رغم كثرة البطولات التي كانت خلال وقبل حرب أكتوبر 1973، فإن الأفلام المصرية التي قُدمت عنها عددها قليل، والجيد منها أقل. نشاهد سنويًا فيلمًا أو أكثر عن الحرب العالمية الأولى أو الثانية، سواء أفلام تدور في أجواء الحرب نفسها، أو على هامشها، وفي كل مرة نتساءل، متى سنشاهد أفلامًا مماثلة عن حرب أكتوبر؟

العقبة الأصعب لصناعة هذا النوع من الأفلام هي الإنتاج، فحتى يخرج الفيلم بصورة لائقة، سيحتاج إلى تصميم وتنفيذ ملابس، وعدد كبير من المجاميع، بجانب خدع الكمبيوتر والانفجارات الضخمة، وبعض القطع الحربية مثل الطائرات والدبابات.

بناء على ما قاله منتج الفيلم هشام عبدالخالق، فقد تجاوزتميزانيةالفيلم100 مليونجنيها، وهو الرقم الأكبر في السينما المصرية. إذن اطمأننا لوجود إنتاج ضخم.

عندما يوضع هذا الإنتاج في يد مخرج كبير هو شريف عرفة فإننا نزداد اطمئنانًا بالتأكيد، يتبقى أن يحول سيناريست جيد واحدة من القصص المثيرة للحرب إلى سيناريو مشوق على خطى الكثير من الأفلام الحربية التي تُصنع سنويًا.

كتب سيناريو الفيلم أيضًا شريف عرفة، وشاركه في كتابة الحوار الشاعر أمير طعيمة. الأول يشارك في كتابة القصة السينمائية لأفلامه الأخيرة لكنه لم يكتب سيناريو فيلم كامل وحده من قبل، والثاني شاعر ليس له خبرة في كتابة الأفلام السينمائية، ولكن ربما نشاهد شهادة ميلاده كمؤلف في هذا الفيلم.

في أحد مشاهد الفيلم تقول إحدى الشخصيات: «مبتفرجش غير على أفلام حربية»، لكن بعد نزول تترات النهاية سنشعر أن العبارة السابقة لم يلتزم بها كاتبا الفيلم، وأن المخرج شريف عرفة كان عليه أن يعيد مشاهدة أفلامه هو شخصيًا قبل صناعة «الممر».


مافيا: رسم الشخصيات

https://www.youtube.com/watch?v=hfGRSJVrlc8

في الأفلام التي تعتمد على فريق مكلف بمهمة محددة، جرت العادة أن تكون لكل شخصية صفات ومميزات واضحة، فلا يمكن الاستغناء عن هذه الشخصية، وكلما كان السيناريو محكمًا أكثر، كانت تفاصيل الشخصية واضحة وتأثيرها كبير.

لدى شريف عرفة تجربة مهمة هي فيلم «مافيا»الذي كان لكل شخصية ثانوية فيه تأثير واضح، فشاهدنا قائدًا للعملية ومدربة قتالية ومتخصص في الكمبيوتر، ولا مانع أن يجمع كل منهما صفتين، فنقلل عدد الشخصيات ونضفي على كل شخصية بعدًا آخر، فمتخصص الكمبيوتر هو شخصية خفيفة الظل وهو المسؤول عن صناعة الكوميديا في الفيلم، والمدربة القتالية هي أيضًا طبيبة نفسية. فماذا عن «الممر»؟

تبدأ أحداث الفيلم مباشرة من النكسة عام 1967، ثم نتابع تكليف ضابط الجيش نور (أحمد عز) بتكوين فرقة لتدمير أكبر معسكر احتياط للجيش الإسرائيلي في سيناء، كواحدة من عمليات حرب الاستنزاف في عهد الرئيس جمال عبد الناصر.

لدينا المهمة الرئيسية ولدينا عدد من الجنود الذين يركز عليهم الفيلم، فمن منهم كان له تأثير حقيقي؟ سنجد أهمية لشخصية هلال (محمد فراج) المجند القناص الذي يلعب دورًا مهمًا في أثناء عمليات المواجهة مع الإسرائيليين، وبعيدًا عن المجندين هناك بو رقيبة (محمد جمعة) البدوي السيناوي الذي كان دليلًا للجنود في الصحراء، لكن ماذا عن الباقين؟

لدينا عامر (أمير صلاح) النوبي، الذي يقتصر دوره في الفيلم على إظهار مشاركة كل أبناء مصر في الحرب، من الشمال إلى الجنوب، ولدينا عامر (محمود حافظ) الذي لم يكن له دور أبرز من تبادل النكات مع الصحفي إحسان (أحمد رزق) المصاحب للفرقة العسكرية. وهذا الأخير، رغم أهمية دوره كمصور للعملية، لكن الشخصية كانت مكتوبة بشكل هزلي مبالغ فيه، نجح أحمد رزق في أدائها بشكل كوميدي بالفعل، لكنها تبدو خارج سياق الفيلم في أغلب مشاهدها.

حتى التأسيس لبعض هذه الشخصيات لم يتعد تكرارًا لمشاهد شاهدناها من قبل في الكثير من الأفلام المشابهة، فنشاهد أحمد (محمد الشرنوبي) في مشهد يرقص فيه مع خطيبته ويتبادلان عبارات الحب، ثم مشهد لاحق يترك فيه خطيبته لأنه لا يعلم متى سيعود من التجنيد ولا يريد أن يربطها به. بالمناسبة لم نجد أيضًا لأحمد أي تأثير إلا في النهاية عندما تعامل مع جهاز الاتصال بالقيادة، وهو ما غاب عن كاتبي الفيلم تأسيسه بشكل واضح في البداية.

لم تكن المشكلة هنا هي تواجد كل هؤلاء دون تأثير فقط، بل في إضافة الكثير من الدقائق التي ليس لها تأثير حقيقي على قصة الفيلم والتي جعلت الفيلم يمتد قرابة الساعتين ونصف الساعة دون داعٍ.

مشاهدة هذه الشخصيات التي تجتمع لرسم صورة أن جميع أطياف مصر شعرت بالمرارة بعد النكسة ثم شاركت بكل بسالة في الحرب لإعادة الأرض، ما هو إلا إعادة تقديم لفيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي»الذي عرض عام 1974. لكننا في 2019، ولدينا مهمة صعبة تواجهها هذه الفرقة الصغيرة، إذن لنتابع هذه المهمة عن قرب.


الجزيرة: مشاهد الأكشن

من النقاط المهمة في أفلام الأكشن، ألا تتكتل مشاهد المعارك في النهاية، بل تُوزع على فصول الفيلم بشكل جيد، مع الإبقاء على المعركة الكبرى للنهاية بالطبع.

في فيلم «الجزيرة»لشريف عرفة، سنجد 4 معارك مع البطل، قدمت شيئين في غاية الأهمية. الأول، هو إشباع المشاهد الذي جاء باحثًا عن الأكشن، والثاني، وهو الأهم لصناعة فيلم جيد، أن كل معركة قدمت تحولًا مهمًا في الأحداث لم يكن سيحدث دونها، فالأمر ليس مجرد استعراض للعضلات أو التقنيات.

علي سبيل المثال، سنجد في أول مشاهد الأكشن بفيلم «الجزيرة» كيف نجح منصور في استعادة المخدرات الخاصة بأبيه، وبهذا اعتمد نفسه كخلفية لوالده بعد الرفض، وفي المواجهة الثانية، تقتل عائلة النجايحة عائلة الحفني، وهو ما ترتب عليه تحول كبير في الأحداث.

في «الممر»بالإضافة للمشاهد الافتتاحية الخاصة بضرب الطائرات الإسرائيلية للجيش المصري، سنجد 4 مواجهات أخرى بين الجنود المصريين والإسرائيليين، أولها، لم يؤد لأي نتيجة حقيقية، فلا هو أثر على المصريين، ولا شاهدنا استعدادات إضافية في المعسكر الإسرائيلي صعبت المهمة على نور وفريقه. النتيجة الوحيدة الواضحة لهذه المواجهة كانت ظهور شخصية فرحة (أسماء أبو اليزيد) التي أدت للمزيد من الضعف في معالجة الأحداث، إذ تقع بينها وبين هلال قصة حب من أول نظرة تحت نيران الحرب.

في أعمال المخرج شريف عرفة فيلم آخر تعرض للمواجهة مع الإسرائيليين بشكل واضح، وهو «ولاد العم»والذي كان فيه درس آخر لم يظهر في «الممر».


ولاد العم:الشخصية الشريرة

كلما كانت الشخصية الشريرة (Villain) قوية ومساوية أو تتفوق على البطل، كلما كانت المواجهة بينهما أكثر جاذبية. أي مشاهد لأفلام الأكشن يحفظ هذه القاعدة عن ظهر قلب، فما الممتع في مشاهدة البطل يتغلب على خصم ضعيف؟

في «ولاد العم» نجد اهتمامًا واضحًا برسم شخصية الضابط الإسرائيلي دانيال لتكون ندًا للبطل، فهو ينجح في تنفيذ خطته في البداية بل وينجح في الإيقاع بالضابط المصري في الثلث الأخير من الفيلم، وهكذا ترتفع حالة الترقب في انتظار المواجهة الأخيرة.

أداء إياد نصار لشخصية الضابط الإسرائيلي ديفيد في «الممر»كان هو الأفضل في الفيلم، لكن سيناريو الفيلم لم يساعده خاصة في الفصل الأخير. رغم ما نسمعه في البداية عن قوة المعسكر الذي يرأسه ديفيد، والذي يسعى فريق الجيش المصري لاقتحامه، فإن مشاهد الاقتحام نفسها كانت في غاية الضعف، الكثير من الانفجارات، ولقطات لكل جندي مصري ينفذ جانبًا من العملية دون مواجهة تذكر من الجانب الإسرائيلي، وكأننا نتابع مشهدًا في إحدى ألعاب الفيديو على المستوى السهل.

هذا الشكل من المواجهات السهلة تكرر حتى نهاية الفيلم، وجاءت المعركة الأخيرة أكثر بعدًا عن المنطق، وإخراج بعض المواجهات لم يكن على مستوى المخرج شريف عرفة على الإطلاق، رغم تكراره لبعض المشاهد من أفلامه السابقة، كحركة الكاميرا الدائرية حول الشخصيات وهم يحتمون خلف حواجز قبل المواجهة، في مشهد شبيه بما قدمه في «مافيا»، أو المعركة اليدوية بين البطل والشرير بشكل مشابه لما جاء في «ولاد العم»لكن تبقى الغلبة بشكل واضح للأفلام الأقدم.

يبقى درس أخير، يحفظه الجمهور عن ظهر قلب من أفلام شريف عرفة.


أفلامه مع وحيد حامد والحوار

يظهر اسم الشاعر أمير طعيمة في تترات الفيلم كمؤلف للأغاني ومشارك في كتابة حوار الفيلم، وفي الحقيقة لا نجد أي اختلاف في حوار الفيلم عن الكثير من الأفلام القديمة التي شاهدناها عن الحرب أو أي فيلم أو مسلسل يضم شخصيات إسرائيلية.

فلدينا عبارات مثل «انتوا إزاي بتدافعوا عن الأرض كأنكم واحد؟»،و«إنتوا مبتخافوش من الموت؟»،وعبارة من أحد الأسرى المصريين موجهة للجندي الإسرائيلي: «أنا وإنت عارفين إن حتى واحنا هنا إنت برضه خايف»، وبالطبع الكثير من العبارات عن أرض الموعد والتوراة، والتي جاءت بالنص تقريبًا في «ولاد العم».

قدم شريف عرفة ستة أفلام مع السيناريست وحيد حامد، أحد أفضل كتاب السيناريو في السينما المصرية، وهو المعروف بقدرته على صياغة جمل حوار تبقى طويلًا في ذهن المشاهد، وترتبط ليس بالفيلم وحده بل بالشخصية التي قالتها وهو ما لم يحضر في «الممر»بأي صورة.

قد يجد البعض في فيلم «الممر» بعض مشاهد الأكشن الجيدة غير المعتادة في السينما المصرية بالتأكيد، وهو ما يعيدنا إلى نقطة الإنتاج التي ذكرناها في البداية، وقد يجد فيه بعضهم أيضًا إضافة لأفلام حرب أكتوبر وقصص البطولات النادر تقديمها في مصر، لكنه في النهاية يبقى أقل مما يليق باسم شريف عرفة، وأقل بكثير مما يمكن تقديمه عن بطولات حرب أكتوبر.