كيف تحولت كوبا أمريكا من الشغف إلى الملل؟

لتونا انتهينا من مشاهدة نهائي ممل جديد يضاف إلى سلسلة ممتدة من النهائيات التي اعتادت البطولات القارية تقديمها في الآونة الأخيرة، هذه المرة كان الأمر أكثر سهولة، فمنتخب البرازيل صاحب الأرض والضيافة يواجه منتخب بيرو، وقد سبق لهما أن تواجها في نفس البطولة، وفازت البرازيل بخماسية نظيفة، فلك أن تتخيل حجم الإثارة والتشويق في هذا النهائي.

كانت تجربة البرتغال الرائدة في يورو 2016 ملهمة أسرع مما توقعنا، وشق منتخب بيرو طريقه بالمثل من المركز الثالث في دور المجموعات إلى النهائي، لكن من دون تفصيلة «سدد يا إيدير» لم تنتهِ التجربة الجديدة كسابقتها. المشهد الختامي كان معبرًا عن مجريات بطولة كوبا أمريكا، التي شعر العديد من متابعي كرة القدم أنها لم تلقَ الاهتمام المعتاد، أو أنها ببساطة ومن دون أن نشعر أصبحت مملة أكثر من اللازم.

الصدفة ضد التكرار

قد تظن أن موعد المباريات المتأخر في قارة أمريكا الجنوبية قد قلل من حدة اهتمام المشاهد العربي بالبطولة، لكن العالم لا يدور حولنا فقط، فالاهتمام العالمي بالبطولة أقل من المعتاد. وضعت الصدفة كوبا أمريكا 2019 في نفس الموعد مع أكثر من حدث رياضي، وبالتالي كانت التغطية الإعلامية مشتتة بينهم.

البداية مع كأس العالم لكرة القدم للسيدات، والذي انتهى بفوز سيدات أمريكا بلقبهم الرابع على حساب سيدات هولندا، وفي ظل دعوات المساواة بين الرجل والمرأة وهتافات «!Equal Pay! Equal Pay» التي تم ترديدها في المباراة النهائية، نالت البطولة اهتمامًا زائدًا ومتعمدًا.

وبالتوازي أيضًا أقيمت بطولات: الكأس الذهبية لمنتخبات أمريكا الشمالية، وكأس الأمم الأفريقية المقامة في مصر، وبطولة أمم أوروبا للشباب تحت 21 عامًا، ثم أضف لما سبق بطولة ويمبلدون العريقة للتنس، وصيف انتقالات هو الأكثر سخونة في تاريخ دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين «NBA». وبسبب اجتماع كل هذه الأحداث الرياضية، كان لزامًا على كوبا أمريكا أن تفرض نفسها على الساحة بتقديم ما يستحق المشاهدة، لكنهم لم ينتبهوا لمعضلة التكرار.

لم ينتبه الاتحاد القاري لأمريكا الجنوبية «كونميبول» أنه قد أقام نسخة للبطولة في عام 2015، ثم أتبعها بنسخة استثنائية في 2016 احتفالاً بمرور مائة عام على تأسيس الاتحاد، ثم عاد وأقام النسخة الحالية في 2019، وستنتدهش بالطبع عندما تعلم أن نسخة البطولة القادمة ستكون في عام 2020، تمهيدًا لنقل موعد البطولة من الأعوام الفردية إلى الزوجية لتقام في نفس مواعيد بطولة اليورو.

فتحول ما كان يهدف به الاتحاد لزيادة موارده، إلى قتل التشويق الذي كان يخلقه الانتظار بتقديم نسخة شبه سنوية من البطولة، فأصيب المشاهدون بالملل، واللاعبون بالإرهاق. وما زاد الطين بلة كان انخفاض مستوى النجوم اللاتينيين مع أنديتهم، وبدلاً من أن تشهد البطولة منافسة بين نجوم في قمة مستواهم، أصبحت المنافسة بين أشباح تسعى لاستعادة أرواحها.

انتظار ما لن يأتي

كيف يمكن لبطولة كوبا أمريكا استقطاب الجماهير ونجوم الشباك يعانون مع أنديتهم؟ ثنائي منتخب أوروجواي سواريز وكافاني ليسا في أفضل حال، وسبقهم نيمار نجم الشباك الأول، بعد أن انسحب من قائمة منتخب بلاده بسبب الإصابة. أما الثلاثي فيليب كوتينيو، أليكسيس سانشيز، خاميس رودريجيز فأصبحوا عبئًا على أنديتهم.

الثلاثي الأخير تحديدًا وجدوا في تلك البطولة فرصة ذهبية لإعادة تسويق أنفسهم، فـ«كوتينيو» وجد نفسه مع منتخب البرازيل بعد أن أعاده المنتخب إلى مركزه المفضل في عمق الملعب، فتحسنت أرقامه قليلاً. لاحظ موقع «Football Whispers» أن «كوتينيو» يصنع مع برشلونة فرصًا للتسديد بمعدل 1.4 فرصة في المباراة، وارتفع هذا الرقم مع البرازيل في كوبا أمريكا 2019 ليصل إلى 4.2.

مقارنة إحصائيات كل من: سانشيز (يسارًا)، كوتينيو (في الوسط)، رودريجيز (يمينًا)، بين النادي والمنتخب

في تشيلي، حاولوا إعادة «سانشيز» إلى موقعه كنجم أول للفريق؛ لأن مانشستر يونايتد سلبه تلك الميزة في وجود بول بوجبا. التعارض بين النجمين كان واضحًا داخل الملعب، إذ قارن «Football Whispers» خريطة تحركات كل منهما، لنجد تداخلاً واضحًا في المهام، ظهر أثره في اشتراك أليكسيس في 21% فقط من تمريرات اليونايتد في الثلث الأخير، لكن مع تشيلي وفي وجود «تشارلي أرانجيز» بدلاً من بوجبا ارتفعت النسبة إلى 33%.

قد تبدو لك هذه المحاولات كافية لتلميع نجوم الشباك من جديد، لكنها في الحقيقة تتم في عدد قليل من المباريات أقصاه 6، وفي إطار قوالب تكتيكية يغلب عليها الطابع البدني والالتحامات مغلفة بما يسميه المجاملون «الجرينتا»، مما دفع الجمهور لاختزال ذلك المنتَج الفقير باعتباره محاولة جديدة لفوز ميسي بلقب دولي مع الأرجنتين، كل هذا أفقد المتابعين حول العالم شغف المتابعة، فقط تتبقى آخر خطوة.

الجمهور المختار

تتمثل الخطوة الأخيرة في إفشال البطولة على مستوى الحضور الجماهيري بإبعاد جمهور الدولة المستضيفة عن الملاعب، وهنا الحديث ليس عن ملاعب كأس الأمم الأفريقية في مصر، لكنه عن البرازيل. المأساة بدأت مبكرًا منذ المباراة الافتتاحية بين البرازيل وبوليفيا، إذ توقع المنظمون امتلاء إستاد «مورومبي» بمدينة ساو باولو عن آخره، لكن حضر قرابة الـ 47 ألف متفرج فقط مع العلم أن سعة الإستاد تصل إلى 67 ألفًا.

ثم أخذ مشهد المدرجات الخاوية يتنقل من مباراة إلى أخرى، حتى وصل متوسط الحضور الجماهيري في أول 5 مباريات إلى 25 ألف متفرج. أوضحت صحيفة الماركا الإسبانية بعد أول 6 مباريات أن أقصى حضور تم تسجيله بعد المباراة الافتتاحية لم يتجاوز 40% من سعة الإستاد، وفي تقرير آخر أوضحت أن الحضور الجماهيري ببطولة الكأس الذهبية – حيث قطبي البطولة هما المكسيك وأمريكا – أفضل من نظيره في كوبا أمريكا.

الأمر ببساطة هو أن اللجنة المنظمة لهثت وراء المزيد من الأرباح، فقررت رفع أسعار التذاكر بما لا يتناسب مع الحالة الاقتصادية للبرازيل، حتى إن لاعبي منتخب البرازيل أشاروا لتلك المشكلة، فاكتفى كابتن المنتخب «داني ألفيش» بالتلميح، أما زميله «تياجو سيلفا» فعبر بشكل أكثر حدة عن استيائه وطالب بمراعاة الجماهير.

ما ذكرناه سابقًا قادنا في الأخير إلى حصر كوبا أمريكا 2019 في شكوى ميسي من الملاعب ثم التحكيم ثم تقنية ال VAR، وكانت المدرجات الخالية تليق تمامًا بما يتم تقديمه على أرض الملعب، تليق تمامًا بجشع الاتحاد القاري، تليق تمامًا باللا تخطيط الذي انتهجته معظم دول القارة، عندما سمحوا بإرهاق لاعبيهم ثم اتخذوا مقعد المشاهد أمام أفول نجومهم في أوروبا، تاركين السؤال بدون إجابة: هل انتقلت كوبا أمريكا من الشغف إلى الملل؟