حتى العرب مشاركون: دول صنعت مجد دول أخرى
كانت تلك كلمات أحد السياسيين الفرنسيين اعتراضًا على فوز منتخب بلاده بكأس العالم 1998، وصدقًا نحن لا نعلم هل كانت هذه هي بداية استخدام مصطلح «الصياح» أم لا؟ على اعتبار أن لقب المنتخب الفرنسي هو الديوك.
المهم، وفقًا لمصطلحات التواصل الاجتماعي الحالية فإن محاولة مناقشة استحقاق الفريق الفائز تسمى صياحًا، حتى وإن كنت تحاول مناقشة الأمر من منظور سياسي وليس رياضيًا.
لكن بعد معارك رياضية كثيرة، اتضح لنا أن عالم المنتخبات والتمثيل الدولي يمنحك شيئًا إضافيًا يمكنك الاستعانة به أثناء الصياح. فأنت لست مضطرًا للاكتفاء بمناقشة تفاصيل تحقيق الفوز من حيث طريقة اللعب، أو حالات تحكيمية أو ما شابه، بل بإمكانك التشكيك -قولاً واحدًا- في الأدوات التي تحقق بها الانتصار.
بينما أنت تشاهد الأولمبياد، أو كأس العالم، أو كأس أمم أوروبا، فإنك ستصطدم بعشرات المجنسين، الذين يمثلون بلدًا غير بلدهم الأصلي. وبغض النظر عن الدوافع، إلا أن الصورة النهائية خلفت لنا دولاً صنعت مجدًا لدول أخرى، سنعرفك إلى بعضهم وسنمر بك على منطقتنا العربية لترى أين وصلنا في هذا السباق.
أمريكا الجنوبية وإيطاليا
إنجاز فرنسا الذي أثار حفيظة السياسي «جين ماري لوبين»، تكرر بنفس تفاصيله في 2018، حتى أننا كجماهير قد اعتدنا على رؤية منتخب فرنسا المختلط، لكن هل لاحظت أمرًا شبيهًا -ليس بنفس القدر- في منتخب إيطاليا الفائز بيورو 2020؟ ضمت قائمة المدرب «روبيرتو مانشيني» ثلاثة لاعبين من مواليد البرازيل، اثنان منهم كانا أساسيين في المباراة النهائية، جورجينيو وإيمرسون بالميري (الظهير الأيسر)، بالإضافة لـرافائيل تولوي (قلب الدفاع).
احتلت إيطاليا في يورو 2020 المركز قبل الأخير من حيث عدد اللاعبين الحاملين لجنسيتين فأكثر، برصيد 3 لاعبين فقط، في حين كانت بولندا صاحبة المركز الأخير برصيد صفر. لذا، لا يمكن اعتبار إيطاليا ضمن فئة فرنسا وسويسرا وإنجلترا (حاليًا)، لكن علاقتها بلاعبي أمريكا الجنوبية كانت تستحق الخروج للعلن.
يعود الأمر لفترة حكم الفاشي «موسوليني»، والذي قاده الهوس لتنظيم كأس العالم 1934 بهدف التتويج به وتحقيق انتصار رياضي يضاف لإنجازاته -وهو ما حدث بالفعل. قيل إنه كان مسئولاً عن تقسيم الفرق واختيار الحكام، وهدد لاعبيه في النهائي أمام المجر بالرسالة الشهيرة «النصر أو الموت». لكن بخصوص ما نتحدث عنه، فإنه أصدر قرارًا بضم أي أرجنتيني من أصول إيطالية للأتزوري.
وهو ما نتج عنه انضمام الخماسي: لويس مونتي ورايموندو أورسي وإنريكي غوايتا وأتيليو ديماريا وأنفيلوجينو جاريزي، الذين قد شاركوا سابقًا في المنتخبات الوطنية للأرجنتين والبرازيل.
بحسب موقع «Planet Football» فإن إشراك لاعبي أمريكا الجنوبية استمر على مدار العقود الثلاثة التالية، ثم انقطع لسنوات طوال حتى عاد مع الأرجنتيني الأصل «كامورانيزي» بطل كأس العالم 2006.
بولندا وألمانيا
في النهاية، لم يكن أحدًا من هؤلاء سوى عضو فاعل ضمن منتخبات إيطاليا، لكن لم يسجل اسمه كأحد أبرز النجوم التاريخيين للمنتخب، كما حدث مع زين الدين زيدان (الجزائري) في منتخب فرنسا، أو أوزيبيو (الموزمبيقي) أسطورة البرتغال، وكذلك الهداف التاريخي لبطولة كأس العالم، ورفيقه.
إن طلبت منك تذكر بعض أسماء الجيل الذهبي لألمانيا بين عامي 2006 و2014، فإنك بالتأكيد ستذكر الثنائي «ميروسلاف كلوزه» و«لوكاس بودولسكي»، بل إن الثنائي اشتهر بتألقه على المستوى الدولي بشكل لافت، مقارنة بمسيرتهما مع الأندية، لكنك ستكتشف في الأخير أن الثنائي ليسا من أصل ألماني.
كان والد «كلوزه» قد لعب كرة القدم في دوري الدرجة الثالثة البولندي، بينما لعبت والدته البولندية الكرة الطائرة، ومثلت بلدها في 62 مباراة.
كان «ميروسلاف» يتعلم النجارة قبل أن تبدأ مسيرته الكروية في الازدهار. في سن 21، كان «كلوزه» ما زال يلعب في الدرجة الخامسة بألمانيا، حتى تم رصده كشافة «كايزرسلاوترن» وسجل أول ظهور له في البوندسليجا في أبريل 2000.
في عام 2001، حاول المدرب البولندي آنذاك «جيرزي إنجل» إقناع «كلوزه» بتمثيل بولندا -بلده الأصلي- وسافر إلى ألمانيا خصيصًا لذلك، لكن الهداف التاريخي لكأس العالم برصيد 16 هدفًا اختار تمثيل منتخب المانشافت مع المدرب «رودي فولر».
أما عن «لوكاس بودولسكي» فلا تختلف قصته كثيرًا عن كلوزه، حيث ولد لوكاس في «جليفيتشي» ببولندا، وكان مهتمًا بتمثيل وطنه قبل أن يرفضه مدرب المنتخب الوطني آنذاك «باول جاناس» في عام 2003. ورغم مسيرة بودولسكي المتذبذبة مع الأندية، أعطاه «يواكيم لوف» فرصة الانضمام لمنتخب ألمانيا ومنحه مركزًا أساسيًا في كأس العالم 2006، ونال جائزة أفضل لاعب شاب في البطولة.
بالطبع، محاولة تخيل ذلك الجيل من منتخب ألمانيا بدون الثنائي البولندي تبدو صعبة، لكن دعنا نزيدك من الشعر بيتًا بإعلامك أن دولاً كألمانيا وإنجلترا صارت أكثر اهتمامًا بحاملي الجنسيات المزدوجة، وتهدف لرصدهم وضمهم لمنتخباتها في سن صغيرة، وادعاء أن النظام الأفضل يجذب المواهب الأفضل وكأنها منافسة بين أندية وليست منتخبات، لكن هل يمكن للدول العربية الظهور وسط هذه المنافسة؟
أفريقيا والعرب
ظهر العرب في مشهد غريب بأولمبياد طوكيو 2020، عندما فوجئ المشاهدون بلاعب جودو مصري الأصل يدعى «شادي النحاس» يلعب باسم كندا، يواجه لاعبًا روسيًا يدعى «إيفان رومانكو» الذي كان يلعب باسم الإمارات العربية المتحدة.
ورغم ما ناله المشهد من سخرية، إلا أن المنافسات الفردية كالجودو والجري ورفع الأثقال وما شابهها، هي الساحة الأنسب التي تسمح بظهور العرب في منافسة التجنيس واستخدام أبناء دول أخرى لتحقيق مجد رياضي، حيث يبدو المشوار أكثر سهولة منه في الألعاب الجماعية.
مع ذلك كان لمنتخب تونس على مستوى كرة القدم ظهور لافت في ذلك الصدد، عندما فاز بكأس الأمم الإفريقية، الوحيدة بتاريخه في عام 2004، وكان أحد هدافي البطولة هو مهاجم نسور قرطاج، البرازيلي «فرانسيلودو سانتوس».
وبالطبع، لا يمكننا مغادرة الألعاب الجماعية بدون المرور على منتخب قطر الفائز بكأس أمم آسيا في 2019، حيث ضم أكثر من لاعب من أصول غير قطرية. لكن يظل الأكثر تطرفًا هو منتخب قطر لكرة اليد، الذي حقق أفضل إنجاز عربي في تاريخ كأس العالم، بالوصول للمباراة النهائية بنسخة 2015 ونيل الميدالية الفضية، بمنتخب يضم 5 لاعبين فقط من أصول قطرية.
نالت تلك الإنجازات حقها من الطرح والانتقاد إعلاميًا، لكن ما يحدث في الألعاب الفردية لا يخرج للعلن كثيرًا، باعتبار فارق الشعبية.
في تقرير لشبكة «CNBC» الأمريكية عقب أولمبياد «ريو دي جانيرو» 2016، كشفت عن تصدر البحرين لقائمة المُجنسيِن، على مستوى ألعاب القوى وسباقات المضمار بين عامي 2012 و2016.
أمر مفاجئ بالطبع، لأن البحرين تصدرت القائمة على حساب الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا، برصيد 45 متسابقًا (18 من كينيا، 17 من أثيوبيا، 5 من المغرب، 2 من نيجيريا). وكانت النتيجة (في أولمبياد ريو) تحقيق البحرين لميدالية ذهبية في سباق 3000 متر موانع بفضل الكينية «روث جيبيت»، وفضية الماراثون بفضل مواطنتها «يونيس كيروا».
ذكرنا تقرير «CNBC» أيضًا بشراء قطر في عام 2000 لفريق رفع الأثقال البلغاري كاملاً (من نجا منهم بعد قضية المنشطات)، حيث تمكن «أنجيل بوبوف» من منح قطر ميدالية برونزية في أولمبياد سيدني 2000، حيث كان يلعب باسم أسعد سعيد سيف! ثم يزداد الأمر طرافة عندما تعلم أن أول ذهبية أولمبية في تاريخ البحرين، أحرزها العداء المغربي «رشيد رمزي»، وأول ذهبية بتاريخ قطر، كانت للربّاع المصري «فارس حسونة».
مع هذا المشهد المربك، سواء في كرة القدم أو الألعاب الفردية، فإن التمثيل الدولي تحول إلى سوق مفتوح، من يمتلك القدرة على التخطيط ودفع الأموال، سيتمكن من قنص المواهب من الدول الأفقر منه، لا يهم من يحفظ النشيد الوطني أو يشعر بالانتماء للبلد الذي يمثله، فالأمر ببساطة عرض وطلب، عززه جشع البعض لإثبات تفوقهم من ناحية، وتفوق آخرين في الفساد وإهدار المواهب من ناحية أخرى.
اقرأ أيضًا: سيناريو تخيلي: ماذا لو لعب «فارس حسونة» باسم مصر؟