ديفيد بيكهام: دليلك لتأمين مستقبلك كلاعب كرة القدم
في عام 1975، سافر أكثر من 300 صحفي رياضي إلى الولايات المتحدة الأمريكية لحضور حدث يُنتظر بثه في أكثر من 20 دولة حول العالم. كانت تلك هي اللحظة التي قرر فيها الملك «بيليه» الانتقال إلى فريق نيويورك كوزموس الأمريكي. والتي كانت مرحلة فاصلة في تاريخ الكرة الأمريكية.
بعد أن كانت تلك اللعبة مقتصرة على المهاجرين فقط، مصحوبين بالسخرية من كل مواطن أمريكي، بات اسم بيليه وحده يدفع الجميع للاحتشاد في مدرجات الملاعب الأمريكية. إذ لم يستطع أي متابع لأي رياضة أخرى مقاومة سحره. كان انتقاله مع الفريق لأي ولاية يُسيطر على كافة الصحف في البلاد.
أخذ تأثير بيليه على اللعبة هناك ينخفض حتى بلغ عام 1984، حين أشهرت إدارة اللعبة في أمريكا إفلاسها، مما أنسى البعض التأثير الذي أوقعه على كل شيء في تلك القارة. لكن في العشرية الأولى من الألفية الجديدة، ظهر تأثير مُشابه، وكأن بيليه قد بُعث من جديد، إنه بيليه الأبيض أو «ديفيد بيكهام».
كرة القدم ليست كل شيء
منذ أن تقاعد بيليه عام 1977 في لقاء تاريخي جمع نيويورك كوزموس مع نادي سانتوس البرازيلي على ملعب «جيانتس ستاديوم» بولاية نيوجيرسي، عانت الأندية الأمريكية ماديًا؛ لأنها ببساطة تُدير كيانات تمارس لعبة لا تملك أي شعبية محلية.
وفي ظل مكانة مُنخفضة داخل حدود أمريكا، لم ترتقِ تلك الرياضة تسويقيًا بالحد الذي يدفع الشركات لتمويل أي حدث يجري بداخلها، على الرغم من أن وجود بيليه تبعه وجود كُل من «فرانز بيكنباور» و«بوبي مور» و«يوهان كرويف» و«جورج بيست» و«جوردون بانكس».
كل تلك الأسماء وأكثر لمعت في سماء اللعبة بجانبها الكروي، لكن تسويقيًا، لم يرتقوا جميعًا لبلوغ المكانة التي وصلها بيليه الأبيض.
في عام 2007، تسببت العلاقة الجيدة بين ديفيد بيكهام و«فيليب أنشوتز»، مالك شركة «AEG» ونادي لوس أنجلوس جلاكسي، في استغلال سوء سير المفاوضات بين بيكهام وبين إدارة ريال مدريد حول تجديد العقد.
بدأت عملية إقناع بيكهام بقيمته كنجم تتمحور حوله الرياضة الأمريكية بدلًا من الجلوس على مقاعد بدلاء الميرينجي، وهو ما لم يستغرق كثيرًا، حتى تزينت الصحف بأمريكا بخبر قدوم أكبر نجم دعائي في مجال كرة القدم إلى الولايات المتحدة.
اسم بيكهام وحده يكفي
ما فعله بيليه البرازيلي بكرة القدم في أمريكا كان تأثيرًا سحريًا في الجماهير، لكن النسخة البيضاء من بيليه قد حققت نفس القيمة الجماهيرية مع قيمة مضافة لأنها ضاعفت التأثير في أرصدة البنوك.
حين وصل بيكهام إلى أمريكا، كان الربح لا يعرف طريق حسابات الأندية المحلية، حتى نجح فريق لوس أنجلوس جلاكسي في أن يكون واحد ضمن 3 فرق تُحقق ربحًا في نفس عام وصوله. ليس فقط ناديًا رابحًا، أرباحهم قد زادت الضعف عن أقرب فريق رابح آخر بالدوري المحلي.
قبل أن يُقدم رسميًا للجماهير، استقبلت إدارة النادي طلبات شراء بأكثر من ربع مليون قميص باسم ديفيد بيكهام. كل هذه الطلبات لم تكن تعرف بعد شكل القميص الخاص بالفريق، والذي غيّر ألوانه لتوه لتكون بالأبيض الكامل تزامنًا مع وصول «بيكس».
بعد وقتٍ قصيرٍ من وصوله، توافدت العروض التسويقية على النادي، حيث حطمت شركة «Herbalife» الأرقام القياسية في الدعاية داخل الدوري الأمريكي، موقعة صفقة لرعاية قميص النادي سنويًا بـ4 مليون دولار. ثم تبعها شركات أخرى مثل «فاليرو إنرجي» و«أمريكان إكسبريس» و«دلتا إيرلاينز».
وبخصوص الحضور الجماهيري، فإن دراسة أُجريت عام 2008 من المجلة الدولية للتمويل الرياضي، قد أكدت أن دخول بيكهام قائمة المباراة مع فريقه الأمريكي كان ليزيد مبيعات نفس المباراة للضعف تقريبًا، وحال تأكد وجوده بالتشكيلة الأساسية فإن التأثير يُصبح أكبر.
إذ عانت الأندية الأمريكية بالكامل من انخفاض في الحضور الجماهيري خلال عام 2008، في كل المباريات عدا تلك التي يواجههم فيها لوس أنجلوس جلاكسي، أو بمعنى أوضح، التي يواجههم فيها ديفيد بيكهام، لأن فريقه الإنجليزي الوحيد الذي شهد ارتفاعًا بنسبة 7% في نسبة حضور الجماهير وكذا المباريات خارج الأرض أيضًا.
لماذا ديفيد بيكهام؟
إذا كنت في حاجة لاختصار نجاح بيكهام الدعائي كعلامة تُجارية قبل أن يكون لاعب كُرة قدم، وفي جُملة واحدة فقط، إليك هذه: أنه اللاعب الأوسم والأشهر في النادي الأكثر قيمةً وتقديرًا داخل الدوري الأكبر تسويقيًا في العالم. بكل هذه البساطة.
وُلد بيكس لعائلة تُشجع مانشستر يونايتد بتعصب في الثاني من شهر مايو/آيار وفي نفس العام الذي انتقل فيه بيليه إلى أمريكا، 1975. انضم إلى فريق عائلته المفضل في عمر 14 عامًا، وكان جزءًا من الشباب الذين اختارهم فيرجسون ليبني عليهم قواعد الفريق الحاصل على الثلاثية عام 1999.
في ذات فترة صعود بيكهام كلاعب صاعد يملك موهبة استثنائية، كان الاتحاد الإنجليزي يضع خطواته الأولى ليتحرك تسويقيًا ليسيطر على كل شيء يخص كرة القدم فيما يخص الأموال والدعاية. كان اليونايتد هو الفريق الأكثر قيمة داخل الدوري الإنجليزي وكان لابد أن يكون ضمن الملف المنطلق تسويقيًا، وفي ذلك كان بيكهام الأهم.
فبعيدًا عن قدرته كلاعب كُرة قدم يمتلك قدمًا سحرية تُتقن الكرات الثابتة وتتقن التصويبات بطريقة مميزة، كان بيكهام الأوسم بين جيل شباب 1992 الذي حمل الفترة الذهبية مع الشياطين الحُمر، فإن كنت تبحث عن إعلان تليفزيوني يلفت انتباه الجماهير وأمامك الاختيار بين بيكهام وبين «ريان جيجز» فالإجابة معروفة.
العائلة دائمًا أولًا
عمل والد بيكهام كمدربٍ هاوٍ وعامل صيانة. أما والدته فقد عملت كمصففة شعر. ولا يمكن بأي حال أن يضيع دور الوالدين في حياة بيكس المهنية. فلقد استفاد من هواية والده في أن يضع قدمه داخل ملعب كرة قدم لأول مرة، واستفاد من مهنة والدته في أن يبقى عالقًا في أذهان كل متابعي اللعبة مدى الحياة.
هل تعرف أن هناك شاب إنجليزي يبلغ من العمر 19 عامًا، قد صرف ما يقرب من 26 ألف دولار ليحصل على قصة شعر تشبه قصة ديفيد بيكهام؟ لن تكون تلك الوقائع غريبة على الإطلاق مقارنة بما قد يجنيه بيكس من خلف الشركات الدعائية التي تهتم بقصة شعره وملابسه وغيرها من الأشياء غير المهمة عند الآخرين.
يستطيع الإنجليزي الاستفادة من كل شيء يُحيط به من أجل أن يرتقي درجات في سلم التسويق والدعاية. يقول «روجر بينيت»، مذيع برنامج «Men in Blazers» على شبكة إن بي سي، إن بيكهام كان أسرع لاعب يصل باتجاه الكاميرا حين يسجل فريقه هدفًا، يقفز على كتف مُحرز الهدف ويضمن لنفسه مكانًا في أغلفة الصحف والمجلات في اليوم التالي.
وفي عام 1998، حقق بيكهام أكبر استفادة ممكن تحقيقها من علاقة زواج في القرن العشرين والواحد وعشرين وربما القرون السابقة واللاحقة أيضًا. إنها أشهر علاقة زواج بين شخصين في الأوساط الإعلامية تقريبًا، حين قرر بيكهام التزوج من أحد أفراد فريق «Spice Girls»، وهي «فيكتوريا آدامز».
لأن كرة القدم لن تنفع دائمًا
في نفس العام الذي أُعلن فيه زواج بيكهام من فيكتوريا، حدث لديفيد أسوأ واقعة قد تحدث لشاب في عُمره، حيث كان أكثر شخص مكروه في إنجلترا بأكملها، مضافًا إلى ذلك تهديداتٍ بالقتل والترويع في كل أنحاء المملكة.
كان ذلك بعد أن طُرد في مواجهة المُنتخب الأرجنتيني بكأس العالم عام 1998، في المباراة التي خرج على إثرها منتخب الأسود الثلاثة أمام أحد الأعداء التاريخيين.
وبالرغم من أنه لا يوجد مصدر أو صحفي واحد يتحدث عن ذلك، لكن الأكيد أن تلك اللحظة وما تبعها من أحداث في حياة بيكهام كانت مؤثرة على رؤية الإنجليزي للعبة، إذ اتضح من بعدها أنه يعمل على النطاق الرياضي بقدمٍ ويعمل على الجانب التسويقي والدعائي بقدمٍ وساقٍ وأذرع.
بعد الزواج من فيكتوريا، وقع بيكهام عقودًا مع «سيمون فولر» والذي كان العقل المُدبر للفريق الغنائي الخاص بالزوجة، ولا يمكن إنكار دور ذلك الرجل المخضرم في إدارة أعمال النجم الإنجليزي. إذ توافقا في أنهما يستطيعان جني الأموال من أي شيء يُحيط بهما.
فكانت إحدى المساعدات التي قدمها فولر بإدارته لأعمال بيكهام هي رحلة بسيطة لمدة 10 أيام لقارة آسيا لترويج أحد منتجات السيارات، تلك الرحلة قد أضافت 12 مليون جنيه استرليني في رصيد بيكهام. أحداث مثل هذه هي التي صنعت من ديفيد بيكهام علامة تجارية ضخمة.
قال مستشار العلاقات العامة والعلامات التجارية «مارك بوركوسكي» إن القيمة التجارية لبيكهام لن تعاني انخفاضًا أبدًا، فبعيدًا عن استغلال الأعمال الخيرية دعائيًا، واستغلال أبنائه. تلك العلامة التجارية الضخمة لم تعتمد في الأساس على كونه لاعب كرة قدم، ولن تتأثر حتى لو انتهى مشواره الرياضي.