أسرة المسيح: عائلة غير تقليدية جدًا
أطلق الكتاب المقدّس على أفراد أسرة المسيح «إخوة الرب»، إلا أنهم لم يكونوا إخوته حرفيًا، بل كانوا أبناء خالته الشهيرة بلقب «مريم الأخرى»، شقيقة العذراء مريم، من زوجها كلوبا (يُعرف أيضًا بِاسم «حلفي»)، هؤلاء الأبناء هم: يعقوب ويوسف (يُعرف أيضًا بِاسم «يوسي») وسمعان ويهوذا.
فوفقًا للعادات اليهودية السائدة وقتها، أن كلمة «أخ» لم تكن تُطلق على الأشقاء وحدهم بل كانت تشمل أيضًا أبناء العمومة أو الخالات.
تباينت ردود أفعال هؤلاء الأقارب بحقِّ دعوة المسيح؛ بعضهم صدّقه وآمن به وآخرون كذّبوه وهاجموه ورفضوا حضور لحظاته الأخيرة على الأرض.
مريم الأخرى: خالة المسيح
تعد مريم الأخرى إحدى الثلاث مريمات الشهيرات بعد العذراء مريم، وهن: مريم المجدلية، ومريم أخت لعازر، والثالثة هي مريم الأخرى التي تعد شقيقة العذراء مريم وزوجة كلوبا.
وبحسب الشماس يوسف حبيب، في كتابه «الثلاث مريمات القديسات»، فإن مريم الأخرى كانت موجودة في منطقة الجلجثة، مكان صلب المسيح بجانب العذراء مريم، وظلت حتى موته ودفنه.
وبحسب التاريخ المسيحي فإنها ذهبت إلى القبر بصحبة أختها تحملان الحنوط لتطييب جسد المسيح إلا أنهما لم يجداه في قبره.
ولا نعرف أي معلومة موثقة عن مكان دفنها حاليًا، إلا مجرد أقاويل عن أنها دُفنت في القسطنطينية أو إيطاليا أو في جنوب فرنسا.
إخوة الرب
يقول ريتشارد باوكهام (Richard Bauckham)، أستاذ دراسات العهد الجديد بجامعة سانت أندراوس البريطانية (University of St Andrews)، في مقال له، فإن يعقوب هو أكبر إخوة يسوع، ومن بعده يوسف، أما سمعان ويهوذا فلا نعلم أيُّهما أكبر من الآخر.
أسماء الأشقاء الأربعة من أكثر أسماء الذكور شيوعًا بين اليهود في فترة ظهور المسيح، إلا أنهم عُرفوا في الأوساط المسيحية بقلبٍ مُجمّع هو «إخوة الرب».
بسبب مصطلح «إخوة الرب» جرى نقاش طويل بين أساتذة العهد الجديد.
خرجت 3 آراء رئيسية عُرفت بأسماء أصحابها؛ هيلفيديوس، أبيفانيوس، جيروم، وجميعهم من آباء الكنيسة الأوائل.
الأول، أن هؤلاء الأربعة إخوة حقيقيون للمسيح، أنجبهم يوسف النجار ومريم بعد يسوع.
وهو ما يتعارض مع عقيدة الكنيسة الأرثوذكسية القبطية من أن مريم «عذراء كل حين» لم تتصل بخطيبها يوسف «اتصال زواج» قبل أو بعد ظهور المسيح.
ويتناقض أيضًا مع وصية المسيح قبل صلبه لتلميذه يوحنا الحبيب بالعناية بأمِّه بعد رحيله، فإن كان لها أبناء فكانوا هُم الأولى برعايتها. فبحسب ما ذكر في إنجيل يوحنا: «فلما رأى يسوع أمه، والتلميذ الذي كان يحبه واقفاً، قال لأمه: «يا امرأة، هو ذا ابنك» ثم قال للتلميذ: «هي ذا أمك». ومن تلك الساعة أخذها التلميذ إلى خاصته».
الثاني، أن الأربعة أبناء يوسف النجار من زواج سابق، وهو ما يتعارَض أيضًا مع الكتاب المُقدّس، لأن الأربعة حينها سيكونون أكبر سنًّا من المسيح، في الوقت الذي تحدّث فيه الكتاب المقدّس عن المسيح بأنه «بِكر»، أي الابن الأكبر أو الأول أو الوحيد.
الرأي الثالث والأخير، وهو الأقرب لروح الإنجيل، الذي أقرّته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة اللاتينية أيضًا، بأن الإخوة الأربعة هم أولاد خالة يسوع.
أقارب المسيح: لا تصدقوا المختل
بحسب إنجيل مرقس، لم يكتفِ أقارب المسيح برفض رسالته منذ بدايتها لكنهم رفضوه ووصفوه بـ«المختل».
ووفقًا لكتاب «شرح الكتاب المقدس» للقمص أنطونيوس فكري، فإن «مختل»، في ذلك العصر، لا تعني بالضرورة سبّة غاضبة بحقِّ المسيح وإنما قصدوا بها أنه «مهووس دينيًا».
ووفقًا لما ذكره انجيل يوحنا، فإن إخوة المسيح/ أولاد خالته استمرّوا على رفضهم له ولم يؤمنوا به حتى لحظة صلبه، والتي غابوا عن حضورها وكأنهم لا يكترثون لإلقاء نظرة وداع على المسيح.
لكن سريعًا نفّض الإخوة الأربعة عن أنفسهم هذا الرفض، وانخرطوا في النشاط المسيحي بقوة حتى أصبحوا قادة الحركة المسيحية في عهدها المُبكر.
يعقوب: أسقف أورشليم الأول
أصبح «يعقوب» كونه أصبح أول أسقف على أورشليم، وهي المدينة التي اكتسبت مكانة مركزية في الخدمة الدينية المسيحية.
ويوثق مخطوط السنكسار القبطي اليعقوبي، سيرة يعقوب بأنه «كان بتولًا طاهرًا»، وقد أقامه الرسل أول أسقف للمدينة المقدسة أورشليم، والذي منه خرجت عملية التبشير بالمسيحية في كافة أنحاء الأرض، كما أنه ترأّس المجمع الرسولي الأول بأورشليم سنة 53 ميلاديًا.
ويوضح المؤرخ يوسابيوس القيصري Eusebius Pamphili في كتابه تاريخ الكنيسة، أن يعقوب أخو الرب كان مقدسًا من بطن أمه لم يَعلُ رأسه موسى، (كناية عن الأشخاص الذين يتعهّدهم أهلهم بالتبجيل مبكرًا، ومن أبكر درجات هذا الاحترام أنهم لا يحلقون شعرهم بالموس) لم يشرب خمرًا ولا مسكرًا، وعاش طوال حياته نباتيًا لم يأكل لحمًا، وكان لباسه دائمًا من الكتان.
وأكد أنه كان كثير السجود حتى تكاثف جلد ركبتيه وصارت كركبتيّ الجمل، موضحًا أنه بسبب حياته المقدسة النسكية ومعرفته الواسعة للكتب المقدسة وأقوال الأنبياء نال تقديرًا كبيرًا من اليهود، وآمن على يديه كثيرون منهم في مدة رئاسته لكنيسة أورشليم.
وعن ألقابه فقد تبين في مخطوطة السنكسار اليعقوبي، أنه دُعي بلقبين أولهما الأصغر، وذلك تمييزًاعن القديس يعقوب الكبير بن زبدي وشقيق يوحنا الرسول.
اللقب الآخر هو البار، وذلك لأنه حين تأخر المطر في إحدى السنوات في فلسطين، صلّى إلى الله فاستجاب الرب له وأرسل مطرًا غزيرًا وارتوت به الأرض.
وعن استشهاده، يشير يوسابيوس إلى مشاجرة وقعت بين اليهود والكتبة والفريسيين بسبب التفاف كثيرين حول دعوة يسوع، فطُلب من يعقوب أن يعترف بأن يسوع ليس هو المسيح المنتظر، ولما رفض قُتل رجمًا.
سمعان يرث تركة يعقوب في الأسقفية
«بعد استشهاد يعقوب وغزو أورشليم الذي أعقب ذلك مباشرة، يقال إن رسل وتلاميذ الرب الذين كانوا لا يزالون على قيد الحياة اجتمعوا من جميع الجهات ومع أقرباء الرب بالجسد لأن الغالبية منهم أيضًا كانوا على قيد الحياة للتشاور بشأن من يستحق خلافة يعقوب».
بتلك الكلمات بدأ يوسابيوس فصله عن تولي سمعان لكرسي أورشليم.
لعل تلك الكلمات توضح مدى اهتمام التلاميذ وتقديرهم لأقارب المسيح، حيث إنهم في بداية الأمر اختاروا يعقوب شقيق المسيح أسقفًا لأورشليم، وبعد وفاته اجتمعوا مع أقاربه ليتشاوروا على خليفته، وليس من المفاجئ أن يكون الإجماع على سمعان شقيق يعقوب.
فيما عدا هذا التعيين لا نعرف الكثير عما فعله سمعان إبان قيادته لكنيسة أورشليم، إلا خبر موته!
حيث تم الوشاية به من قبل الهراطقة، لدى الإمبراطور تراجان ثاني الأباطرة الأنطونيين الرومان وحكمه من عام (98 – 117) الذي أمر بتعذيبه لعدة أيام، ومن ثم أمر بصلبه واستشهد وهو في سن مائة وعشرين عامًا.
أحفاد إخوة المسيح: حياة شاقة
بعد رحيل سمعان ويعقوب، انعدمت المعلومات عن الشقيقين الآخرين يوسي ويهوذا إلا من بعض معلومات ضئيلة عن أحفاد الأخير.
أحفاد يهوذا هم: زوكر، وجيمس (وهو أحد أشكال نُطق لقب «يعقوب» شقيق جده).
ذاع اسم حفيدي يهوذا في الأعوام ما بين 81 و96، أي الربع الأخير من القرن الميلادي الأول، وهي الفترة التي كان يعقوب للا يزال فيها حيًا ويرأس كرسي أورشليم.
وبحسب يوسابيوس المؤرخ الكنسي، فإن أحفاد يهوذا المنحدرين من نسل يسوع، أُحضرا إلى دوميتيان، الإمبراطور الروماني، الذي كان يخشى من نشاط الحركة المسيحية، فاستدعى آخر أقارب يسوع المعروفين لديه كي يُحقق معهما.
احتفى التاريخ القبطي بهذا اللقاء، مستغلاًّ إياه للثناء على نسل المسيح، بعدما كشف حوارهما مع الإمبراطور بساطة حالهما وفقرهما رغم أنهما ينحدران من ذرية رجل صار أتباعه ملء السمع والبصر.
قال عنهما الإمبراطور لحاشيته «أظهروا أيديهم، مظهرين صلابة أجسادهم والقسوة الناتجة عن أيديهم بالكدح المستمر كدليل على عملهم».
حالتهم البسيطة جعلت مخاوف الإمبراطور تتلاشى، ولم يحمل لهم ضغينة فأطلق سراحهم، وبعدها أصدر مرسومًا خفّف بموجبه من موجة الاضطهاد الكنسي التي أشاعها في أرجاء دولته.