داعش وصدام!
Samuel Helfont and Michael Brill
فورين أفيرز 12-1-2016
ربما تكون الدولة الإسلامية “المعروفة باسم داعش” تقاد من قبل أبو بكر البغدادي، وربما تكون منبثقة من القاعدة ولكن السؤال الحقيقي من المسئول عن بروز تلك الجماعات؟ إحدى الحجج الشائعة تلقي باللوم على الرئيس العراقي السابق صدام حسين وذلك كما جاء في مقال Kyle W. Orton بـ النيويورك تايمز حيث قال “أولئك الذين يشغلون المناصب القيادية في المجلس العسكري لداعش قد تطرفوا من قبل في ظل نظام صدام حسين”، ومن قبل orton هناك Liz Sly الذي وصف صدام حسين بـ الواشنطن بوست على أنه إسلامي استنادا للحملة الإيمانية التي أطلقت في 1993، وافترض أنه مروج للسلفية المتشددة التي تعتمدها داعش الآن. من قبلهم كتب Amatzia Baram كتاب عن علاقة صدام بالإسلام في الفترة من 1968 -2003 قال فيه أن البغدادي من صنع صدام.
تلك التصورات غير دقيقة ومضللة على نحو خطير، فطبقا للوثائق التي وجدت في الأرشيف العراقي في مؤسسة هوفر حول حزب البعث تتضح الأمور. فدراستنا الدقيقة لتلك الوثائق لم تجد أي دليل يقول أن صدام حسين أو نظامه في العراق أبدى أي تعاطف مع الإسلاميين أو السلفيين أو الوهابيين في العراق. وقد حاول مؤيدو الرواية الإسلامية القول أن النظام يميز بين مصطلحين، بحجة أن النظام يدعم السلفية وليس الوهابية. وعلى الرغم من ذلك فإن النظام البعثي استخدام المصطلحين-السلفية والوهابية- بشكل مترادف معاديا كليهما. ولا يوجد سوى حالة واحدة أشار فيها صدام حسين إلى الوهابية في تعليقه على تقرير حول “دراسة ظاهرة السلفية الدينية”، وقد وضح صدام حسين أن نظامه بعيد كل البعد عن أي شكل من أشكال الأسلمة وخاصة في خطابه التاريخي 1996 الذي هاجم فيه الإسلاميين ورجال الدين، كما انتقد بشكل خاص تلك الدعوات المنادية لرفض الوحدة العربية على أساس الوحدة الإسلامية مشيرا إلى أنه لا يمكن أن ينخدع بتلك الحيل مشيرا إلى أن نظامه يتوافق فكريا وأيديولوجيا أكثر مع الجيل الجديد من الناصريين في مصر واليمن التي تقوم بصورة أساسية على القومية والنضال من أجلها.
القومية العربية، ليست الإسلامية، مثل موجهٍ لسياسات النظام حتى فيما يتعلق بالقضايا الدينية، ويوضح أرشيف النظام أن خطابات صدام حسين كانت تقرأ على كل أعضاء البعث بهدف أن تكون أساسًا لسياسات النظام تجاه الجهات الدينية.
نتائجنا في الدراسة تتوافق مع دراسات أخرى عملت على سجلات حزب البعث العراقي، فعلى سبيل المثال وجد كلا من Joseph Sassoon, Aaron Faust أن النظام العراقي في عهد صدام لم يكن من جانبه أي تعاطف مع السلفيين أو الإسلاميين. وفي ملاحظات Sassoon بالعام 2001 دوّن أن وزير الأوقاف والشؤون الدينية عقد اجتماعا لكيفية محاربة الوهابية وإثبات أن تعاليمها ليست من الإسلام، حضره أكاديميون وزعماء دينين وقيادات أمنية. كما كتب Faust أن “حزب البعث حظر في العام 1990 الكتب السنية الإسلامية وكذلك الخطباء والأئمة ذوي الميول الإسلامية كما أنه منع الإسلاميين من التدريس في المدارس الدينية واستبعدهم من الجيش والتعليم وأكاديميات علمانية أخرى”.
إحدى الحجج الكبرى التي تدعم افتراض أن صدام حسين هو المولد لداعش يرتبط بكون قيادات عسكرية من نظام صدام والمخابرات العراقية عهده تمثل قيادات في داعش الآن. ولكن هذا ليس مفاجئًا؛ فمنذ العام 2003 وأعضاء حزب البعث انضموا لجماعات متمردة أخرى وليس داعش فقط، فقد عملوا على تحويل ولائهم وتكييفه وفقا للأوضاع السياسية السائدة، وهذا ما يُظهره التاريخ من قدرة العراقيين الهائلة على التكيف مع الظروف والإذعان للأيديولوجية السائدة مثل الآخرين عبر التاريخ، فعلى سبيل المثال الديكتاتور الإيطالي موسوليني كان اشتراكيا قبل أن يكون فاشيا، وكذلك بعض النازيين أصبحوا شيوعيين في ألمانيا الشرقية أو رأسماليين في ألمانيا الغربية، وكذلك سيد قطب المنظّر الإسلامي الأكثر جدلا في القرن العشرين كان متأثرا بخلفيته الاشتراكية الماركسية.
من ناحية أخرى، الحجة القائلة بأن سياسات صدام حسين البعثية التقت في بعض الأحيان بالسلفية أو الإسلام هي غير صحيحة أيضا، ويدعم الراوين لذلك منطقهم بحجة أن صدام حسين في العام 1986 نظم اجتماعا بينه وقياداته أعلن فيه وقف إطلاق النار، وكذلك تحالف تكتيكي مع بعض الإسلاميين خارج العراق في مقدمتهم فروع جماعة الإخوان المسلمين في مصر والسودان، مشيرين إلى أن مثل هذا الاجتماع تحول واضح لصدام من بعثي إلى إسلامي. صحيح أن صدام قام بتحالف تكتيكي في اجتماعه مع الإسلاميين ولكن هذا لا يعني تحولا في سياساته السابقة؛ حيث أن حزب البعث قام بتحالف مماثل مع فرع الإخوان المسلمين في سوريا في أوائل 1980 إن لم يكن قبل ذلك ومع ذلك استمر النظام في قمع فرع الحركة في العراق، وكذلك تحالف النظام العراقي مع الأحزاب الشيوعية خارج العراق ولكنه قمع الحزب الشيوعي العراقي.
وعلى النقيض لتلك الخلفية فإن قرار دعم فروع جماعة الإخوان بمصر والسودان لا يرتقي لكونه تحولا أيدلوجيا، وهذا ما يظهر بوضوح –على الرغم من هذا التحالف- في أيديولوجية صدام البعثية التي تتعارض مع الإسلاميين؛ حيث كان له رؤية متقدمة مفادها دولة قومية اشتراكية في حين كان بعضهم يدعو إلى دولة إسلامية. وعلاوة على ذلك فإن مؤسس حزب البعث المسيحي ميشيل عفلق أيد التحالف التكتيكي مع الإسلاميين غير الإسلاميين وإن كان بعض البعثيين ادعوا أن عفلق اعتنق الإسلام على فراش الموت في الوقت الذي مثل فيه حضنا ضد الأسلمة طوال حياته.
على الرغم من كون نظام صدام حسين دعم جماعات إسلامية خارجية مثل حماس وحركة الجهاد الإسلامي المصرية؛ كما هو موثق جيدا، إلا أن ذلك كان بدافع إستراتيجي .
أثناء الغزو على العراق 2003 دعا صدام حسين الجماعات الإسلامية الخارجية لدعمه في محاربتهم، وعلى الرغم من كون البعض كان مؤيدا لصدام كما هو في السودان حتى العام 2003؛ إلا أن تقارير الاستخبارات العراقية تكشف رفض تلك الجماعات الشديد لتلك الدعوة على الرغم من ولائهم للعراق، بناء على استمرار بغداد في دعم القومية العربية العلمانية. كذلك كشفت تقارير الاستخبارات العراقية في وقت متأخر من العام 2000 غضبًا لدى إسلاميي السودان من استمرار نظام صدام في تمويل القومية العربية العلمانية عن طريق حزب البعث السوداني.
محليا، عارض نظام صدام حسين الإسلاميين وأولئك الذين يدعمون تصورًا للإسلام من تلقاء أنفسهم، وقد وجدنا في سجلات حزب البعث آلاف الصفحات من العام 1990 إلى بداية 2000 توضح سياسات النظام العراقي تجاه الزعماء الدينيين.
سياسات البعثيين في تعقب السلفيين أو أي شخص ذي ميول أو تعاطف معهم كانت بلا رحمة، ففي الحقيقة كشفت سجلات البعث أنه بالعام 1990 تم تدوين أسماء جميع زعماء الدين في المساجد، وكذلك كلفت الأمانة العامة للحزب الفروعَ المحلية للحزب التي أنشأت تلك السجلات توضيح أي من هؤلاء سلفي وأيهم وهابي أيهم إخواني”. كما أنشأ النظام آنذاك أقسامًا خاصة للتعامل مع السلفيين والوهابيين والإخوان المسلمين ومختلف الفصائل الإسلامية الشيعية.
حجة أخرى تقول أن صدام طبق قوانين الشريعة عن طريق قطع رؤوس العاهرات وقطع أيدي اللصوص والرمي بالمثليين من أسطح المنازل؛ إلا أن سجلات الحزب البعثي لا يوجد بها دليل على تطبيق النظام للشريعة وقوانينها وأن مثل هذه الأعمال نفذت من قبل قوات نظامية شبه عسكرية مثل فدائيي صدام، والكثير منهم وفقا لتوضيحات سجلات الحزب كانوا من الشيعة الفقراء الذين يعتبوا حاليا زنادقة من قبل داعش. وعلى الرغم من كون وحشية النظام تشبه السلوك الداعشي تلك الأيام إلا أنها متطورة أكثر من وحشية أساليب النظام البعثي التي لم يكن هناك أي دافع إسلامي وراءها.
حاول البعثيون تعزيز الإسلام من قبل الحملة الإيمانية التي أطلقوها، إلا أنهم قدموا صيغة مخففة من الإسلام متوافقة مع أيديولوجية حزب البعث والأجندة العربية آنذاك، وعلى سبيل المثال تقرير حزب البعث بالعام 1997 بعنوان “خطة الحزب الثقافية فيما يتعلق بالممارسات الدينية”، والتي كان من المقرر أن تدرج في دورات حزب البعث حول الإسلام وأربعة من الخمس الأوائل منها كانت قد كتبت على يد ميشيل عفلق في منتصف القرن العشرين، باقي الكتب كتب بواسطة صدام حسين نفسه ونشرت في العام 1997 قبل فترة طويلة من دوره تجاه الإسلاميين بالعام 1986. وتشير التقارير أن هذا كان بهدف تعزيز القومية العربية التي من شأنها أن تحد من الانقسام والطائفية وتفضح زيف استخدام الإسلام كغطاء للثورة الإنسانية.
بعيدا عما يمثل تحولا في الأيديولوجية؛ المناهج التعليمية الدينية وُضعت ببساطة من خلال الحملة الإيمانية كإعادة تأكيد على السياسات البعثية القديمة حول الدين، وكان صدام قد أعرب عن رغبته في إدخال تلك الآراء البعثية على الإسلام بقدر الإمكان. ولفترة تعود إلى 1970 ولكن ليس للعام 1990 عندما طور النظام قدرته المؤسسية لتعليم النسخة الإسلامية من القومية العربية وكذلك بنيته الأمنية لضمان عدم المساعدة غير المقصودة للحركات الدينية المعادية. مثل هذا النضوج في القدرات أساس الحملة الدينية بدلا من التحولات الأيديولوجية.
القول بأن داعش صنيعة سياسات صدام حسين ليس فقط غير صحيح وإنما يقلل بشكل كبير من دور الحرب في العراق 2003 في تطوير الجماعات المسلحة في العراق آنذاك.