مشاعر الطفل: بوابة الدخول الذهبية
تنمو حواس الطفل وتتكون مشاعره وتُبنى تمامًا مثل بناء جسده وتطوره، لذلك لابد للأبوين من فهم واستيعاب طريقة نموها وكيفية تكوينها، فالعلماء أكدوا أن البشر بطبيعتهم كائنات اجتماعية لا يستطيع فرد أن يعيش منفردًا، ومن ثم فإن نمو وتطوير الطفل لهذه الطبيعة الاجتماعية يتم بشكل مستمر خلال تفاعله مع الآخرين. فعلى الرغم من أن مشاعرنا كبشر تختلف اختلافًا كبيرًا من فرد لآخر، فإن أي علاقة بين شخصين تتحدد حسب المواقف التي يتعرضون لها، فيرتبط التطور العاطفي بشكل أساسي بالتطور الاجتماعي، وبالنسبة للطفل يرتبط التطور العاطفي بتطور الدماغ والحركة والمعرفة وأيضًا يرتبط بقدرتهم على التعبير والتواصل مع الآخرين باستخدام اللغة.
ما بين المشاعر والعاطفة
المشاعر هي التوابل الفعالة التي تُنعش الحياة بين الماضي والحاضر والمستقبل، فعندما نذكر كلمة مشاعر يأتي في أذهاننا التجارب الحياتية من غضب وحزن وسعادة وخوف واشمئزاز، كما وجد العلماء فرقًا بين المشاعر والعواطف، حيث إن المشاعر يجب أن تُحفّز بعوامل خارجية، لكن العواطف تُنتج من داخلنا.
ومن الجدير ذكره أن المُحدد الدقيق للمشاعر لا يتفق عليه العلماء لأنه مُعقد ويشمل الكثير من المكونات مثل الاستجابات العصبية والفسيولوجية وأيضًا معدل ضربات القلب ومستويات الهرمونات، وكذلك المؤثرات الداخلية والتجارب السابقة في الحياة والكثير من المكونات. حيث أجرى العالم «بول إكمان Paul Ekman» تجربة قام فيها بتصوير رعايا أميركيين ويابانيين أثناء مشاهدتهم أفلامًا تصور جراحة الوجه، عندما شاهدوها منفردين، أظهر الجميع تعبيرات متشابهة، لكن عندما شاهدوها في مجموعات، كانت التعبيرات مختلفة. وسجل ذلك في كتابه Emotions Revealed حيث يشرح محتواه جذور عواطفنا وكيف نتعرف على مشاعر الآخرين حتى لو كانوا غرباء.
تطور المشاعر ونموها
للمشاعر وظيفة اجتماعية وتواصلية مهمة فهي تمكننا من تشكيل علاقات بشرية طويلة الأجل والحفاظ عليها عن طريق تعزيز التقارب والانسجام وبالتالي تجنب العزلة الاجتماعية، فالعواطف تنتج عن كيفية تفسيرنا لبيئتنا الداخلية والخارجية ويساعد ذلك على الحصول على الصحة الجسمانية للإنسان بشكل عام والتوازن النفسي بشكل خاص، لذلك نمو الطفل في بيئة لا تهتم أفرادها بالعواطف والمشاعر له عواقب وخيمة وضارة عليه بشكل جسدي ونفسي، حيث يولد الطفل بمشاعر محدودة، ثم تتطور المشاعر لديه مع تطوره ونموه.
فلو تحدثنا عن السعادة كمثال، نجد الرضيع يعبر عنها بالابتسام أولاً ثم الضحك بعد ذلك، حيث يبتسم الرضيع في بداية الأمر وهو نائم، وفي وقت لاحق عند ملامسته بلطف ثم يبتسم كاستجابة لصوت الأم، وبعد شهر واحد من الولادة يبدأ الرضيع في الابتسام عند النظر إلى العينين، وبين 6 و10 أسابيع تظهر الابتسامة الاجتماعية، تتماشى هذه التطورات مع تطور النظر لديه حيث يستطيع الرؤية أفضل ويستطيع ملاحظة التفاصيل، وهنا أصبحت الابتسامة إشارة اجتماعية معتمدة تشجع الآخرين على الاستمرار في التفاعل مع الطفل فيعتمدها من ضمن التعبير عن مشاعره، كما تشير الدراسات إلى أن الأطفال يصبحون أكثر ضيقًا عندما ينظر الآباء إليهم دون أي علامات تعبيرية للوجه، لذا يجب أن تنظر إلى طفلك أثناء قيامك بالدردشة معه، بملامح وجه واضحة، لمساعدته على محاولة فهم مشاعرك بشكل أفضل وبالتالي سيصبح أكثر هدوءًا.
حديثو الولادة لا يعرفون الغضب
من المدهش حقًا اكتشاف العلماء أنه نادرًا ما يشعر المواليد الجدد بالغضب ولكنهم فقط يستخدمون البكاء للتعبير عن الألم أو الجوع أو الضيق لعدم استطاعتهم التعبير باللغة أو الكلام، حيث يبدأ الغضب في الظهور والتزايد في الفترة العمرية بين 18و24 شهرًا، ومن ثم يبدأ في الانخفاض تدريجيًا في الفترة من 3-6 سنوات، حيث أصبح مخزون اللغة لديهم كاف للتعبير عن أنفسهم، وفي هذه المرحلة يبدأ الأطفال التعرف على كيفية تنظيم مشاعرهم والتحكم بها.
ومن الجدير بالذكر أن الـ Mirror Neuron وهي أعصاب توجد بالمخ تؤهل الإنسان للتعلم بالمحاكاة والتقليد لكي نشعر ونتعاطف مع بعضنا البعض، فعندما يتعرض شخص ما للظلم نشعر بالقهر رغم عدم معرفتنا له، وكذلك نتعاطف مع المواقف والقصص المقروءة أو المعروضة على شاشة التلفاز، رغم معرفتنا أنها غير حقيقية وأنه مجرد تمثيل، وأيضا عدوى الضحك عندما يضحك أحد الأشخاص فيضحك جميع من حوله دون معرفة ما يضحكه.
والأطفال هم النموذج المصغر بل مرآة الأبوين والبيئة حولهم، فقد صدقت مقولة «من شابه أباه فما ظلم» لأنه بالفعل عندما تريد من طفلك القيام بسلوك معين، فقط عليك القيام به وفعله أمامه عدة مرات وهو سيفعله فورًا، فبعض الأبحاث الجديدة تحاول و ضع أطر أكثر تقدمًا لحساب العوامل الوراثية التي تشكل شخصية الطفل في مقابل العوامل البيئية، فافترضوا متوسطًا 25% للوراثة و75% تتشكل بسبب البيئة والعوامل المحيطة، وباختلاف التجربة الحياتية من طفل لآخر.
الخوف الاستكشافي
ينشأ الخوف في الأطفال خلال النصف الثاني من السنة الأولى من عمرهم، ويتمثل في الخوف من الغرباء حيث يشعر بالتوتر عند رؤية الأشخاص غير المألوفين بالنسبة له. وهذا الخوف له فائدة هامة في تطور ونمو الاستكشاف لدى الطفل، مع حلول العام الثاني من عمر الطفل يتحول الخوف من الغرباء إلى تحديد الأشخاص المهددين له وغير المهددين.
تختلف المشاعر باختلاف الشعوب
تختلف المؤثرات على المشاعر حسب نوعها، ففي حين أن المشاعر الأساسية هي مشاعر سائدة وثابتة في كل الثقافات كالخوف والحزن والسعادة … إلخ، فإن المشاعر الفطرية التي تولد مع الجنين (كالشعور بالذنب والعار والحسد والحرج والفخر) ليست كذلك، لكنها تعتمد على ما هو متوقع من مشاعر الآخرين. فعلى سبيل المثال، في الثقافة الغربية (الفردية) فإن الإنجازات الشخصية كالفوز في لعبة هي سبب للفخر بالنسبة له. بينما في الثقافات (الجماعية) مثل اليابان والصين، فإن جذب الانتباه إلى نجاح شخصي بحت يمكن أن يثير الإحراج بالنسبة للفرد.
تؤثر البيوت المستقرة وكذلك البلدان الآمنة على تنظيم مشاعر من بها من أفراد ونمو مشاعر أطفالها غير تلك البيوت غير المستقرة والتي يتعرض فيها الأطفال للقسوة ومشاهد العنف كما يحدث ذلك بشكل واضح في البلدان التي تعاني من الحروب والدمار وعدم الاستقرار، مع كل هذا يوجد فروق فردية لكل فرد، حيث إن التطور العاطفي لا يحدث أبدًا في عزلة بل هو متشابك بشكل وثيق مع تطورات أنظمة الدماغ والتطورات الحركية والمعرفية واللغوية.
فهم الطفل لمشاعر الغير
من الجدير ذكره أن الآباء والأمهات يلعبون دورًا خاصًا وهامًا في تعليم أطفالهم مهارات تنظيم المشاعر والتعبير عنها، وعلى الجانب الآخر فإن حدوث قصور في هذا الدور قد يؤدي إلى مشاكل في سلوك الطفل نتيجة الخلل في تنظيم المشاعر وتطورها. ففي عمر 3 أشهر يمكن للأطفال تمييز تعبيرات الوجه عند السعادة أو الغضب أو المفاجأة. وببلوغهم 7 أشهر يستطيعون التمييز بين الخوف والحزن والاهتمام. ثم يبدأ الأطفال استخدام تعبيرات الوجه والصوت والسلوك للآخرين لفهم ما يحدث حولهم من 8-10 أشهر، وفي هذه المرحلة بالتحديد يبدأ التعلم بالمرايا، على سبيل المثال إذا رأى أحد الأطفال أن والده يتفاعل مع كلب مخيف، فإنه يستنتج أن الكلب خطير، حيث تنتقل مخاوف الحيوانات من الآباء إلى الأطفال عن طريق التصرف،حيث يتطلب فهم مشاعر الآخرين فكرة عن سبب هذا الشعور مثل «أنها سعيدة لأنها فازت بالجائزة» أو «أنه غاضب لأنني كسرت لعبته».
كما استفاض العالم «دانيال Daniel» في كتاب The Interpersonal World of the Infant حيث تحدث عن فهم الرضيع لذاته وفهم مشاعره، وأنه يحتاج الثمانية عشر شهرًا الأولى لكي يبدأ في التعبير عن مشاعره بشكل صحيح.
في النهاية باختصار يجب على كل أب وأم معرفة أنه يتوجب عليهم ترك الطفل يشعر بجميع المشاعر حتى يتعلم ويعرف كيفية التصرف عند كل شعور، وأيضًا لا يجب أبدًا أن نوقف تلك المشاعر مهما كانت، بل فقط علينا تعريف وتحديد مشاعره وإظهار التعاطف معه «أنا أشعر بك»، «لو كنت مكانك كنت سأشعر بهذا الشعور» ومن ثم إعطاؤه الثقة «أنا أثق بك أنك ستجد الحل المناسب».
وهذا يسمى «تعريف المشاعر Validate Feelings» وهي أداة من أدوات التربية الإيجابية، ولذلك يجب على كل مرب الاهتمام بالمراحل الأولى لطفله كما أوصت تقارير حديثة لوزارة الصحة المجتمعية في ولاية ميتشيجن والتي نُشرت في كتاب «Social-Emotional Development in Young Children» أن السنوات الأولى تمهد الطريق أمام كل التطورات المستقبلية في حياة الطفل، وهي المسؤولة عن نفسيته وسلوكه الاجتماعي والشخصي، وها هنا أصبحت جميع مفاتيح طفلك وشعوره بين يديك.