السيتي 5-0 ليفربول: لا تصدق أن ماني هو سبب الخسارة

لا يمكن الجزم دائمًا بحتمية فكرة معينة طالما أن الواقع المفترض للفكرة يختلف ويتبدل تبعًا للظروف المحيطة والأحداث المتغيرة التي تطرأ على هذه الحالة، وهذه الفكرة تحتاج لإخضاعها لعدة اختبارات قبل حسم نتيجتها، لكن فكرة أن ليفربول لن يكون منافسًا حقيقيًا على لقب الدوري الإنجليزي الممتاز لهذا الموسم يبدو أنها بدأت تتجلى شيئًا فشيئًا رغم الانتصار العريض في الجولة الماضية على نادي أرسنال، واليوم أثبت ليفربول كما أشرنا سابقًا في مقال خاص تحدثنا فيه عن حظوظ الأندية الكبرى في الحصول على اللقب؛ بأن ليفربول لن يكون ضمن دائرة المرشحين الجديين إذا لم يقم بتدعيمات لتشكيلته تساعده في رفع سوية الفريق لتصل إلى سوية الفرق الأخرى التي قامت بتعاقدات مميزة.

ورغم التعاقد مع المصري محمد صلاح نجم نادي روما، والإبقاء على النجم الأول للفريق فيليب كوتينيو، فإن ليفربول يدفع ثمن تراخيه في حسم الصفقات التي سعى لها منذ بداية السوق، فلا نابي كيتا جاء هذا العام، ولا فان دانيك تزحزح من مكانه في مدينة ساوثهامبتون، ليقع ليفربول ومدربه الألماني يورجن كلوب ضحية لسوء تعامل المسئولين الإداريين وفشلهم في حسم الصفقات، وبكل تأكيد لا يوجد نفع للندم بعد إقفال السوق وباب الانتقالات في مطلع الشهر الحالي.

على الكفة المقابلة، كان المضيف مانشستر سيتي على أتم الاستعداد لحسم المواجهة مع اكتمال تشكيلته وتعدد الخيارات بين يدي بيب جوارديولا الذي صرف بسخاء في السوق من أجل تفادي المطب الذي تعثر فيه الموسم الماضي، ولكي لا يعض أصابعه كما يفعل خصمه الليفربولي.

ما قبل المباراة

في المؤتمر الصحفي للمدربين قبل بداية المباراة، أكد كلوب استمرار غياب كوتينيو عن التشكيلة المستدعاة للنادي بسبب سفره ومشاركته مع منتخبه البرازيلي في تصفيات كأس العالم، برر كلوب قراره باستبعاد البرازيلي بأنه يحتاج للراحة والتجهيز للفترة المقبلة من الموسم بدلًا من الزج به وهو غير مكتمل اللياقة البدنية. قرار كهذا أعطى لمحة أولية عن الشكل النهائي لتشكيلة الريدز التي ستفتقد للعنصر الذي يمنح الفريق مزيدًا من السيطرة على الكرة، وهذا أمر يحتاجه كلوب أمام فريق يعرف جيدًا كيف يتحكم بالكرة.

أما جوارديولا فأعلن عن غياب قائد فريقه فينسنت كومباني بسبب الإصابة، وعودة الألماني جوندوجان إلى التشكيلة بعد غياب طويل الأمد، وأكد الإسباني أن مواجهته لكلوب تعد مناسبة مميزة بالنسبة له؛ لأنها بمثابة درس سيتعلم منه أمرا جديدا، وبسبب محبته لأسلوب لعب ليفربول.

الشوط الأول، مابين قلة الخيارات ووفرتها

بدأ ليفربول المباراة بخطته المعتادة 4-3-3 باعتماده على الشاب أرنولد في مركز الظهير الأيمن بدلًا من الإبقاء على الظهير جو وجوميز الذي قدم مباراة جيدة أمام أرسنال في الجولة السابقة، وقرر كلوب أيضًا التخلي عن الكرواتي لوفرين والزج بالإستوني رانجر كلافان يعيبه البطؤ وسوء التمركز والتمرير. بينما استمر الوضع على ما هو عليه في خط الوسط بتواجد الثلاثي «إيمري جان – هيندرسون – فينالدوم» الذي يفتقد للمهارة اللازمة للسيطرة على الكرة أو التنويع في خيارات التمرير واللعب.

خيارات كلوب في مراكز الأظهرة أظهرت أنه يعاني من غياب الجودة، وأيضًا أظهرت أنه لم يفكر كثيرًا بخيارات خصمه الذي يهوى كثيرًا توسيع رقعة اللعب، والذي يملك في الآونة نفسها أفضل الخيارات الهجومية على الأطراف سواء كانت الأسماء تلعب في مراكز الهجوم أو الدفاع.

أما جوارديولا فوضع التشكيلة الأمثل في ظل غياب القائد كومباني بالاعتماد على دانيلو في مركز قلب الدفاع، والظهيرين ميندي ووالكر على الطرفين الأيسر والأيمن. بينما اعتمد على الثنائي دي بروينه ودافيد سيلفا خلف المهاجمين جابرييل جيسوس وكون أجويرو في خط الوسط والمقدمة. جوارديولا فضل الإبقاء على لاعبه ساني والوافد الجديد بيرناردو سيلفا بجانبه في الدكة بسبب تواجد من هو قادر على تهديد الدفاع الليفربولي الهش داخل أرض الملعب.

منذ اللحظة الأولى التي ترى فيها التشكيلة ستدرك أن مهمة السيتي الهجومية لن تكون صعبة بسبب مواجهته لأضعف خط دفاع يمكن أن يواجهه ضمن المواجهات التي تندرج تحت اسم «مواجهات القمة»، وجوارديولا بكل تأكيد كان مدركًا لذلك، لذلك قرر الاستمرار بثنائية أجويرو وجيسوس الهجومية رغم مواجهته لأحد الأندية الكبرى. جوارديولا أظهر باختياراته أنه فكر كثيرًا بالقوة الضاربة والهجوم السريع لأجنحة ليفربول لذلك قرر الاعتماد على ميندي ووالكر للحد من خطورة ماني ومحمد صلاح.

ساديو ماني، القشة التي قسمت ظهر البعير

ساديو ماني يجلس على أرض الملعب بعد الطرد

كالعادة بدأ جوارديولا المباراة بهدف السيطرة الكاملة على مجرياتها وحسمها منذ شوطها الأول كما يرغب دائمًا، فهدد السيتي مرمى الريدز في أكثر من مناسبة وكانت الرغبة في الانتصار واضحة منذ البداية. ليفربول أيضًا سعى لاقتناص الهدف الأول من خلال بعض الفرص، لكن عاب لاعبيه التسرع في بعض اللحظات وغياب الحسم والتركيز من عناصر المقدمة وخط الوسط في لحظات أخرى. وكانت ذروة نقص التركيز ظاهرة وحاضرة في لقطة الهدف الأول للسيتزنز في الدقيقة الـ24، والتي استغلها دي بروينة بتمريرة مميزة وسريعة وضع فيها أجويرو وحيدًا في مواجهة مينوليه الذي لم يتمكن من إيقاف الأرجنتيني والذي تمكن من مراوغته بسهولة.

لاحقًا حاول ليفربول تعديل النتيجة، لكن مرة أخرى لم يفلح محمد صلاح وساديو ماني في استغلال الفرص التي أتيحت لهما، لكن السنغالي يبدو أنه لم يكتف بإهدار الفرص التي أتيحت لفريقه، بل قتل كل آمال فريقه في تعديل النتيجة بعد طرده بسبب اعتدائه الخشن على حارس المان سيتي أثناء محاولتهما الوصول إلى الكرة، ليصبح المشهد واضحًا حينها بأن ليفربول في طريقه لتلقي خسارته الأولى هذا الموسم بسبب طرد أبرز لاعب في الفريق وصاحب جائزة أفضل لاعب في الشهر الماضي في البطولة. لم يطل الوقت حتى جاء الهدف الثاني للسيتي عن طريق جيسيوس بعد غفلة جديدة من مدافعي الريدز ليتأكد حينها أن المباراة انتهت بشوطها الأول، وأنه لا مجال لعودة ليفربول المنقوص أهم لاعبيه أمام فريق يبرع جيدًا في استغلال ظروف كهذه.

استسلام كتيبة كلوب وخسائر فادحة

بعد سيناريو الشوط الأول الذي أنهاه السيتي بتقدمه بهدفين، أدرك الجميع أن عودة ليفربول مستحيلة، لكن لم يتوقع كثر هذا الانهيار التام في الفريق. ليفربول لم يحاول إزعاج خصمه إطلاقًا منذ بداية الشوط الثاني، فلم يضغط بشكل جيد على دفاعات السيتي، ولم يحاول تضييق المساحات على خصمه وقتل المباراة بشكل عملي. استمر فريق كلوب بذات الضياع وكأن الطرد قد زاد الطين بلة وفقد اللاعبون ومدربهم الرغبة في إكمال اللقاء بعده.

وبعد مضي 8 دقائق فقط من الشوط الثاني، جاء الهدف الثالث بأقدام جيسوس في سيناريو مكرر للهدف الأول، تشتت دفاعي وسوء تمركز، تمريرة سريعة من لاعبي الوسط، وانفراد صريح سهل من مهمة أجويرو وجيسوس في تسجيل الهدف. ورغم محاولة كلوب تغيير الواقع المرير لفريقه بإجرائه بعض التغييرات، إلا أنها أظهرت مجددًا أن ليفربول يفتقد للجودة، ولم يقم بسوق مميزة، ولم يدعم الفريق كما يجب. على عكس السيتي الذي استبدل جيسوس بالشاب سانيه، ومدافعه أوتاميندي بالفرنسي مانجالا.

الألماني سانيه استغل فرصة تواجده على أرض الملعب بشكل جيد، واستطاع تسجيل ثنائيته الأولى في الملاعب الإنجليزية بطريقة مميزة في كلا الهدفين، بعد تحرك رائع في الأول، وتسديدة مميزة في الثاني عجز مينوليه عن الوصول إليها. وفي كلا الهدفين فشل دفاع ليفربول في المراقبة والضغط على حامل الكرة، ما منحه حرية كبيرة في الحركة والتسديد في ظل غياب الرقابة.

بانتظار يناير ونهاية الموسم

مجددًا، لن ينفع الندم بعد نهاية السوق، ولن يحل المشاكل التي تواجه ليفربول في الخط الخلفي الذي يفتقد لقائد حقيقي، ولا في خط الوسط الذي يحتاج لمحرك رئيسي يتسم بالفاعلية والحركية. كلوب بعد المباراة تحدث عن حاجة فريقه للدفاع بشكل أفضل، لكن الخيارات لن تتوفر الآن، وعلى كلوب العمل بشكل أكبر لحل هذه المعضلة ريثما يأتي يناير الذي سيحمل معه خيارات إضافية بكل تأكيد منها العودة لمفاوضات فان دايك مع ساوثهامبتون.

أما جوارديولا فأبدى جاهزية كبيرة ستزداد مع تقدم مراحل الموسم وجولاته، وبكل تأكيد لن يحتاج الإسباني لتعاقدات يناير لأنه جهز العدة لذلك قبل انقضاء سبتمبر. السيتي يمتلك هذا الموسم أفضل تشكيلة يحلم بها مدرب وفيها خيارات متنوعة ومهارية. وأداء اليوم المبهر من جانب السيتي يؤكد أن جوارديولا يفكر منذ الآن بنهاية الموسم التي يطمح فيها لتحقيق لقب أو أكثر، وبكل تأكيد هو قادر على ذلك وسيمضي قدمًا نحو هذه الغاية.