مسلسل «حرب أهلية»: أوبرا الصابون وأشياء أخرى

روزاليندا شابة جميلة متزوجة من شاب مهووس بها يدعى فيرناندو، يعيشان حياة هانئة متحابة مع طفلهما الرضيع، لكن كل تلك السعادة تشي بالخطر، زوجة والد فيرناندو تكره روزاليندا، وفي يوم ولادتها تنتظرهم لتخبرها أن والدتها قتلت أباها، ومثل أي أحمق يصدقها فيرناندو ويترك زوجته وطفله، تخبر زوجة الأب الشريرة روزاليندا أن زوجها تركها، تسقط الفتاة مغشيًّا عليها من هول الصدمة فتخطف السيدة الشريرة الطفل، وعند معرفة روزاليندا باختطاف ابنها تجوب الشوارع كالمجذوبة حافية القدمين تسأل المارة عن طفلها.

تسقط روزاليندا مجددًا ثم يتم وضعها في مصحة للأمراض العقلية وتمضي أيامها تعتني بدمية مكان رضيعها ثم تسرق شريكتها في الغرفة تلك الدمية، ثم تشعل النار في نفسها متسببة في انفجار المبنى، يظن الجميع أن روزاليندا ماتت فيتم دفنها، يحزن زوجها لكنه يخونها مع أختها على أي حال، المفاجأة هي أن روزاليندا نجت من الحريق فاقدة للذاكرة، وتم إجبارها على عيش حياة الجريمة، يجدها رجل أعمال ويحولها لنجمة ثرية، وفي يوم ترى روزاليندا فيرناندو في حفلة موسيقية يعزف البيانو وتسترد ذاكرتها، وتهرع خارج القاعة تصدمها سيارة وبعدما تفيق من الغيبوبة، يتم إعلامها أن زوجها تزوج شقيقتها، تقرر الانتقام وتتزوج من شخص ثري لا تحبه، يهرع فيرناندو لإفساد الزواج ويستعيد حبيبته.

مريم طبيبة تجميل ناجحة، تركت زوجها الذي ارتبطت به بالإكراه وابنتها في سن صغيرة لأنها لم تحتمل إيذاءه لها، تعيش في مجمع سكني فاره مع ابنتها بالتبني نور ابنة عاملة المنزل المتوفاة، مريم تريد أن تستعيد ابنتها الحقيقية فتذهب بشكل مفاجئ لحفل عيد ميلادها فتقابلها ابنتها تمارا بالكراهية والعنف، تمارا فتاة تحمل صدمات الطفولة والإهمال الممنهج فتؤذي من حولها بدافع الغيرة وتكره الخير للناس، تصور صديقاتها في مواقف خاصة وتفسد علاقاتهن، مريم تملك الكثير من المشكلات تحاول حلها بمساعدة طبيبها النفسي يوسف الذي يتضح لاحقًا أنها متزوجة منه.

يقوم يوسف باستغلال مهنته ووحدة مريم وهشاشتها لكي يستولي على المستشفى الذي تملكه عن طريق رشوة أحد الأطباء لإقناعها بأنها مصابة بورم سرطاني وعلى وشك الموت، يدفعها ذلك إلى استئمانه على ممتلكاتها ووضع اسمه عليها، مريم توافق على زواج زوجها من أخرى تدعى فريدة، تكتشف فريدة الزواج الأول فتغضب طالبة أن يطلق يوسف مريم وهو ما يوافق عليه، يخون يوسف زوجته مع نادين زوجة زوج مريم الأول وتحمل منه وتكتشف فريدة ذلك، يملك يوسف تاريخًا عائليًّا مربكًا حيث كان زوج أمه  يتحرش بأخته، لكنه يعامل أخته مدمنة الكوكايين بتعالٍ وعنف، يظهر لاحقًا أن كلًّا من مريم وفريدة خططا للإيقاع بيوسف في خطة محكمة، وأن زواجه من فريدة كان متفقًا عليه من البداية وتتوالى الأحداث.

ما هي الروابط المحورية بين القصتين؟

تبدو الأسماء قادمة من ثقافات مختلفة كما أن الأحداث ليست متشابهة، لكن كلًّا منهم يعتمد على تكثيف غير منطقي للأحداث وشرور أسطورية تخرج من شخصيات عادية في إطار عائلي ومؤامرات غرائبية تحاك بين الناس ويتم تمثيلها بضحكات شريرة كرتونية، المسلسل الأول هو مسلسل مكسيكي يسمى روزاليندا، اختصار حكايته هو تفريغ لسلسلة فيديوهات كوميدية تسمى (التيلينوفيلا هي الجحيم) أما الملخص الثاني فهو ملخص مسلسل حرب أهلية بطولة يسرا وإخراج سامح عبد العزيز، وبالنظر إلى قصته فإنه يمكن حكيها بشكل مشابه لقصة روزاليندا.

السوب أوبرا المصرية

التيلينوفيلا telenovela هي نوع من المسلسلات التلفزيونية ترجع تسميتها لتقسيم الكلمة إلى تيلي من التليفزيون ونوفيلا من الرواية، يتم إنتاجها بشكل واسع في الدول الناطقة بالإسبانية، ويسميها البعض السوب أوبرا الإسبانية، وهي تملك سمات مشابهة للسوب أوبرا، لكن على نطاق أصغر، فتستمر حلقاتها من 30 إلى 45 وتدور حول شخصيات محددة على عكس السوب أوبرا التي يمكن أن تمتد لأعوام وتتفرع حكاياتها وشخصياتها مع مرور السنوات.

يميز السوب أوبرا soap opera وترجمتها الحرفية أوبرا الصابون ميلها للميلودراما واحتواؤها على فريق متنوع من الممثلين والتركيز على الأحداث العاطفية بشكل مفرط العاطفية، وترجع تسميتها إلى مسلسلات الراديو الأمريكية  قديمًا التي كانت ترعاها إعلانات لشركات الصابون، لكنها أصبحت مع الوقت نوعًا دراميًّا في حد ذاته يملك سمات نوعية مميزة أو طريقة لوصف تناول درامي ثقيل مليء بالمصادفات والمبالغات في الأعمال التليفزيونية.

تصدر اسم يسرا لعامين متتاليين أعمالًا من إخراج سامح عبد العزيز وتأليف أحمد عادل سلطان، تقع أحداث تلك الأعمال في أحياء ثرية وتدور حول علاقات أسرية متشابكة تنضح بالشر والمؤامرات وتتعقد بها مشكلات مثل الجنس والغيرة والخلاف على الميراث وتنتهي بانتقام مفصل، في كلا المسلسلين لا توجد شخصيات آدمية مثل التي تقدمها الدراما المعاصرة، أي شخصيات تملك تعقيدات الخير والشر في داخلها ويصعب الحكم عليها، بل هناك أشرار وأخيار واضحين دون لبس، ومؤامرات داخلية تتكشف وخيانات كبرى، حتى إن أسماء الأعمال تميل إلى المغالاة: خيانة عهد وحرب أهلية، مما يحيل الحياة العائلية إلى ساحة معركة عامرة بأعمال العنف المبتكرة، سواء كانت جسدية أو نفسية تصدر عن الأشرار، ثم تصبح مبررًا للأخيار وقت تنفيذ انتقامهم.

في خيانة عهد تنتقم فرح (حلا شيحة) من أختها عهد (يسرا)  بسبب تفريق الأسرة قديمًا في معاملتهما، تفعل ذلك عن طريق خطة إفساد ممنهجة لحياة ابنها لكي تكسر قلبها بأبشع الطرق، فرح تعمل طبيبة، يزيد ذلك من مصداقيتها وقدرتها على الخداع وسهولة وصولها إلى أجهزة طبية تمكنها من تحويل الشاب البريء سيئ الحظ إلى مدمن،كما تتفق مع صديقة والدته بأن توقعه في حبها وتجرحه وتفسد علاقاته، كذلك في حرب أهلية يعمل يوسف (باسل خياط) طبيبًا نفسيًّا لا يملك رحمة أو منطقًا، يفسد حيوات مريضاته ويستغل وحدتهن وهشاشتهن ولا يملك أي احترام لمهنته، يظهر مقطب الحاجبين وحاد الصوت ويتحول شره المطلق ذلك إلى أداء كارتوني مضحك في بعض اللحظات.

حروب داخل مساكن الأثرياء

في حرب أهلية تقع الأحداث في كومباوند معاصر بعيد عن المدينة، وتتورط الشخصيات فيما بينها في المشكلات والخلافات داخل تلك المساحة المحدودة، تذهب ابنة مريم البيولوجية تمارا (جميلة عوض) إلى منزل خطيب نور الابنة بالتبني (مايان السيد) لتخبر والدته أنها جارتهم في الوحدة 2 المجاورة لهم، من خلال ذلك المجتمع المنغلق تتصاعد الدراما فسهولة الوصول تمكن تمارا من نشر سمومها وتفسد علاقة أختها غير الشقيقة بدافع الغيرة من اختبارها الحب الصادق، تدور الأحداث في مجتمع دائري مغلق من الشخصيات المتيسرة ماديًّا تتنوع أكوادهم الأخلاقية وهو ما يحدد حجم الشرور القادرين عليها.

تستثنى نور القادمة من مجتمع متواضع أقل ثراءً، يميز ذلك المجتمع الدناءة وخيانة الأمانة فشقيق نور يسرق الأموال من مريم ولية نعمته وتتوزع حياة نور المضطربة بين الرفاه في منزل والدتها بالتبني حيث المثل العليا والشرور الكبرى والانحدار في منزل أخيها اللص المستغل، يتمثل المسلسل كله من ثنائيات رجعية قديمة الطراز لا تملك أي استدارة أو رمادية، حتى عندما تنتقل شخصية ما من عالم الأشرار إلى عالم الأخيار يحدث ذلك بشكل مفاجئ غير منطقي وكأن لمسة واحدة من حنان الأم تمحو ماضيًا من الإيذاء الذاتي والخارجي.

تتفرع خيوط العائلة فتضم أبناءً بيولوجيين وأبناءً ليسوا كذلك، وتتعقد أكثر فتضم أبناءً غير شرعيين يورطهم ذووهم في الحياة من أجل أموال الميراث، وهي من سمات السوب أوبرا، يظهر أبناء لم يعلم أحد عن وجودهم شيئًا ليفسدوا مناسبات كبرى مثل حفلات الزفاف وأحداث الولادة، يعكر ذلك التشابك العائلي والدنو الأخلاقي من صفو الاستقرار الأسري ويضخم من طمع الأفراد واستغلالهم للأطفال الأبرياء في مؤامراتهم الشريرة.

يستخدم سامح عبد العزيز في إبراز تلك الخيانات تقنية زوم تبدو قادمة بشكل مباشر من التيلي نوفيلا الإسبانية، زوم مفاجئ مضحك على وجوه الشخصيات بينما تنكشف خيانتها أو تفكر في الشر، أو زوم للخلف يكشف عن شخصيات تتآمر على أخرى لم نعلم بوجودها في الإطار، تعزز تلك المفاجآت والأساليب التي تبدو غير معاصرة وقادمة من زمن آخر من حالة السوب أوبرا المغالية غير الواعية بذاتها.

عادة ما تورط تلك الخطوط القصصية نوعًا معينًا من المشاهدين ينغمس في الحيوات الأسرية والظلم الواقع من الأشخاص بعضهم على بعض وربما يستدعي ويتأمل حياته الخاصة وعلاقاته المضطربة مع أقربائه الأشرار بدرجة أكثر واقعية بالطبع، في العام الماضي تحقق ذلك التوحد مع الشخصيات والظلم الواقع عليها فتأثرت الأمهات بشكل يمحو الفاصل بين ما هو واقعي وما هو درامي بسبب العذاب الذي تتعرض له يسرا كأم والتعاطف الكبير مع شخصية ابنها (خالد أنور ).

تلعب يسرا ذلك العام دور أم كذلك لكن ابنتها هي إحدى الشخصيات التي تَؤُزُّ شرًّا ولا يمكن الاطمئنان لتغيرها فلم تجتذب التعاطف نفسه، كما أن وجود أعمال أخرى ذات تعقيدات عائلية أكثر واقعية وأقل مسرحية اجتذبت الناس بشكل أكبر، وجدوا فيها نسخًا أقرب لأنفسهم وتفاعلوا مع شخصيات أكثر تعقيدًا يمكن الجدال على صحة تصرفاتها وتفهم دوافع شرها أو تغيرها للأفضل، في حرب أهلية يضحك الأشرار عاليًا ويبكي الأخيار منهزمين حتى ينتصروا، لا توجد مساحة للتفكير في الشخصيات كأشخاص يمكن أن يتواجدوا خارج سوب أوبرا فتنسى فور الانتهاء من مشاهدتها.