6 أسباب تجيبك: هل يختفي الدين من حياتنا؟
وقبل الفزع والحميّة، هل سألت نفسك عن صحة الرقم أو خطئه؟
سواء أجبت بنعم أو لا، فيجب أن تعلم أنه رغم قلة المعترفين بالإلحاد علناً، ورغم إنكاره وتقزيم أثره من أهل الديانات، فإن انتشار ظاهرة الإلحاد عالمياً أمر ملموس، قد يثير القلق والتساؤل حول مستقبل الدين والتدين في العالم.
وفي حين أن الملحدين – حتى الآن – لا يمثلون الأغلبية، إلا أن زيادة أعدادهم تنذر بأن يصيروا أغلبية في يومٍ ما، فهل يمكن – حينها – أن يصبح الدين أثراً من الماضي؟
قبل أن تجيب، خذ نفساً عميقاً، واستعد للأرقام المفزعة التالية.
نسب الإلحاد
في نوفمبر/تشرين الثاني 2013 زعمت «BBC» أن مصر بها حوالي 3 ملايين ملحد، مستشهدة بمقال لحلمي النمنم، وزير الثقافة السابق، يرى فيه أن «الملحدين في مصر بالملايين»، ورداً على ذلك قام مرصد الفتاوى التكفيرية (التابع لدار الإفتاء المصرية) بنشر أخبار في 2014 عن إحصاء يزعم أن مصر بها 866 ملحداً، ورغم ضآلة الرقم فإنه يضع مصر في المرتبة الأولى عربياً.
وفى نفس العام، أعلنت وسائل إعلام سعودية عن دراسة تزعم أن نسبة الإلحاد في السعودية بلغت 5%، مقابل 75% من المتدينين، و19% يرون أنفسهم غير متدينين، وهي بذلك تعد أول بلد إسلامي يتجاوز فيه الإلحاد حاجز 5%.
وقد تضاعفت نسبة الملحدين في الولايات المتحدة، التي تتصدر عملتها الرسمية عبارة «IN GOD WE TRUST – نحن نثق في الله»، فقد أعلنت دراسة لمركز «بيو» للأبحاث عام 2014 أن 3.1٪ من البالغين الأمريكيين قالوا إنهم ملحدون، عندما سئلوا عن هويتهم الدينية، وذلك بعد أن كانت النسبة 1.6٪ عام 2007.
ووفقًا لدليل أكسفورد للإلحاد في 2015، فإن هناك ما يقرب من 500 مليون شخص (7٪ من البالغين) غير مؤمن بالله عالمياً، ووفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة «جالوب» الدولية، لأكثر من 50 ألف شخص، في 57 بلداً، فقد ارتفع عدد الملحدين بنسبة 3٪، لتصل إلى ما يقارب 13٪ عالمياً، في حين انخفضت أعداد المتدينين من 77٪ إلى 68٪، بين عامي 2005 و2011.
ووفقًا لمركز «بيو» للأبحاث، فإن غير المتدينين بشكل عام حوالي 1.1 مليار شخص (16.5٪ من البالغين)، وهذا ما يجعل من «غير التدين» ثالث أكبر ديانة في العالم – إذا جاز التعبير – بعد المسيحية أولاً، والإسلام ثانياً، وقبل الهندوسية والبوذية واليهودية.
مثل هذه التقارير والأبحاث تتوقع أن تكون نسب غير المتدينين في المستقبل أكثر من أي ديانة أخرى، خاصة وأن نسبتهم مرتفعة في العديد من الدول حالياً، وتقارب نصف عدد السكان.
الأرقام مفزعة، ولكن
رغم ما تثيره هذه الأرقام والنسب من تساؤلات ومخاوف، فإنها تبقى غير دقيقة؛ لأنه من الناحية العملية يصعب إجراء دراسات إحصائية دقيقة حول عدد الملحدين، أو غير المتدينين؛ في ظل أن عدم الإيمان في العديد من البلدان يُعتبر أمراً مرفوضاً أخلاقياً، أو معيباً اجتماعياً، أو مخالفاً قانونياً، لذلك يلجأ الكثيرون إلى إخفاء عدم تدينهم، أو رفض التصريح به، لذا فمن العسير الوصول إلى أرقام دقيقة عن عدد الملحدين في العالم.
هذا فضلاً عن أن تقدير العدد الدقيق أمر معقد؛ فبعض الذين يصفون أنفسهم بالملحدين يؤمنون بوجود إله أو قوة روحية عليا، كما أن بعض المنتمين للإسلام أو المسيحية أو اليهودية غير متدينين، هذا بخلاف عدد غير قليل لا يدري الفارق بين المتدين وغير المتدين، فيجيب عن سؤال هويته الدينية بـ «لا أدري»، وهو ممن يطلق عليهم الباحثون «اللاأدريين».
لذا فالأمر الوحيد الذي تؤكده هذه الأبحاث هو أن نسبة غير المتدينين تقابلها نسبة من المتدينين، حتى وإن كانت النسبة الأولى هي الأكبر. ولكن يبقى السؤال: لماذا يزداد الإلحاد؟
في ظل ذلك: ما الذي يطمئننا؟
معظم المجتمعات ذات النسب العالية من الملحدين أو اللاأدريين تسير بشكل جيد نسبياً، لذا فإن المخاوف من انتشار الإلحاد تبقى تحت السيطرة، خاصة وأن نسبة الزيادة لا تزال غير مقلقة، مع الأخذ في الاعتبار أن وصول الملحدين للأغلبية يمكن أن يشكل خطراً على المجتمعات الأصولية، أو التي تتمسك بتقاليد الدين.
وسياسياً، فإن الجدال حول التيارات السياسية الإسلامية، ومواد الدستور المتعلقة بالدين، هو أمر يدعم وجود الدين، فكما أن لهم معارضين، في المقابل يبقى لهم مؤيدون، إلى جانب أن النظم العربية الحاكمة المدعومة من السلطة الدينية، تؤيد جانب الدين لأسباب سياسية، كما أن الحروب والنزاعات العسكرية – خاصة في الدول العربية – تزيد من تواجد الدين على الألسنة، وفي المجتمعات، وبين ثنايا الأفكار والأطروحات، وفي مقابل موجات الاستهزاء والسخرية من الدين والأنبياء، وحظر مظاهر التدين أو حظر سفر المتدينين لأوروبا والولايات المتحدة، نجد موجات مضادة لذلك.
وقبل ذلك فإن قوة العقيدة الدينية تبقى أمراً لا يستطيع الإنسان مغالبته، أو الهرب منه، أو التحكم فيه بسهولة، في ظل اعتبار الأخلاق – التي يدعمها الدين، ويدعو إلى التحلي بها – سلوكاً من سلوكيات المجتمعات، في الماضي والحاضر والمستقبل، ويدعم ذلك أن وجود الملحدين والكفار على مر العصور لم يُحجِّم من انتشار الدين أو يقضي على وجوده، إذ لا تزال نسب المتدينين هي الأعلى.
إلى جانب ذلك فإن افتقار العلوم للجانب الروحي، الذي يظل أكثر التصاقاً بحياة الإنسان وتفكيره، تجعل حاجة الإنسان للدين ضرورية، في ظل أن العلوم بمفردها لا تكفي، ولا تصلح لأن تكون بديلة للدين، ولا تستطيع أن تغني عنه؛ فالعلوم لا تعرف شيئاً عن الحق والعدل والأخلاق، ولا تستطيع أن تفسر لماذا نحن هنا، وما الحكمة من وجود هذا الكون بهذا الشكل؟
بل إن العلوم والتكنولوجيا يتم توظيفها أحيانا لخدمة الدين، فأجهزة الصوت والفيديو متوفرة بدور العبادة، وخطب الشيوخ وعظات القساوسة تذاع بالصوت والصورة في جميع أنحاء العالم، والقنوات الفضائية – عربية وعالمية – لا تخلو من الدعوة والدعاة، والإنترنت ومواقع التواصل يزدحمون بالأفكار والفتاوى والموضوعات الدينية، بكل اللغات.
ومع تنامي الاكتشافات العلمية، والبحث في خلق الإنسان، وأسرار الكون، والمجرات، والثقوب السوداء، والانفجار الكوني العظيم، تتنامى دعوات الإيمان والتدين، وليست ببعيدة تلك المناقشات التي تلت وفاة العالم الشهير ستيفن هوكينج.
لماذا يبقى الدين؟
فيل زوكرمان، أستاذ علم الاجتماع بكلية بيتزر بكاليفورنيا.
1. من البديهي أن ارتفاع عدد الملحدين لا يعني نهاية الإيمان، كما أن انخفاض عدد المتدينين لا يعني انتهاء الدين، ومن البديهي أيضاً أن الدين يحقق نجاحاً كبيراً في إدامة نفسه، وإن لم تكن له القدرة على ذلك، فما تفسير وجوده معنا الآن؟
2. المعاناة والمشقة يمكن أن تؤجج مشاعر التدين؛ فالناس يريدون الهروب من المعاناة، وإذا لم يتمكنوا من ذلك، فإنهم يريدون أن يعرفوا المغزى من تعرضهم لها، ومن تحملهم إياها، ولسبب ما، يبدو أن الدين يعطي معنى للمعاناة، أكثر من أي مثيل أو اعتقاد علماني نعرفه. إلا أن المعاناة والمشقة قد تدفع الناس إلى التدين، وقد تدفعهم إلى الإلحاد، ففي عام 2011، ضرب زلزال هائل نيوزيلندا، تبعه ارتفاع مفاجئ لعدد المتدينين من الذين عانوا من هذا الحدث، في حين انخفضت أعداد المتدينين في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
3. البشر يريدون أن يؤمنوا بأنهم جزء من شيء أكبر، خاصة وأن الحياة ليست مجدية، لذا فإن عقولنا تتلهف الغرض والتفسير، ورغم أن التعليم والعلم قد يبعدان الناس عن الثقة في الحدس، فإن الحدس يظل موجوداً داخلنا بقوة، والبشر يثقون في حدسهم كثيراً.
4. الدين يعزز التعاون والتماسك الجماعي؛ فوجود إله يراقب أي شخص قد يساعد على الحفاظ على النظام في المجتمعات، فإذا اعتقد الجميع أن العقوبة حقيقية فإن ذلك يمكن أن يكون فعالاً، وحتى أفضل حكومة علمانية لا تستطيع حمايتك من كل شيء، وبمجرد أن نواجه أزمة بيئية، أو حرباً نووية عالمية، أو تصادم مذنب، سيظهر الإله، وذلك حين ندعوه ليرفع عنا البلاء والوباء.
5. إذا كانت النسبة الأقل في أوروبا والولايات المتحدة ترى أن الإيمان ليس ضرورياً للتحلي بالأخلاق، فإنه في العديد من أنحاء العالم الأخرى،يقول الجميع تقريباً إن الشخص يجب أن يؤمن بالله ليكون أخلاقياً.
6. البحث عن الذات، والأصل، والخلق، والتهيئة، تعد غرائز فطرية تولد مع البشر، وتتطور مع حياتهم، وتجعل الدين يرتبط بالموروثات الثقافية، والتاريخية، إذن فعلى الملحدين أولاً أن يحاولوا تغيير المعتقدات الثقافية للبشر، بعدها سيبذلون جهداً كبيراً في الإقناع والتفسير بشأن اللادين، وهذا أمر يبدو صعباً للغاية.
لذا لسنا في حاجة إلى حملات حكومية لمكافحة الإلحاد، أو حرب على الإلحاد، أو حبس واعتقال وإعدام المجاهرين بذلك، كما لسنا في حاجة إلى مبادرات من الأزهر لتسليح الشباب بالحجج العلمية في وجه الادعاءات الإلحادية، أو اعتبار الإلحاد قضية أمن قومي، والدين خط أحمر، فالأمر لا يحتاج نقاشات، واستضافات لملحدين بالبرامج ثم طردهم على الهواء، بل كل ما علينا فعله هو معرفة أسباب قوة الدين، وعوامل استمراره، ومن ثَمَّ العمل على تدعيمها وتقويتها، مما قد ينهي حالة الجدل حول الإلحاد، لذلك فقد قال لكم محمد: «المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف»، وقال لكم يسوع: «لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم».