السينما والأكوان المتعددة: هل شعرت يومًا أنك في مكان آخر؟
افتتح الناقد الأمريكي الأكثر شهرة «روجر إيبرت» مقاله عن فيلم «الحياة المزدوجة لفيرونيك The Double- Life Of Veronique 1991» للبولندي «كريستوف كيشلوفسكي» بذلك الوصف، نشر إيبرت المقال في عام 2009 بعنوان (هل شعرت يومًا بشكل غريب بأنك في مكان آخر؟)، يتناول فيلم كيشلوفسكي الشهير كما وصفه إيبرت حالة شعورية محددة، من دون أي تفسير أو محاولة لإضفاء طابع علمي أو حتى ميتافيزيقي لشعور الفرد بأنه ليس وحده في العالم، أو بأنه موجود في مكان آخر في اللحظة ذاتها، أن هناك من يشبهه في الملامح والتجربة الإنسانية، ليس فقط البشر الآخرين ولكن شخصًا آخر محددًا يختبر ما نختبر ويشعر بما نشعر، ربما يختار اختيارات مختلفة في الحياة، لكن الشعور بوجوده هو ما يمنعنا من الانغماس في وحدة لا خلاص منها.
في عام 2022 وفي مساحة زمنية متقاربة صدر فيلمان أمريكا الجنسية يستكشف كل منهم مفهوم الأكوان المتعددة، بأشكال مختلفة وأجواء متباينة لكن بتشابهات لا يمكن إنكارها، هما الإضافة الأخيرة لعالم مارفل السينمائي دكتور سترينج في جنون الأكوان المتعددة Doctor strange in the multiverse of madness والفيلم الجديد للمخرجين الملقبين بالدانييلز، كل شيء في كل مكان في الوقت ذاته Everything Everywhere All At Once، وعلى الرغم من بعد تلك الأفلام بشكل جذري عن شكل ومضمون أفلام المخرج البولندي كريستوف كيشلوفسكي فإنه يمكن إرجاع استكشاف الأكوان المتعددة في السينما له، حتى من قبل حياة فيرونيك المزدوجة، لطالما امتلك كيشلوفسكي اهتمامًا خاصًا بالتجربة الإنسانية وتشابهاتها وفرادتها، بالتوق الإنساني للتواصل والفشل فيه في كثير من الأحيان، بقيمة الاختيار وطبيعة تأثير الإرادة الحرة على شكل الحياة، وباحتمالية وجود الفرد في أكثر من مكان في الوقت نفسه.
في عام 1987 صدر فيلم صدفة عمياء Blind Chance لكيشلوفسكي وهو فيلم مفاهيمي، مركب من ثلاثة أقسام، ثلاثة احتمالات لحياة واحدة تعتمد على اختيار بسيط، هل سيلحق فرد ما بقطار ما في محطة ما أم لا، ما الذي يمكن أن يحدث إذا لحق به أو لم يفعل، إذا ارتطم بضابط أمن وتم حبسه، إذا عاد لحب طفولته، إذا اشترك في حزب اشتراكي، إذا أكمل كلية الطب كما قرر له أبوه، لا يملك الفيلم شهرة وتأثير أفلام كيشلوفسكي الأحدث والأكثر شاعرية وغموضًا، لكنه يملك تأثيرًا بارزًا في الثقافة الشعبية والسينمائية بسبب الأفلام التي ألهمها من بعده، والتي أخذت مفهوم تعدد الأكوان واحتمالية وجود الفرد في أكثر من مكان في الوقت نفسه وجعلتها أكثر قابلية للاستهلاك الجماهيري وإضفاء الجوانب العلمية والأسئلة الفلسفية عليها، فأصبح هناك تقليد سينمائي يظهر ويختفي على مدار السنوات يستكشف ثيمات الإرادة الحرة والاختيار، بل ويربط الوسيط السينمائي نفسه بتعدد الأكوان.
أن تكون وحيدًا في العالم
في إحدى ليالي رأس العام الباردة تنظر فيرونيكا من نافذة منزلها في بولندا إلى النجوم في السماء، في الوقت ذاته تنظر فيرونيك من منزلها في فرنسا للنجوم ذاتها في الليلة ذاتها، لا يكاد يفرق المشهدين شيء غير اللغة، لكن في ذلك العالم الذي خلقه كيشلوفسكي لا توجد مساحة للتفسير، هل فيرونيكا وفيرونيك من نفس العالم فعلا في دولتين مختلفتين أم أن كلتيهما توجد في كون مختلف بالتوازي؟ أم تتخيل إحداهما وجود الأخرى، يجتاح إحداهما شعور مثل نغزة في القلب بأن روحها في مكان آخر، بأنها تعيش حياتين متوازيتين، في مشهد الذروة في الفيلم تسقط فيرونيكا ميتة بعد أداء نوتة عالية تقشعر لها الأبدان كجزء من أوبرا تشارك فيها، تستيقظ فيرونيك في اليوم التالي بثقل على صدرها، وكأنها فقدت جزءًا من روحها، ويحل شعورها بأنها وحيدة في العالم محل شعورها بأن هنالك شخصًا آخر يشاركها الوجود.
في الفيلم التجاري الضخم الكاسر للأرقام في نهاية العام الماضي، تتسبب الشخصية الشهيرة بيتر باركر في تصدع غلاف الكون بسبب رغبته في تغيير حدث أفسد حياته، مما يتسبب في تسرب شخصيات أخرى تملك نفس اسمه وتحتل أجسادًا مختلفة لكنها جميعًا تملك تجارب حياتية متشابهة، كلها اختبرت الفقد والقوة ومشاعر المراهقة، الصداقة والحب، وتحمل المسئولية، لا يوجد ما يمكن مقارنته شكليًا أو موضوعيًا بين فيرونيك كيشلوفسكي وفيلم شعبي ضخم مثل الرجل العنكبوت لا طريق للمنزل Spider Man: No Way Home، الذي يستخدم المفهوم نفسه لاجترار النوستالجيا الجماهيرية لصناعة الأرباح، لكن يمكن تتبع هوس السينما بأشكالها المختلفة الفنية والتجارية بمفهوم التواجد في أكثر من مكان في الوقت ذاته، في عيش حيوات متعددة بالتوازي، وما يعنيه ذلك لتجربتنا كبشر يجربون الحياة لأول مرة، ولمرة واحدة، ومعرفة أنه على مستوى ما أبعد من قدرتنا على الفهم يوجد من مر بذلك من قبل، أو في الوقت نفسه، أننا لسنا بالتفرد الذي ظنناه، ومعاناتنا ليست بالندرة والأصالة التي نتصورها، بل إنه في كون ما، في طبقة ما من الوعي يوجد من يشاركنا.
الإرادة الحرة وأثر الفراشة
تأخذ الأكوان المتعددة شكلًا أكثر تماسكًا في أفلام أخرى قدم لها كيشلوفسكي كذلك بفيلمه صدفة عمياء، وهي سينما الاختيارات المتعددة أو التاريخ البديل، في تلك الرؤية لم يصنع كيشلوفسكي فيلم عن شعور بل فيلم عن مفهوم، يمكن اختصاره بسؤال (ماذا لو؟)، يفسح ذلك الشكل أو الفورمات (format) للأفلام مساحة لاستكشاف مفاهيم مجردة عن طريق طرحها في شكل قصص متناثر أو تجارب متكررة تحدث بشكل متواز في الوقت ذاته أو واحدة بعد أخرى، مفاهيم مثل الإرادة الحرة أو تأثير الاختيارات والقرارات البسيطة على مسار الحياة أو مفهوم أثر الفراشة، أخذت عدة أفلام ذلك الشكل الذي جربه كيشلوفسكي وطورته بحسب الأنواع السينمائية المختلفة والأهداف المرجو تحقيقها من الشكل.
اختار توم تايكفي صيغة الحيوات أو الاحتمالات المتعددة في إجري يا لولا Run Lola Run 1998 لصناعة فيلم حركة وتشويق وبعد أعوام صنع فيلم ربما لا يتناول الاحتمالات أو الأكوان المتعدد لكنه ينتمي للنوع أو الصيغة شكليًا وهو السحابة أتلاس Cloud Atlas 2012، فعلى الرغم من وقوع أحداثه على مدار أزمنة تتحرك بين الماضي والحاضر والمستقبل فإنه استخدم الممثلين ذاتهم في كل زمن وكأنهم يوجدون بشكل ما في أماكن متعددة وأوقات متعددة، وتؤثر تصرفات كل منهم على مستقبل وحاضر وماضي يسكنه نفس الشخصيات بشكل أو بآخر، بينما استخدم جاكو فون دورمايل صيغة تعدد الاحتمالات في أستاذ لا أحد Mr.Nobody 2009 بشكل أكثر تداخلًا، يصعب تصنيفه بشكل محدد لكنه يميل للخيال العلمي، كما أضاف كشف حواري يجعل الاحتمالات المتعددة عرضة للتفسيرات العلمية أو الخيالية العلمية، مع إدخال نظريات فلسفية وتجارب علمية وكأن الفيلم كله تمرين في التخيل، في تصور جميع الاحتمالات الممكن حدوثها في الوقت نفسه في سرد غير خطي.
عادة ما تملك تلك الأفلام ما تقوله عن طبيعة التجربة الإنسانية، في صدفة عمياء يقوم كيشلوفسكي بشكل ما بنقد السلبية، بافتراض أن الأسوأ من الممكن أن يحدث سواء قررت أن تترفع عن التغيير أو أنك انغمست فعلًا في التغيير باتخاذ قرارات تغير مسار الحياة، تلعب تلك الصيغة على المخاوف البدائية من الاختيار واتخاذ القرارات المحورية في الحياة، على الخوف من تفويت الفرص، من افتراض أن الحياة الأخرى التي لم نخترها هي التي وجب علينا اختيارها، في أستاذ لا أحد الذي يدمج كل الاحتمالات والأكوان في مشاهد متتابعة يصعب فصلها عن بعضها، يظهر ذلك الخوف بجانب فكرة تأثير الاختيار في لحظة حاسمة على كل تفصيلة في المستقبل، يستعير الفيلم مجازًا محطة القطار وتفرعاته من صدفة عمياء، وهو المجاز الذي لطالما استخدم لاستدعاء تفرع مسارات الحياة ، فالبطل نيمو (جاريد ليتو) أمام خيارين، إما أن يلحق القطار فيلحق بوالدته بعد طلاقها من والده فيعيش حياة ذات تفاصيل معينة أو أن يعيش مع والده على الجانب الآخر من القطار ويعود من حيث أتى.
لا يقتصر الفيلم على سرد كل مسار في حال لحق نيمو القطار أو لا، بل تتفرع المسارات داخل المسار نفسه، وكأنه في لعبة فيديو، ففي حياته مع والدته توجد خيارات أخرى سوف يواجهها، قرارات سوف يقوم بها، مثل الاعتراف بالحب أو الابتعاد للأبد، الزواج من فتاة قابلها في حفلة أو العدول عن ذلك، كل قرار صغير هو مفترق طرق، يخلق تصدعات أو فروعًا كونية صغيرة تعيش بها الشخصيات حياة مفترضة، ويؤطر كل ذلك خوفًا كبيرًا من طبيعة الحياة نفسها ومن مدى حقيقة تأثير القرارات الفردية أو الاختيار الحر على المستقبل، بل ومن مفهوم التسيير نفسه أو القدر، من بين الأفلام التي تتخذ من الشكل الذي اقترحه كيشلوفسكي منهجًا فإن الأستاذ لا أحد هو أكثرها اهتمامًا بالجوانب العلمية المتعلقة الأكوان المتعددة وبالنظريات المتعلقة بالفعل وتأثير الفعل.
لكن هناك أفلامًا أخرى تقلب تلك الفرضية القاتمة التي تعلي من قيمة الاختيار، يتبنى فيلم كل شيء في كل مكان في الوقت ذاته نبرة أكثر تفاؤلًا وخفة، ويجعل من مفهوم الأكوان المتعددة مفهومًا مرحًا غامرًا بمرجعيات الثقافة الشعبية واجترار الكوميديا من افتراض أننا نوجد في احتمالات لا نهائية في أماكن متعددة في الوقت نفسه، لا يتعامل الفيلم مع الخوف من الاختيارات الأخرى بل يستخدم مفهوم الحياة الجمعية التي تجعلنا لسنا وحيدين في العالم لصالح شخصياته، تصب كل خيارات النسخ الأخرى من أنفسنا في صالح رضانا بوضعنا الحالي، يجعلنا اختبار أنفسنا في أكوان مختلفة موقنين أن كل ما يمكن أن نمر به في عالم غامر بالاحتمالات سيوصلنا لما نحن عليه الآن، على نفس النهج يجعل دكتور سترينج في جنون الأكوان المتعددة من الصيغة وعاء للأفكار الرومانسية، تعمل الأكوان كأداة لإثبات أن الحب هو نفسه في كل كون، أن الفرد مهما تنقل بين الاحتمالات والعوالم سوف يحب من يحب، وأن السعادة لا تكمن في تغيير الواقع الحالي فمن المرجح أن كل نسخة منك في كل كون تمر بالشيء نفسه وهو ما يعيدنا ثانية لمفهوم الوحدة والألفة.
السينما كمساحة لاحتواء الأكوان
يربط كل تلك الأفلام اتصال دقيق بالوسيط السينمائي نفسه، وكيف يخلق في داخله إمكانية صنع أكوان متعددة متوازية أو متتابعة، تعتمد بعض الأفلام على الأنواع السينمائية وتنوعها كنقطة قفز لتعدد الأكوان، بينما يستخدم بعضها إمكانيات الوسيط لخلق التناثر والتشرذم البصري الذي يتطلبه ذلك النوع من السرد ويصعب تناوله بالشكل والحرية نفسها في الوسائط الأخرى المقروءة أو المسموعة، يسمح عنصر مثل المونتاج بدمج مفهوم الأكوان المتعددة مع طبيعة الذكريات وطريقة اختبارها داخل العقل، كيف تبدأ فجأة وتنتهي فجأة، كيف تتشكل وتتغير، وكيف تترك مساحة لاستكشاف الاحتمالات اللانهائية.
في عام 1961 عرض فيلم العام الماضي في مارينباند Last Year At Marienbad للمخرج المنتمي للموجة الفرنسية الجديدة ألان ريزنيه، حير الفيلم الجماهير والنقاد وقتها وما زال يفعل حتى وقتنا هذا، فهو فيلم دون خاتمة حقيقية أو تفسير لطبيعته السردية، تقع أحداثه في حقل ما بين الواقع والخيال، الذكريات والأحلام والانعكاسات العقلية للواقع، ما يجعل ذلك الفيلم مدخلًا لقراءة أفلام الأكوان المتعددة هو اهتمامه بمبدأ الاحتمالات، تدور أحداث الفيلم بالكامل داخل فندق حيث يحاول رجل تذكير امرأة بأنهما تقابلا منذ عام في حديقة ما، وفي أثناء محاولاته يضيف ويحذف تفاصيل تغير من واقع القصة وطبيعة علاقتهما، تتغير أزياؤها مرة أو ردود أفعالها، يتغير المكان والزمان، يحدث ذلك كله بصريًا وكأن شخصًا ما يستحضر ذكريات مشوشة، في قطعات مونتاجية متسارعة ومتغيرة، تصبح تلك التغييرات بمثابة عوالم واقعية متعددة واحتمالات متباينة للشخصيات نفسها، أو ربما ربما تقع الاحتمالات في أكوان متوازية في الوقت ذاته.
تستخدم كثير من الأفلام التي تتناول الأكوان والاحتمالات المتعددة تلك التقنيات المونتاجية لكي تستدعي فكرة الوحدة المكانية والزمانية، فإذا كانت الأحداث الواقعة تحدث في أماكن مختلفة في الوقت نفسه، فرؤيتها أمامنا تستدعي أن يحدث ذلك سريعًا وبشكل متواز، في أفلام مثل صدفة عمياء أو أستاذ لا أحد تتلاحق الأحداث أو تتفرق كوحدات سردية مستقلة، أما مع تطور مفهوم الأكوان المتعددة وزيادة اهتمام السينما التجارية بها وكذلك تطور المؤثرات البصرية فأصبح من الرائج رؤية تقنيات تصوير ومونتاج تمثل فوضوية الكون.
في فيلم كل شيء في كل مكان في الوقت ذاته يصنع المخرجان دانييل تتابعات تضع بطلة الفيلم في منتصف الشاشة بينما تتابع عليها الأكوان والاحتمالات، تتغير ملابسها وما يحيط بها بشكل متسارع، بل تتغير المادة المصنوعة منها فتصبح مرة كائنًا فضائيًا أو رسمة ثنائية الأبعاد، وفي فيلم دكتور سترينج يتم استخدام المؤثرات الرقمية لجعل الأبطال يقفزون بشكل حرفي بين عالم وآخر حيث تتغير المادة المصنوع منها كل كون مما يستدعي تأثيرًا فوضويًا لكنه محكم ودقيق في الوقت نفسه، يمكن إرجاع تلك التيمة البصرية التي تتسم بالتغيير السريع لفيلم العام الماضي في مارينباد وفيلم آخر أحدث منه كثيرًا وهو فيلم الرسوم المتحركة الياباني ممثلة ألفية Millennium Actress 2001 للراحل ساتوشي كون، استخدم كون توالي الأماكن والأزمنة والملابس على بطلته في تتابعات يصعب تصور تحقيقها إلا في الرسوم المتحركة، لكنها أصبحت أسهل بالطبع مع المؤثرات الرقمية.
لا يتناول ممثلة ألفية مفهوم الأكوان المتعددة لكنه يتعامل مع السينما نفسها كمساحة لتعدد الأكوان عن طريق استدعاء الأنواع السينمائية كحيوات مستقلة بذاتها، تدور أحداث الفيلم حول ممثلة متقاعدة يزورها طاقم عمل فيلم وثائقي لصنع فيلم عن حياتها، تبدأ الممثلة في سرد ذكريات حياتها لكن تختلط ذكرياتها بالأفلام التي اشتركت بها فيصبح الفيلم نفسه مزيجًا متناثرًا من الأنواع الفيلمية والاحتمالات الحياتية، تارة تصبح مقاتلة يابانية قديمة ومرة رائدة فضاء، ومرة فتاة صغيرة ضائعة، يأخذ فيلم كل شيء في كل مكان في الوقت ذاته ذلك النهج لكي يصنع قصته عن الأكوان المتعددة نفسها، لكن أكوانه سينمائية في داخلها ففي أحدها تصبح البطلة وزوجها بطلي فيلم لوونج كار واي المخرج الهونج كونجي الأيقوني، يتغير حجم الشاشة ليتناسب مع أسلوبه وتستخدم تقنيات تصويره ودرجات الألوان التي فضلها مصوره كريستوفر دويل، كما يستخدم أفلام القتال الصينية في مشاهد أخرى، وأفلام الرسوم المتحركة الأمريكية وغيرها من الأنواع السينمائية.
لا يقتصر تداخل نظرية تعدد الأكوان والسينما على استدعاء النوع السينمائي بل إن الفيلم ينهي نفسه كفيلم ليصنع ميتا فيلم، يسدل الستار على شاشة سينمائية بشكل حرفي، وكأن تجربة السينما تمثل كونًا منفصلًا، أو بوابة لعالم آخر، يحدث ذلك كذلك في أستاذ لا أحد، تحضر السينما سواء على المستوى البنائي أو الشكلي أي في استخدام إمكانيات الوسيط للتلاعب بالزمن والمكان أو بشكل داخلي سردي فيتم تقديم أحد مسارات الحياة المحتملة كفيلم ينتهي على شاشة تظلم بعد انتهائه، تتعامل تلك الأفلام مع تجربة مشاهدة فيلم ما باعتبارها ولوجًا إلى كون مواز أو عيش حياة أخرى، وهو ما يخرجها من كونها أفلام خيال علمي عن نظرية تعدد الأكوان ويجعلها أقرب لدراسة في طبيعة الوسيط.
لا توجد إثباتات علمية راسخة دون انتقادات لنظرية تعدد الأكوان بعد، لكن وجودها كمفهوم يقدم مساحة كبيرة للاستكشاف الفني والسينمائي سواء بشكل ترفيهي بالكامل مثل أفلام عالم مارفل التي تستخدم النظرية لاستدعاء نوستالجيا الماضي أو لاستكشاف إمكانيات للتجريب البصري، أو بشكل أكثر فلسفية وفنية مثل ما قدمه كيشلوفسكي للسينما، وهناك من ينتهج طريق بين الاثنين مثل كل شيء في كل مكان في الوقت ذاته، لكن في النهاية كل تلك التجارب تصب في صالح شعور محدد، لا يوجد ما يثبت حقيقته، وهو أن الفرد ليس وحده في هذا العالم.