رحلة كولومبوس: بين البحث عن «السينابون» ومحاربي الفايكنج
في عام 1492 وصل الرحَّالة الإيطالي «كريستوفر كولومبوس» إلى السواحل الشمالية للقارة الأمريكية، مُعتقدًا أن سفينته قد حطَّت على السواحل الغربية لقارة آسيا، فجاء اكتشاف الأمريكيتين عبر خطأ غير مقصود.
هي قصة مألوفة تُقص للصغار عن اكتشاف العالم الجديد، ولكن ما علاقة «القرفة» ومحاربي الفايكنج بهذا الاكتشاف؟ وكيف أصبح كولومبوس الإيطالي سبب توسع الإمبراطورية الإسبانية وإقامة مستعمراتها في أمريكا؟
كريستوفر كولومبوس
وُلد في جنوة في إيطاليا، وعمل كوكيل أعمال لعدة مؤسسات رفيعة المقام في المدينة التجارية، ليشرف على العديد من الرحلات التجارية بين الساحل الأوروبي والساحل الأفريقي.
اكتشف كولومبوس العالم الجديد عام 1492، ثم ارتحل إليه 3 مرات؛ أولها عام 1493، حيث أسس مستعمرة «لا إيزابيلا» التي أصبحت الآن جمهورية الدومينيكان، ثم عاد لإسبانيا لفترة. وبين عامي 1498 و1500 عاد إلى العالم الجديد في رحلة استكشافية ليصل إلى جزر الكاريبي. وسعى بين عامي 1502 و1504 إلى اكتشاف طريق بين الساحل الأمريكي والمحيط الهندي.
أهمية البهارات
في نهايات القرن الخامس عشر كان الصراع بين الشرق والغرب مستعرًا بعدما سقطت القسطنطينية على يد العثمانيين، واندلعت الحروب بين مماليك مصر والبرتغاليين على السواحل الهندية، وسقطت غرناطة ومعها انهارت الأندلس على يد الملك القشتالي فرديناند وزوجته إيزابيلا.
في الوقت نفسه كانت التوابل الآسيوية وعلى رأسها القرفة من أهم البضائع التي تصل إلى أوروبا، واشتد شغفهم بها وحاجتهم الكبيرة لها، ليس فقط لما تضفيه من نكهات مميزة، ولكن لدورها في حفظ الطعام لفترات طويلة، وهو ما احتاجه الجنود في حروبهم الناشبة على عدة جبهات.
وبينما نجح البرتغاليون عام 1488 في اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح، فلم يأتِ طريق البحر إلا بمزيد من الصراعات بين الشرق والغرب، كما أن الرحلات من آسيا وإليها عبر هذا الطريق استغرقت وقتًا مضاعفًا، وخلالها أخذت تنتقل البضائع من يد تاجر إلى آخر، فزادت التكلفة وأصبح شراء التوابل من الرفاهيات. حاول الأوروبيون الحصول على بضائعهم عبر الطرق البرية، وهو الأمر الذي استحال بعدما أحكمت الدولة العثمانية قبضتها على الأراضي الفاصلة بين أوروبا وآسيا.
في هذا الحين ظهر كولومبوس ليزعم أن المسافة بين أوروبا وساحل اليابان 12 ألف كم فقط، إذا قطع الطريق مُلتفًّا حول العالم من غرب أوروبا ليصل إلى ساحل آسيا، ولم يدرك وقتها أن هناك قارة كاملة تسد الطريق أمامه نحو آسيا.
ذهب بفكرته في أول الأمر إلى البرتغاليين الذين لم يهتموا كثيرًا بالفكرة لانشغالهم بصراعهم في المحيط الهندي مع المماليك المصريين، فحاول كولومبوس عرض الفكرة على تجار جنوة الذين ركدت تجارتهم، ثم ملوك الجزيرة البريطانية، ولكنه لم يُقابل إلا بالرفض. حتى اهتدى إلى إيزابيلا وفرديناند المنتشيين بالنصر على المسلمين ومحو العرق العربي من الأندلس. في بادئ الأمر لم يوافقا بعدما استشارا جغرافيهما، ولكنه تمكن في النهاية من إقناعهما.
ويذهب المؤرخون إلى أن الأسباب الاقتصادية السابق ذكرها تضافرت مع أسباب سياسية: رغبة إسبانيا في إقامة مستعمرات في آسيا، وأخرى دينية تمثلت في رغبة إيزابيلا ملكة إسبانيا في استغلال فرصة الانتصارات المتتالية على مسلمي الأندلس ونشر الديانة المسيحية بين الشعوب الآسيوية، وذلك لتُجابه الصعود الإسلامي الذي انتقل من الأندلس إلى القسطنطينية العثمانية.
طريق الرحلة
في الثالث من أغسطس/آب عام 1492 بدأت رحلة كولومبوس على رأس ثلاث سفن هي: «نينيا» و«بينتا» و«سانت ماريا». وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه وصلت السفن إلى جزر الباهاماس ليكتشف كولومبوس خطأه الأحمق، واكتشافه العظيم.
عادت سفينتان من أصل ثلاثة لتزف خبر الاكتشاف لملك إسبانيا في 15 مارس/أذار 1493، وبدأ الاكتساح الأوروبي لحضارات أمريكا. وبعد اكتشافه للقارة الجديدة ارتحل كولومبوس 3 مرات بين عامي 1492 و1502 ليكتشف معظم أجزاء القارتين.
اكتشاف كولومبوس كان بمثابة لحظة فارقة في تاريخ أوروبا بعدما نزح العسكريون والبحارة الإسبان ليبنوا مستعمراتهم في العالم الجديد، ولكنه وضع نقطة النهاية لحضارات عريقة مثل حضارة إمبراطورية الإنكا، والتي أبادتها وحشية المستعمرين. فيما بعد تبيَّن أن اكتشاف كولومبوس ليس الاكتشاف الأول للقارة الأمريكية. فمتى وطئ الرجل الأوروبي السواحل الأمريكية للمرة الأولى؟
محاربو الفايكنج
حوالي عام 1470 أبحرت سفينة من بريستول البريطانية للبحث عن جزيرة أسطورية تُدعى «براسيل»، إلا أن محاولتهم باءت بفشل ولم تُذكر إلا في هوامش التاريخ. ولكن هذه الأسطورة ترجع أصولها إلى أسطورة أخرى مرتبطة بمحاربي الفايكنج، وهم جماعة من الوثنيين الإسكندنافيين (النرويج والدنمارك والسويد) شكَّلوا فترة طويلة من تاريخ أوروبا حتى القرن الحادي عشر، وتميَّزوا بقدراتهم العسكرية الفريدة، وخبرتهم في البحر التي مهدت لهم الطريق لاستيطان جزيرة فارو. وخلال العقد السابع من القرن التاسع الميلادي، وصلت سفنهم إلى جزيرة أيسلندا وأقاموا مستعمرة هناك كانت هي حجر الأساس لرحلتهم نحو اكتشاف المحيط الهادئ.
تذكر المراجع التاريخية أن Eric The Red أو «إريك الأحمر» – وهو مكتشف إسكندنافي – تورَّط في جرائم قتل، نُفي على إثرها إلى أيسلندا، وأثناء فترة نفيه أخذ إريك في البحث عن الموقع الجغرافي الذي أشار له النرويجي «غنبجرن يلفوسون» في القرن العاشر الميلادي ليكتشف جزيرة جرينلاند، التي أقام فيها مستعمرته.
ومن الملاحظ أن جرينلاند تتميز بطقس بارد أغلب فترات العام، مما يجعل أراضيها مكسوة أغلب الوقت ببياض الثلج، ولكن إريك حبَّذ تسميتها بهذا الاسم -الأرض الخضراء- مُعتقدًا أن الناس ينجذبون إلى العيش في منطقة تحمل اسمًا جميلًا.
بعد 18 عامًا من اكتشاف إريك الأحمر لـ «جرينلاند»، جاء ابنه «لييف إريكسون» ليُبحر عبر المحيط الهادئ ويصل إلى ما سُمي بـ «نيوفاوندلاند»، التي تقع الآن في شرقي كندا.
وفي ستينيات القرن العشرين كشف بعض الأثريين النقاب عن مبانٍ من التربة والحجارة لمستعمرات قديمة في جرينلاند، رُجِّح أن من ضمنها بيت إريك الأحمر، ليؤكد هذا الكشف المعلومات المُستمدَّة عن إريك من القصص الأيسلندية المكتوبة في أواخر القرن الثاني عشر والقرن الثالث عشر.