بالتفاصيل والأرقام: كيف احتدم سباق التسليح في العالم العربي
كعادته أعدّ الرئيس السيسي احتفالًا فخمًا لاستقبال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند. يأتي الرئيس الفرنسي وفي جعبته المزيد من عقود التسليح التي تنعش الاقتصاد الفرنسي ويسعى النظام المصري من خلالها إلى زيادة قوته العسكرية والحصول على الدعم الدولي. فمن قمر للاتصالات العسكرية إلى السفن الحربية مرورًا بطائرات الهليكوبتر والطائرات المقاتلة. ليس هذا فقط، بل تسعى الدولتان من خلال الزيارة والصفقات العسكرية والاقتصادية التي ستوقع فيها والمجلس العسكري المشترك المزمع إنشاؤه بين الدولتين إلى توحيد الجهود ووجهات النظر بخصوص الوضع الليبي، حيث تقدم الدولتان الدعم لقوات الفريق خليفة حفتر.
يأتي هذا كتتويج لما يشهده العالم العربي وخاصة بعد ثورات «الربيع العربي» من تضاعف للإنفاق العسكري لدوله وعقد تحالفات جديدة لمواجهة التغيرات العالمية والإقليمية التي تحيط بالأنظمة العربية.
أهم صفقات السلاح التي عقدتها الدول العربية
أوضح تقرير «معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام» المنشور في 23\2\2016، زيادة واردات الدول الشرق أوسطية من الأسلحة بنسبة 61%، خلال الفترة من 2011-2015. فمثلا رفعت السعودية وارداتها من السلاح لـ 275% قياسًا بالفترة 2006-2010، أما مصر فرفعت وارداتها بـ 37%. كما أشارت صحيفة «Defense News» أن دول الخليج اشترت من واشنطن أسلحة بـ 33 مليار دولار خلال 11 شهرًا منذ مايو 2015، ويمكن توضيح أهم الصفقات التي تم عقدها كالتالي:
- السعودية: وقعت السعودية في 2015 عدة اتفاقيات تسليح، منها صفقة مع فرنسا بـ 12 مليار دولار، وكذلك وقعت مع موسكو في يونيو 2015 اتفاقية تعاون في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية، كما وافقت واشنطن في أكتوبر 2015 على صفقة مع السعودية بـ 11.25 مليار دولار تشمل أربع سفن حربية و320 صاروخًا «باتريوت باك ـ 3»، كما ستحصل السعودية على 10 طوافات «إم إتش-60» بـ 1.9 مليار دولار، كما عقدت صفقة مدرعات كندية بـ 13 مليار دولار، وصفقة لشراء 72 طائرة «يوروفايتر» من بريطانيا، إضافة لصفقات أخرى. ولم تكتفِ الرياض بصفقات شراء الأسلحة الكبيرة تلك، بل تسعى بقوة لتوطين صناعتها العسكرية بالتعاون مع الشركات الأجنبية، حيث وقعت في معرض «أفد» في فبراير 2016 اتفاقيات لصناعة قطع الغيار وطائرات بدون طيار ومدرعات مع شركات ألمانية وتركية وأمريكية وصينية.
- الكويت: وقعت الكويت مع فرنسا في أكتوبر 2015 اتفاقًا لشراء أسلحة بقيمة 2.5 مليار يورو، كما وقعت في سبتمبر 2015 مذكرة تفاهم لشراء 28 طائرة «يوروفايتر» بـ 8 مليارات يورو، وتتفاوض مع واشنطن لشراء 24 طائرة «إف18» بالإضافة لشرائها صواريخ «باتريوت» بـ 655 مليون دولار.
- قطر: وقعت قطر خلال «معرض ومؤتمر الدوحة الدولي الخامس للدفاع البحري – ديمدكس»، الذي عقد في مارس 2016، اتفاقيات بـ 8.9 مليار دولار مع دول عدة منها تركيا وألمانيا والصين. بالإضافة إلى اتفاقها مع فرنسا على شراء 24 طائرة «رافال» بـ 6.7 مليار يورو، كما تعتزم قطر إنتاج طائرة بدون طيار بالتعاون مع ألمانيا.
- الإمارات: وقعت الإمارات في فبراير 2015 عقود صفقات شراء سلاح وصلت قيمتها إلى 18.328 مليار درهم، كما تسعى لشراء 30 طائرة «رافال» من فرنسا. أيضًا في 2015، عقدت الإمارات صفقة تسليح مع واشنطن بـ 270 مليون دولار، إلى جانب سعيها لشراء 30 مقاتلة «إف 16»، كما توصلت لاتفاق مع واشنطن لشراء 4569 مركبة مجدّدة مقاومة للألغام بـ 2.5 مليار دولار، وتلتها صفقة أنظمة صاروخية بعيدة ومتوسطة المدى بـ 900 مليون دولار.
- مصر: نوعت مصر مصادر تسليحها مؤخرًا حيث وقعت على صفقات مع روسيا لشراء طائرات «ميج 29»، ومنظومة الدفاع الجوي «إس 300»، والطائرة «سوخوي 30»، و 50 مروحية «كاموف كا 52»، كما تسعى لشراء 48 طائرة «ميج 35». هذا بالإضافة إلى حصول مصر على 24 مقاتلة «رافال» فرنسية بـ5.2 مليارات يورو، وتدعيم بحريتها بالفرقاطة «فريم» وحاملتي مروحيات «ميسترال»، كما تسلمت القاهرة من واشنطن قطعتي زورق الصواريخ «امبسادور»، و 8 طائرات «إف 16 بلوك 52» في أغسطس، و4 طائرات في أكتوبر 2015، وتعاقدت على 4 غواصات «209 / 1400» مع ألمانيا تسلمت واحدة منهم.
توضح هذه الأرقام الزيادة الضخمة في صفقات التسليح التي عقدتها الدول العربية وخاصة الخليجية، وأيضًا حرص تلك الدول على تنويع مصادر تسليحها؛ وذلك لإحساسها بتخلي واشنطن عنها أو تقليل الدعم لها في مقابل التصالح مع إيران على إثر توقيع الاتفاق النووي معها، بل إن الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» اتهم في حواره مع مجلة “ذي أتلانتك” يوم 10\3\2016, دول الخليج بتأجيج الطائفية وجر واشنطن في هذا الصراع، إضافة لتنامي حدة الصراع مع إيران في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وكذلك تنامي التهديدات الإرهابية التي لا تسعى لشن هجمات فقط كما كان الأمر في الماضي، بل السيطرة على الأراضي كما هو مشاهد في العراق وسوريا وسيناء واليمن.
تعزيز التحالفات العسكرية
سعت دول المنطقة إلى تعزيز تحالفاتها العسكرية وطرح العديد من المبادرات؛ ولكن أيًّا منها لم ينجز أهدافه بل إن بعضها لم يتشكل فعليًّا وما زال مجرد أسماء دون قوة حقيقية ومنها«القوة العربية المشتركة»، فالخلاف ما زال مستمرًّا حولها، حيث تسعى مصر لتشكيل قوة على أساس قومي عربي وليس دينيًّا إسلاميًّا بخلاف «التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب» الذي طرحته السعودية والمكون من 39 دولة، والذي يوجد بين أعضائه خلافات كبيرة مثل مصر وتركيا؛ لذا من المستبعد أن يكون هناك تحالف حقيقي قادر على الصمود وتوحيد قوى المنطقة. وبخلاف ذلك قادت السعودية «التحالف العربي في اليمن» بإطلاقها عملية «عاصفة الحزم» في مارس 2015 والذي تشارك فيه بعض الدول العربية بشكل رمزي بجانب دول الخليج. لكن هذا التحالف أيضًا يواجه عقبات تحول دون تحقيق أهدافه حتى الآن؛ حيث لم يستطع إجبار «الحوثيين» وحليفهم «علي صالح» إلى يومنا هذا على القبول بشروط التحالف، بل حتى المناطق التي حررها لم يستطع السيطرة عليها حيث تمددت عمليات الاغتيالات ونفوذ «القاعدة» وتوسعت عمليات «داعش».
تتسم هذه التحالفات بضعف فاعليتها وعدم وضوح أهدافها واختلاف أهداف المشاركين فيها وأولوياتهم، فعلى الرغم من أن هناك إجماعًا على مواجهة الإرهاب، إلا أن هناك اختلافًا عربيًّا حادًّا حول تحديد جهاته وأولوياته، وكذلك اختلاف حول إيران كمصدر تهديد بالإضافة إلى تجاهل الوجود الإسرائيلي كمصدر تهديد لأمن المنطقة.
لم تكتف الدول العربية بذك بل عمدت إلى تكثيف المناورات العسكرية المشتركة بينها، ومنها مناورات «رعد الشمال» والتي استضافتها السعودية مؤخرًا بمشاركة عشرين دولة وأوضحت أنها «لردع قوى الشر والتطرف ومحاربة الإرهاب»، بالإضافة للتدريبات التي تجريها مصر مؤخرًا مع بعض دول الخليج ومنها الإمارات والكويت والبحرين. إلى جانب “التدريب البحري العالمي المضاد للألغام” الذي تجريه الولايات المتحدة بمشاركة حوالي 30 دولة في إبريل 2016، لحماية ممرات التجارة الدولية من أي تهديدات بما في ذلك «داعش» و«القاعدة». وتتميز هذه المناورات بالمشاركة الكثيفة سواء من حيث أعداد الدول المشاركة أو الأسلحة المستخدمة والتي تعلن في الغالب لمواجهة الإرهاب ولكن هذه الكثافة الكمية والنوعية توحي بغير ذلك.
البحث عن الحماية: دول الخليج تتوسع في بناء القواعد العسكرية
لتعويض الانسحاب الأمريكي من المنطقة عملت قيادات دول الخليج على توقيع اتفاقيات مع دول أخرى، لتمارس دور الحماية الذي كانت توفره قواعد الولايات المتحدة لها. إذ عمدت دول الخليج إلى بناء عدد من القواعد العسكرية خلال الأعوام القليلة الماضية إما لتكون قاعدة للقوات المحلية بقرب الأماكن التي تراها دول الخليج مصدرًا للتهديد لها، أو لتكون قاعدة لتواجد دولة أجنبية أخرى تعوض الدور الأمريكي المفقود.
ففي مارس 2016 دشنت السعودية قاعدة «الملك سعود» الجوية في «حفر الباطن»، القريبة من حدودها مع العراق، نتيجة لتنامي مخاوف المملكة من تزايد الوجود الإيراني هناك بل وسعي طهران وبغداد لإقامة قاعدة في «النخيب» القريبة من الحدود السعودية والتي تتواجد فيها ميليشيات «الحشد الشعبي». لم تقتصر الرياض على قواعدها المحلية بل سعت لتأمين مصالحها وسيطرتها على الممرات البحرية من خلال المباحثات التي عقدتها في مارس 2016 بشأن إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي.
البحرين التي عانت في الفترة الماضية من اضطرابات محلية وتوتر في العلاقات مع الولايات المتحدة اتفقت مع لندن في نوفمبر 2015 على تشييد أول قاعدة عسكرية دائمة لبريطانيا لدعم انتشار قواتها في الخليج. قطر أيضًا وقعت حكومتها مع تركيا في ديسمبر 2014 اتفاقًا للانتشار المتبادل للقوات وإقامة قاعدة عسكرية تركية في قطر، وذلك بخلاف الإمارات التي توجد فيها قواعد لفرنسا وأمريكا، فيما وقعت الكويت وحلف «الناتو» في فبراير 2016 «اتفاق عبور» يعطي الحلف حق عبور الأراضي والأجواء الكويتية.
تبرر الدول العربية ذلك التضاعف الكبير في الإنفاق العسكري، رغم الضغوط الاقتصادية التي تعاني منها بعض تلك الدول، بالمخاطر القائمة في المنطقة من تنامي ظاهرة الإرهاب وتزايد التدخلات الإقليمة والدولية، وتغير التحالفات التقليدية؛ الأمر الذي قاد دولها إلى السعي لزيادة عمليات التسليح والدخول في شراكات وتحالفات عسكرية تضمن بها استقرارها وأمنها. تتبقى في الختام أسئلة حقيقية متروكة إجابتها للنخب الحاكمة والشعوب العربية: فهل جاء هذا الإنفاق العسكري وهذه الاستقطابات لمواجهة عدو حقيقي أم أنه تنافس سياسي على النفوذ بصبغة دينية؟، وهل جاء ذلك نتيجة لمخاوف الأنظمة السياسية من تنامي حالة الغضب الداخلي رغم خفوت الثورات والاحتجاجات والتوجس من اتباعها لشكل أعنف؟، وهل تتناسب طبيعة الإنفاق والتسليح والتحالفات مع خطر الإرهاب؟، ولماذا التركيز بشكل أكبر على الجانب العسكري في مواجهة التهديدات وليس الجانب السياسي أو الاقتصادي أو المجتمعي؟.