البشرية جمعاء في سباق فعلي مع الزمن لقهر فيروس الكورونا الجديد، كوفيد-19، قبل أن يفتك بالمزيد من الأرواح. إذ رغم نجاح الصين – حيث البؤرة الأولى والكبرى للمرض – في احتواء الإصابات  بشكلٍ كبير، فإن عداد المصابين والوفيات ما يزال يدور على مدار الساعة، لا سيَّما مع وصول الفيروس إلى أكثر من 140 دولة حول العالم، ووجود بؤر كبيرة كإيطاليا وإسبانيا  وإيران.

لحظة كتابة هذه الكلمات، ناهزَ مجموع الإصابات المُوثَّقة حول العالم منذ بدأ الوباء أواخر العام الماضي، 290 ألف حالة، تحسن منهم أكثر من 90 ألفًا، بينما قارب عدد الوفيات 12 ألفًا، وكلا الرقمين مرشحان للزيادة، بالأخص في أوروبا. جلُّ تلك الإصابات والوفيات في كبار السن، لا سيَّما من هم فوق ستين عامًا من العمر، وأصحاب الأمراض المزمنة خاصة في الصدر والقلب.

لكن لم تخلُ  الأوقات العصيبة الحالية من أنباء مُبشرة على صعيد السعي المحموم للوصول إلى علاج فعَّال لهذا الوباء الذي بثَّ الرعب في كل أرجاء الدنيا. فالأنباء تتواتر من ألمانيا والصين والولايات المتحدة وغيرها، عن قطع أشواطٍ جيدة في إنتاج أمصال للوقاية من الكوفيد-١٩، لكن ما يزال أمامنا أشهر طويلة وثقيلة قبل أن يتوافر مثل تلك الأمصال بشكلٍ واسع، وتسهم بشكلٍ فعال في السيطرة بشكلٍ ملموس على معدل الإصابات الجديدة، والوقاية من تكرار الوباء بشكلٍ عنيف في الموسم الشتوي القادم لعام 2021م.

إذًا، فلا مفر من مواجهة الأمر الواقع المتمثل في حتمية التعامل مع عشرات الآلاف من الحالات المصابة بالكوفيد-19، الذين لن تستطيع أجهزة مناعتهم وحدها قهر العدوى.

 في السطور التالية سنعرف كيف تُعالَج حالات وباء الكورونا المستجد وفق الخبرات الصينية والأوروبية – وغيرها – المتوافرة حتى الآن.

اقرأ: ماذا أفعل إن أصبح وباءٌ مُعدٍ على أعتاب منزلي؟

هل هناك علاجٌ للكورونا؟

قبل أن نخوض في تفاصبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من توضيح شديد الأهمية في البداية. كل ما سنذكر في السطور التالية من أسماء علمية لعقاقير أُعلن مبدئيًّا عن فعاليتها ضد فيروس الكوفيد-19، لا ينبغي على الإطلاق محاولة تداولها خارج إطار المشافي وتحت الإشراف الطبي الكامل، لوجود آثار جانبية خطيرة لبعضها. كذلك فإن محاولة البعض الحصول عليها وتخزينها هو عملية قتل مباشر وغير مباشر لمن يحتاجونها فعلًا، كما أن لبعضها استخداماتٍ هامة أخرى، سيؤدي التكالب عليها إلى حرمان آلاف المرضى من الحصول عليها. وكذلك يمنع تعاطيها للوقاية، حتى لأولئك المصابين بأمراضٍ تُضعفُ المناعة، إذ حتى لحظة كتابة تلك الكلمات لم يصدر رأيٌ علميٌّ موثوق فيه يحبذ هذا. والآن عودة إلى إجابة السؤال الموجود في صدر الفقرة.

في أكثر من ثلاثة أرباع الحالات، لا حاجة إلى أي علاجٍ دوائي من الأساس، فالفيروس إما لا يسبب أعراضًا، أو يمر كنزلة بردٍ أو إنفلوانزا معتادة. والمطلوب هو الراحة المنزلية، وتناول الطعام الصحي، وشرب مقدارٍ جيد من السوائل، وخافض حرارة ومسكن آمن كالباراسيتامول. 

اقرأ أيضًا: مجموعة البرد: هيا ندمر المناعة ونغذي البكتيريا

لكن في باقي الحالات، قد تحدث أعراض شديدة عندما يصل الفيروس إلى الجهاز التنفسي السفلي، مسببًا الالتهاب الرئوي ومضاعفاته. فيعاني المصاب من ضيقٍ شديد في التنفس، ونقص في نسبة الأكسجين بالدم، مما يستدعي الحجز في العناية المركزة، والدعم التنفسي. وهذه الحالات الأخطر، هي التي شرع العلماء والأطباء في البحث المحموم عن عقاقير تزيد نسب شفائها، وكذلك سرعة التعافي، وذلك لتقليل الضغط المتزامن على وحدات العناية المركزة المحدودة في أعدادها، وأعداد الأطباء والتمريض المؤهل لها. وفيما يلي أهم الوسائل العلاجية التي تواترت الأدلة العلمية على فعاليتها.

1. العلاج الداعم

المقصود بهذا المصطلح هو العلاجات التي تحاول السيطرة على أعراض المرض ومضاعفاته، دون استهدافه جذريًّا. للأسف الشديد، هذه العلاجات الداعمة هي الأساس حتى الآن في مواجهة الحالات الحرجة من إصابات الكوفيد-19. وهذه هي المعضلة الرئيسة في هذا الوباء، فوجود مئات الحالات المتزامنة والتي تحتاج إلى أَسرَّة الرعاية المركزة ووسائل الدعم التنفسي المختلفة، كفيل بانهيار أقوى المنظومات الصحية، لا سيَّما في البلاد النامية التي تعاني من نقصٍ نسبي في تلك الإمدادات في الأوضاع العادية.

أهم العلاجات الداعمة هو الأكسجين. عندما يتسبب الفيروس في التهابٍ رئوي يؤثر على فعالية الرئة في إيصال الأكسجين إلى الدم، فلا بد من تقديم الدعم الأكسجيني للمريض، بمختلف درجاته، بدءًا من قناع الأكسجين المعتاد، إلى الإمداد الأكسجيني تحت ضغطٍ عالي CPAP للتغلب على الالتهاب والارتشاح في الرئة والذي يعوق تبادل الغازات، وصولًا إلى أجهزة التنفس الاصطناعي عبر الأنبوبة التنفسية، في الحالات الأكثر تدهورًا والتي تعاني من الفشل التنفسي. وأجهزة التنفس الاصطناعي محدودة، ولا توجد إلا في العنايات المركزة المؤهلة جيدًا، وتحتاج إلى أطباء رعاية مهرة للتعامل الجيد معها، وضبط إعداداتها بما يناسب كل حالة.

بل استدعت بعض الحالات الأشد من الفشل التنفسي نتيجة تلف الرئة، وضع المريض على جهاز الأكسجة خارج الجسم ECMO، وهو جهاز معقد، ويكأنَّه رئة خارجية، وهو يحتاج إلى طاقم طبي متخصص للغاية، ولا يوجد منه في مصر إلا ما يُعد على أصابع اليدين. 

كذلك عندما تصل الإصابة الشديدة إلى حد حدوث هبوط حاد في الدورة الدموية نتيجة انتشار السموم وعوامل الالتهاب في الدم، يُعطى المريض المحاليل الوريدية، والأدوية التي ترفع ضغط الدم، وتحسن كفاءة الدورة الدموية، وانقباض القلب، وهي أدوية خطيرة، لا تُعطى إلا في العناية المركزة، وتحتاج إلى متابعة جيدة لضربات القلب، والعلامات الحيوية، ووظائف الكلى، وضغط الأوردة المركزية … إلخ.

اقرأ أيضًا: 8 أسئلة توضح لك الفائدة الحقيقية للمحلول في أقسام الطوارئ

هدف كل العلاجات الداعمة هو الحفاظ على حياة المريض، وإراحة أجهزة جسمه المتضررة لا سيَّما الرئتين، ريثما تنجح مناعة الجسم أو العقاقير في قتل الفيروس أو تعطيل عمله.

2. عقار للملاريا والروماتويد

من أكثر العقاقير التي كثُر الحديث  في الأسابيع الماضية عن فعالية جيدة لها في علاج حالات الالتهاب الرئوي الناجم عن مرض الكوفيد-١٩، الهيدروكسي كلوروكين، الذي من أشهر علاماته التجارية البلاكوينيل، من إنتاج شركة سانوفي الفرنسية. تمتاز تلك المادة الفعالة برخص ثمنها (يصل إلى بضعة جنيهات للشريط في بعض البدائل المُصَنَّعَة محليًّا)، وشيوع استخدامها لكن في علاج الملاريا، وكذلك كمضاد التهاب خاص في مرضى الروماتويد الذي يتلف المفاصل وغيرها من أجهزة الجسم.

تضاعف الزخم حول هذا العقار، وشقيقه الكلوروكين، بعد ظهور الرئيس الأمريكي ترامب في مؤتمر صحفي عالمي يوم الخميس 20 مارس/آذار 2020م معلنًا اعتماد منظمة الغذاء والدواء الأمريكية له لمواجهة فيروس الكورونا المستجد. 

هناك عدة نظريات في تفسير فعالية الهيدروكسي كلوروكين ضد فيروس الكوفيد-١٩. لكن الأرجح أنه يعطل عملية دخول الفيروس إلى خلايا الجسم، والتي بدونها لن يقوم الفيروس بتأثيره. يصعِّب هذا الدواء التحام الفيروس بالمستقبلات على سطح الخلية، كما أنه يزيد قلوية البيئة الخلوية، مما يصعِّب دخول الفيروس إلى النواة حيث المادة الوراثية. كذلك فإن دوره كمضاد للالتهاب يهدئ من رد الفعل المناعي الشديد ضد الفيروس، الذي قد يسبب تلفًا كبيرًا للأنسجة.

شرح علمي عن آلية عمل الكلوروكين في مواجهة فيروس الكوفيد-19

وتواترت الأخبار عن اتجاه لسحب هذا العقار من الصيدليات المصرية واعتباره دواءً استراتيجيًّا، لتوفيره من أجل المستشفيات التي ستتعامل مع حالات الكورونا الحرجة. جدير بالذكر أن لهذا الدواء العديد من الآثار الجانبية الخطيرة كحدوث بعض الاضطرابات الكهربائية الخطيرة في القلب، وتضرر السمع وشبكية العين، وزيادة فرص حدوث الالتهابات الجلدية والصدفية … إلخ. ولذا لا يُعطى إلا تحت إشراف طبي.

3. المضادات الفيروسية

تمتلك البشرية ترسانة من عشرات العقاقير المضادة للفيروسات، والتي تعطِّل عمل الفيروسات وتكاثرها، وتأثيراتها على خلايا الجسم وأنسجته، بآليات مختلفة. لكن نظرًا للتنوع الشديد في آليات غزو الفيروسات المختلفة لأجسامنا، وفي تركيبها الكيميائي، فإن فعالية معظم المضادات الفيروسية المتوافرة تكون متخصصة على مجموعات فيروسية محددة، وبالتالي فمن النادر وجود مضاد فيروسي واسع المجال ضد معظم الفيروسات.

مع ظهور وباء الكورونا المستجد جرب الأطباء، لا سيَّما الصينيون، العديد من مضادات الفيروسات المتاحة للفيروسات التنفسية وغيرها، وظهرت نتائج أولية متفاوتة للعديد من تلك العقاقير.

من الأنواع التي جُرِّبَت دواء يُعرف تجاريًّا باسم (كالترا)، ويستخدم في علاج فيروس الإيدز، هو عبارة عن مضادين فيروسيين معًا، لوبينافير/ريتونافير، لكن ذكرت دراسة صينية منشورة حديثًا على مائتي مريض مصابين بالالتهاب الرئوي الشديد الناجم عن الكوفيد-19 أنه لم يحقق النتائج المرجوة في علاج تلك الحالات.

لكن أظهر عقار الريمديسيفير RemDesivir بعض الفعالية في حالات الالتهاب الرئوي الفيروسي الناجم عن الكوفيد-19، وهناك على الأقل 5 دراسات سريرية نُجرى عليه ستظهر نتائجها في الأسابيع القليلة القادمة. المفارقة أن ذلك العقار لم يظهر كفاءة في السابق في استخدامٍ سابق له ضد فيروس الإيبولا أحد أخطر الفيروسات النزفية التي تسبب أوبئة متكررة.

وفي الأيام الأخيرة، اعتمدت الصين دواء الفافيبيرافير Favipravir والذي أُنتِجَ في اليابان عام 2014م كدواءٍ للإنفلوانزا، في علاج حالات الكوفيد-19، بعد أن أظهرت الدراسات فعاليته في تسريع عملية شفاء المرضى، وتقليل المضاعفات، مع آثارٍ جانبية محدودة.

كذلك استُخدِمَ عقار التوسيليزوماب Tocilizumab، والكوتيزون الوريدي، من أجل تثبيط رد فعل المناعة الشديد في الحالات الخطيرة، والذي قد يسبب تلفًا في أنسجة الجسم، وهبوطًا في الدورة الدموية. 

4. والمضادات الحيوية؟

سنستغل كل مناسبة للتأكيد على الحقيقة الراسخة التي للأسف يغفلها أو يتغافل عنها الكثيرون، وهي أن المضادات الحيوية تواجه البكتيريا وليس الفيروسات، وبالتالي فاستخدامها في علاج حالات كوفيد-19 هو فصل جديد في كتابٍ لا ينتهي عن سوء استخدام المضادات الحيوية.  

تستخدم المضادات الحيوية في نطاقٍ ضيق للغاية في الحالات الخطيرة من الكوفيد-19 عندما يتسبب انهيار مناعة الجسم الذي يُحدثُه الفيروس في حدوث إصابة بكتيرية ثانوية في الجسم، وهذا يمكن إثباته عندما تتدهور الحالة الإكلينيكية بشكلٍ أكبر، ويحدث ارتفاع شديد في عدد خلايا مناعية معينة في عينة الدم التي من المعروف أنها تواجه البكتيريا، وكذلك ارتفاع في نسب دلائل التهاب معينة في الدم، والأهم ظهور نتائج إيجابية لمزارع البكتيريا في الدم أو البصاق. لكن لا تؤثر المضادات الحيوية مطلقًا على فيروس الكوفيد-19 نفسه.

اقرأ: الأساطير المؤسسة لطب الأطفال في مصر: أسطورة المضاد الحيوي

وأيضًا: سوء استخدام المضادات الحيوية .. انتحار جديد للإنسانية

هل يعني ما سبق أنه لا مبرر للخوف من مرض كوفيد-19؟

لا بالطبع، فتوافر بعض العلاجات ذات النتائج الأولية الجيدة لا يعني انتهاء المشكلة، فالمُعضلة الرئيسة كما أوضحنا سابقًا، تكمن في تزامن وجود الآلاف من الحالات التي تحتاج إلى رعاية طبية وصولًا إلى العناية المركزة، وأجهزة التنفس الاصطناعي، وأن أعداد تلك الحالات مرشحة للزيادة بتفاقم العدوى أكثر فأكثر، مما يمثل ضغطًا شديدًا على قدرات المنظومات الصحية حتى في البلاد الأكثر تقدمًا.

ونشاهد جميعًا كيف تئن منظومة صحية قوية كتلك الموجودة في إيطاليا تحت وطأة الآلاف من حالات الكورونا الحرجة، فما بالُنا بحال منظومات مترهلة ومترنحة كمصر وغيرها من البلاد النامية إذا فشا فيها الوباء.

إذًا فلا مفرَّ من بذل الجهد الرئيس في احتواء العدوى بكل الطرق الممكنة، فهذا السبيل الأمثل للقضاء على الوباء، بديلًا من انتظار وقوع الإصابة والتعاطي مع مضاعفاتها.