لم تحلم جماهير مانشستر يونايتد بليلة كروية أفضل من ليلة البارحة طيلة العام الحالي، فبعد بداية متعثرة وسيئة في مباراة حسم الدوري أمام الجار اللدود، مانشستر سيتي، نجح الشياطين الحمر في إيقاف زحف جيش المواطنين نحو جنة الألقاب والكئوس، وعكسوا تأخرهم المستحق، بهدفين في الشوط الأول، إلى انتصار أحق في الشوط الثاني.

أما على النقيض والطرف الآخر من المدينة، كان السيتزنز وجماهيره يعدون العدة للاحتفال باللقب مبكرًا بعد ليلة عصيبة في الأنفيلد رود قبل أيام. لا يوجد أفضل من مناسبة كهذه لمحو آثار الهزيمة المريرة أمام الريدز لإعطاء الحافز للاعبين بمقدرتهم على تخطي عقبة الإياب في حال تجاوزهم لليونايتد وحسم اللقب معًا.

أمر بدا للوهلة الأولى أنه سهل المنال بعد هدفين متتالين خلال نصف الساعة الأول من المباراة، لكن إيمان اليونايتد بضرورة تحقيق الفوز من أجل كسر شوكة البطل كان له أثر إيجابي على الأداء، ومكنهم من تحقيق هذه الغاية المزدوجة بعد معاناة جمة في البدايات.


ما قبل المباراة: الكل راضٍ عن نفسه

لم يخل المؤتمر الصحفي من سجال مدربي الناديين كما المعتاد بينهما. فعلى الرغم من تأكيد «جوارديولا» أن اللقاء والنتيجة لا يتعلقان بالسجال الدائر منذ سنوات بينه وبين البرتغالي، بل يدور حول الناديين ولقب الدوري ليس إلا. فالدوري أقرب للحسم ولا حسابات معقدة تعترض المباراة سوى إثبات الأحقية واسترداد جزء من الكرامة بعد خسارة لقاء الذهاب والدوري.

الإسباني حاول تجهيز فريقه وجمهوره للانتصار بعد إقراره بالرغبة الكبيرة التي في داخله لحمل اللقب كما حمله «السير أليكس فيرجسون» عندما كان بيب طفلًا صغيرًا. في الوقت نفسه حاول جوارديولا تجنب وضع لاعبيه تحت ضغط مضاعف من خلال هذه التصريحات،فقال:

لدينا ست فرص للفوز في مباراتين، هناك مناسبات أخرى لتحقيق اللقب.

أما مدرب الشياطين الحمر فأكد ضرورة تحقيق النصر في الديربي من أجل مصلحتهم الشخصية لا من أجل تأخير فرحة الخصم. أمر عبر عنه «مورينيو» بوضوح في مؤتمره الصحفي، مؤكدًا أن الفوز سيجعلهم لأسبوع إضافي في مركز الوصافة بدلًا من الحلول ثالثًا أو رابعًا.

ولأننا في الوصافة منذ أشهر عديدة، حافزي الأول هو الحفاظ على المركز الثاني، وهدفنا هو الكفاح من أجل ذلك.
جوزيه مورينيو عن رغبته في الحفاظ على مركز الوصافة

صافرة البداية

نتيجة للجدول المزدحم والمواعيد المهمة التي تنتظر مان سيتي في قادم الأيام، قرر جوارديولا إراحة أهم لاعبيه في موقعة الحسم من أجل تجهيزهم بالشكل الأمثل لمواجهة يوم الثلاثاء أمام ليفربول. الإسباني قرر إجلاس «دي بروينه» و«خيسوس» إلى جانبه على مقعد البدلاء والزج بـ «برناردو سيلفا» و«الكاي جوندوجان» منذ البداية. على الرغم من غياب نجمي الفريق كانت التشكيلة مكتملة ولا ينقصها الأسلحة التي يحتاجها الإسباني للوصول لحلمه في تحقيق الدوري الكروي الأصعب في أوروبا.

تشكيلة الفريقين ( المصدر:www.whoscored.com )

أما مورينيو فدخل بتشكيلة قوية كان عمادها خط منتصف يغلب عليه القدرة البدنية تاركًا المهارة والسرعة لخط المقدمة المكون من «سانشيز- لوكاكو – لينجارد». في المؤتمر الصحفي تم توجيه سؤال لجوزيه عن مباراة خصمه أمام ليفربول، إن قدمت له الفائدة في كيفية إيقاف هجوم السيتي أو بعض الأفكار المستفادة للتسجيل في مرماهم. إجابة الرجل الاستثنائي كانت قصيرة ومقتضبة وبلا أي إسهاب في الشرح، وكانت «لا» فقط.


شوط للنسيان

على الرغم من معرفة الجميع بطريقة إيقاف السيتي، فإن مورينيو فضل الدفاع عن مرماه رغم تصريحه بأن الهدف الأول هو كسب النقاط من أجل البقاء وصيفًا. منذ الدقائق الأولى، كان واضحًا أن مورينيو لم يأت بفكرة جديدة للحد من سطوة السيتي الهجومية.

يمكن تشبيه البرتغالي بطالب كسول يذهب للمدرسة من أجل النوم لا العلم، وعندما يكون مستيقظًا يهز رأسه كدلالة على الاستيعاب رغم أنه عكس ذلك. مورينيو كان يعرف طريقة حل المعضلة التي تواجهه بكل تأكيد، لكنه كان متخوفًا من الوقوع في الأخطاء، ففضل التريث والتفكير مطولًا قبل الإجابة.

خلال نصف الساعة الأول من المباراة استطاع السيتي تهديد مرمى خصمه في العديد من المناسبات. فريق الإسباني كان يعرف تمام المعرفة ما هي المهام الواجب تنفيذها داخل الرقعة الخضراء، سيطرة مطلقة على المباراة بلا أي تهديد من الخصم.

حيث تمكن السيتي من تسجيل هدفين متتالين خلال 5 دقائق بعد فشل الدفاع في مراقبة البلجيكي «كومباني» الذي ارتقى وحيدًا بعد هربه من الرقابة المزدوجة لـ «سمولينج» و «بوجبا». أما جوندوجان فاستطاع مضاعفة الغلة برشاقة بعد خداع «ماتيتش» من خلال الدوران بجسمه 180 درجة داخل منطقة الجزاء كأنه يراقص الكرة على أنغام الفلامنكو.

تسديدات الفريقين والأخطاء المرتكبة خلال ال30 دقيقة الأولى من المباراة

هذا النجاح الأزرق قابله مردود صفري من الحمر، كثير من الفوضى بلا أي وجود ملموس للاعبيه سواء في التسديدات أو التدخلات الحاسمة أو حتى الأخطاء المرتكبةعلى عناصر الخصم. لاعبو اليونايتد ترجموا بشكل دقيق ما يدور في خلد وكينونة مدربهم الذي كان يسعى خلال مجريات الشوط للمزيد من الدفاع خشية تلقي مزيد من الأهداف. بطبيعة الحال هذا الأمر كان يسيرًا للسيتي لولا رعونة رحيم ستيرلينج في إنهاء الفرص المتاحة له، والتي كانت ستنهي المباراة منذ شوطها الأول.


وشوط آخر للذكرى

تسديدات الفريقين والأخطاء المرتكبة خلال الـ30 دقيقة الأولى من المباراة، سيتي، مانشستر يونايتد

سيناريو الشوط الأول كان له أثر مغاير على لاعبي الفريقين عند انطلاق الشوط الثاني. تراخٍ كبير من لاعبي السيتي بأمر من مدربهم الذي يسعى لإراحة لاعبيه وتوفير الجهد البدني لمباراة الإياب أمام ليفربول. كأنهم شعروا بسهولة المهمة بعد شوط أظهروا فيه علو كعبهم على خصم عاجز غير قادر على صد اللكمات أو ردها.

على النقيض من ذلك. مورينيو سعى خلال الاستراحة لتعزيز موقفه كمدير فني لليونايتد قبل نهاية الموسم. أراد بعض الشيء محو هذه الصورة السلبية والهزلية الذي ظهر بها فريقه في الـ 45 دقيقة الأولى. جوزيه نسي كل الكلام الذي صرح به قبل يوم من المباراة عن الفوز الذي سيؤخر من إعلان الاحتفالات في القسم الأزرق للمدينة، وسعى بشكل جدي لتحقيق ذلك لا من أجل المصلحة الشخصية لناديه في سلم الترتيب؛ بل من أجل الكرامة والسمعة.

لتحقيق غاية كهذه توجب على البرتغالي اجتثاث الخوف القابع في أعماقه الذي يسمى الهزيمة، والتحلي بالشجاعة التي غابت عنه منذ فترة ليست بالقصيرة. كان على مورينيو أن يؤمن بقدرته على الفوز وهو ما حصل بالفعل، لكي ينقلها لعناصره ويتمكنوا من قلب الآية. أمر ليس بالهين، لكن بالتأكيد ليس بالمستحيل.

ما حصل في النصف الثاني من المباراة لا يمكن قراءته وتأطيره من خلال النظرة التكتيكية، دقائق مجنونة تجعل من يتابعها يتناسى مهمته مهما كانت. كان لزامًا على الجميع الاستمتاع بالأهداف السريعة والحركية الكبيرة لعناصر اليونايتد بغض النظر عن الميول الكروية والعواطف التشجيعية.

مورينيو فك القيد عن لاعبيه وسمح لهم بالخروج من القوقعة، بوجبا أكثر حرية يتقدم أكثر نحو العمق الهجومي بلا أي متطلبات دفاعية منهكة. سانشيز أكثر إشراقًا مع الكرة وخيارات أكبر للتمرير، وفي النهاية فريق اتضح أن بإمكانه اللعب وليس مجرد الوقوف أمام المرمى من أجل حمايته.

بعد الهدف الثالث لليونايتد بأقدام سمولينج انتقلت عدوى الخوف للإسباني الذي استشعر أن الهزيمة آتية لا مفر منها، ما دفعه للزج بالأسماء التي كان يخطط لإراحتها خلال المباراة. كان السيتي قريبًا في عدة مناسبات من التعديل، لكن الحكم «مارك أتكينسون» راقت له النتيجة كما هي، وقرر عدم احتساب ركلة جزاء صحيحة بعد عرقلته من قبل «أشلي يونج» بشكل واضح.

مع اقتراب المباراة من نهايتها، أبى «دي خيا» أن ينهي اللقاء بلا تصدٍ مميز من قبله. حيث منع حارس الشياطين رأسية الأرجنتيني «أجويرو» من دخول الشباك في الدقيقة 90 بطريقة مميزة جدًا، وجعلت بوجبا يناديه بـ «Numero uno- الرقم واحد» بسبب هذا التصدي الذي أمن الفوز والنقاط الثلاث لفريقه.

https://twitter.com/utdxtra/status/982693372992290816