منتخب جزر القُمر: كتاب التاريخ الذي لا يقرؤه أحد
أطلق اللاعب أحمد مغني هذا التصريح عقب فوز منتخب بلاده على العملاق الإفريقي منتخب غانا في المفاجأة الأبرز خلال البطولة الإفريقية عام 2022، إلا أن آمال بلاده الذي تحدث عنها بخصوص عبور دور المجموعات كانت تتعلق بأقدام الآخرين، العديد من الآخرين.
عقب هذا الفوز كانت حسابات جزر القمر للصعود ضمن أفضل ثوالث للدور التالي تتحدد في فوز منتخب غينيا الاستوائية على منتخب سيراليون وخسارة منتخب الجزائر من منتخب كوت ديفوار، وكذلك فوز منتخبي مصر ونيجيريا على منتخبات السودان وغينيا بيساو بالترتيب. وللعجب أن كل هذا حدث وكأن كتاب التاريخ نفسه يريد أن تحتوي أوراقه على أسماء مغني ورفاقه.
لا يمكن أن تتناول هذا التصريح على أنه مجرد حديث طموح يناسب منتخبًا أفريقيًا مغمورًا، الحقيقة أن جزر القمر نفسها عانت من تجاهل كتب التاريخ لها طوال السنوات الماضية، والحقيقة أن لولا كرة القدم لربما استمر هذا الجهل لسنوات قادمة بل إن الأمر المثير هنا أنه لولا كرة القدم لما كان أحمد مغني نفسه وطئت قدماه أرض جزر القمر أبدًا.
نحن على وشك أن نقص حكاية تلعب فيها كرة القدم محورًا مركزيًا لكنها أعمق من كرة القدم، حكاية تتعلق بالتاريخ والهوية والإنصاف.
جزر القمر التي يعرفها الجميع ولا يعرفها أحد
جمهورية القمر المتحدة تبدو للجميع دولة غامضة إلى حد ما، تظهر في شكل ومضات من آن إلى آخر دون أن يهتم أحد بما وراء تلك الومضات. سؤال يعتريه الدهشة: تخيل أن جزر القمر دولة عربية مسلمة، أو إجابات للأسئلة الصعبة في برامج المسابقات. ربما يعرفها بعض المهتمين بمصادر العطور أو جماعة محبي البراكين إذا كان هناك جمعية تضم محبي البراكين.
أربع جزر في المحيط الهندي بجوار الساحل الإفريقي الشرقي هي المكون الأساسي لهذا الأرخبيل الذي يسمى بجزر القمر، والأرخبيل هو مجموعة من الجزر المتقاربة في البحر. ثلاث جزر تتسم بحكم ذاتي ورابعة لا زالت تحت حكم فرنسا طبقًا لتصويت سكان الجزيرة أنفسهم.
هذا الغموض الذي تعاني منه جزر القمر اليوم يتناقض مع أهميتها السابقة. في النصف الأول من الألفية الماضية، كانت جزر القمر راسخة بعمق في الشبكات الاقتصادية الإقليمية والتجارة مع جنوب شبه الجزيرة العربية والهند وكذلك الساحل الأفريقي ومدغشقر.
تاريخ الجزر في العموم هو بالضرورة تاريخ من الحركة والهجرات والتجار، سكان الجزر يعتمدون على العالم الخارجي في وجودهم ذاته لذا من المستحيل الجزم بموعد وصول السكان الأوائل للجزر أو من هم في الوقت الحالي. لكن من الواضح أنه نتيجة لهذه الرحلات، جذبت الجزر مهاجرين من مناطق مختلفة كان أهمهم العرب من اليمن وعمان وأصبحت دولة مسلمة عربية خالصة مع الوقت.
لم يغرق الأرخبيل في الغموض إلا في القرن العشرين مع الاستعمار الفرنسي باعتباره موقعًا منسيًا للإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية، معزولًا عن هويته العربية الإسلامية.
ما يهمنا الآن أن جمهورية القمر المتحدة هي دولة عربية مسلمة تمامًا لا يهتم بها العرب على الإطلاق، لهذا ربما يميل البعض هناك بشكل اضطراري إلى فرنسا، بل إن الكثيرين ولدوا في فرنسا وحملوا الجنسية القمرية على الورق فقط وهنا نعود إلى كرة القدم.
أمير عبدو: كيف حدثت المعجزة؟
انضم اتحاد جزر القمر لكرة القدم إلى الفيفا رسميًا في عام 2005 فقط، وهذا يعود بالطبع لسنوات الاستعمار ثم العدد القياسي للانقلابات في الحكم.
بحلول عام 2014 كانت جزر القمر تتبوأ المركز 198 من أصل 210 مركز في تصنيف الفيفا دون أي إنجازات، حتى أن قبل هذا التاريخ بعامين لم تلعب كرة القدم بسبب ضعف الإمكانات المادية.
قرر الاتحاد البحث عن مدرب يتفهم فكرة العمل بقليل من الموارد في مجاهل إفريقيا وبالطبع كان الخيار فرنسيًا. كان الاسم الأقرب هو الفرنسي هنري ستامبولي الرجل الذي درب مارسيليا وتوجو من قبل.
قرر مسئولو الاتحاد أن يتواجد رجل ينتمي إلى جزر القمر في الجهاز الفني ووقع الاختيار على مدرب من الدرجة السادسة في فرنسا.
إنه السيد أمير عبدو الذي وُلد في مرسيليا عام 1972 ومن أصول جزر القمر. رفض ستامبولي المنصب وقرر اتحاد كرة القدم الاعتماد على عبدو كمدربهم الرئيسي وهو قرار أثبت صحته فيما بعد.
تمامًا مثل أفلام هوليود قرر عبدو البدء من اللا شيء. عمل تقريبًا متطوعًا في اتحاد جزر القمر، تحمل تكلفة أسفاره لجزر القمر وتكاليف السفر لمحاولة صنع هذا الفريق الذي لم يصنع في جزر القمر أبدًا.
في ذلك الوقت تألف المنتخب بنسبة أكثر من 90% من اللاعبين الذين ولدوا ويلعبون في فرنسا. كان عبدو وكأنه رسول لجمع الشتات القمري والذي كان مقسمًا بين باريس ومرسيليا.
كان جميعهم تقريبًا يلعبون على مستويات الهواة وبعض الفرق في الدرجات الدنيا في فرنسا، لكن ذلك أفضل من بطولة جزر القمر التي لم تكن حتى خيارًا.
ذهب عبدو للبحث عنهم، كان عليه أن يقنعهم بمشروع ذي خلفية تاريخية معقدة مع العلم أن الكثيرين لا يعرفون شيئًا عن موطنهم الأم.
ركز عبدو على العمل مع تلك المواهب الناشئة في ظل عدم وجود نجم واضح يؤسس الفريق حوله وسرعان ما بدأ الأمر في الازدهار، التعادل على وجه الخصوص ضد بوركينا فاسو بعد عام واحد فقط من اقتناصها لوصافة كأس الأمم الأفريقية 2013، ثم تعادل آخر ضد غانا. هنا بدأ لاعبون أكثر قيمة في الاقتناع بفكرة منتخب جزر القمر، لاعبون في أندية مثل تولوز وأولمبياكوس.
فازت جزر القمر بأول مباراة رسمية في تاريخها في مارس 2016 ضد بوتسوانا. ثم حدثت المعجزة واستمرت نتائج المنتخب الجيدة حتى وصل لبطولة أمم إفريقيا الكاميرون 2021.
التاريخ الذي لم نقرأ والمستقبل الذي لا نعرف
هذا ليس منتخبًا شابًا كما يبدو من أعمار قائمة الفريق ولا هو منتخب مكافح لبلد من أفقر بلدان العالم، بل هو منتخب تلقى تعليمه الأساسي في فرنسا لأن تلك هي هويته الجديدة وأصبحت الهوية القمرية العربية شيئًا من الماضي.
يتحدث سعيد بكاري وهو أحد الأسماء القليلة في فريق جزر القمر الذي يلعب في دوري الدرجة الأولى لأحد الأندية الأوروبية أنه تردد في تمثيل جزر القمر، حيث ولد باكاري في باريس لأبوين من جزر القمر وأمضى بعض الوقت في أكاديمية باريس سان جيرمان.
لكنه رأى كيف أن الفريق يتطور وكانت النتيجة ضد مصر خلال التصفيات المؤهلة للبطولة الإفريقية والتي انتهت بدون أهداف لحظة رئيسية في اختياره لتمثيل بلده. تلك المباراة التي أقيمت ولم يهتم أحد من المصريين بمعرفة المنافس.
تحققت المعجزة واستطاع هذا المنتخب إقصاء غانا ليواجه الكاميرون، لكن بعد أن أطاح فيروس كورونا بمعظم القائمة حتى أن الظهير الأيسر للفريق هو من سيقف كحارس مرمى. ربما النتيجة المنطقية هي خسارة فادحة للفريق لكن الأهم أنهم وضعوا أسماءهم في كتاب التاريخ. أسماء عربية بهويات فرنسية كاملة. فهل نقرأ التاريخ لنحاول أن نتفهم المستقبل ونتواصل مع هذا البلد العربي بشكل حقيقي؟