر عن قتل نظرية «لاعب جيد= مدرب جيد» بحثًا، منحت اللحظة التي أدرك فيها «دافيدي» فشله في كرة القدم كلاعب فرصة مثالية له لدراسة معظم الجوانب المتعلقة بكرة القدم، بدايةً من طرق التدريب، وصولًا لتحليل الأداء والبيانات، مرورًا بقدرته على إتقان خمس لغات مختلفة للتواصل مع اللاعبين من كُل بقاع العالم.
بالتالي، حتى وإن كانت علاقة الأب/ الابن ساهمت بشكلٍ مباشرٍ في جلوس «دافيدي» على أحد الكراسي المؤثرة بدكة «ريال مدريد»، ومن قبله «بايرن ميونخ»، «نابولي»، وإيفرتون»، فقد كان جاهزًا لاغتنام هذه الفرصة، على أقل تقديرٍ.
الرجل الثاني المتواضع
حسب عدة مصادر، «دافيدي أنشيلوتي» لم يتأثر بعدما أصبح الرجل الثاني في الطاقم التدريبي الخاص بالمدير الفني الإيطالي، بل أنّه يسعى دائمًا لنفي التُهم المتعلقة بمجاملة والده له.
نقلت صحيفة «ماركا» ملاحظة المقربين من «الفالديبيباس» تواجُد صاحب الـ33 عاما لـ12 ساعةً يوميًا داخل مقر التدريبات، يمضيها بين الحصص التدريبية التي يقودها من أرض الملعب، وبين دراسة الخصوم وتحليلهم، إضافةً لإجرائه عدة محادثات مع اللاعبين بشكلٍ منفرد بصفة دورية.
بنفس الصدد، شرح «أنشيلوتي» مهمته كرجلٍ ثانٍ بكل وضوح في مقابلة أجراها أثناء فترة الإشراف على «إيفرتون»، والتي تتلخّص في قيادة التدريبات، تحليل الخصوم، مساعدة المدير الفني في إيجاد إستراتيجيات مناسبة للعب، الاهتمام بتفاصيل الكرات الثابتة.
يعلم الشاب في قرارة نفسه أنّه على الرغم من تفوقه الأكاديمي فيما يخُص كرة القدم، لا يمكنه إضافة أي شيءٍ لتطوير اللاعبين فرديًا، خاصة في المستوى العالي من المنافسات؛ والسبب ببساطة أنه لم يكن لاعبًا جيدًا من الأساس.
على الجانب الآخر، بعد مناقشات وتحليل مطوّل لحالة الفريق والفريق المنافس، يضع «دافيدي» تصوره الشخصي عن الأسلوب الذي يجب على الفريق أن ينتهجه بكل مباراة، وأحيانًا منح بعض اللاعبين تعليمات خاصة بشأن تحركاتهم داخل الملعب، قبل أن يوضع كل ذلك أمام المدير الفني، الذي يمتلك القرار الأول والأخير، حسب زعمه.
في الأخير، يرى «أنشيلوتي الابن» أن صميم عمله هو وضع الشك في رأس المدير الفني، وأن لا يقتصر تواجده على كلمة «نعم»، وأن أحد مزايا تواجده في جهاز فني بقيادة والده، يجعل معارضة قراراته أمرًا سهلًا، على الأقل بالنسبة له.
في الواقع، على عكس كُل المساعدين، الذين لطالما عاشوا في الظل، فاستعادة «كارلو أنشيلوتي» لبريقه ولو نسبيًا بعد تتويجه بلقب الدوري الإسباني، ووصوله لنهائي دوري الأبطال مع ريال مدريد، سينسب لنجله، تمامًا كما طالته الاتهامات بحصوله على امتياز لم يكن ليحصل عليه لولا ارتباط اسمه باسم أبيه.
ربما أخبرنا «غاليانو» بكل هذا، تريد الجماهير أن تصب كامل اهتمامها على شخصٍ واحدٍ، وبما أنّ الجميع اتفق على أن مسؤولية «كارلو» لا تتخطى «إدارة الأفراد»، بالتالي أصبح الهدف واضحًا، «دافيدي» هو المذنب إذا فشل الفريق، أما إذا فاز، فهو «موسم الابن».