سينما نادين لبكي: القلق والخوف والجمال
سينما نادين لبكي هي سينما الخوف والقلق والجمال. في أفلام نادين لبكي من السهل أن ترى الأنثى العربية، خصوصا أن في أوقات الأزمات أكثر الأطراف تأثرا هي الأنثى العربية. بطبيعة تنشأتها ومجتمعها، ولدت الأنثى العربية لتكون غير متعلمة (سابقا) أو متعلمة ولكنها غير مستقلة استقلالا كاستقلال الرجل، فيبقى عالمها دائرا حول بيتها وأولادها وزوجها، تهتم بكل تفاصيلهم وحياتهم وراحتهم، وبالتدريج يصبح المتحمل تبعات أي أذى يتعرضون له.
سينما نادين لبكي تنطلق من هذه النقطة، جمال النساء وخوفهم وقلقهم على عالمهم الذي صنعه لهم مجتعمهم، وتلصيقهم روحانيا ووجوديا بالمنزل والأسرة. فسينما نادين هي سينما أنثوية بأمتياز بكل تفاصيلها، بداية من الصورة التي تراها جميلة ومريحة للعين، تشعر أن الصورة مرسومة بعناية يكفي التقاط أي لحظة في الفيلم لترى تناسق الألوان الرهيب واختيار الألوان المريحة سواء للخلفية أو ملابس الممثلين أو المكياج.
ربما اعتياد نادين على إخراج الفيديو كليب، مهنتها السابقة، أعطاها قدرة عالية على التحكم في الصورة؛ ولكنها لم تقع أسيرة الفيديو كليب في أفلامها بل انطلقت وحلقت كثيرا.
من هى نادين لبكي
هي مؤلفة ومخرجة أفلام وفيديو كليب، أخرجت العديد من الكليبات المشهورة التجارية وأغلبها مع نانسي عجرم مثل: أخاصمك آه، آه ونص، يا سلام، ومع ماجدة الرومي مثل: اعتزلت الغرام. ولدت وعاصرت الحرب الأهلية ويبدو أن هذا أثر فيها، بل وعلي سبيل التوقع ربما جاءت أغلب مخاوفها أو مخاوف المرأة بالنسبة لها من هذه الفترة، حيث الرجال يقاتلون والنساء يدفنون أولادهم وأزواجهم. عرض فيلماها سكر بنات وهلأ لوين في مهرجان كان السينمائي والعديد من المهرجانات الأوربية، وأصبحت مع الوقت ذات شهرة عالمية.
سكر بنات
يحكي الفيلم عن ليال التي تعمل في محل تجميل مع ثلاث نساء يعرض الفيلم مشكلة كل واحدة الخاصة، أو بمعنى أصح مشكلة تعانيها بسبب عدم تقبل المجتمع بل تجريمه لمثل ما يعيشه الأبطال. ليال (نادين لبكي) تحب رجلا متزوجا وتربطها علاقة به. نسرين (ياسمين المصري) المسلمة التي فقدت عذريتها ولا تعلم كيف تواجه الأمر فقد اقترب موعد زواجها. ريما (جوانا مكرزل) تجد لديها ميولا مثلية جنسية من خلال الإعجاب المتصاعد بينها وبين إحدى زبائن المحل، جمال (جريزل عواد) التي تخشى دائما من تقدم عمرها وفقدان أنوثتها.
لعلك تجد في صورة هذا الفيلم وفي موسيقاه وأجوائه الجمال الذي تحلم به، اللمسة الأنثوية مغلّفة لكل شيء، فلم يستفز مشاعرك واحترامك للآخر ويثير إعجابك بهذا العالم الطيب المليء بالجمال، والمليء بالقلق فى نفس الوقت.
هذه هي الحبكة التي صنعتها نادين لبكي مخرجة الفيلم وإحدى بطلاته الأربعة. فهي لن تكتفي بأن تريك الجمال المسالم ولكن ستُشعرك بقلقه؛ ذلك القلق الذي يعتصر شخصيات الفيلم ويصحبهم فى محاولتهم البحث عن الذات.
سكر بنات (كرمل) هو من عنوانه منحاز للمرأة بشكل كامل وبشيء خاص به. ربما هو أكثر فيلم رأيته يعبر عن قلق المرأة فعلا وبالضغوطات التي تعيشها بصورة معبرة عن المرأة وليس بالصورة الخطابية المعتادة من النسويات العرب والمشتغلات منهن بالإبداع الفني. ولمتابع مصري تسطيع نادين إمتاعك باللهجة اللبنانية بل وبعض الشباب، فالأجواء في أفلام نادين دائما شاعرية حتى في لحظات الشتائم.
هلأ لوين؟
فيلم من إنتاج 2011 تدور قصته في قرية رمزية منعزلة عن من حولها وعن الاقتتال الطائفي الذي يحدث، ولكن يدخل التيلفزيون للقرية ويبدأ عرض أخبار المشاحنات الطائفية فيقوم النساء بقطع أسلاك الإرسال، ولكن تبدأ المشاحنات الطائفية بصورة خفيفة في القريةـ ومع خوف النساء من فقدان ذويهم كما في الماضي، يلجأون لعدة حيل لإنهاء كابوس الاقتتال الطائفي من القرية قبل أن يبدأ.
الفيلم ينطلق من نقطة أنثوية بحتة وهي أن النساء الخاسر الأكبر من الحروب، حيث أن النساء هن الفاعل الأكبر لإنهاء هذه الحرب. ومن ناحية أخرى، يسقط الرجال في إشعال هذه الحرب. الفيلم يعتمد على عزل القرية عن ما حولها لتسير القصة كما تريدها نادين لبكي. لم تختلف نادين عن عادتها في إراحة المشاهد بكدرات شديدة التميز، والموسيقي الرائعة والأغاني الجميلة التي تتخلل الأحداث. كذلك لم يخل الفيلم من قصة حب تقليدية حيث تحب نادين لبكي التي تقوم بدور فتاة مسيحية، شابا مسلما. تستمر الاحداث وتصبح القرية على حافة السقوط فعلا في الحرب الأهلية عندما يُقتل شاب مسيحي، وأخوه شديد العصبية. وفي مشهد رمزي جدا تخرج أم الشاب بأسمى التضحية لإنقاذ القرية من الحرب الأهلية المؤكدة فتخفي جثة ابنها في البئر وإطلاق الرصاص على ابنها الآخر لإعاقته حتى لا يشعل الحرب. ربما لو اعتبرنا الفيلم فيلما واقعيا لكانت الأحداث المنطقية أن تدخل الحرب هذه القرية.
ولكن نادين قررت السير في النهايات الرمزية، فقررت النساء دس الحشيش للرجال وإلهائهم مع بعض السائحات الأجنبيات. وفي الصباح وجد الرجال جميع نساء القرية ترتدين زي أهل الدين الآخر وتمارسن طقوسه. ليست هذه دعوة تقليدية للتسامح من نادين، بل هي أقرب لقول أن لابد من خروج الأديان من المعادلة وجعله عباده خاصة فقط حيث أصبحت الأديان في النهاية واحدة كلها عبادة لله بأشكال مختلفة. وانتهى الفيلم بجنازة الشاب بعد أن أخرجته أمه من البئر، وأثناء تشييع القرية لجثمان الفتى وجدوا أن المقابر تبدلت احوالها ولم يعد معروفا أيها ينتمي للمسلمين وأيها ينتمي للمسيحيين. فسأل الجميع: هلأ لوين؟
في النهاية قد يقع الفيلم في بعض الخطب، وهي خطب مسموح بها في الأفلام التي تتحدث عن الصراعات في مجتمع ما طالما لم تزد عن حد معين.
نستطيع أن نجزم في النهاية أن نادين لبكي منتمية لقضية الأنثى وتعبر عنها بجمالية الصوت والصورة، والخوف والقلق.