وثائق بنما: البورصة وشخصيات عامة مصرية متورطون أيضا
في السطور التالية سوف نستعرض العلاقات العميقة التي تربط الملاذات الضريبية الآمنة مع بعض الشركات المتداولة بالبورصة المصرية؛ تلك العلاقات التى تأخذ أشكالا متعددة، ربما يتم الإفصاح عن بعضها ولو جزئيا , ولا يتم الإفصاح عن بعضها الآخر نهائيا.
وتأتي أهمية وخطورة الإفصاح فى الأسواق المالية من خلال قواعد «الحَوْكَمَة» والإدارة الرشيدة التى تلتزم بها هذه الأسواق، وتهدف للحفاظ على حقوق صغار المستثمرين وشفافية العمليات المالية ومحاربة غسيل الأموال والتهرُّب الضريبى، وغير ذلك من أهداف لا غنى عنها لبناء اقتصاد قوى و سليم.
شركة جُهَيْنَة وجُزُرْ العذْراء
العلاقة بين الاستثمار الأجنبى فى مصر و الملاذات الضريبية واضحة و مُعلَنة ربما قبل نشر أوراق بنما بسنوات طويلة، ولا أبالغ فى ذلك على الإطلاق، فقوانين تشجيع الإستثمار فى مصر لا تشترط الكثير من شروط الإفصاح و الشفافية؛ وهو ما يسمح لأى شركة فى الجزر العذراء أو الكايمان أو غيرها أن تعمل فى السوق المصرية بيعا و شراء كما تحب وتهوى، وليس عليها إلا أن تعلن إسم وكيلها المحلى بمصر وهو المخول بالتوقيع نيابة عنها فى الصفقات، ولا يتطلب الأمر الإفصاح عن مُلاَّك الشركة أو كبار المساهمين فيها.
كذلك فإن رغبة بعض رجال الأعمالصول على نفس المزايا التى يحصل عليها المستثمر الأجنبى، قد تجعلهم يلجأون لتأسيس شركة فى إحدى هذه الملاذات الضريبية وينقلون لها ملكية بعض أسهمهم (على الورق) ليصبحوا بالتالى مستثمرين أجانب دون الدخول فى مخاطر الحصول على جنسية أخرى، بما قد يترتب عليها من فقدان بعض الفرص السياسية.
ونموذجا بسيطا قدمته شركة جهينة للصناعات الغذائية -والتي نقل صاحبها «صفوان ثابت» جزءاً كبيراً من أسهمه لشركة مؤسَّسة فى الجُزُر العذراء تسمى «PHARON INVESTMENT LIMITED» بداية من عام 2010-، حول التشكيل الرسمى الحالى لمجلس إدارتها، حيث يضم 4 من الأعضاء الذين يمثلون هذه الشركة الأجنبية، ويلاحظ أن منهم كريمتى صاحب الشركة «مريم وهبة صفوان ثابت» ومعهم أحد المستثمرين العرب «محمد بن عبد الله بن محمد الدغيم» وأخيراً «عقيل حامد بشير»؛ الرئيس الأسبق للشركة المصرية للإتصالات والذى يشغل أيضا منصب عضو مجلس إدارة شركة أوراسكوم للاتصالات والإعلام والتكنولوجيا القابضة التابعة لعائلة «ساويرس».
وبالإضافة لممثلى هذه الشركة الأجنبية يضم مجلس إدارة جهينة كلٌ من «زياد احمد بهاء الدين»، نائب رئيس الوزراء السابق، «وياسر سليمان هشام الملَّوانى»، والأول هو عضو بمجالس إدارات سيكم القابضة للإستثمار والعربية للأسمنت وبنك «اتش اس بى سى مصر»، والثانى يشغل أيضا مناصب بمجالس إدارة كل من المجموعة المالية هيرمس وبالم هيلز والتجارى الدولى للإستثمار والخدمات الملاحية والبترولية ماريدايف، ويعتبر الملَّوانى مفتاح لكثير من الصفقات التى تمت فى مصر خلال العقود الأخيرة.
و يعكس وجود هذين الاسمين. بما يمثلانه من قيم سياسية و مالية، مدى قَدْر التعايُش والتناغُم بين بيئة الإستثمار فى مصر والملاذات الضريبية الأمنة، و يُؤكد ما صرَّح به محامى المخلوع بأن شركات الأوفشور مشروعة فى مصر.
ويوضح تشكيل مجلس إدارة الشركة بمن يضُمَّهم من أعضاء كان بعضهم يتولى أعلى سلطة تنفيذية وأخرون من قيادات قطاع الأعمال العام والخاص أنه لا توجد أى غضاضة فى تمثيل شركات تأسست فى الملاذات الضريبية الأمنة أو العمل مع ممثليها جنبا إلى جنب .
لقد تَحتَّم الإفصاح عن علاقة شركة جهينة بالملاذات الأمنة بسبب وجود شريك رئيسى يملك نسبة محددة من أسهم الشَّركة تَحتَّم الإعلان عنها ضمن الإفصاح عن المساهمين الرئيسيين، و لو كانت نسبة مساهمة هذا الشريك اقل من تلك التى حدَّدتها إدارة البورصة ( 5 % )، لربما لم يكن هناك أى إفصاح عنها. ولا تهتم البورصة المصرية بأى قدر من الإفصاح عن أسماء مساهمى الشركة الأجنبية التى تملك حصة فى أى شركة متداولة بالبورصة، و إنما تكتفى فقط بالإعلان عن إسم الوكيل المحلى، مما قد يعنى أن بعض حائزى أسهم بعض الشركات فى البورصة المصرية لا يعرفون من هم شركاؤهم الحقيقيون فى نفس الشركة .
شركة هيرميس وجُزُر الكايمِن
شركة هيرمس؛ شركة مصرية متخصصة في نشاط بنوك الاستثمار، وإدارة الأصول، والاستثمار المباشر، والسَّمسرة في الأوراق المالية، والأبحاث. ويتمثل الاستثمار المصرفي الذي تقوم به الشركة فى الاستشارات المتعلقة بزيادة رأس المال وصفقات الاندماج والاستحواذ. أما قطاع الاستثمار المباشر؛ فيقوم بإدارة عدد من الصناديق الاستثمارية. ويتكون قطاع إدارة الأصول من مجموعة من الصناديق الاستثمارية المحلية والإقليمية، أمَّا نشاط تداول الأوراق المالية فيشمل المجموعة المالية للأوراق المالية وهيرمس للسَّمسرة. وتمتلك المجموعة المالية هيرمس مكاتب وفروع في أنحاء مصر ولبنان والإمارات العربية المتحدة والسعودية.
وتمتلك المجموعة عدة شركات تابعة ومملوكة لها بالكامل مثل هيرمس القابضة والمجموعة المالية هيرمس لبنان والمجموعة المالية للتطوير العقاري واستثمارات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
و قد تأسست الشركة عام 1984، وتقع مكاتبها حاليا فى القرية الذَّكية وتعمل فى تأسيس الشركات التى تصدر أوراقا مالية أو فى زيادة رؤوس أموالها ويقول كتاب الافصاح أن بنوك القطاع العام تساهم بنسبة 0،10% من رأسمال الشركة، بينما تساهم شركات تأمين القطاع العام بنسبة 0،30% و شركات القطاع الخاص بنسبة 26،4% و الباقى و يبلغ 73،20% فهو مطروح للتداول الحُر.
ويقول موقع «بلومبُرج» أنَّ الشركة وشَركاتها التَّابعة تعمل فى مجالات الاتصالات والتكنولوجيا والخدمات المالية والأغذية والمشروبات والمقاولات والبترول والغاز والبتروكيماويات والطاقة والمستشفيات والرعاية الصحية والسياحة والعقارات، وتقوم بعمل الأبحاث والدراسات فى قطاعات التمويل والاستثمارات العقارية والمقاولات ومواد البناء والاتصالات وغير ذلك.
وتعمل الشركة عن طريق شَركاتِها التابعة فى إنشاء وإدارة صناديق الاستثمار؛ التى يتكون رأسمالها من مجموع وثائق استثمار تصُدر بقيمة اِسميَّة مُعيَّنة يشتريها الأفراد أو الشركات ليكتسب الصندوق شخصية اعتبارية مستقلة، وتنشأ له إدارة مستقلة تسند إدارته لشركة متخصصة فى إدارة صناديق الاستثمار، مثل هيرمس أو بعض شركاتها، والأهم أن الشركة تعمل فى مجال إنشاء وإدارة صناديق الاستثمار المباشر، وهو نوع من الصناديق الذى عرفته مصر منذ سنوات قليلة، ويساهم فيه كبار المستثمرين والشركات وتتولى إدارته شركة متخصصة مثل هيرمس للإستثمار المباشر ويعمل فى مجالات شراء الشركات كليا أو جزئيا وإعادة بيعها بعد فترة.
وهو ما جعل هيرمس مؤهلة تماما لإدارة صناديق حورس المتعددة والتي ترتبط باسم «علاء وجمال مبارك» لدى الكثيرين، و من المؤسف أن القوانين المصرية لا تلزم مثل هذه الصناديق بالإفصاح عن أسماء أصحابها أو المساهمين فيها، مثلما تفعل قبرص، ولا عن تفاصيل و شروط وقيمة الصفقات التى تكون طرفا فيها، مثلما تقضى قوانين الولايات المتحدة، وتكتفى بالإفصاح عن الشركة التى تتولى إدارتها فقط.
وأحيانا تسعى الشركات المصرية لجذب التمويل من الملاذات الضريبية الآمنة ضمن شعارات تشجيع الاستثمار الأجنبى، وهذا ما يوضحه موقع شركة هيرمس المصرية الشهيرة وتعلن فيه عن شركتها التابعة فى جزر الكايمان «هيرمس كابيتال يارتنرز 3»، وكيف أنها فى 2007 كانت تحصل على تمويل يبلغ 575 مليون دولار من الكايمان.
ويعلم كثيرون فى مصر أن هيرمس كانت من أكبر المشترين للشركات المصرية فى مختلف المجالات فى تلك الفترة، ويصعب على المواطن العادى أن يفرق بين ما تشتريه هذه الشركة لحسابها أو ما تشتريه لحساب من تمثلهم أو تدير محافظهم المالية فى مصر.
ونظراً لأن القوانين المصرية لا تهتم بالإعلان عن أسماء الشركاء، أو حملة الوثائق فى صناديق الإستثمار من هذا النوع، فإن المجتمع المصرى لا يعرف إلا هرميس بصفتها الوكيل المحلى أو المدير لهذه الإستثمارات فى مصر.
شركة الخدمات الملاحية والبترولية ماريدايف، كود الشركة: EGS44012C01
ومجال نشاط الشركة هو القيام بكافة الأعمال البحرية فى المناطق الحرة بكافة أنحاء جمهورية مصر العربية من خدمات وصيانة وتركيبات وإنشاءات وانتشال سواء تحت سطح الماء أو خارجه، وكذلك القيام بالأعمال المتعلقة بالخدمات الصناعية بالمياه الإقليمية للمنشأت البحرية والأرضية من نظافة وصيانة وإنشاءات وتركيبات ونقل وتموين وتزويد كافة المعدات اللازمة وقطع الغيار المتعلقة بها، وتأسست عام 1979 و أسهم الشركة متداولة بالبورصة المصرية.
فشركة هيرميس مساهم رئيسى فى هذه الشركة، ويمثلها 4 أعضاء على الأقل بمجلس الادارة المكون من أربعة عشر عضوا، من بينهم «أحمد محمود محمد محمود عيد».
وسنجد أن نفس الشخص، وفقا لسجلات شركة مصر للمقاصة والحفظ المركزى، هو أيضا عضو مجلس إدارة شركة الوادى القابضة ولكن بصفته ممثلاً عن شركه حورس فود أند أجريبزنيس، ومن المعروف أن حورس فود أند أجربيزنس، ليس شركة بالمعنى المتعارف عليه، ولكنه أحد صناديق الاستثمار التابعة ل «جمال مبارك» والتى أنشأها بالملاذات الضريبية الآمنة بالبحر الكاريبى، والتى تديرها شركة هيرميس، ولكن القوانين المصرية عاملته كشركة، وسمحت له بشراء حصص فى شركات مصرية دون أن نعرف حقيقة أصحابه أو من يقف وراءه.
ومن المصادفات التى تكشف عنها أيضا سجلات شركة المقاصة، أن شركة الوادى القابضة تساهم أيضا فى إحدى شركات تمويل للتأجير التمويلى، وأن رئيس مجلس إدارة شركة الوادى القابضة «موسي سليمان فريجي» هو أيضا عضو بمجلس إدارة شركة تمويل للتأجير التمويلي التابعة لشركه اوراسكوم للفنادق والتنمية و التي يرأسها «سميح انسي نجيب ساويرس».
شركة الصَّعيد العامة للمقاولات
وتظهر أوراق بنما اسم شركة الصعيد للمقاولات وعنوانها بالطابق الحادى عشر من العمارة رقم 5 بشارع 26 يوليو بالقاهرة؛ وهو بالفعل العنوان المعلن على موقع الشركة و مطبوعاتها.
وكانت الشركة مملوكة للقطاع العام وتم خصخصتها عام 1997، وبيعت بحوالى 10 ملايين جنيه مصرى، ثم تم بيع أقل من ثلث أسهمها لشركة الصفوة التابعة لشركة بايونيرز بعشرات الملايين. وقد كشف اللواء «أحمد نعيم البدراوي» فى حوار مع جريدة المال أواخر عام 2015، أن حجم أعمال شركته بلغ نحو 1.5 مليار جنيه تقريبًا، موزعة فى السوقين المحلية والسعودية.
وتختلف حالة شركة الصعيد العامة للمقاولات عن حالة شركتى جُهينة وهيرميس فى أنه لا يوجد مساهمين معلنين بالشركة ممن يحملون جنسيات الملاذات الضريبية الآمنة، كما يوضح آخر تشكيل لمجلس الإدارة، بل يضم تسعة أعضاء منهم خمسة يمثلون شركه الصفوة للاستشارات التابعة لمجموعة شركة بايونيرز القابضة للاستثمارات المالية والتى تعمل بدورها في مجال الاشتراك في تأسيس الشركات التي تُصدر أوراقاً مالية أو في زيادة رؤوس أموالها، وتعمل الشركة في أسواق (مصر والإمارات والسعودية وسوريا والبحرين).
ويثير تواجد شركة الصعيد العامة للمقاولات تساؤلات حول ماهية الأنشطة التى تمارسها الشركة هناك، ذلك أن وجود الشركة باسمها الصريح يعنى أن ثَمَّة أنشطة لها هناك، و يبقى السؤال الهام؛ هل يعلم حَمَلَة الأسهم فى هذه الشركة المتداولة بالبورصة أنَّ أموالهم، أو جزءا منها، يستثمر فى هذه الملاذات الآمنة؟ وهل يعلم بذلك مراقبوا حسابات الشركة؟ وكيف تم الإفصاح عنها بميزانية الشركة أو بتقارير مجلس إدارتها؟
وحينما أتحدث عن حَمَلَة الأسهم فإننى أعنى بالأساس صغار حَمَلَة الأسهم، ولا أقصد البنك الأهلي المصري أو الأهلي لإدارة صناديق الاستثمار أو شركة «سمو» للاستشارات أو شركه «الصفوة» للاستشارات التى يملك الجزء الأكبر منها شركات كويتية وسعودية.