على الطريقة الصينية: كيف تصنع بطلًا أولمبيًا؟
على منصات تتويج منافسات لعبة الغطس في دورة الألعاب الأولمبية «ريو 2016»، تقف السبّاحة الصينية «زي هي» لتتسلم ميداليتها الفضية بوجه مبتسم بعض الشيء لكونها ظفرت بالفضية، وحزين لأنها خسرت الذهبية أيضًا، وإذ بزميل لها في المنتخب الصيني يدعى «كين كاي»يفاجئها بطلب خطبتها حيث جثا على ركبتيه وقدّم لها زهرة ووردة قبل أن يضع خاتمًا في إصبعها على مرأى من الجمهور والملايين عبر شاشات التلفاز.
وكانت الصين قد لفتت الأنظار في ريو بألقاب وإنجازات – كالمعتاد – حيث حصلت على 70 ميدالية متنوعة وأيضًا طلب للزواج؛ وكأن الحبيبين الأولمبيين وجدا في منصات التتويج أمانًا ودفئًا وموطنًا مناسبًا للإقبال على تلك الخطوة الفارقة في قصة حبهما، ولكن يظل السؤال الأهم في تلك القصة: لماذا يرتبط الأبطال الصينيون هذا الارتباط الوثيق بمنصات التتويج الأولمبية؟
طرح أحد مستخدمي موقع الأسئلة الشهير «Quora» سؤالاً بعنوان: «لماذا تكون الصين ناجحة للغاية في دورات الألعاب الأولمبية؟» السؤال نال إعجاب أخصائي العلاج الطبيعي الأسترالي «شين هايز»، والذي قال إنه عمل مع برامج تدريبية متخصصة للعديد من الفرق الأولمبية والأبطال الصينيين، والذي قام بدوره بالإجابة على هذا السؤال، وأرجع تفوق الصين الأولمبي للكثير من الأسباب.
الخبرات الأجنبية
يقول هايز إن الصين استطاعت تحقيق قفزة كبيرة في أولمبياد بكين 2008 وما بعدها؛ بفضل العديد من الخبرات الأجنبية التي استقدمتها، ليس على مستوى المدربين فقط، ولكن أيضًا على مستوى الإداريين وطاقم الموظفين المساعدين؛ حيث جلبت الصين 28 مدربًا في دورة الأولمبياد الأخيرة – يقصد لندن 2012.
يؤكد هايز أنه يعرف الكثير من الأمثلة لأبطال صنيين أصيبوا أثناء مشاركتهم في البطولات الدولية ثم تلقوا العلاج في عدد من الدول الأوربية المتقدمة في هذا المجال؛ حيث ينفقون الكثير من الأموال على هؤلاء الأبطال، الأمر الذي نادرًا ما نجده في أي دولة أخرى.
هكذا عقب الصحافي الصيني «تشو شين» والمهتم بالشأن الرياضي، عقب تتويج السباح الصيني «صن يانغ» بأول ميدالية ذهبية في تاريخ السباحة الصينية، وكذلك حصول السباحة الصينية صاحبة الـ 16 عامًا على ذهبية منافسات الـ 400 فراشة في أولمبياد لندن 2012؛ ليكتبا تاريخًا جديدًا للعبة.
وفي أولمبياد ريو 2016 استطاعت بعثة السباحة الصينية الحصول على 6 ميداليات متنوعة، من بينها ميدالية ذهبية للسباح «صن يانغ» وذلك للمرة الثانية على التوالي.
الأكثر عنفًا في العالم
هكذا عبّر أحد المدربين الإنجليز وهو قد درّب أكثر من خمسة سباحين صينيين في دورات ألعاب أولمبية مختلفة، واصفًا ومتعجبًا أنهم -في الصين- لديهم رغبة كبيرة لبذل الجهد، وإعطاء المزيد من الوقت لتدريباتهم؛ دائمًا ما يشعرون بأنهم أكثر قدرة على تحمل آلام تلك التدريبات من نظرائهم في الغرب؛ هذا نابع من فخرهم ببلدهم وبتمثيلها، لذا لديهم العقلية التي ترغب في ذلك طول الوقت.
وبالعودة لإجابة «شين هايز» على موقع Quora أشار هو الآخر لنفس السبب، حيث يعتقد الصينيون أن النتائج تتحسن كثيرًا مع العمل الشاق، فهم يعملون على التطوير التدريجي لمهاراتهم من خلال الممارسة اليومية الشاقة وتكرار الحركات التي يكتسبونها من خلال التمارين، وهذا ما يفسر نجاح الصين في ألعاب مثل تنس الطاولة، والغوص، والجمباز، وحتى رفع الأثقال الذي يتطلب إتقان الحركات بشكل كامل.
تلعب الحالة الاجتماعية أيضًا للاعبيين الصينيين دورًا كبيرًا في عقليتهم هذه، حيث يأتي معظمهم من أسر ذات ظروف صعبة، فيجدون في الرياضة ملاذًا للخروج من تلك الحالة المعيشية كمصدر وحيد للدخل. ومع غياب التعليم، تصبح الرياضة السبيل الوحيد لهم في الحياة، على عكس الرياضيين في دول الغرب غالبًا ما يأتون من أسر متوسطة أو ميسورة الحال أحيانًا، وأسر ثرية أحيانًا أخرى، كما يجمع الرياضي في هذه الدول بين التعليم العالي والتفوق الرياضي؛ نظرًا لتوافر فرص لن يجدها نظيره في الصين.
التمويل الضخم
تضع الحكومة الصينية «صناعة البطل الأولمبي» في طليعة اهتماماتها؛ لذا تقوم بتوفير الكثير من الدعم سواء المادي، أو المعنوي، أو على مستوى العمل الإداري، وكذلك توفير البنية التحتية المتميزة من ملاعب، وصالات ألعاب، وغيرها.
تصريح مدرب سباحة إنجليزي يعمل مع الفريق الصيني لصحيفة الجارديان.
كما يؤكد ذلك المدرب، أنه يحصل على راتبه بانتظام شديد، بالإضافة إلى الكثير من المكافآت في حالة الأداء الجيد والحصول على الميداليات، وكذلك اللاعبين أيضًا، ويواصل: «الجميع هنا يريد الذهب دائمًا، نحن لا نرفع شعارات الرياضة للجميع، أو الأداء المشرف، نحن نريد تحقيق الإنجازات جميعًا، ولا نخجل من قول ذلك».
تصل مكأفاة البطل الأولمبي الحاصل على الميدالية الذهبية في الصين إلى متوسط 36.000 دولار أمريكي، في حين أكد «هايز» – في إجابته على موقع Quora-، أن مجموع المكافآت المالية للبطل الأولمبي الحاصل على الذهبية تصل إلى 200.000 دولار أمريكي، بالإضافة إلى توفير وحدات سكنية، ومنازل للأبطال الأولمبيين، وتوفير وظائف ذات مستوى عالٍ في القطاع الحكومي الصيني.
كيف يُصنع شغف البطولة في الطفل الصيني؟
تضم الصين 3000 مدرسة رياضية، تخضع لإشراف الحكومة الصينية مباشرة، بالإضافة لأكثر من 20 برنامجًا تدريبيًا متخصصًا، وأخرى من البرامج الفرعية. ورغم ما تتعرض له هذه المدارس من انتقادات بسبب القسوة الشديدة التي يتدرب بها الأطفال؛ إلا أنها تعد نظامًا فريدًا في العالم حاليًا.
ويلتحق الأطفال الذين يمتلكون المهارة الكافية في عدد بدءًا من عمر السادسة، وتقوم المدارس بتوفير السكن الداخلي والدعم اللازم، وذلك بالتعاون مع الحكومة الصينية، وتشمل المدارس مجموعة متنوعة من الألعاب الأولمبية المختلفة، وتعتمد البرامج التدريبية على الخطط المستقبلية طويلة الأمد يبتعد فيها الطفل عن أهله لفترات طويلة؛ على أمل أن يعود ذلك الطفل مرة أخرى ويجلب لأسرته المال، والشرف كونه بطلًا أولمبيًا، وينقسم الأطفال إلى مجموعات مبكرًا حسب موهبتهم: رياضي دولي «international master sportsman»، ورياضي وطني «national master sportsman».
عقب اختيار مدينة بكين لتنظيم دورة الألعاب الأولمبية عام 2008، أُطلق مشروع الـ 119، وهي مبادرة لحصد 119 ميدالية ذهبية في «بكين«، وبدأت المدارس العمل منذ ذلك الحين وحتى بداية الدورة. ورغم عدم حصول الصين على 119 ميدالية ذهبية، إلا أنها استطاعت تحقيق أكبر عدد من الميداليات في تاريخها بـ 100 ميدالية منها 53 ميدالية ذهبية، واحتلت بها صدارة البطولة في جدول الميداليات.
حلم الهيمنة الذي يعيشه الطفل الصيني على منصات التتويج الأولمبية لم ينته بعد، ولكنه ما زال باقيًا في كل أنحاء الصين، ويتجدد داخل المدراس الرياضية المنتشرة هناك، حيث يستعد الأطفال قبل الكبار لبطولة دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو 2020، وما بعدها.