مفهوم الاحتمال: ليس بالبساطة التي نتصورها
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
المقامر… عالم فيزياء الكم… عضو هيئة المحلفين… جميعهم يفكرون في الاحتمالات: احتمال الفوز، تلاشي ذرة مشعة، كون المُدعى عليه آثمًا. وبرغم وجودها في كل مكان، يُشكِّك الخبراء في طبيعة الاحتمالات. يؤدي هذا لخلافات في كيفية التفكير في الاحتمالات ومناقشتها، الخلافات التي قد تزيدها سوءاً تحيزاتنا المعرفية (Cognitive Biases) كميلنا لتجاهل الدليل الذي ينافي الأطروحة التي نفضلها. فتوضيح طبيعة الاحتمال، يمكنه أن يساعدنا لاحقاً في تحسين تفكيرنا.
هناك ثلاث نظريات تحلل الاحتمالات طبقاً لثلاثة عوامل، وهي: الترددات Frequencies، والنُزُع Propensities، ودرجات اليقين Degrees Of Belief. افترض أني أخبرك أن احتمال ظهور الصورة عند عمل قرعة بالعملة هو 50%. هذه النظريات، بالتوالي، تقول بأن هذا الاحتمال يعبر عن:
- تردد ظهور وجه العملة؛
- النزوع، أو الميل، الذي تعطيه خصائص العملة الفزيائية للعملة لتُظهِر الوجه؛
- مدى ثقتي بأن وجه العملة سيظهر.
ولكن كلاً من هذه التفسيرات يواجه مشكلات. تأمل الحالة الآتية:
آدم يقذف بعملة تتدمر ذاتياً بعد قذفها 4 مرات في الهواء. أصدقاء آدم: بيث، وتشارلز، ودايف حاضرون، ولكنهم معصوبو العينين. بعد الرمية الرابعة، تقول بيث: «احتمال ظهور وجه العملة في الرمية الأولى هو 50%». ثم يخبر آدم أصدقاءه أن العملة ظهر وجهها 3 مرات من الأربعة. يقول تشارلز: «احتمال ظهور الصورة في أول رمية هو 75%». دايف، بالرغم من أن لديه المعلومات نفسها التي لدى تشارلز، يقول: «أنا أعترض. احتمال ظهور الصورة في العملة في أول رمية هو 60%».
تفسير التردد يكافح مع تصريح بيث. تردد ظهور صورة العملة هو 3 من 4 مرات، ولا يمكن رميها مجدداً. ولكن يبدو أن بيث كانت محقًة: احتمال ظهور صورة العملة في أول رمية هو 50%.
في نفس الوقت، تفسير النزوع مضطرب مع تصريح تشارلز. بما أن العملة منصفة (متماثلة)، فإن لديها نزوعاً متساوياً لظهور الصورة أو الكتابة. حتى الآن يبدو أن تشارلز أيضاً محق في قوله بأن احتمال ظهور وجه العملة في أول رمية هو 75%.
تفسير الوثوق يضفي معقولية على التفسيرين السابقين، لوعيه بأنهما يعبران عن مدى وثوق بيث وتشارلز من ظهور وجه العملة في الرمية الأولى. لكن تأمل تصريح دايف. عندما يقول دايف إن احتمال ظهور وجه العملة هو 60%، فإنه لم يصب في قوله. ولكن إذا كان دايف واثقاً حقاً بنسبة 60% أن العملة ظهرت صورتها، أمَّا بالنسبة لتفسير الوثوق، فهو محق -لقد قرر بصدق مدى وثوقه.
بعض الفلاسفة يعتقدون أن مثل هذه الحالات تدعم اتجاهاً تعددياً، حيث يوجد أنواع من الاحتمالات. رؤيتي الخاصة هي أننا يجب أن نتبنى تفسيراً رابعاً -تفسير درجة الدعم (A degree-of-support interpretation).
في هذا التفسير، يتم فهم الاحتمالات على أنها علاقات من الدعم البرهاني (Evidential Support) بين المقترحات. عبارة «احتمال X هو Y» تعبر عن درجة دعم Y لحقيقة X. عندما نتحدث عن «احتمال X» في حد ذاته، فإن هذا اختزال لاحتمال X يعتمد على ما لدينا من خلفية معلوماتية. عندما تقول بيث إن هناك احتمالاً بنسبة 50% في ظهور وجه العملة، فإنها تعني أن هذا احتمال ظهور صورة العملة تبعاً لمعلومة أن العملة قد رميت وبعض المعلومات عن تكوين العملة (على سبيل المثال، إنها متماثلة).
اعتماداً على معلومات أخرى، مقترح ظهور وجه العملة سيكون له احتمال آخر. عندما يقول تشارلز إن هناك احتمالاً بنسبة 75% لظهور صورة العملة، اعتمد على معلومة إن الصورة ظهرت في 3 رميات من أصل 4. في نفس الوقت، يقول دايف إن هناك احتمالاً بنسبة 60% لظهور الصورة، اعتماداً على نفس المعلومات -ولكن بما أن المعلومة تدعم حقيقة ظهور الصورة بنسبة أكبر من 60%، ما يقوله دايف خطأ.
تفسير درجة الدعم يشمل ما هو صحيح في التصريحات الثلاثة ويحل مشكلاتهم. يستفيد التفسير من العلاقة بين الاحتمالات ودرجات الوثوق. لا يفعل ذلك عن طريق تعريفهم، عوضاً عن ذلك، يقيِّد درجات اليقين تقييداً عقلانياً عن طريق درجات الدعم. السبب الذي يجعلني واثقاً بنسبة 50% من ظهور الصورة، إذا كان كل ما أعلمه عن العملة أنها متماثلة، هو أن هذه هي النسبة التي يدعم بها دليلي فرضيتي.
على نحو مماثل، تفسير درجة الدعم يسمح لمعلومة ظهور صورة العملة بتردد 75% بأن تجعل من المحتمل ظهور الصورة بنسبة 75% في أي رمية. التفسير يستفيد من العلاقة بين الترددات والاحتمالات ولكن، على عكس التفسير الترددي، ينكر القول بأن التردد والاحتمال هما نفس الشيء. عوضاً عن ذلك، تربط الاحتمالات أحياناً بين ادعاءات حول الترددات بادعاءات حول أفراد محددين.
أخيراً، تفسير درجة الدعم يحلل نزوع العملة لتظهر صورتها كعلاقة بين المقترحات حول تكوين العملة من ناحية، والمقترح القائل بأن صورتها ظهرت من ناحية أخرى. بمعنى، يهتم بالدرجة التي يمكن بها توقع سلوك العملة من تكوينها. بصورة أعم، النزوع يربط بين ادعاءات حول الأسباب وبين ادعاءات حول النتائج. على سبيل المثال، وصف الخصائص الجوهرية لذرة وفرضية تلاشيها.
لأنها تحول الاحتمالات إلى أنواع مختلفة من الكينونات، نظريتنا الأربعة تعرض نصائح مختلفة عن كيفية فهم قيم الاحتمالات. التفسيرات الثلاثة الأولى (التردد، النزوع، الوثوق) تحاول أن تجعل من الاحتمالات أشياء يمكننا ملاحظتها، عبر العد، التجربة أو الاستبطان. على النقيض، درجات الدعم تبدو كما يقول الفلاسفة كـ «كينونات مجردة» (Abstract Entities)، سواء كان في العالم أو في الذهن. كما نعلم أن العملة متماثلة عبر الملاحظة، نحن نعرف أن مقترح «العملة متماثلة» يدعم مقترحات «ظهور صورة العملة» و«ظهور الكتابة على العملة» بدرجات متساوية وبنفس الطريقة نعلم أن «ظهور صورة العملة» يتطلب «ظهور صورة العملة وكتابتها»: عن طريق التفكير.
ولكن ربما يلفت متشكك النظر إلى أن قرعة العملة أمر بسيط. تصور أننا في هيئة محلفين. كيف من المفترض أن نتبين احتمال ارتكاب المدعى عليه جريمة القتل، للنظر في سؤال: هل هناك شك عقلاني في كونه مرتكباً للجريمة؟
الإجابة: فكر أكثر. أولاً، سل: ما هو دليلنا؟ ما نريد أن نفهمه هو إلى أي درجة يدعم هذا الدليل الفرضيات القائلة بأن المُدعَى عليه مذنب. لو كان دليلنا المهم هو بصمات المُدعَى عليه على المسدس المُستخدَم في قتل الضحية.
ثانياً، سل: هل يمكننا استخدام قواعد الاحتمال الرياضية في تفتيت الاحتمال الخاص بفرضيتنا في ضوء الدليل إلى احتمالات أكثر بساطة؟ نحن هنا مهتمون باحتمال سبب (Cause) (المُدعَى عليه ارتكب جريمة قتل) في وجود نتيجة (Effect) (بصماته على سلاح القاتل). مبرهنة بايس (Bayes’s Theorem) تمكننا من حسابها كدالة لثلاثة احتمالات أخرى: الاحتمال القبْلي للسبب، احتمال وجود النتيجة في وجود السبب، واحتمال وجود النتيجة في عدم وجود السبب.
بما أن هذا يعتمد على الخلفية المعلوماتية التي نمتلكها، الاحتمال الأول (الخاص بالسبب) يعتمد على ما نعلمه من دوافع، ووسائل، وفرص المُدعَى عليه. يمكننا أن نمسك بالاحتمال الثالث (الخاص بالنتيجة في عدم وجود السبب) عن طريق تفتيت إمكانية أن يكون المدعى عليه بريئاً لأسباب أخرى ممكنة لوفاة الضحية، والتساؤل عن احتمال كل منها، واحتمال أن تجعل كلاً منها بصمات المدعى عليه موجودة على المسدس. سنصل في آخر الأمر إلى احتمالات لا يمكننا تفتيتها إلى احتمالات أبسط. عند هذه المرحلة، يمكننا أن نبحث في المبادئ العامة لتوجه مهمتنا القائمة على الاحتمال، أو أن نعوِّل على أحكام القضاء، كما نفعل في حالة العملة.
عندما نفكر عقلانياً في المجرمين بدلاً من العملات، غير محتمل أن تؤدي هذه العملية إلى نقطة التقاء بين الاحتمالات المحددة. ولكن لا يوجد بديل. لا يمكننا حل الخلافات حول المدى الذي تدعم به المعلومات التي نمتلكها فرضياتنا عن طريق جمع المزيد من المعلومات. عوضاً عن ذلك، يمكننا أن نحرز تقدماً فقط عن طريق التفكير الفلسفي في فضاء الممكنات، والمعلومات التي لدينا، وإلى أي مدى تدعم بعض الاحتمالات أكثر من الأخرى.