خريطة الفقر المائي: سياسات أفريقيا تحتاج العلم
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
عندما يتعلق الأمر بتزويد الشعوب بالماء النظيف وخدمات الصرف الصحي، فإن البلدان الأفريقية تكون تحت المنحنى العالمي. ويظهر رصد مشترك لكل من منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسيف أن 89% من سكان العالم عندهم إمكانية الوصول إلى مصادر المياه النظيفة. وفي جنوب الصحراء الكبرى في أفريقيا فإن النسبة تكون 64%. وعلى الصعيد العالمي، يوجد 64% من الأشخاص الذين لديهم المقدرة على الوصول إلى خدمات صرف صحي مقبولة. ولكن هذا ينطبق على نسبة أقل من ثلث السكان في جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية.
ويمكن لهذا النقص أن يكون مُهلكًا، خصوصًا بالنسبة إلى الأطفال. فإن غياب المياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي الأساسية يُعدان من بين الأسباب الرئيسية للوفيات بين أولئك الذين لا يتخطون الخمس سنوات في جميع أنحاء القارة. كما يضع عبئًا كبيرًا على نساء القارة الأفريقية. فهن الملتزمات بأن يسرن لمسافات طويلة من أجل جمع المياه من الجداول والبرك والآبار.
كما أظهر بحث كيف أن إمدادات الماء غير الموثوق فيها هي سبب ونتيجة في الوقت ذاته للفقر. وقد صاغ الباحث في قضية المياه في جنوب أفريقيا، الدكتور أنتوني تورتون عبارة «الفقر المائي» لكي يصف المجتمعات التي لا يمكنها التعامل مع مشكلة نقصان المياه.
أدى هذا إلى تطوير مؤشر الفقر المائي من قِبل البروفسورة البيئية والباحثة في الاقتصاد البيئي كارولين سوليفان سنة 2002. وهذا المؤشر يسمح للباحثين بإعداد تقييم متكامل حول ضغط المياه وندرتها، رابطين بين التقديرات المادية لتوفر المياه مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي تعكس الفقر.
هنالك اتفاق كبير على أن المؤشر مفيد وموثوق به، لكن أدلته ليست ملائمة لجميع السياقات. وهذا هو السبب لوضعي مجموعة من الأدلة التي من الممكن تطبيقها على السياق الأفريقي. وتتضمن هذه الأدلة تقلبات الأمطار الموسمية للبلد، استثمارات الشعب للمياه ومدى كفاءة استخدامها في الزراعة والصناعة. ودليل آخر هو مؤشر التنمية البشرية في البلد، الذي يأخذ في اعتباره عوامل مثل متوسط العمر المتوقع، التعليم، ومتوسط الدخل. وقد أتاح لي هذا وضع خريطة لحالة الفقر في أفريقيا، مما أعطاني فكرة جيدة عن مدى الاختلاف بين البلدان في القارة.
تقدم نتائجي تحليلاً شفافًا لصناع السياسات والحكومات والمنظمات التي تتعامل مع قضايا المياه. ويمكنهم استخدام معلومات المؤشر من أجل تقييم الفرص والمخاطر المرتبطة بالتدخلات. كما سيكون لديهم فهم أفضل للعوامل الاقتصادية والاجتماعية المؤثرة على سياسات إدارة المياه في مختلف البلاد الأفريقية بدلًا من التعامل مع القارة بأكملها ككتلة موحدة. وما سينجح في سيشيل، حيث المستوى من فقر المياه منخفض، لن يكون بالضرورة مفيدًا في جيبوتي، التي ترتفع فيها مستويات فقر المياه.
مؤشرات جديدة
قمت باختيار 15 مؤشرًا من بين 22 متغيرًا لحساب خمسة من مكونات مؤشر الفقر الأفريقي للمياه وهي: الموارد، والوصول، والقدرات، والاستخدام والبيئة. ويتم تحديد النتائج عبر عدد من خرائط الفقر المائي التي قمت بتطويرها.
تبين هذه الخرائط أن فقر المياه يتبع نمطًا مكانيًا معقدًا ومتنوعًا. كما أن أكثر بلدان أفريقيا نموًا اقتصاديًا هي أكثرها ندرة في المياه. تقع هذه المناطق بشكل أساسي في شمال وجنوب أفريقيا وتشمل ليبيا والجزائر وتونس وجنوب أفريقيا. بينما تتركز البلدان الغنية بالمياه، ولكن ذات الدخل المنخفض بشكل رئيسي في منطقة جنوب الصحراء الكبرى – مثل الجابون وجمهورية أفريقيا الوسطى والكونغو.
يشير هذا إلى أنه مع نمو بعض البلاد وجذبها لمزيد من الأشخاص الباحثين عن عمل، ستصبح الموارد المائية لديهم مضغوطة أكثر. ويجب على هذه البلاد وضع خطط مستدامة طويلة الأمد لإدارة المياه، بحيث لا تعاني من نقصان في المياه – وهو سيناريو من شأنه إعاقة المزيد من التنمية الاقتصادية ونموها بشكل كبير.
كما يلمح المؤشر الشكل الذي يمكن أن تتخذه هذه الخطط. فعلى سبيل المثال، ينبغي على دول شمال أفريقيا أن تولي مزيدًا من الاهتمام من أجل تحسين استخدام موارد الماء الشحيحة في الزراعة ومختلف القطاعات. ومطلوب منها برامج أعلى كفاءة في استخدام المياه وحماية المستهلك.
وفي نفس الوقت، في منطقة جنوب الصحراء الكبرى، ما زال الوصول بشكل عام إلى مرافق المياه والصرف الصحي عبر المواسير منخفضًا جدًا. قد تكون هذه الدول «أكثر ثراء» في الماء من نظيراتها في الشمال، ولكن هذا الواقع لا يشعر به الكثير من المواطنين. وينبغي على أي شخص يعمل في قطاع المياه في هذه البلاد، التركيز على كيفية تحسين الوصول إلى المياه الآمنة وخدمات الصرف الصحي الفعالة.
إن أملي في تصميم هذا المؤشر الذي يركز على أفريقيا هو أن يكون كل من صانعي السياسات، الساسة، وخبراء التنمية قادرين على تطبيق البيانات. ويمكن لمثل هذا التقييم متعدد الجوانب حول فقر المياه في القارة إحداث فرق كبير في الإدارة والتخطيط.