انقلاب في الإمارات حسمته أبو ظبي: قصة صراع الحكم في إمارة رأس الخيمة
هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» الذي أنجزه فريق ساسة بوست لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010 و2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يُلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكل الوثائق متاحة للتصفح على الإنترنت.
كَشَفَت وثائق «قانون تسجيل الوكلاء الأجانب (FARA)» عن قصة كادت تنسى، لوليِّ عهد إمارة رأس الخيمة، الذي عُزِلَ لسببٍ غير واضح، فوظَّف شركات ضغط مختلفة في محاولة لاستعادة منصبه.
في عام 2010، بعد وفاة حاكم إمارة رأس الخيمة، الشيخ صقر بن محمد القاسمي، اندلع نزاعٌ بين ولديه خالد وسعود على حكم الإمارة. وفي هذا التقرير، سنتعرَّف إلى قصة الصراع، وعلى جهود أحد الأبناء المتصارعين في واشنطن لاستعادة حكمه، الشيخ خالد بن صقر القاسمي، المنفيّ من الإمارات منذ عام 2003.
القصة الأولى: ولي عهد يطالب بقليلٍ من الديمقراطية ويحرق علم أمريكا
حكم الشيخ صقر بن محمد القاسمي إمارة رأس الخيمة منذ عام 1948، وعندما توصل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان لاتفاقٍ مع الإمارات الأخرى على تشكيل مشروع وحدوي يجمع الإمارات كلها وفق نظام دستوري في عام 1971؛ رفضت إمارة رأس الخيمة الانضمام في البداية، وعادت في فبراير (شباط) 1972 للانضمام، بعدما قدمت الإمارات الأخرى ضمانات بعدم التنازل عن الجزر طنب الصغرى، وطنب الكبرى، وأبو موسى، التي سيطرت عليها جارة رأس الخيمة الساحلية، إيران.
عيّن صقر ابنه خالد، الذي تلقَّى تعليمه في القاهرة وبريطانيا، وليًّا للعهد عام 1958، فكان يشرف بشكلٍ يومي على حكومة الإمارة، وتبنَّى سياسات إصلاحية، وأصبح من أشدّ النقاد للنظام الإيراني.
وأثناء ولايته، خدم رئيسًا لمجلس الإدارة للبنك الوطني لرأس الخيمة، وشركة بترول رأس الخيمة الوطنية. وفي عام 2003، أصدر صقر قرارًا مفاجئًا بعزل ابنه خالد عن منصبه، وتعيين ابنه الأصغر الشيخ سعود بن صقر، وجاء القرار بدعمٍ من إمارة أبو ظبي، التي أرسلت الدبَّابات للمدينة وفرّقت داعمي خالد المحتجين في الشوارع، في حادثةٍ أثارت التكهنات حول أسباب عزله.
إحدى الروايات المنتشرة عن سبب عزل خالد، بحسب مجلة «فورين أفيرز» كانت مشاركته في مظاهرة شعبية اندلعت في رأس الخيمة معارضة الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وتذكر هذه الرواية أنّه أثناء المظاهرة قام خالد بإحراق العلم الأمريكي، وبسبب هذا التصرف، قرر والده عزله في 14 يونيو (حزيران) 2003، وقد نُفِي خالد إلى عُمان، ومنها خرج لينشط في بريطانيا والولايات المتحدة.
لكن قبل نفيه، عقدت صحيفة الشرق الأوسط لقاءً مع الشيخ خالد يوم 16 يونيو (حزيران) 2013 حول «ملابسات عزله»، وأعرب خالد عن اعتراضه على القرار، وطلب النجدة من دول مجلس التعاون لإيجاد تسوية مع والده للحفاظ على منصبه.
وبحسب خالد، فقد تم إعلامه بخبر العزل عن طريق عمه الشيخ حمد بن محمد القاسمي، الذي قدّم له خيارين: إما أن يخرج زوجته وأولاده من رأس الخيمة، وإمّا أن يُعزل، الأمر الذي يوحي بأن سبب عزله ربما يتعلق بزوجته.
واللافت للانتباه هو سؤال الصحفي عن مطالبات خالد بالمشاركة السياسية في الإمارة، فقد طالب خالد بمجلس استشاري في حكومة رأس الخيمة، وكان جوابه دبلوماسيًّا حين سئل عمَّا إذا كان يريد مجلسًا منتخبًا، فقال إنّه «من الخطأ البدء بالانتخاب، فلا بد من فترة انتقالية»، وأضاف: «دعوت إلى مجلس وطني منتخب على مستوى الدولة الاتحادية»، أي على مستوى الإمارات.
ومن بين الروايات الثلاثة، تبدو الأخيرة هي الأقرب للحقيقة.
خالد القاسمي يجنِّد محاميًا بريطانيًّا وشركات ضغط أمريكية في صراعه مع أخيه
بعد عزله من ولاية العهد، انتقل خالد للعيش في عُمان ومن ثم إلى المملكة المتحدة، حيث بدأ محاولات استعادة منصبه من المنفى.
عمل خالد مع محامين وجماعات الضغط في كل من بريطانيا وأمريكا، لتنسيق اجتماعات مع مسؤولين في الحكومة الأمريكية، لتشويه سمعة أخيه، طالبًا دعمهم ونفوذهم. وكانت الإستراتيجية التي اتبعها هي زعزعة استقرار النظام في الإمارة عن طريق «الضغط الدولي».
وظَّف خالد المحامي البريطاني بيتر كاثكارت ليشرف على الجانب القانوني من عمله، وليصبح ذراعه اليمنى في عملية التواصل واستئجار شركات الضغط.
وفي يوليو (تموز) عام 2008، استأجر خالد شركة «كاليفورنيا ستراتيجيز – California Strategies» مقابل خدمات ترويجية لصورة الشيخ خالد، وتنفيذ حملات علاقات عامة، وخدمات تطوير موقع إلكتروني وإدارة حسابات التواصل الاجتماعي، وخدمات تواصل حكومي لتنسيق اجتماعات للشيخ خالد مع مسؤولين حكوميين. ووقَّع على العقد جاسون كيني، شريك في شركة كاليفورنيا، وعمل سابقًا مستشارًا إستراتيجيًّا للديمقراطيين في مجلس شيوخ ولاية كاليفورنيا.
ونسَّقت الشركة اجتماعات للشيخ خالد مع مسؤولين حكوميين، لتعريفه عليهم، وليتحدث عن قلقه وخوفه من النفوذ الإيراني في ولاية رأس الخيمة، وقدمت الشركة نيابة عن الشيخ خالد هدية لمجموعة من أعضاء الكونجرس، أبرزهم الديمقراطية نانسي بيلوسي، وهي خريطة للشرق الأوسط.
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، تعاقد الشيخ خالد بن صقر القاسمي مع شركة «بي كاي إس إتش وشركائها – BKSH & Associates» عن طريقة شركة «كاليفورنيا ستراتيجيز».
ويظهر في الوثيقة المنشورة على موقع وزارة العدل تعريف الشيخ خالد لنفسه بـ«ولي عهد رأس الخيمة». وقدَّمت الشركة بموجب العقد، خدماتٍ تنسيقية لاجتماعاتٍ مع مسؤولين في الحكومة الأمريكية، ومراقبة واستقصاء حول بعض القضايا التشريعية. ورئيس شركة «بي كاي إس إتش» هو سكوت باستريك، الذي عمل سابقًا مستشارًا في حملة هيلاري كلينتون عام 2008.
وفي نهاية عام 2008، نسّقت الشركة اجتماعًا مع بيري كاماك، مسؤول مكتب السيناتور جون كيري في لجنة العلاقات الخارجية، واجتماعًا مع ألان ماكوفسكي وماثيو زويج، موظفين في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، واجتماعًا مع جين ستيوارت، مستشارة العلاقات الخارجية للنائب الجمهوري جون بويهنر، المتحدث باسم مجلس النواب.
وقد بلغت المدفوعات للشركة 152 ألف دولار من يناير (كانون الثاني) إلى يونيو (حزيران) 2009.
بعد نجاح برنامج التنمية في إمارة دبي، وصعودها لتصبح مركزًا عالميًّا للاستثمار والسياحة، بدأت برامجُ تنموية على مستوى جميع الإمارات، ويبدو أنّ برنامج التنمية الذي أشرف عليه سعود، أخُو خالد، لم يحقق ذلك النجاح المبهر، ووجد خالد في هذا مساحة لشن حملة علاقات عامة في عام 2009، لإقناع المجتمع الدولي بضعف أخيه سعود وفشله في إدارة الإمارة.
ولكنّ ما هو أخطر، خاصةً لأمريكا، كانت الحملات التي شنّها خالد على أخيه سعود وربط اسمه بطهران، ففي ذلك الحين كان البرنامج النووي الإيراني مسألة تثير القلق في واشنطن.
نائب سعود، رجل أعمال لبناني شيعي لديه مصالح تجارية كبيرة في رأس الخيمة، ولديه ارتباطات استثمارية مع إيران، في حملة خالد ضد أخيه قال إن رجل الأعمال الإيراني نقل موادًا نووية عبر ميناء رأس الخيمة إلى طهران، وتداول الإعلام المحلي شائعات مفادها أنّ محاولات تفجير برج خليفة عام 2009 كان مصدرها من رأس الخيمة.
وحاول خالد شن حملة تشير إلى وجود نشاط للقاعدة في رأس الخيمة، ومثل هذه الحملات ستشعر الحكومة الأمريكية بالقلق خاصةً أنّ مروان الشيهي، أحد منفذي هجمات سبتمبر، كان من رأس الخيمة.
كان خالد يُحاول التواصل وتوثيق علاقاته مع فريق أوباما، فقد حضر حفل تنصيب وأداء اليمين الدستوري للرئيس أوباما، ووجَّه من هناك رسالة إلى شعب رأس الخيمة. وفي منتصف عام 2009، تبرعت شركة «كاليفورنيا ستراتيجيز» لحملة باراك أوباما بـ2500 دولار، وأنشأت الشركة موقعًا على رابط: «www.rakforthepeople.com»، وحسابًا على تويتر، ووضعت دعايات ترويجية على الحافلات في واشنطن للشيخ خالد.
وأيضًا من خلال شركة «كاليفورنيا ستراتيجيز»، تعاقد الشيخ خالد مع شركة «ميركوري بابليك أفيرز – Mercury Public Affairs»، مقابل خدمات تنسيق اجتماعات مع مسؤولين أمريكيين، بلغت المدفوعات للشركة من سبتمبر (أيلول) 2009 حتى فبراير (شباط) 2010، 201 ألف دولار.
ووفقًا لوثيقة سربتها «ويكي ليكس»، فقد اجتمع الشيخ خالد في مارس (آذار) 2010 مع السفير الإسرائيلي لبريطانيا، رون بروسور، وطلب منه مساعدته في حملته لاستعادة الحكم في رأس الخيمة. وعقد الاجتماع في لندن، وتبعه تواصل عبر الهاتف قدم فيه السفير المشورة.
دقَّت ساعة الحسم.. الحاكم الأب يتوفى وفراغٌ في السلطة لساعات
في نهاية عام 2010، ساءت صحة الشيخ صقر ودخل للعلاج في مستشفى أبو ظبي، وعندها سمحت أبو ظبي بعودة خالد لزيارة والده. وجاء اليوم المنتظر في 27 أكتوبر (تشرين الأول) 2010 عندما أُعلن عن وفاة الشيخ صقر، حاكم إمارة رأس الخيمة، والذي استمر في حكمها لمدة 62 عامًا. كان هذا هو اليوم المنتظر بالنسبة لخالد، ففي هذه الساعات الحاسمة كان عليه التحرُّك سريعًا ليستعيد كرسيَّه في حكم رأس الخيمة.
وفي هذا اليوم، نشرت وروجت شركة كاليفورنيا تعزيته في وفاة والده على صفحته في «يوتيوب»، وساعدت الشركة في ترويج إعلان للشيخ خالد في مناسبة وفاة والده، قال فيه إنّه عائد للاجتماع مع عائلته وأعضاء المجلس الأعلى للاتحاد لنقاش «رؤية مشتركة» لإمارة رأس الخيمة «وشعبها العظيم».
وقال الشيخ خالد بعد وفاة والده: «سأقبل التصويت الدستوري، وليس أي قرار مُتَّخذ من آخرين منتفعين اقتصاديًّا».
في الفترة نفسها، تحصّن الشيخ خالد في قصره وسط مجموعة كبيرة من الحراس المسلحين، فقد كان يظنّ أنّه حظي بدعم أبو ظبي عندما سمحوا له بحضور جنازة والده. ولكن في مساء ذلك اليوم، أعلنت وزارة الشؤون الرئاسية في أبو ظبي تعيين الشيخ سعود حاكمًا لإمارة رأس الخيمة، وبعدما عارض الشيخ خالد القرار، نشرت أبو ظبي قواتها واعتقلت حاشية الشيخ خالد، ومنذ ذلك الحين انقطعت أخباره عن الإعلام الدولي والعربي.
وانتهت العلاقة بين الشيخ خالد وشركة «كاليفورنيا ستراتيجيز» يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2010، وبحسب وثائق الشركة على موقع وزارة العدل التابع لقانون فارا، بلغت المدفوعات 746 ألف دولار أمريكي منذ استئجار القاسمي للشركة منتصف عام 2008، وكانت هذه المبالغ تدفع عن طريق المحامي البريطاني كاثكارت.
هذا التقرير جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.