كلوب X سيميوني: لماذا لم يعد تبرير القُبح ممكنًا
في 2008، اتخذت إدارة دورتموند قرارًا غيّر وجه كرة القدم الحديثة ربما بشكل لم يحدث منذ ثورة أياكس ميتشلز في السبعينات، وهو انتداب يورجن كلوب للإدارة الفنية للفريق.
مهمة كلوب كانت صعبة للغاية إن لم تكن مستحيلة، دورتموند أنهى الموسم في المركز 13 بعد أن فاز في 10 مباريات فقط من أصل 34، تلقى فيها 62 هدفًا وأحرز 50، لا فريق يمكن العمل عليه، ولا موارد يمكن الاعتماد عليها، لا فريق رديف؛ باختصار لا شيء على الإطلاق.
بعد خمس سنوات كان البروفيسور المجنون يقود فريقه في نهائي دوري الأبطال بعد أن سجل رقمًا قياسيًا بالفوز بالكلاسيكير 5 مرات متتالية، حقق لقب الكأس والسوبر وفاز بلقبين متتاليين للبوندزليجا آخرهم كان بعدد قياسي من النقاط.
كل هذا لا يبدو مستحيلًا لهذه الدرجة، فمورينيو فاز بالبريميرليج في موسمه الأول في إنجلترا، وجوارديولا حصل على سداسية في أول عام تدريبي له على الإطلاق.
الإعجاز كان أن كلوب فعل كل ذلك ولم يكلف إدارة دورتموند مليمًا، في الواقع لقد ربحوا ما يعادل 200 ألف يورو تقريبًا من إجمالي التعاقدات من بيع وشراء.
أكثر من الملك
تعلمت أساليبي من سنيني في إيطاليا، وأنا فخور بالطريقة التي نلعب بها.
رغم وضوحه الساطع، لم يمنع تصريح التشولو ظهور كثير من النظريات التي تؤكد أنه لا يلجأ للدفاع إلا مضطرًا، وهي نظريات محقة بالطبع فمن هو سيميوني حتى يقول غير ذلك؟، ليس أكثر من مدرب الفريق.
X الوضع
لن تجد أشبه بالتشولو من قرينه في إنجلترا سلافان بيليتش، فالكرواتي قاد ويستهام لجمع 22 نقطة – أكثر من ثلث نقاطه الإجمالية – من أصل 30 نقطة في 10 لقاءات فقط أمام الخمسة الكبار في إنجلترا، مقابل فوزين من 6 لقاءات أمام الثلاثي الصاعد من التشامبيونشيب.
بالطبع لا يعاني سيميوني بنفس القدر أمام من يلونه في جدول الليجا كون إيقاع التنافسية وتقارب المستويات أقل في الليجا من نظيره في البريمييرليج. رغم ذلك تلقى التشولو 10 هزائم طيلة الموسم في كل البطولات، ثلاثة من برشلونة، وواحدة من كلٍ من فياريال، مالاجا، خيخون، ليفانتي، سيلتا فيجو وبنفيكا، بالإضافة لتعادله مع كل من ريال مدريد، ديبورتيفو، أشبيلية، فياريال، سيلتا فيجو، فاييكانو، أستانة وآيندهوفن ذهابًا وإيابًا في دوري الأبطال.
لذا وعلى عكس ما يشاع فالوضعية الدفاعية التي يتميز بها الأتليتي ليست مجرد وسيلة اضطرارية للفوز، بل هي غاية في حد ذاتها؛ ببساطة لأن الأرجنتيني لا يجيد طريقة أخرى للدفاع عن مرماه.
إيه اللى وداهم هناك؟
تلك الوضعية تأتي مجانًا أمام فرق مطالبة بالفوز دائمًا كريال مدريد وبايرن وبرشلونة حتى ولو لم يبادر الأتليتي بالتسجيل، والأفضلية هنا تأتي من اختلاف الدوافع خاصة في بطولات خروج المغلوب. فبينما يسعى الكبار لحسم أي مباراة بفارق مريح من الأهداف قد يكتفي سيميوني بالتعادل ذهابًا وإيابًا والتأهل بهدف اعتباري على طريقته المفضلة؛ المرتدات.
بالطبع لا يتلقى الأتليتي نفس الأفضلية أمام خصوم من طراز لاس بالماس وفاييكانو، وربما هذا ما يفسر أن 15 من أصل 19 مباراة فشل في الفوز بها هذا الموسم – 10 هزائم و9 تعادلات – كانت أمام خصوم أقل شأنًا.
أحسن من آرسنال والعراق
تتحدثون كثيرًا عن أسلوبنا الدفاعي الممل، أتريد أن تعرف ما هو الممل حقًا؟، أن يبقى آرسنال بلا دوري لأكثر من عشر سنوات رغم أنهم يلعبون كرة قدم ممتعة من وجهة نظركم – جوزيه مورينيو.
اليونايتد يكتسح إنجلترا، السيتي يُتوج سنويًا، البرازيل تفوز بالمونديال الخامس وتسيطر أسبانيا على العالم لبطولتي يورو ومونديال آخر، الألمان يلحقون بالسيليساو في عدد مرات الفوز بكأس العالم بينما يكتسح برشلونة طول أوروبا وعرضها، البايرن يتوحش والريال يسجل العاشرة الأوروبية، ليقرر السبشيال وان أن آرسنال هو أفضل مثال على الكرة الهجومية.
منطق الاستثنائي يأكل نفسه بنفسه.
كلوب يجيب
كيف تحول فريق بائس يفوز في مباراة من ثلاث لآخر رابح يلعب كرة هجومية ممتعة دون أن تنفق مئات الملايين؟.
كلوب وجد الحل للسؤال الذي فشل 99% من مدربي اللعبة في الإجابة عليه، النجاح للفريق والفرجة للجمهور، معادلة استعصت على كثيرين حتى أتى البروفيسور المجنون بالضغط العكسي أو ما يعرف بالجيجن بريسينج.
ففي الحالة الهجومية تُعد لحظة فقد الاستحواذ في نصف ملعب الخصم هي أسوأ وضعية تكتيكية ممكنة لأي فريق، وفي مرحلة ما قبل كلوب كان الخماسي/الرباعي الهجومي لأي فريق سيكتفي بالمشاهدة بينما تخرج الطولية العكسية للجناح المنطلق ويصبح وصول الخصم المنكمش لمرماك مسألة وقت لا أكثر، ضغط كلوب العكسي المبتكر زاد من حماية فريقه في الحالة الهجومية المنشودة من خطر المرتدات.
هنا استوحت فكرة النورمال وان رومانسيتها من كسر القاعدة الشهيرة التي كثيرًا ما أصابت بأن الكرة الهجومية مقصورة على الكبار لأنها تعتمد بشكل أساسي على الإمكانيات المادية التي تتيح استقدام مهاجمين وصناع لعب على مستوى عالٍ بإمكانهم الفوز في صراع الاحتمالات مع المرتدات والتفوق على أفضليتها التكتيكية المطلقة، ونقلت المعركة لمستوى أعلى لا يقتصر على ثقل الأسماء التي يمتلكها كل فريق والفروق بينها، بل يتخطاها إلى ما هو أبعد بدخول عوامل جديدة في المعادلة ككم الجهد المبذول من اللاعبين وفكر مدربهم.
جرائم باسم الواقعية
في ديسمبر 2011 تسلم سيميوني فريقًا على حافة الإفلاس، ثم نجح في قيادته للتتويج باليوروبا ليج والكأس في الموسم التالي قبل إذلال تشيلسي في السوبر الأوروبي برباعية.
ورغم أن التشولو اضطر لبيع أفضل لاعبيه في أول نافذة انتقالات برحيل كل من أجويرو ودي خيا إلى قطبي مانشستر، إلا أنه استغل الـ65 مليون يورو التي جمعها من بيعهم في التعاقد مع عدد من أبرز أعمدة فريقه في السنوات التالية بعين خبيرة وبمساعدة إدارة رياضية جديدة بالكامل من اختياره، منهم القائد جابي، تياجو مينديز، تيبو كورتوا، فيليبي لويز، أردا توران، بالإضافة إلى التيجري الكولومبي راداميل فالكاو الذي عوض رحيل الكون سيرجيو إلى بلاد الإنجليز، وحتى اللحظة سجلت إدارة الأتليتي ربحًا يعادل 35 مليون يورو من حصيلة معاملات بيع وشراء اللاعبين أثناء إدارة سيميوني للفريق.
المصادفة أكبر من أن تمر مرور الكرام، فالتشولو الآن يحتفل بمرور 5 سنوات مع الأتليتي، وإذا نحينا الكيف جانبًا فهو يكاد يتعادل مع إنجازات دورتموند تحت قيادة كلوب، الرجل الذي أثبت عمليًا أن الدفاع ليس الوسيلة الأفضل للتتويج بفريق ضعيف الإمكانيات.
لماذا لا أهاجم؟؛ لأنني لا أمتلك ميسي في فريقي.
نتكلم كفنيين
أيًا كان خصم دييجو فهو يتعامل مع شباكه على أنها شر لا بد منه؛ ما يضعه في واقع متناقض مع فلسفته هو الآخر، فهو مضطر للهجوم أمام أغلب الخصوم لتحقيق الفوز والمنافسة على أي بطولة – خاصة إذا كانت تتطلب جمع النقاط كالليجا – في تعارض واضح مع رغبته الدائمة في إبقاء فريقه في مناطقه الخلفية.
وضعية سيميوني الدفاعية تمنحه حزمة من المميزات بمجرد اتخاذها، إلغاء ميزة السرعة للمنافس في غياب المساحات وفي نفس الوقت تحقيق أكبر استفادة منها في المرتدات، الاحتفاظ بالتفوق العددي طيلة الوقت تقريبًا، وتصدير أسوأ وضعية نفسية وذهنية ممكنة للخصم بإجباره على صناعة اللعب في 20-25 مترًا فقط، والتمرير السليم في مساحات ضيقة في ظل تهديد شبح الهجمات العكسية؛ لذا ليس من الصعب تفهم إصرار التشولو عليها طول الوقت.
الحل السحري للمعضلة السابقة هو وضع كلوب في مقعد قيادة الأتليتي لبعض الوقت، والمفارقة هنا مثيرة للعجب، فالأرجنتيني لم يجد بدًا من استعارة تكتيك النورمال وان في الضغط العكسي لتسجيل هدف مبكر في بداية مبارياته يسمح له بالعودة لقواعده سالمًا وقضاء أكبر عدد من الدقائق في ثلثه الدفاعي؛ الهدف الرئيسي الذي أعدت منظومة سيميوني برمتها من أجله.
مد هجومي، ضغط الخصم في مناطقه، استغلال الأطراف سمة أساسية في أول 15 دقيقة من مباريات الأتليتي، أساليب قادت التشولو لـ23 فوزًا من 36 حققهم طيلة الموسم بنسبة 63%، والجدير بالذكر أن التسجيل في أول نصف ساعة تكرر في 16 منهم، بل إن دييجو نجح في افتتاح التسجيل في 6 من 10 مباريات خسرها، وهو الأسلوب الذي نقله الإيطالي رانييري لليستر سيتي هذا العام.
مكمن قوة فريق العاصمة في المواسم الأخيرة هو نجاح مديره الفني في إعداد لاعبيه لتحول تكتيكي مشابه، والتصميم على قصره على الدقائق الأولى من أي مباراة له حكمة ظاهرة:
*بالطبع يكون لاعبو الأتليتي في أفضل حالاتهم البدنية في بداية أي مباراة؛ لذا غالبًا ما ينجح إيقاعهم العالي في مباغتة خصومهم.
*إتيان الضغط بنتيجة عكسية كتلقي هدف يمنح الأتليتي كثيرًا من الوقت للتعديل، بينما تتراجع بالبديهة احتمالات تلقيه أي هدف في وضعيته المعتادة.
*إذا أسفر الضغط عن هدف مبكر فهذا يمنح سيميوني الفرصة لقضاء شوط كامل على الأقل في مناطقه الآمنة – تكررت 23 مرة من أصل 36 فوزًا – ثم اللجوء لشن العكسيات لزيادة الحصيلة.
عندك بديل؟
كلما انتُقدت الطرق الدفاعية المملة علت الأصوات الخمولة سائلة عن البديل، هل يفتح خطوطه لينهزم بالستة مثل خيتافي؟، هل يهاجم ريال مدريد لتمزق المرتدات شباكه بعشرة أهداف كفاييكانو؟، وهو تنويع آخر على منطق آرسنال المنكوب، وكأننا مجبرون على الاختيار بين طرفي العصا فإما الدفاع بعشرة لاعبين أمام لاس بالماس أو الهجوم بمثلهم أمام الريال.
والأوقع هنا أن هذا المنطق لا يدل إلا على طبيعة مردديه ومن ضمنهم سيميوني ومورينيو كذلك، فهم على الأغلب لا يرون إلا الحلول المتطرفة بالفعل، ولا يشاهدون الأتليتي إلا عندما يلاقي ريال مدريد أو برشلونة، حتى لتوشك على سماع المزايدة المعتادة عن رجال دييجو الذين يركضون في قيظ الصيف بينما يجلس الجميع على مؤخراتهم في مكاتبهم المكيفة.
أنا أو المتعة
لن ينكر معجزة سيميوني مع الأتليتي في السنوات الأخيرة إلا جاهل أو موتور، لكن غالبًا ما تكون المشكلة في الخلط الشائع المعتاد بين نُبل الهدف وقيمة الإنجاز من جهة وجمال الوسيلة من جهة أخرى، وغالبًا ما يغرينا النجاح بإضفاء كل صفات العظمة والروعة على صاحبه حتى ولو لم تكن حقيقية، وهو ما حدث مع التشولو لدرجة اعتباره غولًا تكتيكيًا، ولعل السبب هو ولعنا الشديد بالمُطلقات.
تخيل أن تشاهد موسمًا كاملًا من المباريات الدفاعية لتحقيق بطولة واحدة، فإذا خسرتها تكون قد أضعت من أعمارنا عامًا كاملًا من الملل – يوهان كرويف.
دييجو مدير فني خرافي، قدرته على التحفيز النفسي لا تُضاهى، ادارته المالية قابلة للتدريس في كليات الاقتصاد، علاقته ممتازة بلاعبيه، كشاف يتمناه الجميع في فريقه، باختصار هو بارع في كل ما هو خارج الملعب، ولكن في نفس الوقت لا يخفى على أحد قُبح منتجه التكتيكي في الملعب في كل 90 دقيقة يلعبها فريقه وخلوه من أي تجديد أو إبداع، وإذا كان مبررًا لدى كثيرين في المباريات الكبيرة فهو ليس كذلك في باقي الموسم.
وإذا كان التشولو قد وضع أندية كآرسنال وليفربول في مأزق بإنجازه الرائع عبر 5 سنوات، فكلوب قد وضع الجميع بما فيهم سيميوني نفسه في نفس المأزق بتجربة أكثر إثارة ومتعة وقابلية للفرجة كدورتموند، ففي أي فريق قد يمتلك المدرب ولاعبوه رفاهية المراهنة على النجاح والفشل، فلن يحصد المجد والمال أو يحرم منه سواهم في النهاية، أما الجماهير والمشاهدون فلا يتبقى لهم في آخر مشوار البطولة سوى الفخر والكبرياء؛ لذا ليس هناك كثير من المنطق في التضحية بهما أثناء الطريق.