بديلا عن الصراع: التنوع الثقافى يقود إلى التنمية أيضا
في 21 مايو/ آذار يحين موعد اليوم العالمي للتنوع الثقافي من أجل الحوار والتنمية، وهو اليوم الذي حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة بعدما وافقت على مقترح منظمة اليونيسكو بشأن إعلان مبادئ التعاون الثقافي الدولي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2001، وارتكز قرار الجمعية في إعلانه عن اليوم العالمي للتنوع الثقافي؛ على فكرة أن التسامح واحترام التنوع الثقافي، والتشجيع والحماية العاليمة لحقوق الإنسان، والحق في التنمية هي أشياء مكملة لبعضها وتدعم بعضها الآخر.
كما تُرجع منظمة الأمم المتحدة أهمية التنوع الثقافي إلى أنه يشكل قوة محركة لعمليات التنمية على جميع المستويات، حيث يؤدي لعيش حياة أكثر اكتمالًا سواءً كان على الجانب العاطفي أو الروحي أو الفكري، كما أن احترام التنوع الثقافي يؤدي إلى خلق حوار فعال بين الثقافات ومن هنا يمكن إدراك السبب وراء ربط التنوع بالحوار والتنمية.
وتشمل أبعاد التنوع الثقافي التنوع العرقي والديني والاجتماعي،حيث يلعب كل بعد من تلك الأبعاد دورًا محوريًا في تشكيل الثقافات.
لماذا التنوع الثقافي؟
تعرف الثقافة على أنها ذلك الرابط الذي يربط بين مجموعة من البشر، تجمعهم روابط عرقية ودينية ولغوية إلى جانب أنها تتشكل باختلاف الأجيال والطبقات الاجتماعية والتوجه الجنسي والسياسي والديني والنوع الاجتماعي. وهناك مجتمعات تجمعها لغة واحدة ودين واحد وعرق واحد، إلا أنها تحتوي على أكثر من ثقافة تبعًا لتغير باقي العوامل.
وعندما يكون العالم متعدد الثقافات والأديان وتكون أغلب الصراعات التي حدثت في العصر الحديث كان أحد أبعادها الإختلاف الثقافي، فمن الممكن أن تكون الأبعاد الثقافية ليست هى السبب الواضح أو الرئيسي في إندلاع تلك الصراعات، إلا أنها تبقي مكون مهم من حيث الأسباب المؤدية للنزاعات -خاصة الأهلية- في المجتمعات التي تتميز باختلافات عرقية ودينية واضحة، فعلى سبيل المثال الحرب الأهلية في السودان أعوام (1955-1972، 1983-2003) بين المسلمين والمسحين في الجنوب وراح ضحيتها ما يقرب من 2 مليون قتيل.
والحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865) بين الشمال والجنوب بسبب الاختلاف الثقافي والإقتصادي، حيث كانت الولايات الشمالية أقرب إلى الثقافة الصناعية بينما كانت ولايات الجنوب تعتمد على الزراعة وبطبيعة الحال فكانت بيئتها الثقافية والإقتصادية مختلفة، حيث تميل إلى المحافظة مثل مجتمعات أوروبا في القرون الوسطي.
وتري منظمة اليونيسكو أن التبادل والحوار الثقافي بين الشعوب هو شرطًا هامًا في عملية التماسك الاجتماعي وتحقيق السلام، كما أنها تري في الحوار بين الأديان هو أحد أهم عناصر الحوار بين الثقافات خاصة في العصر الحديث حيث الكثير من الحروب والصراعات التي تقوم على أساس الإنتماء الديني.
المغرب العربي والأمازيغ
ومن أبرز الصراعات الثقافية في الوطن العربي الصراع بين العرب والأمازيغ في شمال إفرقيا، فيعد الأمازغيون هم السكان الأصليون للمغرب العربي، ودخل الأمازيغ دومًا في صراع من أجل الهوية والاعتراف بهم، خاصة بعد الاستعمار الفرنسي لبلدان المغرب العربي، ففي المملكة المغربية لم يكن هناك خلافًا كبيرًا بين العرب والأمازيغ وفي عام 2003 قرر الملك محمد السادس إنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ثم تعديل الدستور بعد ذلك حتي يتم الاعتراف باللغة الأمازيغية من اللغات الرسمية في المملكة المغربية.
بينما في الجزائر فكان الخلاف بين العرب والأمازيغ على أشده، ففي عام 1980 وبالتحديد في منطقة القبائل خرجت مظاهرات من قبل الأمازيغ تنادي بالاعتراف بالهوية الأمازيغية بعدما تم إلغاء محاضرة عن الشعر الأمازيغي القديم، إلا أنه تم قمع تلك التظاهرات وفي عام 2002 سقط 126 قتيلًا بمنطقة القبائل بعد أعمال شغب بين الأمازيغ والشردة لتجديد مطلب الهوية، حتي يأتي 7فبراير/شباط 2016 ليتم الاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة رسمية في البلاد لكنها تأتي بعد اللغة العربية، وسبق ذلك الاعتراف اعتراف آخر عام 2002 حيث بادر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتعديل الدستور والاعتراف باللغة الأمازيغية كلغة وطنية وليس كلغة رسمية.
أفرقيا وصراع الثقافات
هناك 20% من سكان دول جنوب الصحراء الأفريقية يعيشون في حروب أهلية أو حورب مع جيرانهم، و40% من تلك الدول مرت على الأقل بفترة واحدة من الحرب الأهلية، وقد لعب الإختلاف الثقافي والإثني دورًا كبيرًا في تلك الحروب والنزاعات، فعلي سبيل المثال الحرب الأهلية في ليبيريا والتي قامت بعد إنقلاب عسكري كان سببه إظطهاد مؤسسين الدولة الليبيرية القادمون من الولايات المتحدة الأمريكية إلى السكان الأصلين، وإختلاف العادات والتقاليد بينهم وقد دامت تلك الحرب بفترتيها إلى ما يقرب من 13 عامًا راح ضحيتها ما يقرب من 150000 و850000 لاجئ .
فكان السكان من قبيلة الهوتو مزارعين ذو ثقافة محافظة وحياة متواضعة بسبب أوضاعهم الإقتصادية، بينما كان سكان التوتسي وعلى الرغم من أنهم يشكلون الأقلية إلا أنهم كانوا أكثر حظًا مما مكنهم من السيطرة على سكان الهوتو وكانوا يعملون بتربية قطعان الماشية،وعلى الرغم من أن حالات الزواج بين القبيلتين كثيرة وبدأت في تشكيل ثقافة واحدة إلا أن المستعمر البلجيكي استغل حالة الإنقسام العرقي والثقافي تلك في التفريق بين القبيلتين، مما أدي إلى نمو مشاعر الكراهية بين الهوتو والتوتسي، حتي أخذت الحرب الأهلية في الإشتعال.
وبما أن الثقافة مع اختلاف مكوناتها تشكل رؤي وتصورات الفرد تجاه الآخر، ومع تنوع تلك الثقافات واختلاف رؤي الأفراد تجاه بعضهم البعض خاصة عندما تحتوي على إرث كبير من الضغائن، فكان من الطبيعي أن تحدث كل تلك الصراعات الداخلية في أفرقيا بجانب العوامل الأخري التي ساعدت على إشتعال تلك الصراعات.
الثقافة والتنمية والحوار
لم تعد عملية التنمية عملية قاصرة على التنمية الإقتصادية فقط، فقد أصبحت الثقافة جزءًا أساسيًا من أجزاء التنمية الإقتصادية والتنمية بشكل عام، حيث أن الثقافة تلعب دورًا أساسيًا في تحديد هوية المجتمع كما أن السمات الثقافية لكل مجتمع تؤثر وتتأثر بنهوض المجتمع أو تراجعه، كما أن عملة التنمية هي عملية شاملة تشمل البعد الإقتصادي والسياسي والاجتماعي، ومن هنا جاء التلاقي بين التنمية والثقافية حيث أن كلاهما يؤثر ويتأثر بالآخر، فلما كانت السمات الثقافية تؤثر على هوية المجتمع وتوجهاته فأنها بالتأكيد تؤثر على أفكار المجتمع تجاه عمليات التنمية وقد تكون عائقًا لها، وفي المقابل فعمليات التنمية تسعي لتطوير وتحسين السمات الثقافية لدي المجتمعات.
تبدو أنها عملية معقدة ومؤثرة وتحتاج إلى مجهودًا كبيرًا، خاصة عندما يتخوف البعض من أن يكون هدف التنمية الثقافية هو التخلص من الموروث الثقافي والإندماج في عملية العولمة وتغير المجتمع تمامًا، فيفضلون أن يتخذوا من التنمية الشق الثقافي وفقط إلا أنه لايمكن الفصل بينهما، وبالفعل بدأت الدول في ثمانينيات القرن الماضي بالاهتمام بالتنمية الثقافية بعدما كان جل تركيزهم منصب على التنمية الإقتصادية؛ معتمدين على دعم منظمة اليونسيكو، والتي رأت في الإختلافات الثقافية في العالم فرصة جيدة للبدأ أحداث حالة من الحراك الروحي والعاطفي والفكري والتي تطرح نماذج مختلفة للتطوير.
لايمكن أن يكون التنوع الثقافي سببًا في أي من الصراعات إذا ما تم فتح آليات للحوار والتلاقي والتعرف على الآخر وعلى وجهات نظرهم واحترامها، فإذا وجدنا تلك الآليات فسوف يصبح التنوع الثقافي والإختلاف واحدًا من الأسباب الأساسية للتنمية الشاملة المستدامة ولن يصبح سببًا في الصراعات والحروب، فمتى يدرك العالم ضرورة إستثمار إختلافاته بدلا من الصراع بسببها؟
- Culture and conflict
- هشام سيد طلحة, مشكلة الاندماج الوطني في ليبريا, رسالة ماجستير, جامعة القاهرة, معهد البحوث والدرسات الأفريقية