عبقرية كوبر!
أن تركن الأتوبيس
لو أن المرحوم الكابتن محمود الجوهري بيننا اليوم لأحس بالزهو، فها قد أتى من يخلفه. ها قد وجدت الجبلاية ضالتها التدريبية في المعجزة الأرجنتينية هيكتور كوبر. «ركن الأتوبيس فن» هكذا علمنا الكابتن الجوهري وهو يبني أسطورته التدريبية، ولعل الكابتن كوبر يحفظ أكثر من غيره هذه المقولة، بما قد يوحي أن الرجل مولود في محطة أتوبيسات.
الأمر بسيط جدا، طارق والنني وأمامهم معجزة القرن «الدون» عبد الله السعيد، هكذا يمكننا إنهاء كل شيء. حول الثلاثة يمكنك أن تركن حاملة طائرات، فالتركيبة متجانسة جدًا. متوسط ميدان بدني فاشل في بناء اللعب أمامه أحد أبطأ صناع اللعب في تاريخ الكرة المصرية، ثم توكل على الله فهو حسبك. الشكل ثابت سواء قابلنا منتخب جمهورية الموز أو منتخب نجوم العالم، فلنقتل خصومنا مللا، ولنقتل جمهورنا شللا. من لم يمت بالملل مات بغيره.
منتخب عبد الله السعيد
تبدو كرة القدم المصرية رهينة بين أقدام الدون عبد الله السعيد. ورغم أن الرجل لم يعد مع المنتخب من مأساة الجابون إلا أنه يستطيع فرض نفسه في النادي والمنتخب بقوة العادة على ما يبدو. وتحت شعار «عبد الله مالوش بديل» يتم تجميد البديل الحقيقي والمباشر صالح جمعة. يلعب عبدالله دورًا أساسيًا في وجبات المتعة الكروية التي يقدمها منتخب مصر. الدون البطئ فكرًا وحركة، قاتل الهجمات، الذي قضى على مسيرة كل رءوس الحربة الذين لعب خلفهم. عبدالله السعيد هو أحد الوجوه التي يمكنك أن ترى فيها كوبر.
بالطبع سيخرج بعض جمهور السعيد شاهرًا سيفه مدافعًا عن صانع ألعاب مصر الأوحد، أليس هو من صنع هدف الفوز على أوغندا؟ هكذا فإن حصيلة 90 دقيقة يتم تلخيصها في هدف، دون أن ينظر البعض إلى أن الرجل قدم أداءً مزريًا في مجمل المباراة لا يغيره صناعة أو تسجيل هدف. بالضبط كما أن انتصار مصر على أوغندا لا يغير من حقيقة أن المنتخب لم يلعب كرة قدم حقًا.
النتيجة أم الأداء
ينقسم عالم الكرة اليوم إلى معسكرين، أحدهما يقول إن النتيجة تبرر كل شيء، والآخر يؤمن بأن ما يؤمن لك نتائج جيدا حقا هو أن تجيد تقديم فنون كروية على أرض الملعب، أي أن تسعى للسيطرة وخلق الفرص أمام أي خصم كان. وقد وجد كوبر منذ بداية مهمته كمدرب للفراعنة، جيشًا كبيرًا يدافع عنه، فقد كان يفوز رغم قبح الأداء، لكن وما إن أتت الهزيمة أمام الكاميرون، في نهائي أمم أفريقيا حتى بدأ نفس الجيش يتحدث عن أن تلك هي الإمكانيات المتاحة، وأننا لم نكن نحلم بالوصول إلى ما وصلنا له، والمزيد من هذا الحديث الانهزامي. فقد وضعتهم الهزيمة في ورطة لأننا لم نؤد ولم نكسب، أيا كنا صفرًا كبيرًا.
لم يناقش هذا الجيش الهزيمة أمام أوغندا من منظور أن الاستراتيجية الدفاعية هي سبب الهزيمة، بل ناقشوا تفاصيل مثل هبوط مستوى الأفراد، هفوات في التنفيذ، أما الاستراتيجية وجدواها فلم تكن حاضرة على طاولة نقاشات المحللين. ما جدوى الدفاع أمام أوغندا؟ لا أحد يتساءل. منتخب هواة يبدو لاعبوه سيئين على كل مستوى، لكننا لم نستطع أن نخلق أمامهم فرصة حقيقية في الذهاب واستطاعوا هم رغم حوائط الصد التي أقامها كوبر أن يسجلوا ويتصدروا المجموعة.
أما الإياب علي أرضنا ووسط جماهيرنا فقد كان استمرارا للمأساة بشكل أو بآخر. فرص شحيحة جدا وأغلبها من مرتدات. فقدان السيطرة أمام فريق مهلهل، فوز بهدف يتيم. الإنجاز الوحيد أننا ظهرنا مثيرين للشفقة بالضبط كما أوغندا الضعيفة. أوغندا التي يفترض بمن يريد الوصول لكأس العالم أن يهينها كرويا ذهابا وإيابا، استطاعت أن تفتك منا ثلاث نقاط يعلم الله وحده كيف سيؤثرون في مسار تلك المجموعة.
لماذا لاعبا ارتكاز؟ ألا يمكننا الاكتفاء بارتكاز واحد بجواره صالح جمعة وعبدالله السعيد علي الدائرة دون صانع لعب ثابت؟ لماذا اللجوء إلى الطوليات بدلا من محاولة البناء من الخلف، واضعين في الاعتبار عدم امتلاكنا رأس حربة يجيد الهوائيات وتوزيع الكرة الثانية؟ لماذا يتم تقييد الأظهرة هجوميا في ظل الاعتماد على لاعبي ارتكاز يلعبان نفس الدور ولديهما نفس الميزات الدفاعية؟ ماذا يقدم النني وحامد كي يلعبا على حساب حسام عاشور؟ هل تريزيجيه لديه ميزة إضافية عن رمضان صبحي غير السرعة التي هي أيضا ميزة محمد صلاح الوحيدة؟ الأسئلة كثيرة جدا، ولن يستطيع هكتور كوبر الإجابة عليها، لأن الإجابة تحتاج مدربًا يعي أن البطل لا يلعب هكذا، وأن الوصول إلى كأس العالم بهذا الشكل المهين ليس له أي معنى. أننا نريد الوصول إلى كأس العالم كي يرانا العالم، كي نضع أنفسنا على خريطة الكرة، لكن تلك الخريطة لا مكان عليها للأتوبيسات وسائقيها.