حرب أهلية جهادية: المعركة بين داعش والقاعدة تستعر
محتوى مترجم | ||
المصدر | ||
التاريخ | ||
الكاتب |
تعد حادثة إطلاق النار الهمجية في ملهى «بالس» بأورلاندو – التي أسفرت عن مقتل 49 شخصًا وإصابة 53 آخرين – الحلقة الأخيرة ضمن سلسلة من الهجمات الإرهابية في الغرب. من المبكر للغاية تحديد ما إذا كان مرتكب المذبحة، عمر متين، قد تم توجيهه من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، أم أن التنظيم قد ألهمه فقط.
نقطة الالتقاء بين داعش والقاعدة
لكن الهجوم، الذي يأتي في أعقاب الهجمات في باريس وبروكسل وفي أوج دعوات التنظيم المتكررة لتنفيذ هجمات «الذئاب المنفردة»، يعكس اهتمام داعش المتزايد بتوسيع ساحة المعركة إلى الغرب. يلوح هنا تساؤل محوري حول ما إذا كانت تلك الهجمات تشير أيضًا إلى تحولٍ لما يسمى بالخلافة نحو الفكر الجهادي العالمي الخاص بالقاعدة. إن كان ذلك صحيحًا، فالعواقب واضحة: إن أصبح داعش بالفعل أشبه بالقاعدة، فإن التنظيمين قد يتعاونان يومًا ما، وبالتالي، سوف ينمو التهديد للولايات المتحدة. أشار باحث شؤون الإرهاب البارز، بروس هوفمان، مؤخرًا إلى أن الاتحاد بين داعش والقاعدة ممكن في النهاية، رغم العداوة الحالية بينهما.بالتأكيد، هوفمان متحفظ؛ حيث يركز على علاقات التنظيم خلال خمسة أعوام، وليس في المستقبل القريب. كما يطرح احتمالية حدوث تعاونٍ دون اتحاد، والذي سيتخذ شكل تحالفٍ أو تعاونٍ تكتيكي. في الواقع، ربما يعد خطر تحالف التنظيمين في عام 2021 أقل مخاوف الغرب. فحتى الآونة الأخيرة، ركز الباحثون والمعلقون على خطر استيعاب القاعدة داخل التنظيم الأنجح، داعش. لكن سلسلة هزائم داعش في تدمر، الرمادي، سنجار ومواقع أخرى قلبت المعادلة. فمثل هذه الهزائم قد يغير الديناميات داخل الحركة الجهادية، مع تداعيات كبيرة بالنسبة للحروب في سوريا والعراق وللحرب ضد الإرهاب في الغرب.للوهلة الأولى، لا يعد زعم هوفمان غير معقول. ففي النهاية، يتشارك التنظيمان أوجه شبهٍ مذهلة: كلاهما ظهر من الفرع السلفي من الإسلام، يسعيان لإعادة الخلافة، ويستخدمان العنف العشوائي ضد الغربيين. بل إنه في تجسد سابق، كان داعش فرعًا للقاعدة. ومع ذلك، تظل احتمالية اتحاد قوات التنظيمين قليلة.تتجاوز الاختلافات الكبيرة بين التنظيمين التفاوت الواسع بين قوتيهما. فداعش يعمل كدولة، يسيطر على أراضٍ واسعة بها ملايين السكان، بينما يعمل تنظيم القاعدة بشكل رئيسي كمنظمة لديها موارد أقل كثيرًا. إلى حد أنه حتى مع استحواذ أفرع القاعدة على أراضٍ، فإنها أصغر كثيرًا من حيث الحجم والأهمية الإستراتيجية من الأراضي التي يسيطر عليها داعش. ورغم أن داعش قد وضع الأولوية لإعادة الخلافة، يرى القاعدة هذا الأمر كخطوة ينبغي تأجيلها إلى حين تضمن الأوضاع صمودها.علاوة على ذلك، بعد ردة الفعل التي تبعت انهيار الفرع العراقي عام 2008 – وهو ذات الفرع الذي بُعث مجددًا وأصبح داعشًا – سعى القاعدة إلى أن يظهر بمظهرٍ ألطف. فقد تعلم التنظيم أيضًا من الربيع العربي. حيث اعتقد أسامة بن لادن وخليفته، أيمن الظواهري، أن التنظيم سيحتاج إلى أسر قلوب وعقول مسلمي المنطقة لينجح. وبالتوازي مع تركيزه المتزايد على الشعوب المسلمة، استنكر القاعدة إعلان داعش قيام الخلافة، ليس فقط لأنها خطوة سابقة لأوانها، لكن أيضًا لأنها غير شرعية، حيث حرمت تلك العملية المسلمين من اختيار الخليفة وعززت الانقسامات بدلًا من الاتحاد.وِفق الخبير بالشؤون السورية، تشارلز ليستر، لا يزال تنظيم القاعدة يرغب في تأسيس إمارة – ويقصد بذلك صورة متواضعة من الكيان الإسلامي، مقارنة بالخلافة – في شمالي سوريا، لكن ما إذا كان التنظيم سيسعى وراء ذلك أم لا؛ يعتمد إلى حد كبير على قدرة فرعه السوري، جبهة النصرة، على كسب دعم التنظيمات الإسلامية الأخرى البارزة، وأهمها أحرار الشام. في الحقيقة، اعتمد تنظيم القاعدة بشكل متزايد على التعاون مع التنظيمات الإسلامية الأخرى وعلى تشارك السلطة في المواقع التي سيطر عليها.على النقيض من ذلك، يرفض داعش تشارك السلطة. ويصر على قبول التنظيمات الجهادية الأخرى لتوليه السلطة، خصوصًا في العراق وسوريا. في بعض المواقع، مثل نيجيريا ومصر، تحافظ التنظيمات التي انضمت إلى الدولة الإسلامية على بعض الاستقلال. فقد قُبل تنظيما بوكو حرام وأنصار بيت المقدس جملةً كجيشين للخلافة يتلقيان التوجيهات والموارد من داعش مع حفاظهما على هيكليهما التنظيميين. ومع ذلك، فإنه في الأغلب، أفضل ما قد يتطلع إليه الإسلاميون الآخرون هو العمل كأفرادٍ ضمن قوات داعش. وقد كان مجرد إعلان أبو بكر البغدادي خليفةً مقصودًا، ضمن خطوات أخرى، لتبرير إجبار التنظيمات الجهادية الأخرى على قبول سلطة داعش ولتقديم أي نقد كتمرد على الخليفة الشرعي المزعوم، ما يسدعي توقيع عقوبات شديدة.سيتطلب التعاون المثمر بين داعش والقاعدة من الأول التنازل عن المطالبة بطاعة التنظيمات المحلية، وعن خطابه القاسي بشأن التنظيمات الإسلامية الأخرى، وهو تحول مستبعد بشدة. بدلًا من ذلك، قد ينتج التعاون من تغير في موقف القاعدة تجاه فرعها السابق وقبول سلطته. وفي ضوء الضغائن الكثيرة بين التنظيمين، تبدو احتمالية حدوث ذلك صغيرة.
دوافع التحالف بين التنظيمين
ومع ذلك، رغم أن داعش والقاعدة يتبنيان إستراتيجيات مختلفة، يجعل تدخل القوى الغربية، الروسية والإيرانية في الحروب بالعراق وسوريا الأمر ممكنًا أن يتجاوز التنظيمات خلافاتهما. ففي النهاية، يؤدي الضغط المتزايد من القوى الخارجية إلى مزيدٍ من التقارب لرؤيتي التنظيمين بصدد التهديدات ويعمق مصالحهما المشتركة. ومن وجهتي نظريهما، يؤكد وجود القوات الأجنبية مزاعمهما بأن هناك حربًا على الإسلام السني، أن الدول السنية لا تهتم بشأن إخوانها السنة في سوريا والعراق، وأن معظم التنظيمات المتمردة التي تدعمها تلك الدول لا يمكن الوثوق بها.
ما سيكون تجاوزه أصعب هو تعطش داعش للسلطة إلى جانب معارك الكبرياء بين قادة التنظيمين، المصالح التنظيمية المتباينة للتنظيمين، ونهجيهما المتعارضين في التعامل مع المسلمين. فحتى مع مواجهته لضغط هائل على عدة جبهات، لا يزال داعش يفضل دعوة مؤيديه حول العالم لتنفيذ هجمات الذئاب المنفردة على السعي للتأقلم مع التنظيمات الجهادية الأخرى. ورغم انشغال داعش بالسيطرة، يرحب التنظيم بالهجمات التي ينفذها أفراد لا يمكنه توجيههم لكنه يرفض أن يقدم أي تنازلات لتنظيمات أخرى من شأنها أن تقوض مطالباته بالسلطة.مع معارضته لاعتبار رؤسائه السابقين بالقاعدة مساوين له، اتجه داعش إلى تكتيكاتٍ للتخريب. يحاول داعش تقويض القاعدة من الداخل، حيث ضغط على الأفرع القديمة للتنظيم لتحويل ولاءاتها. من اللافت للنظر أن القاعدة كان قادرًا على الصمود أمام الهجمة الشرسة حتى الآن، مع تأكيد جميع أفرعه على الولاء للظواهري. نجح داعش بشكل أفضل مع جنود مشاة القاعدة الأكثر حساسية تجاه دعاية داعش. واجهت جميع أفرع التنظيم دعواتٍ من المقاتلين للانضمام إلى الخلافة. حتى أن شرائح صغيرة، بمن فيها بعض الشخصيات رفيعة المستوى، قد انشقت للانضمام لداعش. ومع ذلك، يظل القاعدة صامدًا؛ حيث تعلن تنظيمات أصغر ولاءها لجبهة النصرة، يدرب تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية مئات المتطوعين الجدد في أفغانستان، ويوسع تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي نطاق هجماته ليشمل مواقع جديدة في غرب أفريقيا.تشير قدرة القاعدة على الصمود في وجه صعود الدولة الإسلامية إلى أنه لن يستسلم الآن، خصوصًا بما أن داعش يعاني من الهجمات العسكرية ويخسر سيطرته على الأراضي بسرعة. في ذات الوقت، قد يتعاون أعضاء التنظيمين، خصوصًا خارج الشرق الأوسط حيث تلعب الصلات الشخصية عادة دورًا أكثر وضوحًا من الانتماءات التنظيمية. علاوة على ذلك، رغم أن تراجع حظ داعش سيؤدي على الأرجح إلى تقليل جاذبيته وتخفيف الضغوط عن القاعدة، يمكنه أن يؤدي بجنود مشاة القاعدة إلى دعوة قادتهم إلى المساعدة في تقليل الضغوط على داعش.للعلاقة المتغيرة بين داعش والقاعدة آثارٌ هامة بالنسبة لصناع القرار الأمريكيين. رغم أنه يتعين على الولايات المتحدة التعامل بقوة مع تهديد التنظيمين، ينبغي عليها دراسة الخطر الحقيقي الناتج عن أن بعض أفعالها ستؤدي في النهاية دون قصد إلى توحيد المعسكر الجهادي. تتمثل إحدى طرق هز العلاقات بين التنظيمين من جانب الولايات المتحدة في اغتيال البغدادي والظواهري. ويعد استمرار قصف جبهة النصرة مع إجبار التنظيمات المتمردة السنية الأخرى في سوريا على قبول اتفاق سلامٍ يترك الأسد في منصبه أمرًا آخر.رغم أنه من غير المرجح أن يتعاون التنظيمان في هذه المرحلة، تتغير الساحة الجهادية سريعًا. وعلى أقل تقدير، يعني الترابط بين التهديدات التي يشكلها التنظيمان أن الولايات المتحدة عليها اعتماد تقييمٍ أكثر شمولًا للتهديدات التي يمثلانها. باختصار، ستكون الولايات المتحدة وحلفاؤها أذكياء إن أوْلَوْا المزيد من الاهتمام إلى العلاقات بين داعش والقاعدة، مع الأخذ بعين الاعتبار كيفية تأثير الإجراءات المتخذة ضد أحد التهديدين على الخطر الذي يشكله الآخر، والذي تشكله الحركة الجهادية الأوسع.